أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-21
![]()
التاريخ: 2023-11-15
![]()
التاريخ: 2023-09-26
![]()
التاريخ: 2024-08-08
![]() |
لا نجد بين الألوف الذين سادوا الممالك وقاموا بمهام الملك إلا قليلا من النساء، كأن المرأة لم تولد لتسود بل لتساد ولو كانت سيدة في بيتها، لكن النساء القليلات اللواتي أُدليت الأحكام إليهن كزينوبيا ملكة تدمر، وكاترينا ملكة الروس، وأليصابات ملكة الإنكليز؛ قبضن على أزمتها بأيدٍ من حديد وسُسن ممالكهن بالحكمة والسداد، والملكة فكتوريا أطولهن حكمًا وأوفرهن حكمة بإجماع كل الذين انتقدوا أعمال الملوك، وسر نجاحها في حكمها جريها على إرادة شعبها ووزرائها، فإنها لم تترك شعبها ليختار له النواب الذين يريدهم، فتسلم مقاليد الأحكام لزعيم الحزب الأكبر من هؤلاء النواب، ولا تقف عند هذا الحد ولا تكف عن الاهتمام بشئون المملكة، بل تساعد وزراءها في أعمالهم كأنها تصب عليها زيتا وبلسماً حتى يقل الاحتكاك بين مصالح العباد ويصحب كل سهم نافذ بمرهم يداوي الجراح ويزيل الآلام، فتاريخها السياسي هو تاريخ وزرائها الذين ولتهم الأحكام من حين تربعت في سرير الملك إلى الآن وسنقتصر على ذكر أشهرهم.
لورد ملبرن:
لما دعيت الملكة فكتوريا من المدرسة إلى سرير الملك كان لورد ملبرن رئيسًا للوزراء، فجعل غرضه الأول اطلاعها على أسرار السياسة وأساليبها، فنجح في ذلك نجاحًا تاما؛ لأنه كان ينظر إليها نظر الوالد إلى ولده، فاعتبرته والدا رءوفًا وصديقا حميما، لكن تعليمه لها لم يقتصر على شرح أساليب السياسة وغوامضها بل تناول تعويدها الصفح والتغاضي عن الذين يُسيئون إليها، وكان هو أول مسيء في أمر الراتب الذي عُين لزوجها وفي أمر تقدمه على غيره في الاحتفالات الرسمية، فإنه جعل الراتب أولا خمسين ألف جنيه في السنة، ولكنه لم يُذاكر زعماء المحافظين فيه قبل أن يعرضه على المجلس كما هو الواجب عليه، فعارضوه فيه ما عرضه، وجعلوه ثلاثين ألف جنيه فقط، ثم جعل منزلة زوجها بعدها تمامًا ولم يذاكر زعماء الأشراف قبل أن يعرض عليهم هذا الأمر فأغضوا عنه، وبقي البرنس كأحد العامة، ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة للملكة والغضّ من كرامة زوجها، لكنها تحملته بالصبر الجميل وأغضت عنه إغضاء الكرام، ولم ينقص اعتبار لورد ملبرن في عينيها لعلمها أن الإساءة غير مقصودة وأن الحسنات يذهبن السيئات. وكان لورد ملبرن شيخًا واسع الرواية عارفًا بأساليب السياسة وأخبار الأيام، قوي الحافظة يستحضر ما يشاء من الأخبار والأشعار فيرويها على صحتها، وكان السر روبرت بيل نِدَّه في السياسة يقول إن ليس للملكة سبيل أفضل من اتباع مشورة لورد ملبرن في كل ما يشور به عليها وكذلك دوق ولنتن زعيم حزب المحافظين في مجلس الأعيان قال جهارًا في ذلك المجلس إن لورد ملبرن قد خدم الملكة أعظم خدمة ممكنة باطلاعها على أساليب السياسة وتدريبها على الحكومة الدستورية وتعليمها كيف تسوس شعبها بموجبها. وكان خالها ملك البلجيك ومشيره البارون ستكمار يبذلان الجهد في تدريبها على الجري، بموجب مطالب الحكومة الدستورية وترفعها عن الأحزاب السياسية؛ حتى لا تنقاد إلى حزب من حزبي بلادها فتغضب الحزب الآخر وتصبح زعيمة حزب لا ملكة البلاد كلها، بل تبقى فوق الحزبين وتُراعي مصالحهما على حد سوى، ولو كان لورد ملبرن قليل الولاء لمولاته أو مُفضّلا مصلحة حزبه على مصلحتها؛ لسهل عليه أن يقودها إلى حزبه ويجعلها منه لكنه لم يفعل ذلك ولا تركها تنقاد إلى حزبه من تلقاء نفسها، بل قاوم ميلها الطبيعي وعلمها أن تكون ملكة على البلاد كلها لا أن تكون رئيسة حزب من حزبيها. ولما سقطت وزارة ملبرن حزنت على فراقه، ثم لما فارق الحياة الدنيا سنة 1848 لم يحزن عليه أحد قدر ما حزنت، بعد أن بذلت هي وزوجها جهدها ليَسُرَّاه ويُحليا مرارة حياته في السنين الأخيرة من عمره، وكتبت في يوميتها تقول: «إني أندب الآن، فقد الصديق الصادق والخل الوفي الذي كان يَودُّني ويسعى في مصلحتي بكل جهده عن إخلاص تام وحب صادق، الذي كان صديقي الوحيد تقريبًا في السنتين الأوليين من ملكي.» وحدثت حوادث سياسية ذات شأن مدة وزارته فثار أهالي كندا ونهض محمد علي باشا في مصر على الدولة العلية، فاتفقت إنكلترا والنمسا مع تركيا على إخراج إبراهيم باشا من سورية، وأخذت بيروت وهدمت حصون عكاء وردت العمارة التركية إلى الدولة العلية، وكادت تنشب الحرب بين إنكلترا وفرنسا بسبب ذلك؛ لأن فرنسا كانت عازمة على مظاهرة محمد علي باشا لكي يكون لها الشأن الأعلى في مصر فتنضم عمارة مصر إلى عمارتها في البحر المتوسط وتصير قادرة على مقاومة إنكلترا، فأُحبطت مساعي فرنسا بالمحالفة التي عقدت في 15 يوليو سنة 1840 بين إنكلترا والنمسا وبروسيا وروسيا وتركيا؛ لحماية القطر المصري، وكان تيرس وزيرًا لفرنسا فدهش لما سمع بهذه المحالفة وأخذ منه الغيظ كل مأخذ، وعزم الفرنسيون على محاربة الإنكليز لو لم يصرفهم ملك البلجيك عن ذلك، وكان قد اقترن بابنة الملك لويس فيليب ملك فرنسا، ونشبت الحرب بين إنكلترا والصين بسبب تجارة الأفيون، وعُقد الصلح سنة 1842 على أن تدفع الصين 21 مليون ريال وتتنازل لإنكلترا عن هنغ كنغ. وولد لورد ملبرن سنة 1779 وتُوفي سنة 1848.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
دراسة تستعرض آلام السجناء السياسيين في حقبة البعث المجرم في العراق
|
|
|