المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



امكان رؤية اللَّه بالعين الظاهرية في الاخرة  
  
8218   05:14 مساءاً   التاريخ: 30-11-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج4 ، ص 181- 189.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / شبهات وردود /

هناك جماعة من علماء أهل السُّنّة الماضين وحتى المعاصرين المؤيدين لمسألة الرؤية ، يصرحون أحياناً بإمكانية رؤية اللَّه بالعين الظاهرية هذه ، ولكن لا في الدنيا ، بل في الآخرة ! وأحياناً اخرى يؤوّلون ذلك بقولهم : (إنّ اللَّه يُرى في الآخرة بواسطة الحاسة السادسة التي يخلقها لعباده المؤمنين ، أو بعينٍ غير هذه العين‏ والتي يمتلكها حتى الأعمى.

ويظهر أنّ الشي‏ء الأساس الذي قادهم إلى التسليم بهذا المعتَقد والإشتباه في تفسير الرؤية وتوجيه كلامهم بتوجيهات عجيبة ، هو الروايات الواردة في كُتُبهم عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله ، بالدرجة الاولى ، وبالدرجة الثانية هو ظواهر بعض الآيات القرآنية التي لم تفسَّر بصورة صحيحة.

1- ورد في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : «إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تُضامّون في رؤيته» (1).

2- وفي حديث آخر عن ابي هريرة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سأل أصحابه : «تضامّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ فقالوا : كلّا أيّ اننا نرى‏ القمر بدون أن نزدحم في رؤيته».

فقال صلى الله عليه وآله : «كذلِكَ لا تُضامُّونَ في رؤيةِ ربّكم يومَ القيامة» (2).

3- وفي رواية اخرى‏ في نفس هذا الكتاب عن‏ «ابو رزين» عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال : «ضحك ربُّنا من قنوط عباده وقُرب غيرهِ .

فقال الراوي : فسألته هل يضحك ربُّنا يا رسول اللَّه ؟

فقال : نعم‏ ، فقلت : لن نعدم من ربٍّ يضحك خيراً» (3).

4- وفي حديث آخر عن «أبو عاصم العباداني» ... عن جابر بن عبد اللَّه ، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال : «بينا أهلُ الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرفَ عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنّة ! قال وذلك قول اللَّه سلامٌ قولًا من ربٍّ رحيم ، فينظر إليهم وينظرون إليه» (4).

بعد أن نقل ابن ماجه الحديث المذكورة نقل عن السيوطي في مصباح الزجاجة كلاماً يدل على عدم الوثوق بأحاديث أبي عاصم العباداني.

وقد ورد الحديث الأول أيضاً في صحيح البخاري ، الذي يُعَدُّ من أشهر مصادر الحديث لدى أهل السُّنّة ، عن (جرير بن عبداللَّه) في كتاب (مواقيت الصلاة) في بابين مختلفين مع اختلافٍ بسيط (5).

وقد نُقلَ بصراحة في قسم تفسير الآيات من المجلّد السادس لصحيح البخاري أيضاً مسألة رؤية اللَّه يوم القيامة (6).

5- يُلاحظ في كتاب الصلاة من «صحيح مسلم» وجود عدّة روايات منقولة عن «أبي هريرة» حول نزول اللَّه تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا ، من جملتها عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال : «ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضى ثلث الليل الأوّل ...» (7).

مع أنّ هذه الرواية لا تتحدث عن مسألة الرؤية لكنّها تشتمل على مسألة تجسيم اللَّه عزّ وجلّ ، ونسب العوارض إليه أيضاً ، كالمكان والحركة والنزول والصعود !

إنّ هذه الروايات- ومع الاسف- قد وردت مراراً في مصادرهم الشهيرة التي ذكرنا قسماً منها أعلاه ، وبما أنّها تخالف صراحة الآيات القرآنية التي تقول‏ «لا تدركهُ الأبصار» و«قَالَ لَن تَراني» ومخالفة لحكم العقل أيضاً فيجب أن تُهمل ، وإن لم يُعثر لها على تفسير وتوجيه واضح ، فيجب القول : إنّها روايات مجهولة ونسبت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله).

والعجيب ، أنّ أكثر هذه الروايات منقولة عن طريق أبي هريرة المشكوك في أمره من عدّة جوانب.

وكما نقلنا في رواية الإمام الرضا عليه السلام : كيف يُمكن لأجير أن يُبلّغ عن اللَّه عبارات صريحة تقول بعدم إمكانية رؤية اللَّه أبداً ، ثم يدّعي بأنّ المؤمنين يَرون اللَّه في القيامة ، أو بأنّ اللَّه ينزل إلى السماء الدنيا كُلّ ليلة ؟ وهذا تضادٌّ غير ممكن ، إضافة إلى هذا ، فالروايات‏ الآنفة الذكر كما تقول بإمكانية رؤية اللَّه ، تُصرح أيضاً بجسمانية اللَّه ، وتنسِبُ إليه الصعود والنزول والضحك والقهقهة ، وهذا شي‏ء لا يتقَبلهُ حتى الأشاعرة الذين يعتقدون بالرؤية ، وذلك لأنّهم يقولون بصراحةٍ : إنّ رؤية اللَّه لا تعني تجسيمه ، وهذا شاهد آخر على كون هذه الروايات موضوعة.

وكذلك ما ورد في (سنن ابن ماجة) عن عبد اللَّه بن عمر أنّه سمعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : «يُدنى‏ المؤمن من ربّه يوم القيامة حتّى يضع عليه كنفَه ...» (8).

فلو لم تُحمل هذه التعابير على المعاني المجازيّة والكنائيّة ، فهي حتماً تدلُّ على مجهولية هذه الروايات التي تجعل للَّه‏ ذراعاً وصدراً وجناحاً ، وبواسطتها تُعرض الأفكار المنحطّة للقائلين بالجسميّة ، في قالب أحاديث مَجعولة.

والأعجب من ذلك وهو جود جماعة لحدّ الآن يؤيدون مسألة رؤية اللَّه ، وذلك بسبب تقيدُّهم بمثل هذه الروايات المبتدَعة.

في حين أنّ مذهب أهل البيت عليه السلام قد نفى هذه العقيدة مطلقاً لأنّها مرفوضة من قِبل العقل والآيات القرآنية.

ومن بين الآيات الشريفة التي يستند عليها القائلون بالرؤية هي {وُجُوُهٌ يَومَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة / 22- 23) .

في حين أنّ كلمة (ناظرة) المشتقة من مادة (نظر) تأتي بمعنى المشاهدة ، وبمعنى الإنتظار ، وعلى أيّة حال يجب أن توضع هذه الآية إلى جنب الآيات القرآنية الاخرى التي تقول {لا تدركه الأبصار} وأن تُفسَّر هذه المتشابهة بتلك المحكمة.

وتستعمل هذه التعابير الكنائيّة بكثرة ، كقولنا : (فُلان ينظر إليك فقط ، أو عينه عليك) أي يتوقع منك المحبّة واللطف والرأفة ، فأصحاب الجنّة أيضاً ينظرون يوم القيامة إلى ربّهم ويرجون منه اللطف والرحمة.

والملفت أنّ تقدُّم الجار والمجرور في جملة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يعطي معنى الحصر (أي‏ إنّها ناظرة إلى ربّها فقط) ، في حين أنّهم يُشاهدون أنواع نِعَمِ الجنّة بأعيُنهم ، كالأشجار والأنهر والثمار والحور العين وغير ذلك بنفس الوقت ، ممّا يدلّ بحد ذاته على أن هذه النظرة إليه تعالى والمختصّة بذاته المقدّسة ، هي انتظار كرمه وعفوه.

والاحتمال الآخر الوارد في تفسير الآية ، هو أَنَّ المقصود من النظرة هي الشهود الباطني ، والرؤية الصريحة بعين القلب والبصيرة ، والخالية من كل ألوان الشّك والترديد.

والحديث النبوي المنقول عن أنس بن مالك يُعدُّ خير دليلٍ على هذا الإدعاء وهو : «ينظرون إلى ربّهم بلا كيفيّة ولا حد محدود ولا صفةٍ معلومة» (9).

ومن المُسلَّم أنّه لو كان المقصود من الرؤية هو الرؤية البصريّة الظاهريّة فهي مستحيلة بدون وجود كيفيّة وصفة معلومة.

يقول العلّامة الكبير المرحوم (السيد شرف الدين) في ‏كتاب‏ (كلمة حول الرؤية)- بعد أن تطرّق إلى الأحاديث التي نقلها محدثو أهل السُّنّة بخصوص رؤية اللَّه يوم القيامة : (إنّهم بحملهم هذه الروايات على الصحّة اضطرّوا إلى سلوك الطريق الذي سلكه القائلون بجسمانية اللَّه ، الطريق المخالف للعقل والنقل ، في حين أنّه لا هذه الأحاديث صحيحة ، ولا ما ورد فيها شي‏ء يقبله العقل والشرع ، ولكن كثرتها أدّت بهم إلى تعطيل حكم العقل ، وحتّى إلى تطبيق آيات من القرآن الكريم معها.

إنّه عمل غير متوقَّع ، إِنَّا للَّهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ !.

ثم تطرّق إلى آية : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وأضاف قائلا" : التعبير بكلمة (نظر) خصوصاً عندما تتعدى ب (إلى) لا يعني الرؤية والمشاهدة أبداً ، بل يعني صرف النظر إلى شي‏ء حتى وإن لم يكن مرئيّاً ، كما صرّح بذلك أرباب اللغة ، مضافاً إلى‏ ذلك وورد في القرآن الكريم : {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيكَ وَهُمْ لَا يُبصِرُونَ} (الأعراف/ 198) .

والذي يتبادر إلى الذهن من الآية أعلاه هو ذلك الانتظار للفضل الإلهي يوم القيامة ، (وكما أشرنا سابقاً) فإنّ استعمال هذه الكلمة بهذا المعنى والمفهوم يُعَدُّ حقيقةً لا مجازاً ، وهي ملحوظة في الأشعار والكلمات اليوميّة التي تمر علينا كقول الشاعر :

ويقول الشاعر الآخر :

وجوه ناظرات يوم بدرٍ               إلى الرحمن تنتظر الخلاصا

إنّي إليك لِما وعدتَ لناظر            نظر الفقير إلى الغني الموسر

ثم أضاف قائلًا : إنّي أتعجّب من هؤلاء الأخوة كيف استدلوا بهذه الآية على إمكانية رؤية اللَّه وحصولها ، وغاب عنهم معناها الظاهري؟ في حين أنّهم عندما يَصِلون إلى الآيات المشابهة لهذه الآية يؤوّلونها ، كالآية : {الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى} (طه/ 5) .

و{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} (الفتح/ 10) .

ولا يحملون هذه الآيات على معنى جسمانية اللَّه والمكان والحركة ، بل يعتبرون الأولى بمعنى سلطة اللَّه الربوبيّة على العرش ، والثانية كناية عن قدرته الفائقة جلّ وعلا.

ولا يُعلَم سبب هجرهم للمعنى الجلي لجملة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} واندفاعهم نحو مسألة الرؤية.

مضافاً إلى ذلك فيُمكن أن تكون هذه الآية كناية عن الرؤية بعين البصيرة ، كما ورد في كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام عندما قال : «لو كُشِفَ ليَ الغطاء ما ازددتُ يقيناً». أو يقول في موضعٍ آخر : «أَوَ أعبُدُ ربّاً لم أرهُ»؟ ثم صرّح قائلا" : «لا تراه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان».

أو ما ورد في كلام ولده الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام في دعاء عرفة مخاطباً ربّه :

«عميت عين لا تراك عليها رقيباً» ! (10).

والآية الاخرى التي استندوا عليها لإثبات مقصودهم هي‏ {كَلَّا إِنَّهُم عَن رَّبِّهِم يَوْمَئِذٍ لَمحَجُوبُونَ} (المطففين/ 15) .

ويستفيدون منها كون المؤمنين غير محجوبين عن الرؤية ، ويرون ربّهم حتماً.

ولكن كما أنّ كلمة (حجاب) تُستعمل للحجاب الظاهري ، فكذلك تستعمل للحجاب‏ المعنوي أيضاً ، والمقصود في هذه الآية هو المعنى الثاني لا الأول ، وذلك بقرينة الآية التي سبقتها حيث تقول : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى‏ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين/ 14) .

إنّ المقصود هنا من الرَّين هو الرَّين المعنوي لا الظاهري.

والشاهد الآخر هو الآية الخامسة من سورة فُصّلت التي تخبر عن قول الكفار : «وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ». ومن المُسلَّم أنّ الحجاب الذي كان بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والكفّار لم يكُن حجاباً ظاهرياً.

وفي قوله تعالى : {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً} (الاسراء/ 45).

وعليه فإنّ الكفّار محرومون من اللقاء المعنوي مع ذلك المحبوب ، وذلك لوجود الحجاب بينهم وبين اللَّه تعالى ، والآية الثالثة التي استعانوا بها لإثبات مقصودهم هي : {أَنَّهمْ مُّلاقُوا رَبِّهِمْ} (البقرة/ 46) .

وقالوا : إنّ الملاقاة تعني المشاهدة.

في حين أنّ الآيات القرآنية تدل بوضوح على أنّ اللقاء يوم القيامة بأي مفهومٍ كان لا يخص المؤمنين ، بل يتساوى فيه المؤمن والكافر ، بينما نجد أنّهم يعتقدون بأنّ رؤية اللَّه في القيامة خاصّة بالمؤمنين فقط ، والدليل على عمومية اللقاء ما ورد في قوله تعالى : {يَا ايُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى‏ رَبِّكَ كَدحًا فَمُلَاقِيهِ} (الانشقاق/ 6) .

إذن فالمخاطَب في هذه الآية جميع الناس. وكما ورد في قوله تعالى : {فَأَعْقَبَهُم نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِم إِلَى‏ يَومِ يَلْقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوه وَبِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ} (التوبة/ 77) .

فهذه الآية خاصّة بالمنافقين ، وفي نفس الوقت فانّها تثبت أنّ لهم لقاء اللَّه ، وعلى هذا يتضح أنّ لقاء اللَّه ، بأيّ مفهومٍ كان ، يشمل كلًا من المؤمنين والكافرين ، في حين أنّهم يعتقدون باختصاص هذا الموضوع بالمؤمنين.

والجدير بالذكر أنّ كلمة (لقاء) في الأصل اللغوي بمعنى حدوث تماس بين شيئين ، لا بمعنى الرؤية والمشاهدة ، ونحن نعلم باستحالة تحقق هذا الأمر بخصوص الباري تعالى ، والأشاعرة أيضاً لا يقولون بذلك ، لذا يجب أن يُحمَل على المعنى الكنائي.

وما يُستفاد من الآيات القرآنية المختلفة هو أن‏ (يوم لقاء اللَّه) ، كناية عن يوم القيامة الذي سيلقى الناس فيه الجزاء والحساب والقصاص الإلهي ، لذا فقد ورد في آيات متعددة بدلا " عن‏ (لقاء اللَّه) : {لِقاءَ يَومِهِم هَذَا} (الأعراف/ 51) .

أو {لِقاءَ يَومِكُم هذا} (السجدة/ 14) (الجاثية/ 34) .

وورد التعبير عنه في آيات اخرى بملاقاة يوم الحساب ويؤوّل باللقاء مثل : {انِّى ظَنَنْتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (الحاقّة/ 20) .

لهذا فقد حمل الكثير من أرباب اللغة آيات لقاء اللَّه على هذا المعنى.

يقول الراغب في المفردات : «ملاقاة اللَّه عزّ وجل عبارة عن القيامة».

وكذلك يقول إبن الأثير في النهاية : «المراد بلقاء اللَّه المسير إلى دار الآخرة».

وقد نقل ابن منظور في لسان العرب نفس هذا المعنى أيضاً.

ويُلاحظ نفس هذا المعنى‏ في الروايات أيضاً ، كما ورد في الحديث النبوي أنّه صلى الله عليه وآله قال : «من حلف على يمينٍ ليقتطع بها مال امرءٍ مسلم لَقِيَ اللَّه وهو عليه غضبان» (11).

والظاهر أنّ التعبير عن القيامة ب (يوم لقاء اللَّه) ينبع من هذا المعنى ، وهو : أنّ الإنسان- في ذلك اليوم- يشعر بالأمر الإلهي في كل مكان ، في الحساب ، في عرصة المحشر ، في الجنّة والنار ، ويتجلّى وجود اللَّه عزّ وجلّ للجميع ، بحيث يراه المؤمن والكافر بعين القلب والبصيرة.

لعجب هو استدلال الأشاعرة بآياتٍ أُخرى لا تدلّ على مقصودهم أدنى دلالة ممّا يؤيد أنّهم مصرّون على تحميل الآيات القرآنية على‏ آرائهم ، كالآية : {لِّلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى‏ وَزِيَادَةٌ} (يونس/ 26) .

فقالوا : إنّ المقصود من‏ (زيادة) رؤية اللَّه !!

في حين عدم وجود أدنى إشارة في هذه الآية الشريفة على هذا المفهوم ، بل إنّ الآية تشير إلى نفس ذلك الشي الذي ورد بهذا المضمون حيث قال تعالى : {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالَهَا} (الانعام/ 6) .

وكذلك استدلوا بالآية : {لَهُم مَّا يَشَاؤُنَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (ق/ 35) .

فقالوا : إنّ المقصود من (لدينا مزيد) هو رؤية الخالق! في حين أننا لا نرى أدنى إشارة إلى هذا المفهوم.

وخلاصة الكلام هو أنّ مسألة رؤية اللَّه ، - علاوة على كونها مخالفة للدليل القطعي العقلي والنقلي- كانت تستلزم جسمانية اللَّه (إلّا أن يكون المقصود منها الرؤية بعين القلب والباطن فلا أحد يُناقش في ذلك).

ولا يوجد دليل روائي أو قرآني عليها ، والأمر الوحيد هو استعانتهم بالمتشابهات لتصديق معتقدهم هذا ، في حين أنّ القرآن أمرنا بمطابقة وتفسير المتشابهات بالمحكمات.

وإنّ قسماً من الروايات المنقولة في كتب هؤلاء القوم بخصوص هذا الموضوع ، هي روايات تتنافى مع حكم العقل والقرآن ، ونحن مأمورون بتركها وعدم الإهتمام بها.

وقد انتقد المرحوم العلّامة السيّد شرف الدين بدوره اسناد هذه الأحاديث أيضاً في كتابه القيّم‏ «كلمة حول الرؤية» وأثبت بأنّها موضوعة (ولزيادة التوضيح راجع الكتاب المذكور) (12).

فما أقبح عصرنا الحاضر إذ يوجد فيه من لا يزالون يؤيدون خرافة (رؤية اللَّه بالعين الظاهرية في القيامة) ، على الرغم من كون البحوث العقائدية فيه تدور حول محور الأدلّة العقليّة ، وقد اتضحت المسألة بصورة كافية من خلال آيات القرآن.

______________________________
(1) سنن ابن ماجه ، ج 1 (المقدمة- الباب 13 ، ح 177) نلاحظ في مجمع البحرين (تَضامَّ القوم أي انضمّ بعضهم إلى بعض).

(2) المصدر السابق ، ح 178.

(3) المصدر السابق ، ص 64 ، ح 181.

(4) المصدر السابق ، ص 65 ، ح 184.

(5) صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 145 و150.

(6) المصدر السابق ، ج 6 ، ص 56 تفسير سورة النساء.

(7) صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 175 ، كتاب صلاة المسافرين ، (باب الترغيب في الدعاء).

(8) سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 65 ، المقدمة ، ح 183- كنف على وزن هدف ، له معانٍ عديدة من جملتها الذراع ، الصدر ، الجناح ، الجانب ، والظل.

(9) تفسير الميزان ، ج 20 ص 204.

(10) كلمة حول الرؤية ، ص 48- 53 باختصار.

(11) تفسير الكبير ، ج 3 ، ص 51 ، ذيل الآية 46 من سورة البقرة.

(12) كلمة حول الرؤية ، ص 67- 80.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .