أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016
1410
التاريخ: 15-11-2016
2071
التاريخ: 5-8-2020
2729
التاريخ: 24-7-2020
2555
|
وجاءَت حركة هرقل الأخيرة في أنطاكية وشمالي سورية حافزًا قويًّا حَمَلَ قادة العرب المسلمين على إعادة النظر في الموقف الحربي، فعقد الخليفة مؤتمرًا في الجابية درس فيه الموقف مع قادة جيوشه، وكانت مصر هي القاعدة التي انسحب إليها الأرطبون Areteon، «وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدهم غدرًا (1) «. ولعله رأى أن التجمع في منطقة آمنة يشنُّ منها هجومًا جديدًا على العرب المسلمين أَجْدَى من البقاء في الشام؛ ولذا تراجع عن فلسطين وذهب إلى مصر. وكانت مصرُ أيضًا القاعدةَ التي انطلقتْ منها حملةُ قسطنطين بن هرقل على أنطاكية، وكان البحرُ لا يزالُ في أيدي الروم يمدون منه قيصرية فلسطين بالمؤن والذخائر والرجال، وكانت قيصرية لا تزال صامدة في وجه عمرو بن العاص(2)، فهي لم تسقط في أيدي العرب المسلمين قبل السنة 640، وكانت مصر تُطل على الحجاز، على مكة والمدينة، وقد ينطلق الروم منها إلى الحجاز مباشرةً فيصيبون الحركة الإسلامية في منابعها الرئيسة، وكانت مصر أيضًا لا تزال أهراءَ القسطنطينية ومركز تموينها، وجاءَ في كتاب فتح مصر لابن عبد الحكم أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر يقول: «إنْ فتحتها كانت قوةً للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا(3) «. ولا بد من أن يكون قد شارك عمرو في رأيه هذا رجالُ الثروة والمال في مكة، فطبيعيٌّ أن يكون هؤلاء قد لمسوا عظمةَ التجارة بين الشرق والغرب، تلك التجارة التي كانت تَمُرُّ عبر مصر ولبنان وسورية، وبعضها كان يمر بين أيدي الأثرياء المكيين قادمًا من الجنوب ليبلغ إلى ساحل مصر وفلسطين. وليس مِنَ المستبعَد أن يكون عمرو بن العاص، وعثمان بن عفان، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم من تجار مكة؛ قد زاروا مصر قبل الإسلام، وشاهدوا بِأُمِّ العين اتساعَ الحركة التجارية فيها — كما جاءَ في أخبار ابن عبد الحكم وأخبار السيوطي (4). ويرى المستشرق المستعرب فيات Wiet أن مدينة قفط في الصعيد كانت قد أصبحت نصف عربية قبل الإسلام (5). وهكذا، فإن الدوافع التي حملت الخليفة عمرَ في مؤتمر الجابية أن يمنح عَمْرًا سُلطةَ فتح مصر؛ كانت دوافعَ جوهرية، ولم يكن هذا الخليفةُ الكبير مغامرًا؛ فإنه عُرِفَ بحبه لِلتَّأَنِّي، وحِرْصِهِ على أن لا يعرِّض قواته للخطر؛ ولهذا يجب إعادةُ النظر في الكتاب الذي قيل: إنه أرسله إلى عمرو، وعمرو في طريقه إلى مصر، يأمرُهُ فيه بالعودة إن لم يكن قد وصل إلى مصر أو بالسير قدمًا في وجهته إن كان قد دخل الأرض المصرية عند تَسَلُّمه الكتاب؛ فهذا قولٌ لا تشجع الحوادث على قبوله، ولا يتفق وما عرف من كياسة عمر الخليفة الكبير(6). وسار عمرو بن العاص من قيصرية فلسطين إلى مصر في كانون الأول من السنة 639، على رأس بضعة آلاف مقاتل، فلقي مقاومةً في الفرما Pelusium شرقيِّ بورسعيد أوقفته شهرًا كاملًا، ثم تغلب عليها في أوائل السنة 640، وتقدم منها إلى بلبيس، فأُمِّ دنين Tendounya، فتَحَصَّنَ الرومُ في حصن بابليون على رأس الدلتا، وعسكر العربُ في عين الشمس Heliopolis، واشتدت مقاومةُ الروم برئاسة البطريرك كيروس «المقوقس» وقيادة ثيودوروس أخي الفسيلفس، واستنجد عمرو الخليفةَ فَأَمَدَّهُ ببضعة آلاف رجل بقيادة الزبير بن العوَّام، وبرغم تضاعف القوة فإن العرب المسلمين لم يقدروا على مهاجمة الحصن؛ لأنه كان منيعًا، ولأنهم كانوا في فقر إلى أدوات الحصار، فاكتفوا بسد المنافذ على الحصن، وطال الحصار بضعة أشهر، وكانت مفاوضاتٌ بين كيروس وعمرو، وسافر كيروس إلى القسطنطينية؛ ليعرض نتيجةَ هذه المفاوضات على الفسيلفس، فاتهمه هذا بالخيانة ونفاه، وتُوُفِّيَ هرقل في الحادي عشر من شباط سنة 641، فانبعثت اختلافاتٌ داخليةٌ قديمةٌ، حالت دون إرسال المدد إلى حصن بابليون، فدخله العرب في السادس من نيسان من هذه السنة نفسها(7). وبسُقُوط حصن بابليون مفتاح مصر السفلى والعُليا انتشر العرب في ريف مصر السفلى، وتجمعت حاميات الروم بالإسكندرية، فسار عمرو بن العاص لمحاصرتها، وكانت حصونُها منيعة تحميها غياض وبحيرات، وكان البحر لا يزال بيد الروم فكان يأتيها منه المدد، فطال أمر حصارها. وخلف هرقل ابنه قسطنطين الثالث، وكان لا يزال حدثًا وشاركتْه والدتُهُ مرتينة في الحكم. وكثرت القلاقل في عاصمة الروم، واستفحل أَمْرُ اللومبارديين في إيطالية، فأعادت مرتينة البطريرك كيروس إلى الإسكندرية؛ ليفاوض العرب في الصلح، فَلَمَّا بلغها سار توًّا إلى بابليون وفاوض عمرو بن العاص، فانتهى الأمرُ بينهما إلى صُلح الإسكندرية في الثامن من تشرين الثاني سنة 641. وأبرز شُرُوط هذا الصلح الجزية لمن بقي في مصر، والأمن لِمَنْ رحل عنها، والهدنة أحد عشر شهرًا؛ ليتسنى للجيش ولغيره من المدنيين الرحيل (8).
................................................
1- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 208-209
2- De Goeje, Mémoire, Op. Cit., 167
3- Sicorias Probus
4- حُسن المحاضرة، ج1، ص92 99.
5-الموسوعة الإسلامية، المقال «قبط «.
6- الإمبراطورية البيزنطية والدولة الإسلامية، للدكتور إبراهيم العدوي، ص47 -48، راجعْ أيضًا حركة الفتح الإسلامي، للدكتور شكري فيصل، ص85-86، ومصر في فجر الإسلام، لسيدة إسماعيل كاشف، ص8 ــ 10.
7- Nikiou, Jean, Chronique, 557
البلاذري، ص213–215، وابن عبد الحكم، ص56 وما يليها، والأسقف حنا النقيوسي أقرب الرواة للحوادث، فإنه من أعيان القرن السابع للميلاد.
8- حولية النقيوسي، ص575.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|