المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

من يجب عليه الجهاد
27-9-2018
Lewis Dot Symbol for OCl−
29-5-2019
شلل القراد Tick Paralysis
30-7-2021
سلالات النحل المربأة في مصر
4-12-2015
هداية الرغبات
2023-05-18
Electrodeposition
5-3-2021


التفاهم في البيت  
  
800   10:27 صباحاً   التاريخ: 2024-03-31
المؤلف : الأستاذ مظاهري
الكتاب أو المصدر : الأخلاق البيتية
الجزء والصفحة : ص101ــ108
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / الزوج و الزوجة /

اشكروا بعضكم البعض في البيت، واعتبروا أنفسكم مقصّرين بحق من تعيشون معهم تحت سقف واحد، أقول قولي هذا للرجال والنساء الخيّرين، وأؤكد على الرجال أن يلتزموا بهذا الأمر المهم كونهم لا يمتثلون في الغالب لأوامر أحد.

أتمنى للرجال أن يبتعدوا ما أمكن عن حالات الغضب بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، وبالصلاة على محمد وآله محمد، وإذا ما اتفق أن غلبهم الغضب يوماً، ثم هدأت ثورتهم بعد ذلك ينبغي لهم أن يعتذروا لأزواجهم عما بدر منهم، بل ويطلبوا العفو، ولا يتكبروا أبداً، لأن طلب العفو والاعتذار ذاك يعتبر بمثابة بناءً للنفس، وتعلّم للصبر، فالبيت يجب أن يكون مدرسة، وأفضل من المدارس، وأحسن الكتب الأخلاقية، وأسمى معلّمي الاخلاق للرجل وامرأته، وبالخصوص للنساء، وإذا ما رأت المرأة زوجها غاضباً، ثم هدأت سورة غضبه ولم يعتذر فلتبادر هي بالاعتذار، ولا تركبها سورات القهر والانفعال والغضب، لأن ذلك ليس من الافتخار في شيء، بل من عمل الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس كي يجعل من البيوت ناراً يتدفأ عليها، ولا تنسوا بأن الخصام والغضب يجرّ الإنسان إلى جهنم جراًّ وأن التبسم والتعقل يجرّه إلى جنة الله الواسعة ورحمته التي وسعت كل شيء.

فمن رأى من صاحبه عدم اعتذار فلا بأس أن يتقدم هو للاعتذار، ولو لم يكن مقصراً، فإن فعل ذلك خجل صاحبه منه وعلم بأنه المقصّر، وهذا من العقل والرحمة واللطف.

فمن رام حياةً سعيدةً في الدنيا والآخرة، فما عليه إلاَّ أن يكون عاقلاً حينما تلتهب نار الغضب والنزاع، وأن يركن إلى الأرض إن كان واقفاً، بالإضافة إلى محاولة مس صاحبه، لأنه يقال إن مسّ الطرف المقابل يُطفئ نار الغضب بسرعة عجيبة. هذا، ناهيك عن السعي الحثيث جهد الإمكان أن لا تحدث خلافات أو نزاعات في البيت ولو لساعة واحدة، لأن ذلك سيؤثر مستقبلاً على العلاقات الاجتماعية في البيت الأسري مما قد يجّر إلى مضاعفات غير حسنة.

فالرجل يجب عليه أن يُظهر رجولته ويتجاوز باعتباره رب الأسرة، والمرأة عليها أن تتواضع أمام زوجها وتكون مصداقاً للآية التي تقول:

{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].

إن الزوجة الصالحة تمتلك صفتين لا غنى عنهما، الأولى: التواضع لزوجها ولو كان مقصراً، والثانية: العفّة في الخلوة والحضور.

فالزوجة العفيفة لا ينبغي لها أن تكون محجّبة أمام زوجها، وسافرة متبرّجة في غيابه، والجدير بالذكر أنها يجب أن تلتزم بحجابها حتى أمام أخوة أزواجها وأقاربه كونهم يعتبرون أجانبَ إذا ما حكّمنا الشرع في ذلك، ناهيك عن التزامها في الشارع وفي المدرسة، وفي البيت كيما يرضى الله عنها، وكيما تكون قدوة لباقي النساء اللائي لم يتعرّفن بعد على الدين.

قد يكون الاختلاف في بعض الأحيان طبيعياً، فالرجل يريد أمراً، وزوجته تبغي آخر، عندها يقع الاختلاف، لكننا نجد في بعض الأحيان أن الرجل وامرأته وصلا إلى حالة من النضوج والرزانة بحيث يحاول كلّ منهما نبذ الاختلاف أصلاً، وهذا شيء حسن ويتوافق مع المقررات الإسلامية السامية.

أما تلك المرأة التي لا تسكت حينما ترى زوجها غضبان أسفاً، لا تعدو أن تكون من الصابّين الزيت على النار، وفي حقيقة الأمر أنها تصب الزيت على نار جهنم التي ستلتهمها يوماً ما:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].

لقد حثّ القرآن الكريم على تفادي الاختلافات والنزاعات في البيت، وفي غيره، لكنه أكّد على نبذها في البيت بشكل أعمق، لأن تلك النزاعات تسقط هيبة الرجل أمام زوجته وتسقط هيبة المرأة أمام زوجها، عندها تنفلت عرى المحبة والود والألفة ويضحى الزوجان كرجل وامرأة غريبين عن بعضهما البعض، فلا يعتمد أحدهما الآخر حتى في أبسط المسائل وهذا ما لا يرضاه الشرع المقدس.

إذا بلغ الحال بالزوجين إلى هذه المرحلة بدا الضجر والملل عليهما عندها لا يتمكنان من تقديم أبناءٍ نشيطين فاعلين عاملين للمجتمع، لذا ينبغي بكم أن تحذروا بلوغ هذه المرحلة الخطيرة؛ وعلى حد قول العامة: (اليد المنكسرة يمكن أن تقدم عملاً، لكن القلب المنكسر لا يقوى على ذلك).

يقول الإمام الهمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام):

(إيّاك والضجر والكسل فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة)(1).

فالرجل الذي بدى عليه الخمول والضجر لا يعدو أن يكون إلاَّ عضواً زائداً في المجتمع لا نفع فيه، والمرأة التي انكسر قلبها لا يتأتى لها مداراة زوجها، ولا يمكن لها القيام بالأعمال المنزلية، وتربية الأولاد:

{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

وهذه الآية تنطبق أيضاً على جميع المسلمين في الكرة الأرضية، فلو اجتمع المسلون على كلمةٍ واحدة، والتزموا بها قولاً وفعلاً لدانت لهم جميع الحكومات والشعوب الغربية والشرقية، ولكن إذا تنكّروا للاجتماع على كلمةٍ سواءٍ بينهم تدنّت هيبتهم وتسافلت، ونظرت إليهم الأمم على أنهم خدم يجب استغلالهم إلى أقصى الحدود.

فالرجل اللعّان لا ينبغي له أن يتصور بأنه بلعنه ذاك سيلحق الضرر بزوجته أكثر ما يلحقه بشخصيته التي ستخدش بل ستتهاوى من جرّاء ذلك اللعن أو السبّ، أو التعرّض لبذيء الكلام.

أما الزوجة التي لا تتمكن من قلب زوجها ولا يسعها من التمكن أطلب منها مراجعة الأحاديث التي تواترت علينا من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم، لتتعرف على كيفية الحظوة بقلب الزوج، ويمكن أيضاً أن تسأل النساء الخيّرات الصالحات ليرشدنها إلى الطريقة المثلى في كسب قلب زوجها بصورة سلميّة.

إن إحدى المسائل التي تسهم في انقباض الرجل عن زوجته: النزاع والخلاف وعدم الائتمار بأوامره ـ هذا إذا كانت تلك الأوامر مطابقة للشرع الإسلامي الحنيف ـ وعدم السكوت عليه في حالة غضبه، وعدم التودد إليه والتحبّب، وقد حثّ القرآن الكريم على نبذ الفرقة والخلاف؛ والاعتصام بحبل الله المتين الذي هو إحدى نعم الله تعالى على هذا البشر.

لقد عدّ القرآن المجيد النزاعات والخلافات من المسائل الخطيرة، والخطيرة جداً في حياة البشر إلى درجةٍ صوّرها لنا كالوادي الذي تلتهب فيه النيران، وقد جلس عليها المتنازعون والمختلفون، فلو قفز أحد المتنازعين في ذلك الوادي الممتلئ ناراً لأصبح في عداد ألسنة اللهب المتطايرة منه.

وبعبارة أخرى لو جلس أحدهم على صخرةٍ تطلّ على وادٍ سحيق، وكان أسفل الصخرة خالياً أو مجوفاً، فما إن يتحرك قليلاً حتى يرى نفسه في قعر ذلك الوادي، وهذا هو تصوير الاختلاف والنزاع في القرآن الكريم:

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

قال في بداية الأمر اعتصموا بحبل الله جميعاً، توحّدوا، وكونوا إخواناً فيما بينكم، بعد ذلك قال: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته ـ نعمة الاتحاد والأخوة والإلفة  ـ إخواناً.

ألا تذكرون حينما كنتم على شفا حفرة من النار ـ النزاعات والخلافات التي كانت سائدة بينكم ـ فأنقذكم منها ـ ووجدتم النجاة من خلال النعمة الإلهية ـ كذلك يبين الله لكم آياته ـ لعلكم تردعون عن تلك الخلافات ـ لعلكم تهتدون.

نرجع ثانية إلى بحثنا الذي يدور حول البيت المتآلف، والذي يعلوه الحب والودّ والانسجام فنقول: ينبغي بالمرأة وزوجها أن يشكروا الله كثيراً على هكذا نعمة، وأن يطلبوا منه أن يديم عليهم المحبّة والألفة، وهذا يحتاج إلى بذل نفسي خاص ومدروس إذ يجب على المرأة الطالبة لديمومة هذه النعمة أن تلتزم بأوامر الله عليها، وبحق زوجها عليها والذي ألزمها الله به، وكذا الأمر بالنسبة للزوج، إذ يجب عليه ـ إذا كان راغباً في حياة سعيدة ومثمرة ـ أن يلتزم بالأخلاق الفاضلة، والصبر الجميل، وبالمجاملات الحسنة كيما يفوز برضا الله ورضا زوجه التي تعاشره وتسكن إليه.

وحسب قانون تجسّم العمل تكون الزوجة السيئة الخلق! والزوج المتنازع مع زوجته لأتفه الأسباب، جالسين على شفا حفرةٍ من النار، فهل تعلمون متى سيصيران إليها؟ أجل، بمجرد أن يفارقا الحياة.

لقد سقط أحدهم من أعلى بناء مسكنه فمات من ساعته، فرآه بعضهم في المنام وسأله عن أحواله، قال: لم أر منكرا ولا نكيراً، ولم أشعر بضغطة القبر، بل كان سقوطي من أعلى البناء مباشرة إلى جهنم!.

أيها السيد! أيتها السيدة! إن هذه الدنيا ستمرّ على الجميع وستزول، ولكن هناك شيئين لن يزولا أبداً، أولهما التضحية والإيثار، وثانيهما نعمة الجنة، وعذاب جهنم الأليم.

فمن التزم بالتضحية والإيثار جعل الله له نوراً يتميز به عن غيره في صفوف الحشر الرهيبة، وهذا باقٍ له في عالم الخلود.

لقد أصبحت النزاعات بيننا لا تقتصر على الجهلة والأميين، بل تجاوزتهم إلى المثقفين والتجار والكسبة والطلاب، بل قد نرى في بعض الأحيان أن المثقف الفلاني يتنازع ويتخاصم أكثر من ذلك الذي يُنعت بالأمية، ونرى الدكتور الحاصل على أعلى الشهادات جيد الأخلاق خارج منزله، لكن زوجته التي تنتظر قدومه طول النهار وتسعى ما أمكنها لإسعاده تئن من سوء أخلاقه في البيت؛ ونرى السيدة المثقفة المتمدّنة تنسجم وتتناغم مع الكثير من السيدات في مجال عملها، وفي محل سكنها، لكن لو تأتى لكم فتح قلب زوجها لشاهدتم ما يعاني ذلك القلب من تلك المثقفة، حتى لنسمع صوت ذلك القلب يقول: خلصوني من ذلك العفريت الذي اسمه " شريكة حياتي ".

لذا ينبغي لكم ولنا الاتعاظ بتلك الأمثال، واعلموا بأن علماء النفس يقولون إن ما يحدث في المجتمع يمكن أن يعتبر مرآة لأفكار المجتمع، وما يقولون حقٌ، عليه أنقل لكم هنا أحد الأمثال العامة التي سمعناها من أفراد هذا المجتمع.

يقال إن أحد السادة طلع المنبر ليقول: من كان غير راضٍ عن زوجته فليقف، فوقف الجميع باستثناء رجل واحد ظلَ جالساً في مكانه، عندها صاح الذي على المنبر من شدة فرحته: الحمد لله وجدنا من هو راضٍ عن زوجته، ولكن لم تمضِ إلاَّ لحظة حتى صاح الجالس: كلا، أيها السيد! إن امرأتي كسرت إحدى قدميّ لذا لم أتمكن من القيام.

وضعنا الحالي أيها السادة يشبه ذلك الوضع بالضبط، لذا لا يمكن أن نجد رجلاً راضياً 100% عن زوجته، وفي المقابل لا نجد امرأة راضية 100% عن زوجها.

إن بعض الروايات تقول: إذا كانت الخلافات تحدث بين اثنين من المسلمين فمن الأولى أن تحدث بين الرجل وزوجته كونهما يعيشان تحت سقف واحد، لذا ينبغي ومنذ اليوم الأول أن يتصالحا، ولا بأس أن تعتذر المرأة لزوجها ولو كان مقصراً، وقد ذكرت الروايات المتواترة بأن المرأة يجب أن تذهب في اليوم الأول إلى زوجها لتعتذر منه، وإلاّ كان ذلك في اليوم التالي، فإن توانت في ذلك ذهب هو إليها كي لا يبقى في القلب ما يجرّ إلى الحقد والضغينة، هذا حتى إذا كان في الأمر خطأ أو تجريح.

أما إذا لم تذهب المرأة في اليوم الأول، ولا الثاني، ولا الثالث، لم يتنازل الرجل شيئاً قليلاً فسيبدأ الحقد بمدّ جذوره إلى أعماق قلبيهما، وتضحى القضية أعمق من تلك المشكلة التي بدأت بأقل من ذلك.

نقل المرحوم الكليني أكثر من عشر روايات بصدد هذا الموضوع عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، ونقل العلامة المجلسي رضوان الله عليه أكثر من ثلاثين رواية تهتم بهذا الموضوع كلّها تتعرض إلى مسألة واحدة، وهي أن الأئمة الأطهار من آل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقولون بخروج المتخاصمين من ربقة الإسلام إذا مضى عليهما أكثر من عشر ليالي بدون صلح.

إذا كنا لا نهتم بما يحدث لنا في هذه الدنيا، ولا نهتم بما سيؤول إليه أولادنا، ينبغي لنا الاهتمام والتفكير بهذه الروايات، التفكير بديننا بإسلامنا، وإذا ما فكرنا بذلك وجب علينا أن نبتعد عن تلك الاختلافات والنزاعات والصراعات، لماذا هذه الاختلافات الكثيرة بيننا؟.

أيها السيد! إذا كنت ترى من الصعب عليك بذل ما لديك من أموال على أسرتك، فما هو ذنب تلك المرأة المسكينة التي هي في منزلك تعمل صباحاً مساءً من أجل سعادتك؟.

أيتها السيدة! إذا كان كان زوجك لا يستطيع توفير ما تريدين من حوائج ولوازم، فلم الخلاف والنزاع؟ ولِم الغضب؟ ولو اتفق أن تكوني مكانه، وبهذا الراتب فهل يمكن توفير كلّ ذلك الذهب الذي تريدين؟ وهل يتأتى توفير كل تلك الملابس والثياب؟.

فإذا لم يكن زوجك قادراً على ذلك، لماذا النزاع والجدال والغضب؟ لماذا تصرخين وتولولين هنا وهناك؟ وإذا ما أردتم تجهيز ابنتكما لتذهب إلى بيت الزوجية فما عليكما إلاّ أن تجلسا وتتشاورا بكل هدوء، وبكل تسلّط، بعيداً عن الغضب والانقباض، وبعيداً عن تهيئة لوازم تقترضان ثمنها من هذا وذاك لترتيب أوضاع غير مباركة، وأقول غير مباركة باعتبار أن الاقتراض مع إمكانية ترتيب أوضاع بدونه غير صحيح.

____________________________

(1) بحار الأنوار/ ج78، ص 321. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.