أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2016
1806
التاريخ: 9-11-2016
4378
التاريخ: 2023-05-04
1173
التاريخ: 2024-01-14
903
|
مضت عدة قرون وأعراب بوادي العراق على حالتهم الأولى التي كانوا عليها مُنذ وجودهم في هذه الديار، ولم تسعَ الحكومة السابقة إلى إصلاح شئونهم ولا إلى تَرقِّيهم ولا إلى ردع غزواتهم. أما بعد هذا العهد فلا نظن أنهم يبقون على تلك الحالة الفطرية، بل إما أن يظعنوا عن هذه البلاد، وإما أن يُذعِنوا إلى مقتضيات الأحوال، فيُصلحوا شئونهم، ويُقلعوا عن مفاسدهم الماضية ويبدؤوا بأن يسيروا على نهجٍ جديد قويم، ينفعون به أنفسهم وينفعون غيرهم. أما سبب هذا التغيير فلا بد منه، وهو أن الحكومة البريطانية تريد أن تُرَقِّي أحوال هذه الأصقاع الاجتماعية بأن تؤمِّن الطُّرق، وتنشر الزراعة، وتُبعِد عن أهاليها كل ما يُعَرِّض أتعابهم للتلف، وهذا لا يتحقق إن لم تسعَ فتقطع دابر أهل البادية الذين من دأبهم قطعُ الطرق ونهب حواصل الزُّرَّاع وشن الغارات على أهل المدن والقرى القريبين منهم، فإذا أخلدوا إلى الراحة أو الإقامة في المواطن التي كانوا فيها سابقًا فلا بد من أن يتخذوا لأنفسهم وسيلة للمعيشة، ولا وسيلة لهم سوى الزراعة ورعاية الأغنام ومعالجة المهن التي تُمَكِّنهم من التعيُّش وهم في بواديهم، وإلا فرُّوا إلى البوادي التي لا تنالهم فيها جُند الأمن الذين تُقيمهم الدولة المحتلة في المواطن التي يُخاف عليها من فسادهم. ولا جرم أن أرباب الحل والعقد يُسهِّلون لهم وسائل الزراعة، بل وسائل منافع الحضارة، فيتمكن بعضهم من الإقامة في القُرى وتهذيب أولادهم لكي لا ينشئوا على حُب النهب والسلب والغزو. وهل يقبل العاقل أن يرى بضعة ملايين من الخلائق يعيشون هملًا في البوادي وهم على أحسن حالة من الصحة والعافية، يتجوَّلون في الديار، ولا يصدر من أيديهم إلا العيث كالذئاب المفترسة؟ بل هل يقبل العاقل أن يرى هذه الألوف المؤلفة وهي لا تأتي نفعًا للمَواطن التي يسكنونها، بل يتقلَّبون على وجهها بدون أن يقلِبوا تلك الأراضي جِنانًا خضرة نضرة؟ ولعلك تقول: إن هؤلاء الأعراب لا يُذعنون لحُكم حاكم، ولا يرضخون لأوامره، ولا يودُّون أن يُقيدوا أنفسهم بقيود أهل الحضر. نعم، كل هذا صحيح إذا كان الحاكم جائرًا والأوامر مُرَّة، والقيود قيود أسرى كما ظهر مثل ذلك في عهد الحكومة السابقة، أما إذا كان الحاكم أبًا شفيقًا رحيمًا يُظهِر لهم ترَقِّيهم وتسهيل أمور معيشتهم، فإنهم ينقادون انقياد الغنم لراعيهم. ولا شك أن الحكومة المحتلة إذا أرادت جذبهم إلى الحضارة تبذل لهم عن يدٍ سخيَّة ما يُسَهِّل لها أمر الزراعة، وتُساعدهم على حصول البذار، ولا تأخذ منهم الرسوم في السنين الأولى إلى أن ترسخ قدمهم في الأرض، ويطيب لهم أمر العيش الجديد، وحينئذٍ تنتقل إلى درجة ثم إلى درجة، إلى أن يروا أنفسهم من أهل القُرى والمدن بدون أن يشعروا بهذا الانتقال.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|