أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014
8136
التاريخ: 24-09-2014
8385
التاريخ: 8-11-2014
7909
التاريخ: 24-09-2014
8916
|
لأصحاب القول بالوقف على لفظ الجلالة، شبهات حول القول بالعطف، وعمدتها تعود إلى موضع قوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران: 7](1) حيث ظاهره الإيمان بالمتشابه على تشابهه، الأمر الذي يتنافى وكونهم مُردَفين مع الله في العلم بتأويله.
وأجاب عنه الأستاذ الشيخ محمّد عبده بأنّ التسليم المحض تجاه المتشابهات لا ينافي العلم، بعد كونهم إنّما سلّموا بالمتشابه في ظاهره، فلم يجرفهم الظاهر المريب، بل ثبتوا وتعمّقوا حتّى عرفوا الحقيقة بفضل رسوخهم في العلم.
قال: «وأمّا دلالة قولهم: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا) على التسليم المحض، فهو لا ينافي العلم، فإنّهم إنّما سلّموا بالمتشابه في ظاهره أو بالنسبة إلى غيرهم; لعلمهم باتّفاقه مع المحكم، فهم لرسوخهم في العلم، ووقوفهم على حقّ اليقين، لا يضطربون ولا يتزعزعون، بل يؤمنون بهذا وبذاك على حدٍّ سواء; لأنّ كلاًّ منهما من عند الله ربّنا، ولا غرو، فالجاهل في اضطراب دائم، والراسخ في العلم في ثبات لازم، ومن اطّلع على ينبوع الحقيقة لا تشتبه عليه المجاري، فهو يعرف الحقّ بذاته، ويرجع كلّ قول إليه، قائلاً: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
وهذا يعني أنّ المتشابه متشابه في بدء النظر، سواء لدى العالم أم العامي، غير أنّ الجاهل القاصر يقتنع بظاهر اللفظ ولا يتجاوزه ،وربّما يزلّ به التعبير فيذهب به الوهم مذاهب بعيدة. أمّا العالم المتعمّق فيتصبّر ويتدبّر ليتكشّف عن واقع الأمر، حيث يرى أنّه كلام حكيم لا يهذو في كلامه (2)، فلابدّ أنّ وراء هذا الظاهر المريب حقيقة عصماء خفي وجهها، فيجدّ ويجتهد في الأمر حتّى يتحقّق ويتذوّق حلاوته، ومن جدّ وجد، ومن لجّ ولج {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
وهذا النجاح والفلاح إنّما نالهم بفضل إيمانهم القويم أوّلاً، حيث ثبتوا على العقيدة بأنّ كلام الحكيم حكيم، لا يسفه ولا ينطق بعبث. ولرسوخهم في العلم وتثبّتهم في الأمر، وبذل الجهد في سبيل معرفة الحقيقة ثانياً، ومن اطّلع على ينبوع الحقيقة لا تشتبه عليه المجاري.
والباحث الصادق لا يضطرب أمام المتشابه اضطراب الجاهل الذي وضع إيمانه على حرف، {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ} [الحج: 11] ، ولا يتروّغ مراوغة الزائف الغاشم، ليترصّد متشابهات الأمور، فيأخذ من خلالها أهدافه في العبث والفساد في الأرض، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7].
لا هذا ولا ذاك، وإنّما هي وقفة حازمة، وقفة الفاحص النابه، وسوف تدركه عناية الله سبحانه ليحتضن الحقيقة على جلائها وصفائها بفضله تعالى، {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } [الجن: 16].
إذن كان قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا} تمهيداً لطلب الحقيقة، ونقطة باعثة على البحث والفحص عنها، وفي النهاية الوصول اليها. والله هو الهادي إلى سبيل الرشاد.
وثمّة شبهة أخرى ذكرها الفخر الرازي في المقام، وهي: أنّ الله تعالى مدح الراسخين في العلم بأنّهم يقولون آمنّا به، فلو كانوا عالمين بتأويله لم يكن لهم في الإيمان به مدح; لأنّ كلّ من عرف الحقيقة فلابدّ أن يؤمن بها، فهو مطبوع على الإيمان حينذاك، فلا موضع للمدح فيه (3).
لكنّا ذكرنا أنّ المتشابه متشابه في بادئ النظر حتّى بالنسبة إلى الراسخين في العلم، لكنّهم ـ بفضل رسوخهم في العلم وإيمانهم الثابت ـ لا يتزعزعون، وسوف يعلمون تأويله بعد الجدّ والاجتهاد، وهذا هو الذي يستدعي مدحهم والترفيع بجانبهم.
ثمّ ليس كلّ من عرف الحقّ أذعن له وآمن به، وهناك الكثير من زائغي القلب ممّن يلمس الحقّ ثمّ يجحده، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] (4).
وشبهة ثالثة أثارها الإمام الرازي أيضاً، نظراً إلى أنّ قوله: (وَالرَّاسِخُونَ) لو كان عطفاً على لفظ الجلالة، لزمه الابتداء بقوله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ...)، وهذا بعيد عن ذوق الفصاحة.
وأبان عن وجه ذلك: بأنّ الكلام ينقطع عند قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، ويبتدأ بقوله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ...) ، وهو إمّا خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهم يقولون، أو حال للراسخين، فيجب أن يقترن بالواو، تقديره: ويقولون.
وأضاف أنّه لو كان حالاً لكان ذو الحال هو ما تقدّم ذكره، وهو مجموع المعطوف والمعطوف عليه، أي: (إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، أمّا وكونه حالاً من الراسخين فقط، فهو خلاف الظاهر(5).
قلت: ظاهر الكلام أنّها جملة حالية، وجملة الحال إذا صدّرت بالفعل المضارع المثبت يجب تجريدها عن الواو ألبتة ، قال الإمام ابن مالك في ألفيّته النحويّة:
وذات بدء بمضارع ثبت *** حوت ضميراً ومن الواو خلت
أمّا اختصاص الحال بالمعطوف دون المعطوف عليه فكثير في اللغة.
قال يزيد بن المفرّع الحميري يهجو عبّاد بن زياد :
أصرمت حبلك في أمامة *** من بعد أيّام برامة
فالريح تبكي شجوها *** والبرق يلمع في غمامة (6)
قوله: «والبرق» عطف على «الريح»، للتشريك معها في البكاء، و«يلمع» حال من المعطوف فقط، أي: ويبكي البرق في حال كونه لامعاً في غمامة.
وأيضاً في القرآن منه كثير، قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [الفجر: 22] ، وقال تعالى : (وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ...) إلى قوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِين...) إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10].
فإنّ جملة (يَقُولُونَ رَبَّنَا) كلام مستأنف حال من (الَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ) المعطوف على من قبلهم في التشريك في استحقاق غنائم دار الحرب.
وبالإضافة إلى القرآن فإنّ الشواهد على ذلك كثيرة أيضاً في الشعر القديم.
إذن فلا مجال لما تشكّكه، ولاسيّما مع إطباق أهل الأدب على صحّة العطف وأنّ ما بعده حال لا محالة، حسبما تقدّم كلامهم.
وأوّل الراسخين في العلم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): «أفضل الراسخين في العلم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد علم جميع ما أنزل الله في القرآن من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يُعلّمه تأويله».
ثمّ باب مدينة علم الرسول الإمام أمير المؤمنين والأوصياء من بعده صلوات الله عليهم أجمعين، قال الإمام أبو عبدالله الصادق (عليه السلام): «وإنّ الله علّم نبيّه التنزيل والتأويل، فعلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً، وعلّمنا والله» (7).
وهكذا استمرّ بين أظهر المسلمين ـ عبر العصور ـ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فثبتوا واستقاموا على الطريقة، فسقاهم ربّهم ماءً غدقاً، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول، ينفون عنه تأويل المبطلين، وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين» (8).
________________
1 . تفسير المنار 3: 167.
2 . يقال: هذى في كلامه، أي: تكلّم بغير معقول لسهو أو غفلة.
3 . التفسير الكبير للفخر 7: 177
4. التفسير الكبير للفخر 7: 177 ـ 178.
5 . راجع: الأغاني 17: 112، وفيات الأعيان 6: 346 الرقم 821، الأمالي للمرتضى 1: 440
6 . بحار الأنوار 92: 78.
7 . مرآة الأنوار للفتّوني: 26، نقلاً عن بصائر الدرجات: 195.
8 . سفينة البحار 1: 55. وراجع: اختيار معرفة الرجال 1: 10ـ11 وراجع: ملحق الصواعق المحرقة للهيتمي: 141.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|