أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
![]()
التاريخ: 11-10-2014
![]()
التاريخ: 11-10-2014
![]()
التاريخ: 11-10-2014
![]() |
يقول الدكتور عبد العليم ـ أُستاذ الجغرافيا المُساعِد في جامعة ابن سعود ويحمل شهادة زَمالة الجغرافيّين الملكيّة ـ لندن ـ : دراسة جغرافيّة منطقة السّدّ ، دراسة جيولوجيّة واقتصاديّة لمعرفة إمكانيّاتها الطبيعيّة والإمكانات البشريّة التي كان من المفروض تَوفُّرها للوفاء باحتياجات السّدّ التي طلبها ذو القَرنَينِ ، ودراسة مدى التَحضّر البشري حينذاك .
بالنظر إلى الآية الكريمة {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } [الكهف : 95 ، 96] نرى أنّ الإمكانيّات التي قدّمها كورش لإتمام السّدّ هي : الخُبرَة والمُهندسينَ والإشراف ، وأمّا الإمكانيّات التي طلبها من سُكّان المنطقة فكانت تنحصر في :
1 ـ القوّة البشريّة ( العَمّالة ) .
2 ـ خامات الحديد .
3 ـ الفحم أو الخشب لصَهر الحديد .
4 ـ خامات النُحاس .
5 ـ عددٍ مّا من حيوانات الجرّ والحَمل .
6 ـ استهلاك العُمّال والمُهندسينَ من طعام وشراب ومأوى .
ولنا أنْ نتساءل : هل كانت ( فارس ) على درجة من التحضّر والتقدّم بما يُوفّر الخُبرَة الهندسيّة لتشييد السُدود والأعمال العُمرانيّة الضَخمة ؟
لفارس ، حضارتها الخاصّة بها بلا شكّ ، ولكن مصر الفرعونيّة ـ بشهادة التأريخ ـ قَدَّمت لها أعظم مدرسة في التشييد والبِناء والصناعة . لقد قدّمت مصر ـ وكانت على اتّصال وثيق ببلاد الشرق الأدنى منذ 4000 سنة ـ للحضارة الفارسيّة العلوم الرياضيّة والهندسيّة والطبّ والفَلَك وتعبيد الطُرُق والكتابة والتقويم والساعات والورق وفنّ المكتبات وحفظ الوثائق ، والأثاث الدقيق والمصقول ، وفنّ التلوين .
ولم تقتبس فارس من حضارة مصر فقط ، وإنّما نَقلت أيضاً ـ زَمن الهخامنشيّين ـ من بابل كثيراً من العلوم والفنون والصناعات ، وهكذا من اليونان استخدموا مهندسينَ كِباراً لفنّ النحت وبِناء القُصور الشامخات والأَعمدة الرفيعة والأقواس من الرُخام
والأحجار الثمينة (1) ، ولا نَنكُر أنّهم ـ أي الفُرس ـ أَضافوا إلى ما أَخذوه وخَلَّفوا لنا حضارةً راقيةً ، هي مَزيج من حضارات العالَم القديم مصر ـ بابل ـ يونان .
وإجابة على السؤال ، يُمكن القول : إنّ الفُرس ـ في عصر الهخامنشيّين ـ امتازوا بمهارتهم في فنّ العِمارة والبِناء ، يشهد بذلك كلّ ما اكتشفه علماء الآثار هناك من أَبنية تَدلّ على عَظَمة التصميم الهندسي ، ودقّة اختيار الموادّ الخام ، وتطويعها للغرض الإنشائي المَنشود ، فقد أَخذ البناؤون الفُرس يَتعلّمون فنّ المِعمار من الشُعوب التي خَضَعت لهم ( سومر ـ آشور ـ كلدان ـ يونان ) وسُرعان ما استوعبوا أَسراره .
ومَن ينظر إلى مقبرة وقُصور كورش ، ودارا الأَوّل ، وخِشَيارْشا الأَوّل ، يُدرك عُمق تأثّر المِعمار الفارسي بما يُحيط به من أَنماط في مصر ويونان وبابل وميديا وليديا... ونُدرك نحن ذلك إذا فَحصنا جيّداً ما شيّده كورش في ( باساركاد ) (2) رُغم تَهدُّمها ، فالواقع أنّها صور من الرَوعة والجمال ترسم ملامح الفنّ الفارسي الهخامنشي مُنذ أربعة وعشرين قَرناً ، وتزداد صورُ الرَوعة إشراقاً إذا فحصنا ( نقش رستم ) بالقُرب من ( برسبوليس ) (3) والآثار الموجودة في هذه المدينة .
بالإضافة إلى ذلك تُوجد أَبنية فارسيّة قُدّر لها أنْ تَفلت مِن مَخالب الحروب والدمار والغارات والسَرِقات وتقلّبات الأجواء ، وهي تتمثّل في مجموعة من حُطام القُصور ، وبقاياها موجودة حتى الآن في العواصم الفارسيّة القديمة مثل ( بارساركاد ) و( برس بوليس ) و( اكبتانا ـ همدان ) .
وهي جميعها تُفيد في دراسة مراحل تَطوّر فنّ التشييد والبِناء في تلك المَرحلة من حكم الهخامنشيّين لفارس ، وتؤكّد أنّ الهخامنشيّين تَتَلمذوا على حضارات أُمَم مُجاورة وأحسنوا التَلمَذة وأجادوها في كلّ الحقول ، سواء أكانت الصناعات المختلفة أو التكنيك أو تعبيد الطُرُق أو الإنشاءات المِعماريّة والفنّية والجسور والسدود .
وكلّها اتّسمت بطابع الأصالة في التخطيط وحُسن التنفيذ بما يُمكن أنْ يجعلنا نقول : إنّ الفُرس صَنعوا ممّا نقلوه رمزاً شاهداً على اتّجاههم الخاصّ وأُسلوبهم المُتطوِّر .
ويبدو ممّا بقي من آثار حجريّة ودَرَج وأعمدة وأقواس ، وتماثيل الحيوانات المُجسّمة ، وبقايا البِناء الذي خَلّد فيه كورش ذِكرى انتصاره على الميديّين ، درجة كفاءة التَحضّر الفارسيّ آنذاك ، ويبدو أيضاً ممّا بقي من آثار أنّ صوراً قد نُحتت مِن الحجر في هذا المكان من ( مشهد مرغاب ) ولكنّها خَرُبت ، وأنّ نقشاً يُظنّ أنّه لكورش قد دُرِس ، وعلى مَقربة من هذا البِناء بِناء عظيم من الحَجَر يقع في ستّ مُدرجات وقد عُرف هذا البِناء اليوم باسم قبر أُمّ سُليمان ، ويعتقد المحقّقون أنّه قبر كورش ، كما عُثِر على مَقربة منه نقش ترجمته : ( أنا كورش المَلِك الهخامنشي... ) .
وفي باساركاد تِمثال بارز مَنحوت من الحَجَر يُصوّر شخصاً واقفاً مادّاً يده إلى الأَمام وله جناحان وأجنحة شبيهة بتماثيل الآشوريّين ، إلاّ أنّ لِحيته فارسيّة وتاجه مصري وثيابه عيلاميّة ( ـ وهو تِمثال كورش ، حسبما استقرّ عليه الرأي أخيراً ـ ويَنطبق على ذي القَرنَينِ الذي جاء وَصْفه في القرآن وفي العهد القديم ، باعتبار أنّ لتاجه قَرنَينِ ، أحدهما إلى الأَمام والآخر إلى الخلف ) (4) ، هذا عَلاوة على الكثير مِن الحَفريّات التي تَدلّ على أنّ الخرائب هي آثار مدينة عامِرة وعريقة مُوغِلة في القِدَم ، لم يبقَ منها سِوى خرائب وآثار قُصور وأَبنية كثيرة فَخمة بقيت الأجزاء الحجريّة منها ، يَدلّك على فَخَامتها تلك الدَرَج وهي مِئة وست درجات في عَرض سبعة أَذرع تتصاعد إلى قاعة فسيحة عليها مِئة عمود من الرُخام وبعضها قائمة حتّى اليوم .
وعلى أجنحة الدَرَج تماثيل وتصاوير رجال مَنحوتة على الحَجَر وكان سرير المَلِك يَحمله 28 مُجسّمة حجريّة ، رمزاً إلى مُمَثّلي المَمالك التي سخَّرها داريوش ، وهو جالس على السرير ويرى مِن خَلفه رجل يُظنّ أنّه خشيارشا ، كما عَثَر المنقّبون في سرورستان وفيرزآباد على أَقواس وقِباب لأَبنية قديمة ، يُعتقد أنّها من بقايا عصر كورش الكبير ، كما يُوجد حجر مُكعّب الشكل يُعرف بتَخت طاووس في باساركاد على مَقربة من مقبرة كورش كان واحداً من أعتاب معبد قديم .
أَضف إلى ذلك ( تُرْعَة سويس ) ـ قناة تصل البحر الأحمر بالمتوسّط ـ ذلك المَشروع العظيم ، كان أَوّل مَن أَمر بحفرها هو المَلِك الفارسي داريوش الأَوّل الهخامنشي ، وذلك بعد أنْ استولى على مصر وبلاد أفريقيّة مُجاورة ، وقد عُثِر في حَفريّات هناك على ضِفاف التُرْعَة كتيبة فيها دلالة واضحة على السيرة الحَسنة التي كان يُراعيها مُلوك فارس مع أبناء البلاد التي كانوا يَمتلكونها آنذاك ، الأمر الذي يدلّ على حضارة راقية كانت تسود إمبراطوريّة فارس (5) .
والأَمثلة لا حصرَ لها في هذا المَبحث مِن موضوعنا ، وكلّها تُجيب على السؤال المطروح : هل كانت فارس على درجة من التَحضُّر والتقدُّم بما يُوفّر الخُبرة الهندسيّة لتشييد السُدود والأعمال العُمرانيّة ؟
ومن العرض البسيط قد تحقّقنا من تقديم كورش الخُبرة والمهندسينَ والإشراف لسُكّان منطقة سُهول القوقاز وبحر قزوين والبحر الأسود .
* * *
وأمّا عن الإمكانيّات التي يُمكن أنْ يكون قد طلبها ذو القَرنَينِ من الأُمَم المُسالِمة في المنطقة الوادِعة ، حسب فهمنا للآية الكريمة ، فنأخذ أوّلاً : القوّة البشرية ( العَمّالة ) التي يُمكن أنْ يكون كورش قد طلبها ، فإنّ المنطقة حسب التخمين العام كانت آهِلة ومُزدحِمة بالسُكّان ويُمكن حساب عدد السُكّان ( تقريباً ) في إقليم آذربيجان ـ أرمينيّة ـ داغستان ـ جورجيا ـ وما والاها سنة 550 ق . م كان على الأرجح ما يَقُرب من 000/ 170 نَسَمة (6) .
فلو افترضنا أنّ العَمّالة كانت تُمثّل بنسبة 6% من السُكّان ، لعرفنا أنّ العَمّالة التي تُقدَّر للاشتراك في بِناء السدّ ما يزيد على ( 000/100 ) مِئة ألف عامل .
وهذا العدد يُمكنه بالفعل إنجاز العمل في سدّ ثغرة ( داريال ) لمدّة عشر سنوات تقريباً .
والموادّ الخام التي شُيّد منها سدّ ذي القَرنَينِ حسب وصف القرآن الكريم : خامات الحديد .
تحتوي أراضي آذربيجان على معادن الحديد بكمّيات كبيرة ، ويشهد لذلك قيام صناعة الحديد والصُلب الآن في مدينة ( باكو ) ، فإذا كان الإقليم غنيّاً به الآن فلا شكّ أنّه كان أغنى زمن كورش بالطبع .
أمّا أرمينيّة فغنيّة بمعادنها ، ويَكثُر بها على وجه الخصوص خام الحديد والنُحاس والرَصاص والزرنيخ وحجر الشبّ والكبريت والذهب . وابن الفقيه (7) هو الكاتب الإسلامي الوحيد الذي أَمدّنا بمعلومات قيّمة عن الثروة المعدنيّة في أرمينيّة .
ويَذكر المؤرّخ الأَرمني ( ليونتيوس ) أنّ مَناجم الحديد والفضّة في تلك البلاد كُشِفت حوالي نهاية القرن الثامن للميلاد ، وتَدلّ مَلامح الأرض على مناطق محفورة في الجبال تُشير إلى استنفاد السُكّان الأقدمين لاحتياطي الحديد القديم الذي كان يُستخرج في العَراء دون عَناءٍ كبير ، وهي تقع في مُنتصف الطريق بين أطرابزندة وأرزن الروم .
كما يوجد الحديد بوِفرة في جورجيا بالقُرب من ( تسخالطوبو ) و ( محج قلعة ) و ( دربند ) في داغستان وغيرها ، وفي مناطق الحدود الأرمينيّة في تركيا إقليم الحديد المشهور الذي يُقدَّر احتياطيّه بحوالي 25 مليون طنّ وتبلغ نسبة الحديد في الفلز ما بين 60 ـ 66% وهي نسبة عالية ، وقد استخرج الحيثيّون من آلاف السنين كمّيّات هائلة من الحديد من هذا الإقليم ، وأَهمّ مناطق إنتاجه الآن هناك إقليم ( ديفرجي ) .
أمّا عن الفحم والأخشاب اللازمَينِ لصهر الحديد ، فتكوينيّات منطقة ( كلاكنت ) بأرمينيّة فيها احتياطيّ كبير ، وفي سواحل البحر الأسود تُعتَبر مناجم ( زونفلداك ) من المَناطق الغنيّة جدّاً بخامات الفحم ، وهو من النوع البيتومين ويُعطي نوعاً جيّداً مِن فحم الكوك الذي يُستخدم في صناعة الحديد .
وأمّا عن الأَخشاب فيَذكر ابن حوقل أنّ إقليم أَردبيل كثير البساتين والأنهار والمياه والأشجار والفواكه الحَسنة والخَيْرات والغَلاّت ، وكذلك إقليم المراغة ، ويقول عن إقليم أُروميّة : إنّه كثير الكُرُوم والمياه الجارية والضياع والرَسَاتيق ، ويضمّ الإقليم أيضاً : أُشنَه ، كثيرة الشجر والخُضر والخَيْرات ومدينة بردغة كثيرة الخِصب والزرع والثِمار والأشجار .
كما أنّ مجموعة أنهار كورا ( كورش ) ونهر ترك ، وكذلك صولاق ونهر آراكس ونهر آيورا ، كلّها مُحاطة بمساحات هائلة من الأخشاب ، لانتشار أشجار الدَردَار والبَلوط والصنوبر والأَرز والشوح والعَرعَر والزيتون البرّي .
وخامات النُحاس ـ التي طلبها ( كورش = ذو القَرنَينِ ) من سُكّان الإقليم حسبما عَبَّر القرآن الكريم : ( قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) ... هذه الخامات ثَبُت علميّاً وتأريخيّاً تَوفّرها بالمنطقة ، فالدراسات الجيولوجيّة الحديثة أثبتت وجودها بوِفرة في تكوينيّات ( زنجان ) و ( أنارك ) وشمال أصفهان ، وفي جنوب آذربيجان كميّات هائلة منه .
وفي أرمينيّة أَصبحت مناجم النُحاس الكبيرة المعروفة مُنذ القِدَم ، شاهد على استخراج السُكّان القُدامى لخاماته ، خصوصاً في منطقة ( كدابك ) وما يَتبعها من مَنجم فرعي في إقليم ( كلاكنت ) ـ بين البزاوتيول وبُحَيرة كوك جاي ـ وقد أُعيد إحياء مَجد الإقليم في مجال استخراج النُحاس حديثاً في السنوات الأخيرة ، بفضل إدارة إخوان ( سيمنس ) مُؤسّسي مصانع سَبْك المعادن هناك .
ومن ناحية تَوفّر العدد اللازم من حيوانات الجرّ والحَمل ، فالإقليم غنيّ بالثروة الرَعويّة والحيوانيّة ؛ لأنّه يقع بين خطَّي عَرض 30 ـ 45 شمالاً ، وينحصر بين إقليم البحر
المتوسّط غرباً وإقليم الصين شرقاً ويمتدّ في أُوراسيا بين التركستان الصينيّة ورومانيا ، ويشمل بذلك كلّ آذربيجان وأرمينيّة والقوقاز وجورجيا وداغستان وأنجازيا وأجاريا ، ولكَثرة حشائش الإقليم سُمّيت إقليم المَراعي المُعتَدلِة الدفيئة ، وهي غنيّة تكفي رَعيَ الماعز والضأن على الهِضاب ، والأبقار والمواشي في السُهول ، والجَمَل أيضاً معروف هناك وهو من نوع ذي السنامَينِ وحيوان الياك (YAK) (8) .
وقد استخدمه السُكّان في النَقل تَماماً كالحَمير ، وهو يَمتاز على الحَمير بوجود أَظفار في رجلَيه تُساعده على ارتقاء المُرتفعات والتنقّل بأَحماله بينها ، كما يوجد هناك مُنذ القِدَم عشرات الآلاف من الخُيول السيسي الشهيرة بقُدرتها على حَمل الأثقال وجرّ العَربات .
ومن حيث توفّر المُؤَن لمواجهة استهلاك العُمّال والمهندسين من غذاء لازم حتّى إتمام تشييد السّدّ ، فقد عَرَف الإقليم جميع الحُبوب من آلاف السنين ، وكانت أرمينيّة تُعتبر من أَخصب أملاك الخلافة العباسيّة ، وكانت الغِلال تُستَنبت فيها بكَثرة وتُصدّر إلى الخارج كبغداد مثلاً (9) ، وكان السمك يكثُر في بُحيراتها وأَنهارها ويُصدّر إلى الخارج أيضاً (10) ، وكانت خَيرات الإقليم تَتَوجّه زمن كورش إلى همدان وسائر البلاد المعروفة ذلك اليوم .
وأودية هذا الإقليم الكبير مُزدَحِمة بغابات الأشجار المُثمرة ، وفي مناطق العَراء كانت زراعة البطاطا والشمندر السكّري مِن أَهمّ حِرَف السُكّان في العصور القديمة .
ففي آذربيجان كان القمح الشتوي يُزرع هناك بنجاح كبير ، عَلاوةً على أنواع أُخرى من الحبوب وكذلك الكُرُوم والجوز ... وداغستان بلاد زراعيّة بالدرجة الأُولى من العصور القديمة حتّى الآن ، فهي تَنتُج القمح والذُرّة والبطاطا والخضروات والكَرمة ، كما أنّ الماشية تَرعى في سُفوح الجبال وأَشهر مواشيها الأغنام ... ومناخ جورجيا ( طرجستان ) من آلاف السنين ملائم لزراعة الحبوب وخاصّة الذُرّة والكَرمة والحُمّضيّات والشمندر السكّري (11) وهذه المزروعات تجدها في كلّ أنحاء الإقليم ، وثروة الإقليم بالماشية هائلة ، إذ تنتشر المَراعي الواسعة كما رأينا وتَربّى عليها قُطعان الماشية وخاصّة الأغنام .
ومن المَلامح التي عَرضناها بإيجاز تأَكّد لنا قُدرة الإقليم على تَموين العُمّال والمهندسينَ بالطعام والشراب الكافي ، دون أنْ يَحدث نقص في إمدادات الغذاء ، أي أنّ الأَمن الغذائي كان مَكفولاً .
والموادّ الخام اللازمة كانت متوفّرة ، من حديد ونُحاس وفحم وأخشاب ، وحيوانات الجرّ والحِمل كانت موجودة تفي بالغرض تماماً ، والأَيدي العاملة الرخيصة كانت متوفّرة كذلك ، والخُبرة الفارسيّة ، والتخطيط الدقيق لكورش كلّها كانت مُقوّمات نجاح تشييد أَعظم السدود في العالَم ، لدرجة جَعلت القرآن يَصفه بالرَدم ، أي السّدّ الضخم الهائل في قوله تعالى : { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } (12) .
______________________
(1) تأريخ إيران ، ص125 .
(2) جاء تعريبه : ( بازارجاد ) ، هي مدينة ضخمة بقيت آثارها الفخيمة في مشهد مرغاب ، عاصمة الهخامنشيّين القديمة ، واقعة على بُعد 18 فرسخاً في الشمال الشرقي من شيراز ، وبها مقبرة كورش الكبير قائمة إلى اليوم وفيها عُثِر على تمثال كورش الحجري الشهير .
(3) تخت جمشيد . وتُسمّيه اليونان : ( برس بليس ) .
(4) ولعلّه صُنع بأَمره ، تَيمّناً بما فاتَحَه دانيال من الرؤيا التي كان قد رآها وهو في أَسر البابليّين ، لغت نامه دهخدا ، حرف الذال ، ص 11569 ، ذو القَرنَينِ الثاني .
(5) راجع : تأريخ إيران ، ص 124 ـ 132 .
(6) وذلك على حسب الإحصاءات التقريبيّة والتي قَدّرت عدد نُفوس العالَم قبل الميلاد بثمانية آلاف سنة ، وكانت خمسة ملايين نَسَمة ، وقبل خمسة قُرون من الميلاد بعشرين مليون ، وقبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة بأَربعين مليون ، وقبل الميلاد بألف سنة بمِئة مليون ، وبعده بألف : 000/000/275 وفي سنة 1650 م : 000/000/545 ، وذلك على حساب ( F.A.O ) المعروف ، مفاهيم جغرافيّة ، ص 304. وبذلك يُقدّر عدد نُفوس العالَم سنة ( 550 ق . م ) : 168 مليون نَسَمة . ويكون قِسط إقليم آذربيجان وأرمينيّة وداغستان وجورجيا ذلك العهد ـ على حساب التقسيم على المائة ـ ما يَقُرب من 000/ 170 نَسَمة .
(7) كاتب شاعر مجيد من أهل الموصل تُوفي 636 هـ / 1238 م .
(8) نوع من البَقر الوَحش عظيم الجُثّة وقوّتها ، يكثُر وجوده في جبال آسيا الغربيّة والوسطى ولا سيّما هَضبات تبّتب ، وقد استخدموه لحَمل الأثقال .
(9) أُنظر : تأريخ الطبري ، ج 3 ، ص 272 ـ 275 ، ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) .
(10) وقد ورد أنّ شُهرة الإقليم بالأسماك كمورد غذائي للسكّان والتصدير لا تُضارَع ، حيث كانت الأسماك تكثُر في بُحيرات أرمينيّة وسواحل القوقاز وخصوصاً بُحَيرة ( وان ) التي اشتهرت بنوع خاصّ وبكميّات هائلة منه ، وهو الذي يَعرفه العرب باسم ( الطريخ ) وكان هذا السمك في العُصور القديمة يُملّح ويُصدّر إلى الجهات البعيدة كالهند ، أُنظر : القزويني ، طبعة قستنفلد ، ج 2 ، ص 352 ، ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) ، ولا يزال الناس في أرمينيّة وآذربيجان وبلاد القوقاز وآسيا الصُغرى يستطيبون هذا السمك المُمَلَّح حتّى يومنا هذا .
(11) فقد عَرف الإقليم جميع الحبوب من آلاف السنين ـ حسبما تقول الجغرافيا التأريخيّة ـ وعُثِر عليها في الآثار القديمة ، ووُجِدت قوارير مملوءة بالحبوب وغيرها ( القمح ـ الذُرّة ـ القصب ـ الأَرز ) . أُنظر : مواطن الشعوب الإسلاميّة ، قفقازيا لمحمود شاكر ، ص 62 ـ 69 . ( مفاهيم جغرافيّة ، ص 311 ) .
(12) مفاهيم جغرافيّة ، الفصل السابع ، ص 301 ـ 312 .
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|