أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-08
970
التاريخ: 2024-08-13
411
التاريخ: 2023-10-15
965
التاريخ: 2024-07-31
481
|
غزوة خيبر (1).
وقد وقعت في السنة السادسة للهجرة أيضاً وذلك انّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان قد قصد مكة في أوائل شهر ذي القعدة من نفس هذه السنة لأداء مناسك الحج، فصدته قريش عن دخولها، فكان أن أبرمت وثيقة الصلح المسمّى بصلح «الحديبية» بعد مشاورات طويلة بين وفود الطرفين. ورجع النبي إلى المدينة، وفي طريقه أنزل الله عليه سورة الفتح، فتلاها على المسلمين مستبشراً بالنصر.
وكان (صلّى الله عليه وآله) قد اطمأنّ بعد صلح الحديبية إلى حدّ ما من ناحية قريش والعرب الذين كانوا لا يزالون على الشرك، إلا إنّه ظلّ يراقب اليهود الذين كانوا خارج المدينة، ويخشى غدرهم لأنّه لمس منهم انّهم لا يلتزمون بعهدٍ ولا بحلف، لذلك صمّم على غزوهم ومحاربتهم، فلم يلبث في المدينة أكثر من شهر حتى أعلن رأيه هذا لأصحابه، وأمرهم ان يتجهزوا لغزو خيبر.
فخرج من المدينة في ألف وستمائة مقاتل، ومضى في طريقه الى خيبر، وقطع المسافة التي بينها وبين المدينة في ثلاثة أيام، ودخل إلى مشارفها ليلاً، وكانت خيبر تتراءى للمسلمين واحةً تمتد بين تلال الحرّة وصخورها السوداء، وكأنّها بحيرة من الزمرد الأخضر. وأقام المسلمون تلك الليلة على مشارفها مخيّمين هناك يستريحون من عناء الرحلة، حتى إذا تمطّى الليل عن الصبح، وانتشرت أشعة الشمس المشرقة تكسو أعالي النخيل بلون ذهبي جميل، انتشر عمّال خيبر ـ كعادتهم ـ خارجين من قلاعهم الى بساتينهم يحملون محافرهم وفؤوسهم، وقد علّقوا السلال بأكتافهم، فبصروا بجند المسلمين الآتين من الحرّة، ومعهم الرماح والسيوف المتوهجة في أشعة الشمس، فصاحوا: «محمدٌ، والخميسُ (2) معه!» وأدبروا هاربين مخلّفين المحافر، والفؤوس والسلال. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الله أكبر؛ خربت خيبر؛ إنّا إذا نزلنا بساحةِ قوم فساءَ صباح المنذرين. ووقف العرب عامة، وبخاصّة قريش، يتطلعون بشوق ولهفة إلى نتائج هذه الغزوة، وفي حسابهم أنّ الدائرة ستدور على محمد وأصحابه. أمّا اليهود، فقد تشاوروا فيما بينهم، واتفقوا أخيراً على القتال، فأدخلوا نساءهم وذراريهم وأموالهم حصن «الوطيح والسلالم» وأدخلوا ذخائرهم حصن «ناعم» ودخلت المقاتلة في حصن «نطاة» والتقى الجمعان حول هذا الحصن، واقتتلوا قتالاً شديداً حتى جرح عدد كبير من المسلمين، واستبسل الفريقان، وظلوا على ذلك شطراً من النهار. وقتل في ذلك اليوم محمود بن مسلمة، كان حين أنهكه التعب قد استظل بجدار الحصن فألقى عليه يهوديٌّ رحى من أعلى الحصن فقتله.
وأظهرت قلاع «النطاة» وناعم صموداً أمام معسكر المسلمين ما لبث أن انهار بعد أيام أمام ضرباتهم واصرارهم العنيد، ولكن خيبر لم تفتح، فقد بقي من قلاعها قلعة «القميص» وهي أهم قلاعها، كانت قائمة على قمة تل صخري أملس رأسي الحواف، محاطة بجدار ضخم مرتفع، وقد اشتهرت بالقوة والمناعة، وكان يدافع عنها «مرحب» البطل الشهير. وطال الحصار، ودبّت المجاعة بالجيش، ففترت همّة الجند، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) كلّما أعطى الراية لبعض أصحابه يرجع منهزماً كاسفاً. فرأى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يحشد كل قواه الضاربة لفتح هذا الحصن، فاجتماع اليهود فيه يجعلهم أقدر على الفتك بالمسلمين. وجمع محمد (صلى الله عليه وآله) جيشه، وأمرهم أن يقتحموا الحصن، وسلّم أبا بكر راية الجيش، ولكنّ أبا بكر لم يستطع أن يصنع شيئاً ولا أن يقتحم الحصن، فبعث في اليوم الثاني عمر ابن الخطاب، فكان نصيبه كنصيب صاحبه. «فقد انكشف عمر وأصحابه ورجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في رواية الطبري: يجبّنه أصحابه ويجبّنهم» وظلّ القتال مستمراً وكلّما أعطى الراية إلى أحد، رجع خائباً، أو فارّاً (3).
ولمّا بلغ الجهد بالمسلمين مبلغاً تخشى عواقبه وساء رسول الله ذلك. فقال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً، كرّاراً غير فرّار، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ولا يرجع حتى يفتح الله على يده» (4) فتطاولت لها قريش، ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب الراية وكان علي في تلك الحال أرمد لا يكاد يبصر أمامه، ولمّا سمع مقالة النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: اللهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت. فأصبح رسول الله واجتمع إليه الناس كل يرجوها له، حتى روي عن عمر أنّه قال: إني ما أحببت الإِمارة إلا ذلك اليوم، وتمنّيت أن أعطى الراية بعد أن سمعت ذلك من رسول الله. قال سعد بن أبي وقاص: جلست نصب عينيه، ثم جثوت على ركبتي ثم قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني! فقال (صلى الله عليه وآله): ادعوا لي عليّاً. فصاح الناس من كل جانب: إنّه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه. فقال: أرسلوا إليه وادعوه! فأتي به يُقاد. فوضع رأسه على فخذه، ثم تفل في عينيه، فقام وكأنّ عينيه جزعتان. وبرئ من ساعته، وقال له: خذ الراية، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فقال له عليّ: على ماذا أقاتلهم يا رسول الله. قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم. ثم دعا له.
قال سلمة بن الأكوع، فانطلق عليّ عليه السلام يهرول هرولةً ونحن خلفه نتتبع أثره، حتى ركز الراية بين حجارة مجتمعة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من أعلى الحصن وقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال اليهودي: «علوتم! وما أنزل على موسى !!» (5) وخرج إليه اليهود يتقدمهم أبطالهم، وفيهم الحارث أخو مرحب وكان من شجعانهم المعروفين، فحمل بمن معه على المسلمين، فوثب علي عليه السلام وضربه بسيفه، فخر صريعاً، ثم كر بأصحابه على اليهود، فتفرقوا بين يديه وانخذلوا بعد مقتل الحارث وجماعة منهم، وولوا منهزمين الى داخل الحصن فاستعظم ذلك قائدهم «مرحب» بعد أن شهد مصرع أخيه وهزيمة من معه. فخرج يطلب الثأر «وكان هو حقاً سيد فرسان خيبر، ولكنّه خرج إلى علي بطيئاً، في كبرياءٍ وثقةٍ مطمئنة، مهيباً ضخماً، بيده حربة ذات ثلاث رؤوس، وكل جسده الفارع الشاهق، في الزرد، والحديدُ يغطي رأسه وساقيه، وليس في كل بدنه ثغرة ينفذ منها سيف». فجعل يرتجز ويقول:
قد علمت خيبرُ أنّي مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا السيوف أقبلت تلتهب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فبرز إليه علي وهو يقول:
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة
كليث غابات شديد قسورة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
وتقدّم إليه علي بقامته المعتدلة، وهو بلا درع، وفي يده السيف وحده، وتوقع المسلمون واليهود جميعاً أنّها نهاية علي عليه السلام، ولكن علياً استطاع أن يحسن الإِستفادة من تخففه من الدرع والزرد، وترك مرحباً يتقدم بدرعه وزرده وحربته، حتى إذا أوشك سِن الحربة أن يمس صدر علي ( عليه السلام ) تراجع علي فجأةً ثم قفز في الهواء متفادياً حربة مرحب، ثم اقتحم وأهوى بكل قوته على رأس مرحب بالسيف، فانفلق الحديد من على رأس مرحب، وسقط سيف علي على الجمجمة فشقّها نصفين وهوى مرحب وسط ذعر اليهود وعجبهم، وصيحات النصر ترتفع من معسكر المسلمين.
ثم اقتلع علي عليه السلام باب الحصن ـ وكان حجراً طوله أربعة أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع ـ فرمى به الى خلفه، ودخل الحصن هو والمسلمون (6).
وبعد فتح حصن «القميص» أيقن سكّان خيبر بالهلكة، وكانت قلاع «الوطيح والسلالم» لم تسقط بعد، فأرسلوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلبون الصلح ـ بعد أن حاز النبي أموالهم كلها بالشق ونطاة، والكتيبة ـ على أن يحقن دماءهم فقبل النبي بذلك، وأبقاهم على أرضهم التي آلت له بحكم الفتح على أن يكون لهم نصف ثمرها مقابل عملهم. وقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أموال خيبر ونتاجها الزراعيّ على المسلمين «فأطعم كلّ إمرأةٍ من نسائه ثمانين وسقاً (7) من تمر وعشرين وسقاً شعيراً. وللعباس بن عبد المطلب مائتي وسق، ولفاطمة وعلي عليهما السلام من الشعير والتمر ثلاثمائة وسق. وللمقداد بن عمرو خمسة عشر وسقاً شعيراً(8).
وفي السيرة لابن هشام: قسم لنسائه من القمح مائة وثمانين وسقاً، ولفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وثمانين وسقاً، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً، ولمقداد بن عمرو خمسة عشر وسقاً ولأم رميثة خمسة أوسق (9).
قال الواقدي: وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أمها، قالت: بعنا طعمة المقداد بن عمرو من خيبر «خمسة عشر وسقاً شعيراً» من معاوية ابن أبي سفيان بمائة ألف درهم (10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في معجم البلدان: وتشتمل خيبر ـ هذه الولاية ـ على سبعة حصون، ومزارع، ونخل كثير. واسماء حصونها: حصن ناعم. وعنده قتل محمود بن مسلمة، والقموص، وحصن الشق، وحصن النطاة. وحصن السلالم وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأما لفظ خيبر، فهو بلسان اليهود: يعني الحصن. ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سميت خيابر 2 / 409.
(2) الخميس: الجيش.
(3) راجع سيرة المصطفى / 549.
(4) إعلام الورى / 107 وغيره.
(5) وفي الكامل 2 / 220: فأشرف عليه رجل من يهود فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي غُلبتم يا معشر اليهود. وفي بقية المصادر والمراجع بمضمون واحد. وقوله: وما انزل على موسى: أي قسماً بما أنزل على موسى.
(6) اليعقوبي 2 / 56 وغيره.
(7) الوسق: ستون صاعاً أو حمل البعير.
(8) الواقدي: 693.
(9) السيرة النبوية لابن هشام 3 / 229.
(10) المغازي / 694.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|