أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
820
التاريخ: 16-10-2016
910
التاريخ: 16-10-2016
889
التاريخ: 16-10-2016
849
|
الدول كأفراد البشر لها زمن طفولية وزمن شباب وزمن كهولة وزمن هرم وانحلال. والدول أيضًا كأفراد من جهة طول العمر وقِصره؛ فمن الأفراد مَن يعيش قليلًا، ومنهم مَن يعيش طويلًا حسب القوة المودعة في ذلك الجسم. وهذه الدولة السلوقية لم تُعمِّر كثيرًا، فإنها عاشت ثلاثة قرون، ثم دبَّت في جسمها عوامل الانحلال فأفنتها؛ ففي الشرق اضطُرَّ سلوقس مؤسس سلوقية إلى أن يسلِّم كور الإسكندر الهندية إلى الملك الهندي شندرا غبتا، الذي كان بنفسه مؤسس دولة جديدة في الهند، وكانت قاعدتها بطنة على نهر الكنج التي ابتنى فيها ملكها المذكور قصرًا على طَرْز قصور ملوك فارس على ما أظهرته لنا الحفريات الأخيرة، وانفصل عنها أبعد الأقاليم عن إيران (مثل: بلخ والصغد الواقعتين في شمالي أفغانستان، وإمارة بُخارى الحالية)، وذلك في نحو سنة 255 ق.م في عهد ملوك يونان أصلهم من هذه البلاد. وهذه الهلنية — هلنية الشرق الأبعد — بقيَت في وسط ملوك أجانب أو برابرة، وإن كانت قد قُطعت عن الجسم الهلني الأصلي مدة تنوف على مائتي سنة، والآثار الباقية من هذه الهلنية هي أنواط ونقود معاصرة للتاريخ المسيحي، وكانت قد أبدَت سيادة مؤقتة على أعظم قِسم من شمالي الهند، اكتسب فيه اليوانة شُهرة في آداب اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية)، لا بمنزلة محاربة لليونان محاربة «سيئة»، وصبأ منندر الملك اليوناني إلى الدين البوذي وتبوذ (ويُذكر اسمه في الآداب البوذية المقدسة مُحرَّفًا بصورة ملندة). وفي سنة 248 أغار على إقليم برثية (خراسان الحالية) قوم أقبلوا من الفيافي، ويتصل نسبهم بالإيرانيين، وأسَّس قائدهم أرشك دولة مستقلة، عُرفت بدولة البرثيين، أو البرث،(1) وأخذت تنمو مستمدة قواها من امتصاص قوى الدولة السلوقية والدولة اليونانية البلخية، وكان لهذه الدولة نوع من الزرادشتية (المجوسية)، وهي تظهر لشعب إيران ممثلة للمسألة القومية ومقاومة للأوروبيين، لكن الفُرس لم ينظروا أبدًا إلى الآرشكيين نظرهم إلى ملوك فرس حقيقيين؛ لِما في دمهم من البداوة وفي أخلاقهم من الفظاظة والعنجهية، وقد ابتلعت الدولة الآرشكية في برثية أولًا جارتها هرقانية، وهي الديار الكثيرة الغابات من منحدرات شمالي جبال البرز نحو بحر قزوين (وهي المعروفة اليوم بمازندران)، وفي عهد ملكها مثريدات الأول (170–138ق.م) ظهر على أعظم القسم من شرقي إيران آخذًا إيَّاه من يونان بلخ (بقطرية)، وفي عهد الملك المذكور خرج الحكم السلوقي من بلاد ماذي. وأما بلاد بابل فقد تنازعتها الأيدي مِرارًا عديدة، لكنها كانت للسلوقيين في سنة 144 ق.م، إلا أنه يظهر أنها انتقلَت إلى البرث قبل سنة 40، وفي تلك السنة استرجعها ملك سلوقي، وبعد سنتين وُجد أن صاحبها ملك اسمه أرشك على ما وُجد في رقيمٍ كُتب بالخط المسماري القديم، ثم استرجعها للمرة الثانية آخر ملوك السلوقيين، وهو الملك الصنديد أنطيوخس سيديتس في سنة 130، بل وتتبَّع البرث وطردهم من غربي إيران، وهناك انكسر هذا الملك وقُتل في السنة التالية، فعاد البرث إلى بلاد بابل وانتقموا انتقامًا عظيمًا من مدينة سلوقية التي كانت قد تخرَّبَت للدولة المالكة اليونانية. ومنذ ذاك الحين إلى أربعة قرون ملك البرث إيران وبلاد بابل، وأصبحَت دولتهم أعظم دولة في الشرق، والأرجاء التي كانوا قد افتتحوها كانت مُغشاة بالمدن اليونانية على ما ألمعنا إليه. وبهذا المعنى عمَّرَت الهلنية طويلًا في عهد الحكومة «البربرية» مدة أجيال في الأقاليم التي فقدها اليونان. ونظن أن تجارة المملكة البرثية بقيَت في أيدي اليونان. وأظهر الملوك البرث الأخيرون التفاتًا عظيمًا للعنصر اليوناني، وكانوا يلقِّبون أنفسهم «محسني اليونان»؛ تقرُّبًا من رعاياهم اليونان، لكن هؤلاء كانوا يخيِّرون دائمًا عليهم كل فاتح أوروبي.
......................................
1- من غريب تواريخ العرب أنك إذا تصفَّحت كتب مؤلفيها الأقدمين لا ترى فيها ذكرًا للبرث أو البرثيين، مع أن ذكرهم في الأخبار عظيم جدًّا، وما عسى أن يكون السبب لهذا الإهمال أو هذا النسيان؟ سببه أن العرب في تعريبهم للحرف الباء المنقط بثلاث نقط من تحت نقلوه فاء أو باء موحَّدة تحتية، أما في هذا اللفظ فعرَّبوه فاء، ثم إنهم نقلوا الثاء المثلَّثة سينًا تبعًا للغة، أو لتغة لهم، فصارت الكلمة برث «فرس»، ثم تغافل قُرَّاؤهم وكُتَّابهم عن ضبط الفاء بالفتح، فقرءوها بالضم، فصارت الفَرس: الفُرس، فخلطهم العرب بهم، أي بالفُرس (بالضم)، وعلى هذه الصورة أهملوا ذكر البرث أو الفَرس (بالفتح)، وهو أمر مهم.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|