أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-05
220
التاريخ: 14-10-2014
1216
التاريخ: 8-3-2016
15982
التاريخ: 20-09-2015
2657
|
نماذج تطبيقيّة للاتّجاه الفقهيّ
1. تحديد "كيفيّة الوضوء" في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
قال الفاضل المقداد السيوري في تفسير كنز العرفان في فقه القرآن بصدد تفسير هذه الآية، وبيانه قول الإماميّة وأقوال المذاهب الفقهيّة الأخرى: "﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾. قيل: الباء للتّبعيض، لأنّه الفارق بين مسحت بالمنديل، ومسحت المنديل. وقيل: زائدة، لأنّ المسح متعدّ بنفسه، ولذلك أنكر أهل العربيّة إفادة التبعيض. والتحقيق أنّها تدلّ على تضمين الفعل معنى الإلصاق، فكأنّه قال: ألصقوا المسح برؤوسكم، وذلك لا يقتضي الاستيعاب ولا عدمه، بخلاف: امسحوا رؤوسكم، فإنّه، كقوله: ﴿فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾. ثمّ اختلف في القدر الواجب مسحه، فقال أصحابنا (المذهب الإماميّ): أقلّ ما يقع عليه اسم المسح أخذاً بالمتيقن، ولنصّ أئمّتهم عليهم السلام، وبه قال الشافعي (المذهب الشافعيّ). وقال أبو حنيفة (المذهب الحنفيّ): ربع الرّأس، لأنّه عليه السلام (أي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم) مسح على ناصيته وهو قريب من الرّبع. وهو غلط. ومالك (المذهب المالكيّ) يمسح الجميع ...
﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾. قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنّصب، عطفاً على محلّ برؤوسكم، إذ الجارّ والمجرور محلَّه النّصب على المفعوليّة، كقولهم: مررت بزيد وعمرو. وقرئ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [الفاتحة: 20]. وكقول الشاعر:
معاوي إنّنا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وقرأ الباقون بالجرّ، عطفاً على رؤوسكم، وهو ظاهر. فإذاً القراءتان دالَّتان على معنى واحد، وهو وجوب المسح، كما هو مذهب أصحابنا الإماميّة (المذهب الإماميّ)، ويؤيّده ما رووه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أنّه توضّأ ومسح قدميه ونعليه. ومثله عن عليّ عليه السلام وابن عبّاس، وأيضاً عن ابن عبّاس: أنّه وصف وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فمسح رجليه. وإجماع أئمّة أهل البيت عليهم السلام على ذلك، قال الصّادق عليه السلام: "يأتي على الرّجل الستّون أو السّبعون ما قبل اللَّه منه صلاة"، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: "لأنّه يغسل ما أمر اللَّه بمسحه". وغير ذلك من الرّوايات. وقال ابن عبّاس وقد سئل عن الوضوء: غسلتان ومسحتان. وقال الفقهاء الأربعة (المذهب الشافعيّ/ المذهب المالكيّ/ المذهب الحنفيّ/ المذهب الحنبليّ) بوجوب الغسل، محتجّين بقراءة النصب، عطفاً على وجوهكم، أو أنّه منصوب بفعل مقدّر - أي: (فاغسلوا أرجلكم)، كقولهم: علَّفتها تبناً وماء بارداً، أراد وسقيتها. وقوله: متقلَّداً سيفاً ورمحاً، أي ومعتقلاً رمحاً - ويؤيّده قراءة وأرجلكم بالرّفع - أي وأرجلكم مغسولة - وأمّا قراءة الجرّ فيه فبالمجاورة، كقوله تعالى: ﴿عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾، بجرّ أليم، وقراءة حمزة: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾، فإنّه ليس معطوفاً على قوله: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾ وما قبله، وإلَّا لكان تقديره يطوف عليهم ولدان مخلَّدون بحور عين، لكنّه غير مراد، بل هم الطَّائفون لا المطوف بهم، فيكون جرّه على مجاورة لحم طير، ولأنّ القول بالغسل قول أكثر الأمّة.
والجواب عن الأوّل: بأنّ العطف على وجوهكم حينئذ مستهجن، إذ لا يقال: ضربت زيداً وعمرواً وأكرمت خالداً وبكراً، ويجعل بكراً عطفاً على زيداً وعمراً المضروبين هذا، مع أنّ الكلام إذا وجد فيه عاملان عطف على الأقرب منهما، كما هو مذهب البصريّين، وشواهده مشهورة، خصوصاً مع عدم المانع، كما في المسألة، فإنّ العطف على الرّؤوس لا مانع منه لغةً ولا شرعاً. وأمّا النّصب بفعل مقدّر، فإنّه إنّما يجوز ويضطرّ إلى التّقدير، إذا لم يمكن حمله على اللَّفظ المذكور، كما مثّلتم. وأمّا هيهنا فلا، لما قلنا من العطف على المحلّ. وأمّا قراءة الرفع فيحتمل أيضاً مذهبنا: أي وأرجلكم ممسوحة، بل هو أولى، لقرب القرينة.
وعن الثّاني: بأنّ إعراب المجاورة ضعيف جدّاً لا يليق بكتاب اللَّه، خصوصاً وقد أنكره أكثر أهل العربيّة هذا، مع أنّه إنّما يجوّز بشرطين: الأوّل: عدم الالتباس، كقولهم: جحر ضبّ خرب، فإنّه لا التباس في أنّ الخرب صفة للجحر، بخلافه هنا، فإنّ الأرجل يمكن أن يكون ممسوحة ومغسولة.
إن قلت: الالتباس زائل بالتحديد بالغاية، فإنّ التحديد، إنّما هو للمغسول، كالأيدي إلى المرافق. قلت: جاز في شرعنا اختلاف المتّفقات في الحكم وبالعكس، فلا يزول الالتباس. الثّاني: أن لا يكون معه حرف عطف، كالمثال، وهنا حرف عطف.
إن قلت: قد جاء مع العطف، كقوله:
فهل أنت إن ماتت أتانك راحل إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
جرّ خاطباً مع حرف العطف، وهو الفاء. قلت: إنّ المراد رفع خاطب، عطفاً على راحل، وإنّما جرّه وهماً أو إقواءً، أو أنّ المراد، فخاطب فعل أمر لا أنّه اسم فاعل، وكسره للقافية. وأمّا قراءة أليم، فلعدم الالتباس بيوم. وحور عين مجرور عطفاً على جنّات، أي المقرّبون في جنات ومصاحبة حور عين، وذلك لأنّ الجرّ بالجوار مع الواو ممنوع.
وعن الثالث: بالمنع من كونه حجّة مع مخالفة علماء أهل البيت، خصوصاً وقد بيّنّا وروده من طرقكم، ولهذا كان الجبائيّ يغسل ويمسح ويفتي بالجمع بينهما، ثمّ الكلام في إلى، كالَّذي تقدّم في احتمال المعيّة والغاية، والأقوى عندي الثّاني، والغاية للممسوح، فلا دلالة على الابتداء، وفروع المسح المتقدّمة آتية هنا فيجوز، ولو بإصبع، ومنكوساً، وغير مستقيم، نعم محلَّه ظاهر القدم للبيان. وأمّا الكعبان: فملتقى الساق والقدم. والناتيان لا شاهد لهما لغةً ولا عرفاً ولا شرعاً.
وقيل: لو أريد ملتقى الساق والقدم، لقال: إلى الكعاب إذ كلّ رجل لها كعبان: أجيب بأنّ المراد الكعبان من كلّ رجل. وبأنّ أبا عبيدة قال: الكعب هو الذي في أصل القدم ينتهي إليه الساق بمنزله كعاب القنا"(1).
2- تحديد "سهام الخمس ومصارفه" في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأنفال: 41].
قال الفاضل المقداد السيوري في تفسير كنز العرفان في فقه القرآن بصدد تفسير هذه الآية، وبيانه قول الإماميّة وأقوال المذاهب الفقهيّة الأخرى: "اتّفق علماء الجمهور (أهل السنّة) على أنّ اسم اللَّه هنا للتبرّك، وأنّ قسمة الخمس على الخمسة المذكورين في الآية في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ المراد بذي القربى هم بنو هاشم وبنو (عبد) المطَّلب، دون بني عبد الشمس، وبني نوفل، لقوله عليه السلام: "إنّ بني المطَّلب ما فارقونا في جاهليّة ولا إسلام، وبنو هاشم وبنو المطَّلب شيء واحد، وشبّك بين أصابعه، وإنّ الثلاثة الباقية من باقي المسلمين". وأمّا بعد حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال مالك (المذهب المالكيّ): الأمر فيه إلى الإمام يصرفه إلى ما يراه أهمّ من وجوه القرب. وقال أبو حنيفة (المذهب الحنفيّ): يسقط سهمه صلى الله عليه وآله وسلم وسهم ذي القربى وصار الكلّ مصروفاً إلى الثلاثة الباقية من المسلمين، وقال الشافعيّ (المذهب الشافعيّ): إنّ سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، وقيل: إلى الإمام، وقيل: إلى الأقسام الأربعة. ونقل الزمخشري (وهو حنبليّ المذهبّ) في الكشّاف عن ابن عباس أنّه كان يقسّم على ستّة: للَّه والرسول سهمان، وسهم لأقاربه، حتّى قبض، فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر وباقي الخلفاء بعده، قال: وروي أنّ أبا بكر منع بني هاشم من الخمس، وقال: إنّما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيّمكم ويخدم من لا خادم له منكم، فأمّا الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنيّ لا يعطى من الصدقة شيئاً ولا يتيم موسر. ونقل عن عليّ عليه السلام أنّه قيل له: إنّ اللَّه تعالى يقول: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾، فقال: "أيتامنا ومساكيننا". وعن الحسن البصريّ أنّ سهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لوليّ الأمر بعده هذا.
وقال أصحابنا الإماميّة (المذهب الإماميّ) إنّه يقسم ستّة أقسام، ثلاثة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعده للإمام القائم مقامه، وهو المعني بذي القربى، والثلاثة الباقية لمن سمّاهم اللَّه تعالى من بني عبد المطَّلب خاصّة دون غيرهم. وقولهم هو الحقّ، أمّا أوّلاً: فلأنّه لا يلزمهم مخالفة الآية الكريمة، بسبب إسقاط سهم اللَّه من البين، وكذا إسقاط سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد حياته. وأمّا ثانياً، فلما ورد من النقل الصحيح عن أئمّتنا عليهم السلام، وكذا نقله الخصم عن عليّ عليه السلام، وعن ابن عبّاس، كما حكيناه عن الزمخشريّ. وأمّا ثالثاً، فلأنّا إذا أعطيناه لفقراء ذوي القربى من اليتامى والمساكين وابن السبيل، جاز بالإجماع وبرئت الذمّة يقيناً، وإذا أعطيناه غيرهم، لم يجز عند الإماميّة، فكان التخصيص بذوي القربى أحوط. إن قلت: لفظ الآية عامّ. قلت: ما من عامّ إلَّا وقد خصّ، فهذا مخصوص بما رويناه عن أئمّة الهدى، كزين العابدين والباقر والصادق وأولادهم عليهم السلام، على أنّا نقول لفظ الآية عامّ مخصوص بالاتّفاق، فإنّ ذي القربى مخصوص ببني هاشم، واليتامى والمساكين وابن السبيل عامّ في المشرك والذمّيّ وغيرهم، مع أنّه مخصوص بمن ليس كذلك. قال السيّد المرتضى: كون ذي القربى مفرداً يدلّ على أنّه الإمام القائم مقام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لو أراد الجميع لقال ذوي (القربى). وفيه نظر، لجواز إرادة الجنس. قوله: إذ لو كان المراد جميع قرابات بني هاشم لزم أن يكون ما عطف عليه، أعني اليتامى والمساكين وابن السبيل من غيرهم، لا منهم، لأنّ العطف يقتضي المغايرة. وفيه نظر - أيضاً -، لجواز عطف الخاصّ على العامّ، لمزيد فائدة ووفور عناية، فالأَولى حينئذ الاعتماد في هذه المجملات على بيانه صلى الله عليه وآله وسلم وبيان الأئمّة عله بعده"(2).
_______________
1.السيوري، كنز العرفان في فقه القرآن، م.س، ص 10-18.
2.السيوري، كنز العرفان في فقه القرآن، م.س، ج1، ص249-251.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|