أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016
7500
التاريخ: 8-5-2016
5580
التاريخ: 2023-10-01
1322
التاريخ: 18-5-2016
9121
|
هنالك القليل ممن يولي ادنى اهتمامٍ لهاتين الظاهرتين السماويتين قبل دراسة أسرار الرعد والبرق ، وعادةً ما يمرُّ الجميعُ عليها مرور الكرام ، ولعلَّ بعضهم ينظرُ إليها وكأنَّها مزاحُ الطبيعة ، كما يتحدث بعض آخر حولها بقصصٍ خرافية ، إلّا أنّ الحقيقة هي أنّ هاتين الظاهرتين تحدثان من خلال نظامٍ خاصٍ ، ولهما آثارٌ وبركاتٌ جديرةٌ باهتمام الإنسان حيث سيأتي شرحها في تفسير الآيات الآتية.
بعد هذا التمهيد نقرأ خاشعين بعض آيات القرآن الكريم في هذا المجال :
1- {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا انَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَومٍ يَعْقِلُونَ}. (الروم/ 24)
2- {هُوَ الَّذِى يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}. (الرعد/ 12)
3- {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيْفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيْبُ بِهَا مَنْ يَشَآءُ}. (الرعد/ 13)
شرحُ المفردات :
«البرق» : كما يقول الراغبُ في المفردات تعني في الأصل النورَ الذي يظهر من الغيوم ، ثم استُعملت للتعبير عن كل شيءٍ ساطعٍ ، فمثلًا يقال للسيفِ اللامعِ : (السيفُ البارق).
إضافة إلى ذلك ، يستفاد من «مقاييس اللغة» أنّ «البرق» له معنى آخر ، وهو اجتماع السواد والبياض في شيءٍ واحدٍ ، ولكنَّ الظاهر أنَّ المعنى الثاني يعود إلى المعنى الأول ، السواد عندما يكون إلى جانب البياض يُبدي بريقاً أكثر ، كما اعتبر بعضٌ مفهومَ الشِّدةِ والضغط جزءاً من معنى البرقِ أيضاً فيقولون : إنّ البرقَ واللمعان يحدثان بشكل خاص من خلال الشدَّة والضغط «1».
ويقول «الراغب» إنّ «الرعد» هو صوت الغيوم ، ويستعمل كناية أيضاً عن تحطُّمِ وسقوط الشيء الثقيل المتزامن مع الصوت ، إلّا أنَّ صاحب «مقاييس اللغة» ذكرَ أنَّ معناه الحقيقي هو الحركة والاضطراب ، ولكن بصورة عامة ، يستفاد جيداً من كتب اللغة أنّ المعنى الحقيقي هو الصوت الذي ينطلق من الغيوم ، وبقية المعاني لها صبغةٌ كنائية.
و «الصواعق» : جمع «صاعقة» ، وتعني في الأصل الصوت الشديد المهيب الذي ينطلقُ من الجو مصحوباً ببريقٍ ناريٍّ عظيم ، وجاءت هذه المادة أيضاً بمعنى الذهول بسبب سماع الاصوات القوية ، وقد تستعمل بمعنى الهلاك أيضاً.
وقال بعض أرباب اللغة : إنَّ موارد استعمال الصاعقة ثلاثة وهي : «الموت» و«العذاب» و«النار» «2» إلّا أنّ الظاهر أنّ جميعها من لوازم المعنى الحقيقي.
أسرار خلق الرعد والبرق :
تعتبرُ الآية الاولى من البحث بشكل صريح ، أنّ برقَ السماء من آيات اللَّه فتقول : {وَمِنْ آياتِهِ يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً}. هذه الآية تارة تذكر الخوف وأحياناً الأمل والرجاء.
الخوف الناتج عن الصوت المهيب الذي يرافق الرعد ، واحتمال تزامنه مع صاعقةٍ مميتة ، والأمل والطمع بسبب احتمال نزول المطر ، لأنّه في كثير من الحالات يعقبُ الرعدَ والبرقَ زوابع مليئةٌ بالبركة.
ولعلَّه لهذا السبب يضيف في سياق هذه الآية : {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}.
فالأرضُ اليابسة والمحترقة تحيى بقليلٍ من المطر والغيث الذى يهب الحياة ، بحيث تنتعش الأزهار والنباتات فيها وكأنها ليست تلك الأرض السابقة.
ولهذا يضيف في نهاية الآية للتأكيد فيقول : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقومٍ يَعْقِلُوْن}.
فهُمْ يفهمون أنّ هذه الظواهر ليست ظواهر عاديّة تحدث صدفةً ، فيتفكرون فيها ويتعرفون على أسرارها.
وورد هذا المعنى في الآية الثانية من بحثنا بتعبيرٍ آخر تعريفاً بالذات الإلهيّة المقدّسة عن طريق آثاره فيقول تعالى : {هُوَ الَّذِى يُرِيَكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وطَمَعاً}.
الخوفُ من الصواعق والتفاؤل بنزول المطر ، أو خوف المسافرين ، وتفاؤل المقيمين في المدن والارياف.
واللطيف أنّه يقول بعد ذلك مباشرة : {ويُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَال}.
وقيل في بيان هذه الجملة (تتزامن مع العواصف القويّة كُتلٌ من الغيوم ، فتغطي اعالي الجو القريبة من الأرض ، فيصبح الجو مظلماً ، وتتولد شحنات كهربائية نتيجة تلاطم الرياح ، وتهتز الأرض والجو بسبب صوت الرعد المتتابع ، وأخيراً فانَّ الغيوم المتراكمة في طبقات الجو السفلى كثيفة ومحملة بكثير من قطرات الماء الكبيرة لذلك تكون ثقيلة للغاية على الرياح المحركة «3».
ويشير في الآية الثالثة والأخيرة من بحثنا إلى ظاهرة «الرعد» فيقول : {ويُسَبِّحُ الرَعْدُ بِحَمْدِهِ}.
ويُبَيِّنُ هذا التعبير أنّ هذه الظاهرة السماوية ليست مسألة عاديةً ، بل تُنبىءُ عن علم وقدرة اللَّه تعالى ، لأنَ «التسبيح» يَعني التنزيه عن كل عيبٍ ونقص ، و«الحمد» تعني شكره مقابل الكمالات ، وعليه فانَّ صوت الرعد يتحدث عن الأوصاف الجمالية والجلالية للَّه تعالى !
ويمكن أن يكون هذا الكلام بلسان الحال ، كما يتحدثُ اختراعٌ مهمٌ عن علم ووعي المخترع ، أو لوحةٌ جميلةٌ جدّاً عن الذوق الحاد للرسام ، أو قطعة شعرية عن الذوق الأدبي للشاعر ، فتمدحه وتشكره ، فتكون لسان حالٍ ، كما قالَ بعض المفسرين بأنَّ لدى ذرات هذا العالم كافة عقلًا وشعوراً ، كل حسب حظه ، وتسبيحها وحمدها ينبع من العقل والشعور والإدراك.
يقول الفخر الرازي في تفسيره :
«فلا يبعد من اللَّه تعالى أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في أجزاء السحاب فيكون هذا الصوت المسموع من الأفعال الاختيارية لله سبحانه وتعالى.
وكما هو تسبيح الجبال في زمن داود عليه السلام وتسبيح الحصى في زمان محمد صلى الله عليه وآله» «4».
فليكن أيُّ الاحتمالين ، فليس هنالك اختلافٌ في بحثنا ، وعلى كل حال فإنّ هناك أسراراً خفيّةً في هذه الظاهرة السماوية حيث تكشفُ عن عظمة الخالقِ وتمثل آيةً من آياته.
والمعروف أنّ الماء والبخار ، والغيوم الناتجة منهما عناصر لا تنسجم مع النار ، ولكن بقدرة الخالق تنطلقُ منها نارٌ هائلة أكثر احراقاً من أنواع النيران الموجودة على الأرض كافة ، وكذلك البخار ، الجسم اللطيف جدّاً ، ولكن ينطلقُ منه صوتٌ لا ينطلقُ من سقوط أثقل وأقوى الأجسام.
ويستفاد من مجموع هذه الآيات أنّ كلًا من «الرعد» و«البرق» من ظواهر عالم الوجود الجديرة بالاهتمام ويجب دراستها بجديّة ، للتوصل إلى أسرارها ، والتعرف على عظمة الخالق عن طريقها ، وسيأتي هذا الأمر في قسم التوضيحات إن شاء اللَّه تعالى.
توضيحان
1- الرعد والبرق في نظر العلم المعاصر
يعتقد العلماء المعاصرون أنَّ بريق السماء يحدث من خلال تقارب كتلتين من الغيوم المحملة بالشحنات الكهربائية المختلفة واحدة موجبة والاخرى سالبة ، فتُحدِثان بريقاً كما يحصل من اقتراب قُطبَيْ المُوصِّل الكهربائي تماماً.
وحيث تتحمَّل قطع الغيوم بالشحنات الكهربائية العظيمة يكون بريقها عظيماً أيضاً ، ونحن نعلمُ أنّ لكلِّ بريقٍ صوتاً ، وكلّما اشتد البرقُ كلما تعاظم صوته ، ولهذا قد يكون الصوت المهيب لهذا البرق من الشدّةِ بحيث يهزُّ جميع المباني ويُحدثُ صوتاً كالقنابل الشديدة الانفجار.
ولكن البرق لا ينتج نتيجة اقتراب كتلتين من الغيوم دائماً لتكون بعيدة عن متناول الإنسان ولا تُسبب أيَّ خطر ، بل قد تقترب الغيوم الحاوية على الشحنات الموجبة من الأرض ، وبما أنّ الأرض تحتوي على الشحنات السالبة لذلك يحدث البرق بين «الأرض» و«الغيوم» ، وهذا البرق العظيم الذي يسمى بالصاعقة خطيرٌ للغاية ، فهو يُحدثُ هزَّةً شديدةَ في المنطقة التي يقع فيها ، وكذلك يولد حرارة عالية جدّاً بحيث إذا أصابت أيَّ شيءٍ تجعلُهُ رماداً «5».
ونظراً لتجمع الشحنات على الأجزاء المدببة للأجسام ففي الصحارى التي تحدث فيها الصواعق ، يظهر البرق في النقاط المرتفعة كرؤوس الأشجار ، وحتى رأس الإنسان المار عبرها ، لذلك يعتبر التوقف في الصحارى أثناء الجو العاصف المليء بالرعد والبرق خطيراً للغاية ، وفي مثل هذه الحالات يمكن أن يزيلَ اللجوءُ إلى الوديان أو الاقتراب من الأشجار واسفل الجبال والتلال الخطر إلى حدٍ ما (إنّ الاتكاء على الأشجار والشبابيك الحديدية لا يخلو من خطورة أيضاً).
ويتضح جيداً من خلال الإشارة أعلاه اخطارُ البرقِ وعامل الخوف الذي اشيرَ إليه في الآيات الآنفة.
2- فوائد وبركات الرعد والبرق
بالرغم من الاخطار التي تصحب الرعد والبرق أحياناً إلّا أنّ لهذه الظاهرة فوائد جمّة سنشير إلى بعضها هنا :
أ) الري- من المعروف أنّ البرق يولِّدُ حرارة عاليةً جدّاً ، قد تبلغ 15 ألف درجة سانتيغراد ، وهذه الحرارة كافية لإحراق مقدارٍ كبيرٍ من الهواء المحيط ممّا يؤدّي إلى هبوط الضغط الجوي مباشرة ، ونحن نعلمُ أنّ الغيومَ تُمطرُ أثناء هبوط الضغط ، ولهذا فغالباً ما يبدأ نزول المطر عقبَ حدوث البرق وتنزل قطرات الأمطار الكبيرة ، وفي الواقع يعتبر الري من هذا الجانب أحد بركات البرق.
ب) رش السموم- عندما يظهر البرق بتلك الحرارة ، تتزود قطرات المطر بكمياتٍ إضافية من الاوكسجين ، فيحصل الماء الثقيل أي الماء المؤكسد (H 2 O 2) ، ونحن نعلم أنّ من آثار هذا الماء هو القضاء على الجراثيم ، ولهذا يستعمل طبياً في تنظيف الجروح ، فهذه القطرات تقضي على بيوض الآفات المسببة لأمراض النباتات عندما تنزل إلى الأرض ، وتقوم برش السموم على أحسن وجهٍ ، لذلك فقد قالوا : في كل سنةٍ يَقلُّ فيها الرعد والبرق تزداد الآفات النباتية.
ج) التغذية والتسميد- إنّ قطرات المطر وأثر حدوث البرق وحصول الحرارة الشديدة الناتجة عنه وتركيبها الخاص ، تحصل على حالةٍ من حامض الكاربونيك ، فتقوم بتكوين سمادٍ نباتيٍ مؤثرٍ أثناء تناثرها على الأرض وتخلُّلها فيها ، فتتغذى النباتات عن هذا الطريق.
ويقول بعض العلماء : إنَّ كمية السماد الحاصل من حالات البرق في السماء خلال سنةٍ واحدة يبلغ عشرات الملايين من الاطنان ، وهذا رقم مرتفعٌ للغاية.
بناءً على ذلك نرى أنّ هذه الظاهرة الطبيعية العاديّة وغير المهمّة إلى أيَّ حدٍّ مفيدةٍ ومليئةٍ بالبركة؟ فهي تسقي ، وترش السموم أيضاً ، وتقوم بالتغذية ، وهذا نموذج صغيرٌ من الأسرار العجيبة لعالَم الوجود حيث يصلح أنْ يكون دليلًا في الطريق لمعرفة اللَّه.
كل هذا من بركات البرق ، ولكن الحرائق التي تنتج عن نوعٍ منه وهي الصواعق من جانبٍ آخر قد تحرق الإنسان أو الحيوان والمزارع والأشجار ، بالرغم من أنّ هذا الأمر قليلٌ ونادر الوقوع ويُمكن اجتنابه ، إلّا أنّه بإمكانه أن يصبح عامل خوفٍ وهَلَعٍ ، وعليه فانَّ ما قرأناه في الآية السالفة بانَّ البرق أساسٌ للخوف وأساسٌ للأمل أيضاً قد يكون إشارة إلى مجمل هذه الامور.
ومن الممكن أن تكون عبارة {وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقالَ} الواردة في نهاية الآية لها ارتباط بميزة البرق هذه التي تؤدي إلى تحمُّلِ الغيوم بقطرات الأمطار.
______________________________
(1) التحقيق في كلمات القرآن الكريم ، مادة (برق).
(2) مفردات الراغب ، ولسان العرب؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.
(3) الريح والمطر ، ص 138.
(4) التفسير الكبير ، ج 19 ، ص 25.
(5) مع أنّ مدة الصاعقة لا تتجاوز عُشرَ الثانية وقد تكون 100 1 من الثانية ، ولكن الحرارة التي تنتج منها تصل إلى 15000 (سانتيغراد) بإمكانها التسبب في حدوث اخطارٍ بالغة الشدّة (حرارة سطح الشمس 8000 فقط) (اعجاز القرآن ، ص 78).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|