المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18421 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مهام المخرج الإذاعي
2025-02-26
صفات المخرج الإذاعي
2025-02-26
مهام ووظائف الإخراج الإذاعي من حيث استغلال وتوظيف الإمكانيات
2025-02-26
مهام ووظائف الإخراج الإذاعي من الناحية الفنية
2025-02-26
مفهوم الإخراج الإذاعي
2025-02-26
خطوات الإنتاج الإذاعي
2025-02-26



مؤامرة قتل النبي والامام علي يوم العقبة  
  
34   02:26 صباحاً   التاريخ: 2025-02-26
المؤلف : الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
الكتاب أو المصدر : التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة : ج 3، ص146-155.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / سيرة النبي والائمة / سيرة الامام علي ـ عليه السلام /

مؤامرة قتل النبي والامام علي يوم العقبة

 

قال تعالى : {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة : 64 - 66].

القصّة : قال الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام : « لقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على العقبة ، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليه السّلام ، فما قدروا على مغالبة ربّهم ، حملهم على ذلك حسدهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في عليّ عليه السّلام لمّا فخّم من أمره ، وعظّم من شأنه .

من ذلك : أنّه لما خرج من المدينة ، وقد كان خلّفه عليها ، قال له : إن جبرئيل أتاني ، وقال لي : يا محمّد ، إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ، ويقول لك : يا محمد ، إمّا أن تخرج أنت ويقيم علي ، وإما أن تقيم أنت ويخرج عليّ ، فإنّ عليّا قد ندبته لإحدى اثنتين ، لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري . فلمّا خلّفه أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا :

ملّه وسئمه ، وكره صحبته . فتبعه عليّ عليه السّلام حتى لحقه ، وقد وجد ممّا قالوا فيه . فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ما أشخصك عن مركزك ؟ قال : بلغني عن الناس كذا وكذا . فقال له : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي . فانصرف عليّ عليه السّلام إلى موضعه ، فدبّروا عليه أن يقتلوه ، وتقدّموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ، ثم غطّوها بحصر رقاق ، وثروا فوقها يسيرا من التراب ، بقدر ما غطوا وجوه الحصر ، وكان ذلك على طريق عليّ عليه السّلام الذي لا بدّ له من عبوره ، ليقع هو ودابته في الحفيرة التي عمّقوها ، وكان ما حوالي المحصور أرض ذات أحجار ، ودبّروا على أنّه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه .

فلمّا بلغ عليّ عليه السّلام قرب المكان لوى فرسه عنقه ، وأطاله اللّه فبلغت جحفلته « 1 » أذنه ، وقال : يا أمير المؤمنين ، قد حفرها هنا ودبّر عليك الحتف - وأنت أعلم - لا تمر فيه . فقال له علي عليه السّلام : جزاك اللّه من ناصح خيرا كما أنذرتني ، فإن اللّه عزّ وجلّ لا يخليك من صنعه الجميل . وسار حتى شارف المكان فتوقّف الفرس خوفا من المرور على المكان ، فقال عليّ عليه السّلام : سر بإذن اللّه تعالى سالما سويّا ، عجيبا شأنك ، بديعا أمرك . فتبادرت الدّابّة فإذا اللّه عزّ وجلّ قد متّن الأرض وصلّبها ولأم حفرها ، وجعلها كسائر الأرض . فلمّا جاوزها علي عليه السّلام لوى الفرس عنقه ، ووضع جحفلته على أذنه ، ثم قال : ما أكرمك على ربّ العالمين ، جوّزك على هذا المكان الخاوي ! ! فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : جازاك اللّه بهذه السّلامة عن تلك النّصيحة التي نصحتني . ثمّ قلب وجه الدّابّة إلى ما يلي كفلها « 2 » والقوم معه ، بعضهم كان أمامه ، وبعضهم خلفه ، وقال : اكشفوا عن هذا المكان . فكشفوا عنه فإذا هو خاو ، ولا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفيرة ، فأظهر القوم الفزع والتعجّب مما رأوا ، فقال عليّ عليه السّلام للقوم : أتدرون من عمل هذا ؟ قالوا : لا ندري . قال عليّ عليه السّلام :

لكنّ فرسي هذا يدري . ثم قال : يا أيها الفرس ، كيف هذا ومن دبّره ؟ فقال الفرس : يا أمير المؤمنين ، إذا كان اللّه عزّ وجلّ يبرم ما يروم جهّال الخلق نقضه ، أو كان ينقض ما يروم جهّال الخلق إبرامه ، فاللّه هو الغالب ، والخلق هم المغلوبون ، فعل هذا - يا أمير المؤمنين - فلان وفلان ، إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة وعشرين ، هم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في طريقه .

ثم دبّروا هم على أن يقتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على العقبة ، واللّه عزّ وجلّ من وراء حياطة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ووليّ اللّه لا يغلبه الكافرون ، فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ رسول اللّه يعني جبرئيل صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - إلى محمّد رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أسرع ، وكتابه إليه أسبق ، فلا يهمنّكم هذا .

فلما قرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من العقبة التي بإزائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ، ثم جمعهم ، فقال لهم : هذا جبرئيل الروح الأمين ، يخبرني أنّ عليّا دبّر عليه كذا وكذا ، فدفع اللّه عزّ وجلّ عنه بألطافه

وعجائب معجزاته بكذا وكذا ، وأنه صلّب الأرض تحت حافر دابّته وأرجل أصحابه ، ثمّ انقلب على ذلك الموضع عليّ وكشف عنه فرأيت الحفيرة ، ثم إنّ اللّه عزّ وجلّ لأمها كما كانت لكرامته عليه ، وإنّه قيل له : كاتب بهذا ، وأرسل إلى رسول اللّه . فقال : رسول اللّه إلى رسول اللّه أسرع ، وكتابه إليه أسبق . ولم يخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بما قال عليّ عليه السّلام على باب المدينة : إن من مع رسول اللّه منافقين سيكيدونه ، ويدفع اللّه عزّ وجلّ عنه .

فلمّا سمع الأربعة والعشرون أصحاب العقبة ما قاله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أمر عليّ عليه السّلام ، قال بعضهم لبعض : ما أمهر محمدا بالمخرقة « 3 » إنّ فيجا « 4 » أتاه مسرعا ، أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه ! إنّ عليّا قتل بحيلة كذا وكذا ، وهو الذي واطأنا عليه أصحابنا ، فهو الآن لمّا بلغه كتم الخبر ، وقبله إلى ضدّه يريد أن يسكّن من معه لئلّا يمدوا أيديهم عليه ، وهيهات - واللّه - ما لبّث عليّا بالمدينة إلّا حتفه ، ولا أخرج محمّدا إلى ها هنا إلّا حتفه ، وقد هلك عليّ ، وهو ها هنا هالك لا محالة ، ولكن تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر علي ليكون أسكن لقلبه إلينا ، إلى أن نمضي فيه تدبيرنا ، فحضروه وهنّؤوه على سلامة عليّ من الورطة التي رامها أعداؤه . ثمّ قالوا له :

يا رسول اللّه ، أخبرنا عن عليّ ، أهو أفضل أم ملائكة اللّه المقرّبون ؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وهل شرفت الملائكة إلّا بحبّها لمحمد وعليّ ، وقبولها لولايتهما ؟ إنّه لا أحد من محبّي علي قد نظّف قلبه من قذر الغش والدّغل والغلّ ونجاسات الذّنوب إلا كان أظهر وأفضل من الملائكة ، وهل أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم إلّا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم ، إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا وهم - يعنون أنفسهم - أفضل منهم في الدّين فضلا ، وأعلم باللّه علما . فأراد اللّه أن يعرّفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم واعتقاداتهم ، فخلق آدم وعلّمه الأسماء كلّها ، ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها ، فأمر آدم أن ينبئهم بها ، وعرّفهم فضله في العلم عليهم .

ثمّ أخرج من صلب آدم ذرّيّته منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد اللّه ، أفضلهم محمّد ثم آل محمّد ، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار أمّة محمد ، وعرّف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حمّلوه من الأثقال ، وقاسموا ما هم فيه من تعرّض أعوان الشّياطين ومجاهدة النفوس ، واحتمال أذى ثقل العيال ، والاجتهاد في طلب الحلال ، ومعاناة مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوّفين ، ومن سلاطين جور قاهرين ، وصعوبة المسالك في المضائق والمخاوف ، والأجزاع « 5 » والجبال والتلال ، لتحصيل أقوات الأنفس والعيال ، من الطّيب الحلال .

عرّفهم اللّه عزّ وجلّ أنّ خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ، ويتخلّصون منها ، ويحاربون الشياطين ويهزمونهم ، ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ، ويغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة وحبّ اللّباس والطّعام والعزّة والرّئاسة ، والفخر والخيلاء ، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه اللّه وعفاريته ، وخواطرهم وإغوائهم واستهزائهم ، ودفع ما يكابدونه من ألم الصبر على سماع الطّعن من أعداء اللّه ، وسماع الملاهي ، والشّتم لأولياء اللّه ، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم ، والهرب من أعداء دينهم ، والطلب لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم .

قال اللّه عزّ وجلّ : يا ملائكتي ، وأنتم من جميع ذلك بمعزل ، لا شهوات الفحولة تزعجكم ، ولا شهوة الطعام تحقّركم ، ولا الخوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب في قلوبكم ، ولا لإبليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منه . يا ملائكتي ، فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنّكبات فقد احتمل في جنب محبّتي ما لم تحتملوه ، واكتسب من القربات ما لم تكتسبوه .

فلمّا عرّف اللّه ملائكته فضل خيار أمّة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وشيعة عليّ عليه السّلام وخلفائه عليهم ، واحتمالهم في جنب محبّة ربّهم ما لا تحتمله الملائكة ، أبان بني آدم الخيار المتّقين بالفضل عليهم . ثمّ قال : فلذلك فاسجدوا لآدم . لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين . ولم يكن سجودهم لآدم ، إنّما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه للّه عزّ وجلّ ، وكان بذلك معظّما مبجّلا له ، ولا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون اللّه ، وأن يخضع له خضوعه للّه ، ويعظّمه بالسّجود له كتعظيمه للّه ، ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير اللّه ، لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلّفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسّط في علوم عليّ وصي رسول اللّه ، ومحض وداد « 6 » خير خلق اللّه عليّ بعد محمّد رسول اللّه ، واحتمل المكاره والبلايا في التّصريح بإظهار حقوق اللّه ، ولم ينكر عليّ حقّا أرقبه « 7 » عليه قد كان جهله أو أغفله .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : عصى اللّه إبليس فهلك لما كانت معصيته بالكبر على آدم ، وعصى اللّه آدم بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك لمّا لم يقارن بمعصيته التكبّر على محمد وآله الطيّبين ، وذلك أن اللّه تعالى قال له : يا آدم ، عصاني فيك إبليس وتكبّر عليك فهلك ، ولو تواضع لك بأمري ، وعظّم عزّ جلالي لأفلح كلّ الفلاح كما أفلحت ، وأنت عصيتني بأكل الشجرة ، وبالتّواضع لمحمد وآل محمد تفلح كلّ الفلاح ، وتزول عنك وصمة الزّلة ، فادعني بمحمّد وآله الطيّبين كذلك . فدعا بهم فأفلح كلّ الفلاح لمّا تمسّك بعروتنا أهل البيت .

ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمر بالرحيل في أوّل نصف الليل الأخير ، وأمر مناديه فنادى : ألا لا يسبقنّ رسول اللّه أحد إلى العقبة ، ولا يطأها حتى يجاوزها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم . ثمّ أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة ، فينظر من يمرّ به ، ويخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمره أن يستتر بحجر ، فقال حذيفة : يا رسول اللّه ، إنّي أتبيّن الشّرّ من وجوه رؤساء عسكرك ، وإنّي أخاف أن قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدّمك إلى هناك للتّدبير عليك يحسّ بي ، فيكشف عنّي فيعرفني وموضعي من نصيحتك فيتّهمني ويخافني فيقتلني .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنّك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة ، وقل لها : إنّ رسول اللّه يأمرك أن تنفرجي حتى أدخل جوفك ، ثم يأمرك أن تثقب فيك ثقبة أبصر منها المارّين ، ويدخل عليّ منها الرّوح لئلا أكون من الهالكين ، فإنها تصير إلى ما تقول لها بإذن اللّه ربّ العالمين .

فأدّى حذيفة الرسالة ، ودخل جوف الصخرة ، وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم ، وبين أيديهم رجّالتهم ، يقول بعضهم لبعض : من رأيتموه ها هنا كائنا ما كان فاقتلوه ، لئلا يخبروا محمّدا أنهم قد رأونا ها هنا فينكص محمد ، ولا يصعد هذه العقبة إلّا نهارا ، فيبطل تدبيرنا عليه . فسمعها حذيفة ، واستقصوا فلم يجدوا أحدا . وكان اللّه قد ستر حذيفة بالحجر عنهم فتفرّقوا ، فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك . وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال ، وهم يقولون : ألا ترون حين « 8» محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتى يقطنها هو ، لنخلو به ها هنا ، فمنضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل ؟ وكلّ ذلك يوصله اللّه من قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة ، ويعيه .

فلمّا تمكّن القوم على الجبل حيث أرادوا كلّمت الصّخرة حذيفة ، وقالت : انطلق الآن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأخبره بما رأيت وما سمعت . قال حذيفة : كيف أخرج عنك ، وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم ؟ قالت الصّخرة : إنّ الذي أمكنك من جوفي وأوصل إليك الرّوح من الثّقبة التي أحدثها فيّ هو الذي يوصلك إلى نبيّ اللّه وينقذك من أعداء اللّه . فنهض حذيفة ليخرج ، فانفرجت الصّخرة ، فحوّله اللّه طائرا فطار في الهواء محلّقا حتى انقضّ بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ثمّ أعيد إلى صورته ، فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بما رأى وسمع .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أو عرفتهم بوجوههم ؟

فقال : يا رسول اللّه ، كانوا متلثّمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم ، فلمّا فتّشوا الموضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللّثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم ، فلان وفلان حتى عدّ أربعة وعشرين .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا حذيفة ، إذا كان اللّه تعالى يثبّت محمّدا ، لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إن اللّه تعالى بالغ في محمّد أمره ولو كره الكافرون . ثمّ قال : يا حذيفة ، فانهض بنا أنت وسلمان وعمّار ، وتوكّلوا على اللّه ، فإذا جزنا الثّنيّة الصعبة فأذّنوا للنّاس أن يتبعونا .

فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها ، والآخر خلفها يسوقها ، وعمّار إلى جانبها ، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثّون حوالي الثّنية على تلك العقبات ، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفّروا الناقة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وتقع به في المهوى الذي يهول الناظر النظر إليه من بعده ، فلمّا قربت الدباب من ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أذن اللّه تعالى لها ، فارتفعت ارتفاعا عظيما ، فجاوزت ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ثمّ سقطت في جانب المهوى ، ولم يبق منها شيء إلّا صار كذلك ، وناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كأنّها لا تحسّ بشيء من تلك القعقعات « 9 » التي كانت للدّباب .

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمّار : اصعد الجبل ، فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم بها . ففعل ذلك عمّار ، فنفرت بهم ، وسقط بعضهم فانكسر عضده ، ومنهم من انكسرت رجله ، ومنهم من انكسر جنبه ، واشتدّت لذلك أوجاعهم ، فلمّا جبرت واندملت بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا ، ولذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حذيفة وأمير المؤمنين عليه السّلام : إنّهما أعلم الناس بالمنافقين ، لقعوده في أصل العقبة ومشاهدته من مرّ سابقا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وكفى اللّه رسوله أمر من قصد له ، وعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى المدينة ، فكسا اللّه الذلّ والعار من كان قد قعد عنه ، وألبس الخزي من كان دبّر على عليّ عليه السّلام ما دفع اللّه عنه » « 10 » .

2 - التفسير : قال أبو جعفر عليه السّلام : « نزلت هذه الآية : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ إلى قوله : نُعَذِّبْ طائِفَةً » قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : تفسير هذه الآية ؟

قال : « تفسيرها - واللّه - ما نزلت آية قطّ إلا ولها تفسير » . ثمّ قال :

« نعم ، نزلت في التيميّ والعدويّ والعشرة معهما ، إنّهم اجتمعوا اثنا عشر فكمنوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في العقبة ، وائتمروا بينهم ليقتلوه ، فقال بعضهم لبعض : إن فطن نقول : إنّما كنا نخوض ونلعب . وإن لم يفطن لنقتلنه ، فأنزل اللّه هذه الآية وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فقال اللّه لنبيّه قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ يعني محمّدا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ يعني عليّا عليه السّلام ، إن يعف عنهما في أن يلعنهما على المنابر ويلعن غيرهما فذلك قوله تعالى : إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً » « 11 » .

________________
 

( 1 ) الجحفلة لذي الحافر كالشّفة للإنسان . « أقرب الموارد - جحفل - ج 1 ، ص 104 » .

(2 ) كفل الدابّة : العجز . « القاموس المحيط - كفل - ج 4 ، ص 46 » .

( 3 ) المخرقة : يراد بها هنا الافتراء والكذب .

( 4 ) قال في اللسان : وفي الحديث ذكر الفيج ، وهو المسرع في مشيه ، الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد . « لسان العرب - فيج - ج 2 ، ص 350 » .

( 5 ) الأجزاع : جمع جزع ، وهو الوادي إذا قطعته عرضا . « الصحاح - جزع - ج 3 ، ص 1195 » .

( 6 ) محض الودّ : أخلصه . « مجمع البحرين - محض - ج 4 ، ص 229 » .

( 7 ) رقّبت الشيء : رصدته وانتظرته ، والمراد هنا : أرصده له وأنتظر رعايته منه . « الصحاح - رقب - ج 1 ، ص 137 » .

( 8 ) حينه : أجله . « مجمع البحرين - حين - ج 6 ، ص 240 » .

( 9 ) القعقعة : تتابع الصوت في شدة . « لسان العرب - قعع - ج 8 ، ص 287 » .

( 10 ) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام : ص 380 ، ح 265 .

( 11 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 95 ، ح 84 .

------------------------------




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .