المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

الميرزا علي خاموش الميبدي
17-8-2020
الإعلام الجديد
2023-04-12
عدم وجوب التيمم على ماسح الجبيرة
27-12-2015
Hapticity and bridge ligand
10-3-2017
طريقة "دمبستر" لتحليل الأشعة الموجبة Dempster positive ray analysis
4-8-2018
Pi Iterations
10-3-2020


جهاد الإمام الصادق عليه السلام وظلامته  
  
341   01:29 صباحاً   التاريخ: 2024-07-23
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص387-400
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / مناقب الإمام الصادق (عليه السلام) /

قال بعض العلماء عن هذا المنبر ، منبر فقه أهل البيت عليهم السلام : إن هذا المنبر له صاحب ! وحديثنا اليوم عن صاحب هذا المنبر الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه ! هذا المنبر له صاحب . . ونحن له ظالمون ، وبحقه مقصرون ، فالأفضل لنا أن نعتذر اليوم لظلمنا وتقصيرنا .

السؤال الأول : ماذا نعرف عن الإمام الصادق عليه السلام ؟

والسؤال الثاني : ماذا عملنا ونعمل للإمام الصادق عليه السلام ؟

أما جواب السؤال الأول ، فنحن نتخيل أنا نعرف الكثير عن الإمام الصادق عليه السلام مع أن تصور حياته وظروفه مشكل ، فكيف بمعايشتها ؟ !

عاش الإمام محاطاً بظروف اضطهاد شديدة من دولة بني أمية ، ثم من دولة بني العباس ! وكان أبو العباس السفاح عدواً شديداً لأهل البيت عليهم السلام مع أنه كان يعظم الإمام الباقر عليه السلام ، ويعترف بفضله عليه !

وهذا نموذج من التشديد والرقابة التي كان يعيش فيها الإمام عليه السلام ، فقد كان السفاح وبعده يحضرونه إلى الحيرة وكانت عاصمتهم قبل بغداد ، ويبقونه مدة طويلة ، ويمنعون الناس من الاتصال به مع أنه في عاصمتهم !

يصف أحد الرواة الأجلاء كيف احتاج إلى مسألة شرعية ، فاضطر إلى استعمال الحيلة لكي يصل إلى الإمام الصادق عليه السلام ليسأله عنها : قال هارون بن خارجة : كان رجل من أصحابنا طلق امرأته ثلاثاً ، فسأل أصحابنا فقالوا : ليس بشئ . فقالت امرأته : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه السلام وكان بالحيرة إذ ذاك أيام أبي العباس . قال : فذهبت إلى الحيرة ولم أقدر على كلامه إذ منع الخليفة الناس من الدخول على أبي عبد الله عليه السلام ، وأنا أنظر كيف ألتمس لقاءه ، فإذا سوادي ( أي رجل من أهل العراق ، وكان العراق يسمى السواد ) عليه جبة صوف يبيع خياراً ، فقلت له : بكم خيارك هذا كله ؟ قال : بدرهم . فأعطيته درهماً وقلت له : أعطني جبتك هذه ، فأخذتها ولبستها وناديت : من يشتري خياراً ! ودنوت منه ، فإذا غلام من ناحية ينادي : يا صاحب الخيار . فقال عليه السلام لي لما دنوت منه : ما أجود ما احتلت ! أي شئ حاجتك ؟ . قلت : إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثاً في دفعة ، فسألت أصحابنا فقالوا ليس بشئ . وإن المرأة قالت لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : إرجع إلى أهلك فليس عليك شئ . ( الخرائج : 2 / 642 والبحار : 47 / 171 )

في مثل هذه الأجواء كان يعيش الإمام الصادق عليه السلام ، وعندما سنحت له فرصة قصيرة ظهر منه من العلوم ما ملأ الآفاق ، من بحوث التوحيد ونفي التعطيل والتجسيم والتشبيه ، إلى بحوث علم الباري تعالى وقدرته وإرادته ومشيئته ، إلى بحث الذات المقدسة ، والصفات والأفعال والأسماء . .

إلى مباحث العقل ، والمعاد ، والنبوة العامة والخاصة ، وتاريخ الأنبياء عليهم السلام ، ومباحث الإحتجاجات في الإمامة الكبرى وتطبيقها . . إلى المباحث المتعلقة بالسماء والعالم ، مضافاً إلى بحوث الفقه من باب الطهارة إلى الديات ، في كل أبواب العبادات والمعاملات .

 

ظهر منه في هذه الفترة القصيرة ما ملأ العالم ، من أعلى العلوم وأبواب العلم بالله تعالى ، إلى أعمقها وأغربها في ذلك الزمن كعلم الكيمياء والإكسير !

فكم روى عنه محمد بن مسلم الثقفي في الفقه ؟ !

وكم روى عنه جابر بن يزيد الجعفي في الغيبيات ؟ !

وقال له زرارة ذات يوم : جعلني الله فداك ، أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني ! فقال : يا زرارة ، بيتٌ يحج قبل آدم عليه السلام بألفي عام ، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً ! ( من لا يحضره الفقيه : 2 / 519 )

أما جابر بن حيان أبو الكيمياء والجبر فهو تلميذ الإمام الصادق عليه السلام ! فأين تعلم الإمام الكيمياء وأطلق في العالم أصولها حتى صار تلميذه جابر يعرف في جامعات الغرب باسم أب الكيمياء ، ويقام له تمثال في جامعاتها ؟ ![1]

لقد اعترف الجميع من العامة والخاصة والأجانب ، أن علم الجبر الذي هو مفتاح استكشاف المجهولات وعلم ما يكون ، من إملاء الإمام الصادق عليه السلام على جابر بن حيان ![2]

هذه الموسوعية في العلوم التي كانت معروفة في عصره وغير المعروفة ، من أين أتى بها الإمام الصادق عليه السلام ؟ !

إن الحديث عن شخصية الإمام الصادق عليه السلام فوق قدرتنا ، لأنا لا نستطيع أن نصل إلى فهمه وتعريفه ، فما زالت كثير من أسرار شخصيته غائباً عنا !

والذي يستطيع تعريف الإمام الصادق عليه السلام هو الشخص الأول في العالم جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، الذي بشر به أمته قبل زمانه !

كانت شخصيته عليه السلام متميزة عن كل أهل عصره ، كما هو الحال في شخصيات المعصومين عليهم السلام وكان الإمام محل تعظيم وإعجاب حتى من أعدائه ومخالفيه ! فقد رووا عن أئمة المذاهب إعجاباً كبيراً به لا يشبهه إعجابهم بأحد ! قال الصدوق أعلى الله مقامه في الخصال ص 167 : ( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي قال : سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول : كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد ، فيقدم لي مخدة ويعرف لي قدراً ويقول : يا مالك إني أحبك ، فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه . وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إما صائماً وإما قائماً وإما ذاكراً ، وكان من عظماء العبَّاد ، وأكابر الزهاد ، الذين يخشون الله عز وجل ، وكان كثير الحديث ، طيب المجالسة ، كثير الفوائد ، فإذا قال : قال رسول الله ، اخْضَرَّ مرةً واصْفَرَّ أخرى ، حتى ينكره من يعرفه !

ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام ، كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد يخر من راحلته ، فقلت : قل يا ابن رسول الله فلا بد لك من أن تقول . فقال : يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول : لبيك اللهم لبيك ، وأخشى أن يقول عز وجل لي : لا لبيك ولا سعديك ! ) . ( الخصال للصدوق ص 167 ، ورواه أيضاً في الأمالي ص 234 ، وفي علل الشرائع : 4 / 234 ، عنه في البحار : 99 / 181 ) .

فإذا قال قال رسول الله ، اخْضَرَّ مرةً واصْفَرَّ أخرى ، إنتبهوا لكي نفقه هذه الكلمة لمالك بن أنس فإنه لا يمكن أن يحدث هذا التغير في البدن عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله بدون أن يكون صاحبه متصلاً بالملأ الأعلى بروح النبي صلى الله عليه وآله روح الشخص الأول في العالم المحيطة بالوجود ! فلا بد أن يحدث انقلاب في الروح أولاًُ حتى يحدث في البدن ، وذلك بقانون العلاقة الجدلية بين الروح والبدن ، والتأثير والتأثر بينهما !

لا بد أن تكون نفس الإمام الصادق عليه السلام مستغرقة مع النفس العليا لخاتم الرسل صلى الله عليه وآله في عالم الملكوت ، حتى يحدث هذا التحول والإنقلاب !

كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد يخرُّ من راحلته ! والذي يفهم هذا الموقف ، هو الذي يفهم معنى قوله عندما كرر قراءة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) في صلاته فخر مغشياً عليه ! فسئل عن ذلك فقال : ( ما زلت أردد الآية حتى سمعتها من المتكلم بها ) . ( البحار : 89 / 107 )

إن هذا استغراقٌ في عالم الأنوار فوق تعقل البشر ، بل وفوق تصورهم !

واسمعوا إلى هذه الشهادة من أبي جعفر المنصور : ( قال جعفر بن محمد الأشعث لابن أبي عمير : أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به ، وما كان عندنا فيه ذكر ولا معرفة شئ مما عند الناس ؟ قال قلت : ما ذاك ؟

قال : إن أبا جعفر يعني أبا الدوانيق قال لأبي محمد الأشعث : يا محمد إبغ لي رجلاً له عقل يؤدي عني . فقال له : إنس قد أصبته لك ، هذا فلان بن مهاجر خالي ، قال فأتني به . قال فأتيته بخالي فقال له أبو جعفر : يا بن مهاجر خذ هذا المال ، فأعطاه ألوف دنانير أو ما شاء الله من ذلك ، وائت المدينة ، واْلقَ عبد الله بن الحسن وعدة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمد فقل لهم إني رجل غريب من أهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم وجهوا إليكم بهذا المال ، فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبضوا المال فقل إني رسول وأحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم مني !

قال فأخذ المال وأتى المدينة ، ثم رجع إلى أبي جعفر ، وكان محمد بن الأشعث عنده ، فقال أبو جعفر : ما وراءك ؟ قال : أتيت القوم وفعلت ما أمرتني به ، وهذه خطوطهم بقبضهم ، خلا جعفر بن محمد فإني أتيته وهو يصلي في مسجد الرسول ( ص ) فجلست خلفه وقلت ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه ، فعجل وانصرف ، ثم التفت إلي فقال : يا هذا اتق الله ولا تغُرَّنَّ أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وقل لصاحبك اتقِ الله ولا تغرن أهل بيت محمد فإنهم قريبوا العهد بدولة بني مروان ، وكلهم محتاج ! قال فقلت : وماذا أصلحك الله ؟ !

فقال : أدنُ مني ، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك ، حتى كأنه كان ثالثنا ! قال فقال أبو جعفر : يا بن مهاجر ، إعلم إنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيهم محدَّث ، وإن جعفر بن محمد محدَّث اليوم ! فكان هذه دلالة أنا قلنا بهذا المقالة ) . ( بصائر الدرجات ص 265 ) .

هذا الاعتراف من المنصور الدوانيقي أعدى أعداء الإمام عليه السلام إذعانٌ منه بأن الإمام محدَّثٌ من ربه ! والمحدَّث هو الإنسان ذو الجنبتين ، فهو بين الملك والملكوت ، بين الناسوت واللاهوت ، بين الغيب والشهادة !

فكم هو مظلوم الإمام الصادق عليه السلام ، من أولئك الجبارين ، ومنا أيضاً !

ثم ماذا نقول عن علم الإمام الصادق عليه السلام ، وعن مقامه ، وعن عبادته ، وعن مكارم أخلاقه ؟ إن كل ما قيل ويقال عنه عليه السلام قليل في حقه ! ( نام رجل من الحاج في المدينة ، فتوهم أن هميانه سرق ، فخرج فرأى جعفر الصادق عليه السلام مصلياً ولم يعرفه ، فتعلق به وقال له : أنت أخذت همياني ! قال : ما كان فيه ؟ قال : ألف دينار . قال : فحمله إلى داره ووزن له ألف دينار ! وعاد إلى منزله ووجد هميانه ، فعاد إلى جعفر معتذراً بالمال ، فأبى قبوله وقال : شئٌ خرج من يدي لا يعود إليَّ . قال فسأل الرجل عنه فقيل هذا جعفر الصادق ، قال لا جرم هذا فعال مثله ! ) ( المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 394 ) .

إنه من نور من قال الله تعالى فيه : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ !

صلوات الله عليك يا حجة الله ، لقد تحير فيك الأولون والآخرون ، فماذا نقول نحن فيك ، وفي مقامك ، إلا أن نعترف بتقصيرنا في حقك ؟ !

في هذا البلد . . إذا أهين مسؤول ، إذا تجرأ أحد على شخصية ، تستنفر مخابرات البلد ، وقواه الأمنية ، وقواه القضائية ، وينشغل الجميع ، لأن الشخص الفلاني أهين ، وتجرأ أحد عليه !

إن أي شخص ، أي شخصية ، ليست نسبته إلى الإمام الصادق كنسبة الشمع إلى الشمس ؟ كلا فهذا كلام جهال ! إنها نسبة الظلمة إلى نور الأنوار !

لقد كان عند آصف بن برخيا وزير سليمان عليه السلام حرف واحد من اثنين وسبعين حرفاً من اسم الله الأعظم ، فأحضر به عرش بلقيس ، وجعفر بن محمد عليه السلام عنده من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً !

فهل يجوز أن يقاس به أحد ، أو يدنو من مقامه أحد ؟ ! فالعجب أن تصدر في هذا البلد إهانة بحق جعفر بن محمد عليه السلام ؟ ! في طهران تعقد مجالس ضد الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وضد أمير المؤمنين عليه السلام ! !

يا من تحكمون إيران ، هل عندكم خبر بذلك ، أم لا ؟ ! هل تعرف أنهم في تلك المجالس يطعنون في شخصية أمير المؤمنين عليه السلام ، أو لا تعرف ؟

هل تعرف أنه في هذا البلد تكتب إهانات بشخصية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، أو لا تعرف ؟

أيها الحكام ، هل تعرفون أنه في هذا البلد يكتب ويقال كلام فيه إهانة في حق رئيس المذهب الإمام الصادق عليه السلام ، أو لا تعرفون ؟ !

إن كنت لا تدري فتلكَ مصيبةٌ * وإن كنت تدري فالمصيبةُ أعظمُ

اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا ، وغيبة ولينا ، وكثرة عدونا ، وقلة عددنا ، وتظاهر الزمان علينا . اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ، تُعِزُّ بها الاسلام وأهله ، وتُذِلُّ بها النفاق وأهله .

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ، ولياً وحافظاً ، وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتعه فيها طويلا .

 

[1] كتب ابن النديم في الفهرست ص 420 ترجمة مفصلة لجابر بن حيان جاء فيها :

أخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه . . . وكان من أهل الكوفة . وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان منهم . وله في كتب المنطق والفلسفة مصنفات . وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة انتهت إليه في عصره ، وأن أمره كان مكتوماً ، وزعموا أنه كان يتنقل في البلدان لا يستقر به بلد خوفاً من السلطان على نفسه . وقيل إنه كان في جملة البرامكة ومنقطعاً إليها ومتحققاً بجعفر بن يحيى ، فمن زعم هذا قال إنه عنى بسيده جعفر هو البرمكي . وقالت الشيعة إنما عنى جعفر الصادق .

وحدثني بعض الثقات ممن يتعاطى الصنعة أنه كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف بدرب الذهب ، وقال لي هذا الرجل : إن جابراً كان أكثر مقامه بالكوفة ، وبها كان يدبر الإكسير لصحة هوائها ، ولما أصيب بالكوفة الأزج الذي وجد فيه هاون ذهب فيه نحو مائتي رطل ، ذكر هذا الرجل أن الموضع الذي أصيب ذلك فيه كان دار جابر بن حيان . . . وقال لي أبو اسبكتكين دستار دار إنه هو الذي خرج ليتسلم ذلك . . .

ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة أنا أوردها في مواضعها ، وكتب في معاني شتى من العلوم ، قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب . وقد قيل إن أصله من خراسان ، والرازي يقول في كتبه المؤلفة في الصنعة : قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان .

أسماء تلامذته : الخرقي ، الذي ينسب إليه سكة الخرقي بالمدينة . وابن عياض المصري . والإخميمي .

أسماء كتبه في الصنعة : له فهرست كبير يحتوي على جميع ما ألف في الصنعة وغيرها ، وله فهرست صغير يحتوي على ما ألف في الصنعة فقط . ونحن نذكر جملاً من كتبه رأيناها ، وشاهدها الثقات فذكروها لنا فمن ذلك . . . وعدد ابن النديم كثيراً من كتبه ) .

وقال البغدادي في هدية العارفين : 1 / 249 : ( ابن حيان - جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي الطرسوسي أبو موسى تلميذ جعفر الصادق رضي الله عنه توفي سنة 160 ستين ومائة . من تصانيفه : الإرشاد في التعبير . أسرار البرانيات . الإيضاح في علم الكاف . روح الأرواح في الإكسير . علل المعادن . العلم المخزون في الصنعة . كتاب الإحراق . كتاب الخالص في الكيمياء كتاب الخواص الكبير . كتاب الرحمة في الكيمياء . كتاب السبعين في الصنعة . كتاب الشعر . كتاب الصافي من الخمسمائة . كتاب العهد . كتاب القمر في الصنعة . كتاب النخب . منافع الحجر بعد تمام تدبيره . مهج النفوس . نهاية الأدب . وغير ذلك . عدد تصانيف ابن حيان 232 .

وقال سركيس في معجم المطبوعات العربية : 1 / 664 : ( جابر بن حيان ( 161 ) أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي ويعرف بأبي موسى . اختلف الناس في أمره فقالت الشيعة إنه من كبارهم ، وزعموا أنه كان صاحب جعفر الصادق . وكان من قبل من أهل الكوفة . وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان منهم وله في المنطق والفلسفة مصنفات . وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرئاسة انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً . وزعموا أنه كان يتنقل في البلدان لا يستقر به بلد خوفاً من السلطان على نفسه . . . ثم عدد من مؤلفاته اثني عشر كتاباً ، منها :

1 - أسرار الكيمياء ، أو كشف الأسرار وهتك الأستار . لم يطبع من هذا الكتاب إلا ترجمات باللغة اللاتينية ، وطبع قسم منه باللغة العربية 1893 ضمن كتاب الأستاذ برتولو المسمى : La chimie au moyen age - vol paris 2 مجموعة أحد عشر كتاباً في علم الإكسير الأعظم . . . ولجابر بن حيان كتاب نفيس في السموم مخطوط في الخزانة التيمورية نقل عنه المرحوم الدكتور صروف عدة مقالات ذات فائدة عظيمة في مجلة المقتطف الجزء 58 و 59 . . وقال في هامشه : ( الفهرست 354 . أنظر مفتاح السعادة في قسم علم الكيمياء جزء أول من ص 279 إلى ص 283 )

[2] ) قال الطهراني في الذريعة : 5 / 190 : ( 869 : جواب المسألة الجبرية ، وحلها بوسيلة القطوع المخروطي ، للحكيم أبي الفتح عمر بن إبراهيم الخيامي المتوفى ( 517 ) مختصر في عشر صفحات ، ذكره عباس الإقبال وقال إنه صرح الخيامي في هذا الجواب بأن تأسيس علم الجبر والمقابلة وحل المعادلات الجبرية كان من علماء الإسلام ، ولم يكن اسم منه عند الرياضيين قبل الإسلام ) .

وقال عبد الحليم الجندي في كتابه الإمام جعفر الصادق ص 295 :

وربما كان الكلام المنقول عن جابر بن حيان أوضح كلام في الدلالة على المنهج التجريبي الذي تعلمه في مجلس الإمام أو من كتب الإمام . يخاطب جابر الإمام في مقدمة كتابه الأحجار بقوله : وحق سيدي لولا أن هذه الكتب باسم سيدي صلوات الله عليه ، لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد . . .

ويقول جابر في كتابه الخواص عن طريقته : ( إتعب أولاً تعباً واحداً واعلم ثم اعمل . فإنك لا تصل أولاً ، ثم تصل إلى ما تريد ) . وفي كتابة السبعين يقول : ( من كان دَرِباً ( مجرباً ) كان عالماً حقاً . ومن لم يكن درباً لم يكن عالماً . وحسبك بالدربة في جميع الصنائع أن الصانع الدرِب يحذق وغير الدرب يعطل ) . ويحصل جابر طريقته في عبارته المأثورة :

( علمته بيدي . وبعقلي . وبحثته حتى صح ، وامتحنته فما كذب )

وفي هذا المقام يقول أستاذ الفلسفة الإسلامية المعاصر في جامعة القاهرة د . زكي نجيب محمود : ( . . فلو شئت تلخيصاً للمنهج الديكارتي كله لم تجد خيراً من هذا النص الذي أسلفناه عن جابر ) . ( ديكارت 1596 - 1650 - Rene Descartes أصلاً ) .

ويرى الصيدلي المعاصر د . محمد يحيى الهاشمي : أن الواقعية هي التي سوغت لجابر أن يقسم القياس أو الإستدلال والاستنباط إلى ثلاثة أقسام : المجانسة ومجرى العادة وبالآثار ، ومن دلالة المجانسة دلالة الأنموذج كمن يريك بعض الشئ دلالة على كله . وهو استدلال غير قاطع ، إذ الأنموذج لا يوجب وجود شئ من جنسه يساويه تماماً في الطبيعة والجوهر . وكذلك دلالة مجرى العادة فإنه كما يقول جابر ( ليس فيه علم يقين واجب اضطراري برهاني ، بل علم إقناعي يبلغ أن يكون : أحرى وأولى وأجدر لا غير ، لكن استعمال الناس له وتقبلهم فيه واستدلالهم به والعمل في أمورهم عليه أكثر كثيراً جداً . . وليس في هذا الباب علم يقين واجب ، وإنما وقع منه تعلق واستشهاد الشاهد على الغائب ، لما في النفس من الظن والحسبان ، فإن الأمور ينبغي أن تجري على نظام ومشابهة ومماثلة . فإنك تجد أكثر الناس يجرون أمورهم على هذا الحسبان والظن ) .

يقول جابر ( . . وبالجملة فليس لأحد أن يدعي أنه ليس في الغائب إلا مثل ما شاهد . . . إنما ينبغي له أن يتوقف حتى يشهد البرهان بوجوده من عدمه ) . فهو ينقد القياس من الناحية المنطقية أو الرياضية ليترك المجال مفتوحاً للحقائق القاطعة التي تثبت بالتجارب . وحسبك دليلاً على دقة طريقة التدليل بآثار الأشياء ، أن تجدها إحدى المسلمات في المعامل والجامعات ، في القارات جميعاً منذ بدأ الأخذ بطريقة التجربة والإستخلاص حتى اليوم . وستبقى أبداً .

وعندما توضع أقوال جابر في القرن الثاني للهجرة إلى جوار أقوال الحسن بن الهيثم ( 354 - 430 ) بعد أكثر من قرنين ، وقد عمل في خدمة الدولة الفاطمية ، وهي دولة من دول الشيعة ، وله 47 كتاباً في الرياضيات و 58 كتاباً في الهندسة ، تتأكد لنا طريقة التجربة والإستخلاص التي سلكها الإمام الصادق وأتقن العمل بها ، ووصفها جابر والحسن . وقد أحسن الحسن التعبير عنها بمنهج علمي واضح الفحوى محدد العبارات .

ويشهد بها من أهل أوربة درايير في كتابه ( النزاع بين العلم والدين ) فيقول : كان الأسلوب الذي توخاه المسلمون سبب تفوقهم في العلم ، فإنهم تحققوا أن الأسلوب النظري لا يؤدي إلى التقدم ، وأن الأمل في معرفة الحقيقة معقود بمشاهدة الحوادث ذاتها . ومن هنا كان شعارهم في أبحاثهم هو : الأسلوب التجريبي . وهذا الأسلوب هو الذي أرشدهم إلى اكتشاف علم الجبر وغيره من علوم الرياضة والحياة . وإننا لندهش حينما نرى في مؤلفاتهم من الآراء العلمية ما كنا نظنه من ثمرات العلم في هذا العصر . . .

والقارئ يلاحظ في هذا المقام أموراً ، منها : الأول : أن جابراً يقرر إذ يقسم بالإمام ، استرشاده في طريقته هذه به ، وأن علمه منه هو سبب توفيقه ) .

وقال في هامشه : ( راجع مقدمة كتاب الدكتور مصطفى نظيف . مدير جامعة عين شمس بالقاهرة عن الحسن بن الحسن الهيثم البصري ، أكبر عالم في الرياضيات والطبيعة في العصور الوسطى ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.