أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-23
![]()
التاريخ: 2024-02-18
![]()
التاريخ: 2025-02-11
![]()
التاريخ: 2024-03-29
![]() |
كان النوبي منذ أقدم العهود ينزح إلى البلاد المصرية ويعمل فيها كادحًا بطرق مختلفة، غير أن هذا النزوح كان محدودًا لدرجة عظيمة فلم يكن النوبي يرغب في أن يُدْفَنَ في مصر كما كان المصري يرهب أن يُوَارَى جثمانه في أي بلد أجنبي. وقد ظلت الحال كذلك حتى عهد الدولة الحديثة عندما أصبحت بلاد السودان تكاد تكون جزءًا لا يتجزأ من مصر، وقد حدث أنه في أوائل عهد الدولة الحديثة عندما ما أرادت مصر أن تسترد سلطانها في بلاد النوبة أن أخذ الفراعنة يسوقون أسرى الحرب الأجانب والعبيد إلى مصر ويستغلون الرجال منهم في زرع الأرض وغسل الذهب، أما النساء فكن يعملن غازلات أو ناسجات، هذا وكان هؤلاء العبيد من جهة أخرى يُسْتَعْمَلُونَ في مناجم الذهب، فمن ذلك نعلم أن أفرادًا كانوا يؤجرون عبيدهم لهذا الغرض. وكانت الحكومة تفيد من ذلك بجمع ضريبة السماح بإيجار هؤلاء العبيد.
ونشاهد الاستغلال الخاص للعبيد النوبيين بصورة ظاهرة في تخديمهم في البيوت كما كانت الحال في عهد الدولة القديمة، وكما هي الحال في مصر الحديثة، إذ نشاهد معظم خدم البيوتات الكبيرة من النوبيين. ولدينا من هذا العهد قصيدة غزل تتحدث عن خادم المحبوبة التي كانت من أصل نوبي فاستمع لما جاء فيها بالنسبة لهذه النوبية فيقول المحب: آه لو كنت الجارية تابعتها! حقًّا كنت أرى لون كل جسمها. هذا وكان «لمريت رع» وهي زوج رجل عظيم في عهد الملك «آي» خادمتان نوبيتان على أن ظهور النوبي في ركاب سيده في خلال نزهته في عربته وغير ذلك من الخدمات لدليل على أن هذه كانت عادة منتشرة بين الملوك كما كانت بين علية القوم؛ وكان النوبي يُسْتَخْدَمُ بوصفه خادمًا خاصًّا رشيقًا لحمل المروحة لسيده. ونجد في أحد المصادر نوبيًّا كان يشتغل بحارًا في مصر. ولكن كان أكثر خدمة النوبي في الجندية والشرطة؛ وظهر استخدامه في هذه الأعمال منذ الدولة القديمة، وقد ذكرنا من قبل ما قام به في حرب تحرير مصر من نير استعباد الهكسوس. وكان النوبي بوجه عام يُسْتَعْمَلُ في فرقة الرماة كما كان يُسْتَعْمَلُ جنديًّا يحمل الدرع ويسوق العربة كما يدلنا على ذلك نقش من عهد الرعامسة،7 وقد كان لتغلب الأزياء التي كانت تتأثر بالفن صفة بارزة في تغيير ملابس النوبي في العصور المختلفة. ففي عهد «حتشبسوت» نجد نقشًا تفسيريًّا على صورة ت مثل نقل مسلة فيه العبارة التالية: «شبان (جنود) من «خنت-حن-نفر» بجانب جنود من المصريين»، ونشاهد جميع من في هذه الصورة يلبسون ملابس مصرية وهم مسلحون بالفئوس أو البلطة وبعصا رماية. وليس هناك فرق بين المصري والنوبي فلم نجد الفرق الذي كان يميز به عادة النوبي وهو تسليحه بعصا الرماية. وهذا النوع من السلاح نجد مسلحًا به جنديًّا نوبيًّا في مقبرة «ثنني» كاتب المجندين حيث نجده يرتدي قميصًا مصريًّا ومع ذلك فإنه كان يلبس فضلًا عن ذلك الريشة التي تميز النوبي في لباس رأسه، يضاف إلى ذلك أننا نجد جنود رئيس الشرطة «محو» في «تل العمارنة» من عهد «أخناتون» يلبسون قمصانًا مصرية ويختلطون بالمصريين، ونجد أمثال هؤلاء كذلك في رجال الشرطة التابعين لرئيس الشرطة «نب آمن». هذا ونعلم أن الجنود الأسيويين واللوبيين والنوبيين الذين يعملون حرسًا للفرعون نفسه كانت ملابسهم خاصة بهم. وعلى ذلك نجد أن النوبي لا يختلف كثيرًا عن المصريين الآخرين بل كان يلبس أحيانًا ملابس مصرية خالصة. وقد ظل يلبس قميصًا طويلًا له هدابة من الأمام كما كانت الحال في العهد الإهناسي.
ومن مميزات ملابسه كذلك الوشاح الذي كان يَتَّشِحُ به على كتفه والقرط الكبير الذي كان يتحلى به وريشة النعامة التي كانت يضعها في شعره المجعد. وقد صُوِّرَ في «تل العمارنة» نوبي يلبس قميصًا من الجلد. وهذا اللباس نشاهده ثانية في عهد «توت عنخ آمون» كما نشاهده في عهد الرعامسة. ويشمل رجال الشرطة في مصر عددًا كبيرًا من أهالي الجنوب وقد سُمُّوا «المزوي» على الرغم من وجود مصريين بينهم وهؤلاء الجنود نجدهم في أمهات المدن مثل «منف» و«قفط» و«طيبة». ولم يكن عملهم قاصرًا على حفظ النظام والأمن بل كان لهم كذلك نشاط في جمع الرديف والضرائب. وقد وجدنا في نقوش رئيس شرطة «طيبة الغربية» أنه فضلًا عن عمله كان مكلفًا بجمع أموال ضياع الملك. وغالبًا ما يكون رئيس الشرطة من جنود الفرعون القدامى مثل «نب آمن» السابق الذكر، ولكن رئيس الشرطة، كان له مجال آخر معروف؛ فقد كان أولًا من خدم الملك المقربين ويسير أمام خيله ويخدمها، وبعد أن يظهر إخلاصه في هذا العمل كان يُرَقَّى شرطيًّا في طيبة الغربية وفيما بعد يصبح رئيس شرطة. وبالنظر لأن هذا المجال كان يرقى في مدارجه غالبًا رجل نوبي الطراز فإنه قد يكون من المحتمل هنا أن يكون هذا النظام خاصًّا بالجنوبيين (راجع ما كتب عن رجال المزوي فيما سبق).
ونصادف نوبيين في مصر مُقَسَّمِينَ طوائف عُرِفُوا بأنهم حرس للملك. ففي عهد «أمنحتب الثاني» نجد رجلًا يُدْعَى «نخت» يحمل لقب المشرف على النوبيين «لثور كوش» والأخير هو بالتأكيد في هذه الحالة اسم طائفة نوبية صحيحة. وقد لقب نفسه فضلًا عن ذلك حامل العلم لهذه الفرقة نفسها ولقب المشرف على النوبيين، هذا وقد جاء ذكره في منشور «نوري» وهو وحامل المروحة هناك في درجة واحدة. أما فرقة المزوي في تل العمارنة فهي على الرغم من كل الظواهر ليست من أصل نوبي في حين أننا نشاهد في فرقة مصورة في مقبرة «حور محب» بعض السود. وحامل علم هذه الفرقة مصري الجنس، ومن المُسَّلَمِ به بوجه خاص أن مقدم هؤلاء الجنود بصفة عامة ليس نوبي الأصل.
وكذلك قد اندمجت في الجيش المصري فرق نوبية فنجد في خطابات «تل العمارنة» أن حكام آسيا من أتباع الفرعون المخلصين كانوا يرجونه في أن يرسل إليهم فرقة من جنود «كاش وملوخا» والمقصود هنا بلا نزاع فرقة جنود من أهل كوش. ومما يسترعي النظر هنا أنه في حين نجد أن قوم «ملوخا» قد ذُكِرُوا هنا بوجه خاص مع جنود آخرين من مصر وأنهم لم يظهروا قط بوصفهم أعداء بل أتباع الفرعون فلا بد أن تكون الحال كذلك مع «كاش»، ولكن من جهة أخرى قد جاء ذكر كلمة «كاش» لتدل على الكاشيين (Kossaer) ولذلك تجب الحيطة على الرغم من أنه ليس بمستحيل أن الجنود النوبيين قد استغلوا الفوضى للقيام بثورة، هذا إذا سلمنا مع الأستاذ «ينكر» بأن النوبيين كانوا فعلًا موجودين في الأرض الآسيوية وقتئذٍ، غير أن ذلك فيه شك كبير. ولكن الرجاء الذي نجده في خطابات «تل العمارنة» من جانب أتباع الملك ليرسل إليهم رجال حامية من جنود «ملوخا» ليحموهم على حسب العادة التي كان يسير عليها أجداده من قبل وهي إرسال نجدات إلى آسيا، يُعَدُّ دليلًا قاطعًا على أن هؤلاء الجنود كانوا يُسْتَعْمَلُونَ في هذه الجهات من قبل، هذا وقد ظهر هؤلاء الجنود النوبيون كذلك في عهد الأسرة الثامنة عشرة في جزيرة «كريت» فنجدهم مُمَثَّلِينَ على جدران قصر «كنوسوس».
وكذلك ظهر في عهد الرعامسة نوبيون في الجيش المصري بين الجنود الأجانب، وإن كان عدد اللوبيين يفوق عددهم دائمًا في الجيش المصري. فلدينا بردية من عهد الرعامسة تذكر جيشًا مُؤَلَّفًا من 1900 مصري و520 من الشردانيين و1600 من الكهك و100 من المشوش و880 من النوبيين. وكذلك تدلنا المناظر الباقية على وجود هؤلاء الجنود النوبيين. وأخيرًا نشاهد فرقًا نوبية في عصر الاضطرابات التي حدثت في عهد نهاية الأسرة العشرين تحت إمرة نائب الملك «بانحسي».
وتدل شواهد الأحوال على أن المصريين كانوا ينظرون إلى هؤلاء النوبيين نظرة الأكثرية القوية إلى الأقلية الضعيفة، فنشاهد في المناظر التي تمثل العدو المقهور أن الملك كان يقود النوبيين أمام الإله ليذبحهم. ولا نزاع في أن التقاليد القديمة كانت تلعب دورًا في مثل هذه المناظر، وعلى ذلك لا نعلم على وجه التأكيد إذا كان هذا الاحتفال بإحضار الأسرى أمام الإله في عهد الدولة الحديثة كان واقعيًّا أم مجرد تقليد والرأي الأخير هو الأرجح.
وكذلك مما يدل على امتهان النوبيين الدورُ الذي كان يلعبه النوبي في احتفال «شعيرة جرتكنو» وكذلك قطع رأس حيوان الضحية مما وجدناه ممثلًا في منظر هام في مقبرة «منتوحر خبشفس» مما يدل على هذا الاتجاه. فعلى اليمين نشاهد في هذا المنظر رجلين يحملان جرارة (يظهر أنها «جرارة تكنو») واثنين آخرين يلقيان بآلة خاصة في حفرة، والكتابة المفسرة لهذا المنظر هي: «الجر إلى الإعدام» وعلى اليسار من هذا المنظر نشاهد نُوبِيَيْنِ مضطجعَيْن على جنبَيْهما مزملين إلا أيديهما فإنها كانت طليقة، ويتبع ذلك منظران آخران متشابهان معهما رجلان يحمل كل واحد علامة خاصة وأحدهما نوبي يتدلى من رقبته خيط فيه حلقتان ولا نعلم إذا كان ذلك المنظر تذكاريًّا أو يمثل تضحية فعلية. وعلى أية حال فإن المنظر يشهد على طريقة معاملة بعض الطغاة للنوبي، وهذا يكفي لإظهار أن المصري القديم كان يعتبر أحيانًا النوبي كالحيوان يُقَدَّمُ ضحية عند إقامة الشعائر الجنازية. ومن هذا القبيل لدينا أمثلة عدة مصورة تدل على وضاعة النوبي في عين المصري، ولم يكن هذا قاصرًا على المناظر الأثرية الكبيرة بل كذلك نجده في الأشياء الصغيرة الفنية، وفضلًا عن ذلك ما كان ينظم من مبارزة بين المصريين والأجانب المختلفين التي لم يكن القصد منها فقط التسلية والرياضة بل كانت تقام على وجه خاص لأجل أن نظهر عظمة المصري وحقارة الأجنبي. وهذا الاحتقار والامتهان نجدهما في متن من متون عصر الرعامسة حيث يقول المدرس لتلميذ قذر ما يأتي: إنك مثل متكلم أجنبي (تتعلثم في الكلام) نوبي عندما يأتي بالجزية. وكذلك لدينا وثيقة من عهد الأسرة العشرين تكشف لنا عن موقف مماثل للنوبي من حيث امتهان مركزه. وذلك أن رجلًا تزوج من اثنتين وأراد أن يعمل مع زوجته الثانية تسوية قانونية طيبة وقد استفسر أولاده الذين من زوجته الأولى فيما إذا كان له أي حق في ادِّعاء هذه الملكية المعينة، وقد أجابهم الوزير الذي كان يحقق القضية على سؤالهم قائلًا: إن متاعه هو ملكه وله الحق أن يتصرف فيه كما يشاء، وحتى إذا لم تكن زوجته، بل كانت مجرد سورية أو نوبية يحبها وأعطاها متاعه فهل ينبغي أن يتعارض ذلك مع ما فعله؟
ولو صح أن النوبي يحتل مكانة حقيرة وأنه يُنْظَرُ إليه بغير عين الرضا فإن ذلك لا يعني أنه كان يُهْضَمُ حقه في إرث أو وصية. والواقع أن مكانه العبيد الاجتماعية في مصر قد وضحت لنا من وثائق أخرى. على أنه لا بد أن نفهم أن العبيد لم يكونوا يُسْتَعْمَلُونَ في أحط الأعمال، بل على العكس نجد أن «توت عنخ آمون» كان يستعمل عبيدًا وإماء في أعمال راقية كمغنين ومغنيات وراقصين وراقصات، وكذلك كانوا يُوَظَّفُونَ كهنة مُطَهَّرِينَ، ومن ثَمَّ نرى أنهم كانوا بلا شك يَتَوَلَّوْنَ وظائف اجتماعية لا بأس بها كالمصري.
هذا ولا نجد عائقًا قانونيًّا يحول دون تحرير الخادمات الإماء في البيوت، ولدينا متن من عهد «رعمسيس الحادي عشر» يحدثنا عن تبني أَمَةٍ مُحَرَّرَةٍ، وقد جاء ذلك في وثيقة عن المرأة الْمُتَبَنَّاةِ بوصفها وارثة لزوجها الذي تبناها في مدة حياته ليحفظ ثروته. والوصية غريبة في بابها وقد شرحناها شرحًا مُسْهَبًا في الجزء الثامن، ونجد ما للعبيد من حقوقه اجتماعية وقضائية في المتن الذي أشرنا إليه سابقا الخاص بموضوع الزوجة الثانية وما أشير فيه من حقوق العبيد.
ولا يتسرب للذهن أن هذه الحقوق كانت قد ظهرت متأخرة فقط في عهد الرعامسة بل الواقع أنها كانت موجودة من قبل ولا أدل على ذلك من أن أمة نوبية تُدْعَى «مراقا شاتي» قد ظهرت بوصفها شاهدة في عقد إيجار من عهد الأسرة الثامنة عشرة.
هذا ولدينا مثال آخر عن نوبية في مكانة أرقى وقبرها في «القرنة» ومن المؤكد أنه يرجع إلى عهد الأسرة السابعة عشرة وهذا القبر نسبيًّا كان غنيًّا من حيث ما أُودِعَ فيه من أثاث جنازي، وتدل محتوياته على اتصاله بثقافة «كرمة» اتصالًا واضحًا بخاصة. فنجد فيه مثلًا الأواني الموضوعة في شباك وهذه من مميزات مقابر «كرمة» هذا إلى المخدات ذات القاعدة الطويلة فإنها كانت من الطُّرُزِ السائدة في مقابر كرمة بصورة عظيمة، وهذه قد وُجِدَتْ كذلك في مصر، وكذلك يشير وجود حجر المسن في هذه المقبرة وهو الذي يوجد في بلاد النوبة بكثرة إلى هذا الاتجاه، وعلى ذلك يميل الإنسان إلى التسليم بأن هذا القبر هو لامرأة من الجنوب كانت إما حرة مع أسرتها، أو كانت قد جاءت إلى مصر بوصفها أَمَةً ثم أصبحت زوجة أو حظية لأحد عظماء البلاد المصرية، وقد جهز لها زوجها قبرًا ودًفْنَةً حسنة على حسب الطريقة النوبية. ومما سبق يتضح أن المصري كان يشتد أحيانًا في معاملة النوبي ولكنه في معظم الأحيان كان يعامله معاملة الند للند.
|
|
منها نحت القوام.. ازدياد إقبال الرجال على عمليات التجميل
|
|
|
|
|
دراسة: الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في مراقبة القلب
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تطلق فعاليات الحفل المركزي لتخرُّج طالبات الجامعات العراقية والدول الإسلامية
|
|
|