المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

Monophthongs and diphthongs MOUTH
2024-05-03
الأنزيمات Enzymes
19-4-2016
خصائص الشيك
9-1-2019
نطاق المعاملة بالمثل في تمتع الأجانب بحقوق الملكية الأدبية
5-4-2016
وصية النبيّ (صلى الله عليه واله) لخالد
12-5-2016
Center-embedding
2024-08-23


منهج الحوار وأساليبه  
  
1477   04:53 مساءً   التاريخ: 2023-08-22
المؤلف :   أ.د محمد السيد محمود زوين
الكتاب أو المصدر : اهل الكتاب في تراث أئمة اهل البيت دراسة موضوعية قرآنية
الجزء والصفحة : ص 294- 310
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-29 993
التاريخ: 2024-07-26 457
التاريخ: 2024-09-22 291
التاريخ: 2023-08-27 821

لابد في أي تواصل حضاري من منهج يُتـَّبع، وطريق يسلك وأسلوب يحتذى، والحوار بين الرسالات والاديان في بعده الفكري المتناسب مع موضوعاته ومجالاته، لا ينهض بأثره المنشود من دون أن يكون للبرهان مكانه، وللاستدلال المنطقي الموضوعي العقلاني مقامه، وهذا هو المنهج الذي قرره القرآن في أسلوبه وطرائق تعبيره عن العقائد، وفي كل دعواته الايمانيـَّة بأوثق صور الاستدلال، وبأحكم براهين المنطق، فكان مجمل خطابه مع الآخر استدلالاً ينسرب إلى النفوس والقلوب والعقول؛ لأنه يعتمد المعقولات كما يوظف المحسوسات، وقد قدم لنا كتاب الله المجيد منظومة استدلالية فريدة في كل ابعادها، ولا سيما في الحث على اعتماد الفكر والتعقل ووعي الآخر من خلال مخاطبته بالدليل والبرهان([1])، قال تعالى:

{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: 64).

وقوله سبحانه: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111).

وقوله جلّ وعلا: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} (الأنبياء: 24).

وقوله تبارك وتعالى: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لله  وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (القصص: 75).

فهذه الآيات تنبئك مسلكاً برهانياً يحاور الوجدان الإنساني لينتقل به من جحود الانحراف وسلطوية العناد والجهل الى إقامة الوعي ومنطقية الفهم، وعقلانية الموضوع وصواب الحكم في اتباع الطريق هذا من جهة، ومن جهة اخرى يرسم لنا القرآن الكريم منهجاً وطريقاً ـ وهو مرجعيته ومستند أهل الفكر والعقيدة من علماء المسلمين من الإمامية ـ في كيفية خطاب الآخر، وفرض حالة التساوي الابتدائي اتجاه اية قضية تثار للحوار والنقاش بين المختلفين، أو المتعددين وهذه المعادلة في جعل طرفي الحوار امام الحق سواء حتى يميز الحق أهله بالدليل والبرهان، وليس غير ذلك سبيل للأثبات أو طريق لالتزام الحق.

قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سبأ: 24(.

فالمتحاوران أمام القضية التي يراد اثباتها حوارياً سواء، بل تجد أن القرآن العظيم يُعلم المتحاور أن يبدأ بنفسه فيجعلها على جادة واحدة مع الآخر، وإن كان المتحاور أمثل وأكمل تجانساً مع ما يراد اثباته من الموضوع. يقول العلامة السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) «إن قيمة المنهج الإسلامي للحوار، أنه يبتعد ابتعاداً كلياً عن الذاتية في المضمون الفكري، على خلاف القاعدة المتبعة في المنهج (العلمي) للحوار، هذا المنهج الذي يؤكد الجانب الذاتي في الالتزام بالفكرة، مع إعطاء موقع احتمالي للانفتاح على الفكر الآخر، ولتوضيح ذلك نقول: إن المنهج الحواري المعروف في العالم يختصر في هذه الكلمة «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» إذن هناك تأكيد نسبة كبرى لصوابية الفكرة المتبناة مع نسبة احتمالية ضئيلة لصوابية الفكرة الأُخرى، أي أن يكون احتمال الخطأ في فكرنا ضعيفاً وقوياً في الفكر الآخر.

أما المنهج القرآني فيتلخص في الآية الكريمة: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، فالمحاور ـ هنا ـ لم يطرح صوابية فكره وخطأ الفكر الآخر، على اساس القناعة القوية لديه، بل على أساس فكرة مطروحة يتساوى احتمال الخطأ والصواب في طبيعتها الواقعية، كما تتساوى صفة الهدى والضلال في التزام هذا بالفكرة إيجاباً من هذا الجانب، أو سلباً من الجانب الآخر، فليست هناك حالة شعورية في حركة الفكرة بأجواء الحوار، بل حالة موضوعية تلاحق عناصرها ومفرداتها في موقف حيادي يطلب الحقيقة أينما كانت من دون تعقيد أو تهويل... وربما كانت قيمة هذا الأسلوب العملي أنه يعتمد تفريغ الموقف من الأفكار المسبقة التي قد تحوله إلى عقدة تفرض نفسها على كل مواطن الحوار، وتشكل حاجزاً يمنع الأطراف من الشعور بحرية الحركة فيما يقبلون أو يرفضون»([2]).

وهذا المنهج القرآني العلمي في ترسيخ مرتكزات الحوار مفهوماً ومصداقاً هو المرجعية والمستند إلى حوار أهل البيت(عليهم السلام)  وأتباعهم مع أهل الكتاب، ولا سيما أن القرآن العظيم يؤسس لإصول هذا الحوار قال تعالى:

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46).

ومصداق مفهوم {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يتّسع دلالة حتى يطغى على كل مفاصل التعامل مع الآخر حواراً وتعاوناً، فكراً وفعلاً، إلا من يقابل الاحسان بالإساءة فلذلك بحث آخر لا سبيل له هاهنا.

ومن موضوعية الأساليب الحوارية القرآنية يستمد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) تنظيرهم الفكر الحواري مع الآخر من أهل الكتاب، الذي يعتمد التفرقة الفكرية بين (الكتاب) فيما أنزل من السماء وما يحمل من اصول تعاليمها وحياً خالصاً من أدران وشوائب الفهم أو التغيير، و(أهله) المنسوبين إليه وبما يعتقدونه فيه ويفهمونه منه وبعبارة أُخرى...

إننا على صعيد الفكر والتطبيق العملي لا نساوي في مواقفنا وآرائنا بين (الكتاب) من جهة، و(أهله) الذين يتبعونه من جهة ثانية، ولا تنسحب مواقفنا على (الكتاب) ـ الذي نعني به النص السماوي وحياً إلهيا منزلاً مقدساً ـ على أهله(اليهود والمسيحيين ومن ينطبق عليهم وصفه) الذين يعبرون في اتباعهم له عن فهمهم لنص الكتاب، وليس بالضرورة أن يتطابق فهمهم مع ما يريده (الكتاب) الذي أمرنا القرآن المجيد بتصديقه والإيمان به كذلك، بمعنى أنه لابد من أن نفرّق بين (الدين المتمثل بكتب السماء) كأصل، و(الفهم الديني) الناظر للدين وكتبه بنوع من الفهم يقترب منه، أو يبتعد عنه فهذه مسألة أخرى، والأمر عينه فيما يتصل بالإسلام والمسلمين، فلابد من التفريق بين (الإسلام) وحياً وشريعة منزلة من السماء، والمسلمين ونظُمهم في (فهمهم واجتهادهم فيه) بوصفهم متدينين بالإسلام([3]).

من هنا فلا يمكن لنا أن نعمم سلبيات الفهم الديني واخطائه وشوائبه من جهة من يدعي تمثيله أو الالتزام به على أصول الدين النقية الصافية التي جاء بها الأنبياء أداءً ورسالة، فالخلط بين المقامين يوصل إلى تقويض الرسالات بأهواء وآفاق المدعين لها، وينقض الاديان بقصور الأفهام الإنسانية التي تتعامل في كثير من الاحيان بقبليات (هرمنيوطيقا) غير موضوعية ليست منه، بل هي على ضد مراد الأديان وتعاليمها الإلهية؛ ولذا يمكن القول أن علاقة المسلمين وتواصلهم مع أهل الكتاب ـ والعكس يصح هاهنا ـ تحتاج إلى إجالة نظر، واعادة فهم ذلك وفقاً لمنهج فكري، ومسلك عقلي يصدر عن وعي لما سبق من حوادث التأريخ، ومراحل العلاقة والتواصل بين الرسالات في الأبعاد كافة، وإدراك للحاجة الملحة لضرورة التفاعل في عالمنا المعاصر، واستشرافا لما يأتي من المستقبل لوضع استراتيجيات العمل المشترك والتعاون بين الاديان، وفي هذا الشأن دعا بعض مفكري الإمامية وعلمائهم إلى «أن نتبين أشكال الحوار وميادينه وأهدافه في الماضي من أجل اكتشاف أفضل الميادين وأفضل الأهداف للحوار الجديد»([4])، وإلى نبذ كل تأريخ سلبي أو زائف أو صدامي مسلح باطل في غير ذي حق ما يزال يؤثر فكرياً على كل اجواء الحوار بين الرسالات.

 ولعل استبعاد وهجر جميع اشكال الحوار التاريخية السلبية من ميدان التقارب الديني بين الاديان يحقق ويخدم اهداف الحوار المنشود([5]). على حين يرى علماء آخرون «انّ الدراسة المتأنية العقلانية الموضوعية للتأريخ قد تستطيع أن تعطينا الكثير من وضوح الصورة في هذا الجانب لتخفف من ضغط رواسبنا التي ورثنا فيها الحقد والخوف والتعقيد وما إلى ذلك»([6])، فالإفادة من تجارب التأريخ، والاتعاظ من الممارسات الخاطئة الدموية الباطلة أو الفكرية السقيمة، تفرز لنا فهماً منطقياً حكيماً ينظم حركتنا التفاعلية مع الآخر تحقيقاً لأهدافها الصالحة وكل ذلك بلحاظ منهج العقلانية اسلوباً وطريقاً للحوار مع الذات، أو مع الآخر، وما نريده هنا هو الفهم والادراك «والتفسير العقلاني لكل شيء في الوجود، أو تمرير كل شيء في الوجود من قناة العقل لإثباته أو نفيه، أو تحديد خصائصه»([7]) ولعلنا لا نبالغ في التصور إذا ذهبنا الى أننا احوج ما نكون في إطار الحوار الرسالي بين الاديان إلى إخضاع منهجنا الحواري واطارنا التواصلي إلى العقل والمنطق، وأن يكون التعقل آية إنسانيتا الحاكم على مسارات عواطفنا وما يختزنه وجداننا من قبليات أو ثقافات دينية أو غيرها، وما يهمنا من العقلانية قضايا متعدّدة منها:

أ. النظرة الواعية الواقعية الحرة لقضية اختلافنا وتعددنا مع الآخر، وعدم السذاجة في طرح الاحكام المتغافلة عن حقيقة الاختلاف والتنوع مع الآخر، وإظهار ذلك على أنه هامشي وأن لا يكاد يوجد في مساحة (الفعل العقلي) أو المصاديق العملية. والعكس هو الصحيح فمثلما للمساحات المشتركة بين الاديان وجود حقيقي مسلم به، فحكم الوعي والعقل المنطقي يحكم بوجود واقعية للاختلافات والتنوع على مساحة حقيقة قطعية غير ظنية بين حركية الاديان من جهة الفهم الديني للرسالات والتطبيق العملي لشرائعها من جهة ثانية([8])، وهذا بحسب ما أعتقد بل أجزم أنه يمثل تحدياً حقيقاً أمام الاديان واتباعها قد يصعب فيه الوصول إلى اتفاق كامل شامل حول مصاديقه التفاعلية، إلا أنه لا يستحيل العمل معه بواقع من التعاون والتعامل يقوم على احترام كل طرف للآخر من دون التعرض لتفاصيل وجزئيات القضايا غرضاً في توحيد المفاهيم فيها، وانما يكفي في ذلك تفهم واقعها وادراك خصوصياتها .

ب. إن عقلانية المنهج الحواري بين الاديان وموضوعيته يجابه ارتباطنا الوجداني العاطفي التراثي بالحقائق الدينية، ويحوِّل ارتباطنا إلى مدارك عقلانية واعية، ولاشك أن ثمة بون شاسع بين من يتصل بالدين وحقائقه بطريق عواطفه ومشاعره، أو من خلال التراث التاريخي الديني عمـَّنْ يتخذ العقل طريقاً لفهم الدين وادراكه.

فالفرق في ذلك أشبه بالفارق بين الشكل والمضمون، المتغير والثابت، العارض والجوهر؛ ولذا كان الانبياء والمرسلون يخاطبون عقول الناس مثلما يخاطبون عواطفهم ومشاعرهم([9])، ومن يتأمل خطاب الانبياء وحواراتهم مع اقوامهم وما فيها من استدلالات عقلية وحسية في اثبات وجود الله تعالى ووحدانيته وقدرته، وبعثة الرسالات والأنبياء بالشرائع والاحكام.... إلى غير ذلك، يعتقد جازماً بأن من أصول ومرتكزات الحوار الفكري الديني هو عقلنة منطلقاته وحركيته الإيمانية بما يؤدي إلى شياع وتكريس الاحساس والشعور بعقلانية ايمانهم، واهمية ومكانة تعقـُّل ما هوديني وآثاره على صعيد العلاقة مع الآخر، وعكس ذلك تماماً الانقياد للعاطفة والإرث التاريخي الديني من دون وعي وتفهم هوما يفرز حركية ضدية لا تستقيم وليس للعقل والحكمة مجال فيها وهوما يسميه السيد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)  «اختران الوجدان الديني»([10]).

ج) : عقبات الحوار وتحدياته:

إن تشخيص الإشكالات والصعوبات التي تعترض الحوار الرسالي، وتمييز التحديات التي تواجهه هي بلا شك جزء من الحلول، بل أحسب أنها الجزء الأهم والأمثل من الحلول لواقع العلاقة مع الآخر؛ من هنا فإن ثمة صعوبات ومشاكل ليست مستحيلة التجاوز، وتحديات لا يمكن التغافل عنها وبقدر وعيها وتفهمها فكريا نستطيع الوصول فيها إلى قدر من التعامل والتعاون بفعل مبدأ التسامح والإخاء والتعايش بين الناس. ومن اهم التحديات والعقبات وجود بعض الاختلافات في العقائد والشريعة لا يمكن لأي من الرسالات تجاوزها لأنها من الثوابت، ولا يمكن أن تكون مكاناً للمناقشة قصداً لتعديلها([11])، ولكن باستطاعة عقلائنا وحكمائنا وعلمائنا وعي وادراك واقع وجودها في الرسالات، وأصول ارتباطها باتباعها ؛ولهذا يمكن لنا تفهم إمكان التفاعل والتعامل والتعايش مع الآخر على الرغم من وجودها وبقائها عنواناً لتمييز الرسالات وتفرد الاديان بمساحة من الخصوصية، أما الموضوعات الأُخر ذات الطبيعة الاجتهادية في الاحكام مثلاً فإنها تمتلك الحركية المفهومية والمصداقية عند العلماء والفقهاء في مجال تقديمها بصورة جديدة تتناسب مع الحاجة والضرورة الشرعية لا عادة النظر فيها.

ولعل من التحديات والإشكالات للحوار الرسالي ما يتصل مرة بالمسلمين، ومرة ثانية بالآخر، وثالثة بهما معاً، فالأول يتمثل ببقايا التأريخ السلبي في الذاكرة بين الاديان وما يغذيه من الواقع الاستعماري في العصر الحديث، ومن مواقف الغرب من قضايا المسلمين فيعطي احساساً بعدم الاطمئنان، وعدم جدوائية وفائدة التواصل مع الآخر([12]).

ويمكن أن يضاف إلى ذلك تحدياً آخر يتصل بعدم اعتراف الآخر واقراره بالإسلام رسالة ونبوة وديناً، وهذا الأمر على العكس من موقف الإسلام من الآخر تماما، ولعل منشأ ذلك هو مقولة الأديان الأُخر بأنها الوسيلة الوحيدة لمفهوم (الخلاص) الإنساني في عالميه: الدنيوي والأُخروي، من دون غيرها من الاديان، وهذه المقولة بواقع مرجعياتها ومستنداتها تنقض حقيقة تكامل الرسالات في اصول بعثتها ونزولها([13])، فمثلما رفضت اليهودية ـ بحسب فهم أتباعها طبعاً ـ استكمالها وتجانسها مع المسيحية، وهو موقف خاطئ لا ينم عن فهم رسالي صالح، وقعت المسيحية ـ بحسب فهم أتباعها كذلك ـ بالموقف نفسه عندما رفضت أن يكون الاسلام خاتم الرسالات وحيا ونبوة وكتاباً، ومجسداً لمفهوم (الخلاص) بوصفه الحلقة المتكاملة للرسالات والاديان السماوية السابقة، إن موقف الديانة المسيحية ـ بحسب اتباعها ـ إنما تعطي بموقفها السلبي هذا من الإسلام ـ على الرغم من الموقف الإسلامي الايجابي العجيب من الرسالات السابقة عليه ومنها المسيحية ـ طابع شرعية تصور الرأي الصحيح والموقف الصائب لموقف اتباع اليهودية من الرسالة المسيحية والسيد المسيح (عليه السلام)، وما قاموا به من معارضة وتطرف في عدائه ومحاولة قتله، وهو موقف ورأي وعمل خاطئ واجرامي بكل المقاييس الرسالية والدينية. إذاً الموازنة مطلوبة فيما يؤمن به المسلم اتجاه الآخر، وما يوازنه من ايمان الآخر به، لمواصلة الحوار وقطف ثماره.

ومهما يكن من أمر، فقد كان من نتيجة التواصل الإسلامي مع أهل الكتاب أن يُحدث «تغيراً أساسياً قد يتحقق اليوم على اعلى مستوى في العالم المسيحي، فالوثيقة التي طبعتها سكرتارية الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين في مجمع الفاتيكان الثاني، بعنوان «توجيهات لإقامة حوار بين المسيحيين والمسلمين» والتي طبعت للمرة الثالثة في عام (1970م)، تشهد بعمق التحول في المواقف الرسمية، فقد دعت وثيقة الفاتيكان إلى استبعاد الصورة التي يصور المسيحيون المسلمين عليها، «تلك الصورة البالية التي ورَّثَنا الماضي إياها، أو شوهتها الافتراءات والاحكام المسبقة»، ثم اهتمت الوثيقة «بالاعتراف بمظالم الماضي التي ارتكبها الغرب ذو التربية المسيحية في حق المسلمين».

والوثيقة تنتقد أيضاً مفاهيم المسيحيين عن الحتمية الإسلامية، وحرفية الإسلام وتعصبه، وغير ذلك. وهي تؤكد وحدة الإيمان بالله عند الجماعتين... والوثيقة تذكر ايضاً بأن سكرتارية الفاتيكان قد دعت المسيحيين منذ عام (1967) إلى تقديم تهانيهم إلى المسلمين بمناسبة عيد الفطر (انتهاء شهر الصوم) فهو يمثل «قيمة دينية أصلية»([14]).

 وعلى الرغم من كل ذلك تبقى مسألة تفهّم الاسلام واقعاً واصولاً من خلال كتابه العظيم ونبيه (صلى الله عليه واله وسلم ) واوصيائه (عليهم السلام) ضرورة حقيقية للمسيحيين قصداً وغاية لمعرفة الإسلام الاصيل كما هو رسالة إلهية لا تشوبها الشوائب مثلما هو مسؤولية إسلامية تقع على المسلمين في تقديم الاسلام للآخر ناصعاً نقياً كما هو عند أهله المؤتمنين عليه النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) وآله الطيبين الطاهرين(عليهم السلام).

ولك أن تضيف على ذلك بعداً آخر من المشكلات والعقبات العصرية الحديثة المختلفة بأجندة سياسية، وهي موقف الآخر الديني من الحقوق الإسلامية والعدوان عليها من الاستعمار والصهيونية العالمية ودعمه لها ظلماً، ولاسيما موقف الأصولية الانجيلية الأمريكية، ووقوفها مع الحركة الصهيونية المعادية للمسلمين والمسيحيين معاً([15]).

ولم تنحصر المعوقات والمصاعب للحوار على ذلك فقط، بل شملت بعداً مفهومياً ولّد اثراً سيئاً على العلاقات بين الاديان، ولا أظنك تذهب بعيداً عما يراه البحث ويعتقده من اختلاط المفاهيم ذات الصلة بالعلاقة بين الاديان وتفسيرها على نحو يوجب إثارة الآخر من كل جهة، ويستفزه بتوجيه الاتهامات والتضليل المتعمد للمفاهيم الدينية التي لا تخرج عن مبادئ حقوق الإنسان ومراداته، من ذلك على سبيل المثال مصطلح (الجزية) أو (أهل الذمة) أو (المعاهد) وهي من المصطلحات الإسلامية التي تتصل بغير المسلمين من المواطنين والمتعايشين في بلاد الإسلام، وتضمن لهم حقوقهم وحرياتهم ومالهم وما عليهم، فقد أساء المغاير الديني في كثير من الأحيان فهم هذا المصطلحات ولعله عن غير قصد مرة، وفي احيان كثيرة عن قصد في التضليل والخداع وإثارة الفتن على الرغم من كل المحاولات التي قام بها علماء المسلمين، ولاسيما علماء الإمامية من ايضاح المصطلحات الإسلامية المتصلة بالآخر المغاير الديني، وعلى وجه الخصوص مصطلح( أهل الذمة والجزية )([16]).

ولو تأمل المنصف بحقوق (أهل الذمة) في الإسلام لتبين له المقام المحترم للآخر في التشريع الإسلامي، وفكره الرسالي، ومنها على سبيل المثال أن أهل الذمة «يتمتعون بحماية أموالهم ومتملكاتهم، وبحقهم في ضمانة بيت المال لهم من العوز وفي حالة الشيخوخة، وهم يتمتعون بالحماية من العدوان الخارجي، ويتمعون بالحماية من العدوان الداخلي أن يكونوا ضحايا للجريمة، ويتمتّعون بالحريات العامة، حرية المعتقد والعبادة وصون أماكن العبادة وممارسة الشعائر فيها، ويتمتعون بالحرية الثقافية، حق حفظ كيانهم الثقافي الخاص، لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وما إلى ذلك، يتمتّعون بحرية التنقل من دون أن تكون عليهم أية قيود، أو أية حدود، يتمتعون بحق وحرية العمل والكسب، ولهم الحق ـ كما ذهبنا نحن إلى ذلك وغيرنا من الفقهاء ايضاً في تولي مناصب الدولة سواءً أكانت مناصب سياسية أو إدارية»([17]).

وتبقى جملة من التحديات والصعوبات امام التحرك الحواري الرسالي بين الاديان تتمثل في نشر ثقافة الحوار ومصاديقه بين اتباعهم، وتصحيح صورتهما المتبادلة المترسبة من عواهن الماضي السلبي والحاضر الاستعماري، ومواجهة تحديات مشتركة بآلية ومنهج عقلاني منتج، ولا سيما نبذ التطرف الديني، والتعدي على مقدسات الاديان ورموزها الذين يمثلون خطوطاً لا يمكن تجاوزها عند كل طرف، والتعدي عليها يخلق فتناً دينية لها عواقب وخيمة على صعيد العلاقة بين الاديان وأتباعها.

 

(د) : الآثار والنتائج للحوار الديني:

إن من أول الأثار الايجابية، والثمار الطيبة للحوار الرسالي بين الاديان الاعتقاد الثابت والاطمئنان الراسخ، ألّا سبيل، ولا مجال للأديان إلا التلاقي والتواصل والتفاعل بالحوار الصادق المخلص؛ لأنه «السبيل الوحيد لإنقاذ مجتمعاتنا والنأي بها عن الأخطار المحدقة وعن كل ما يجري من حركات غريبة، وأفكار هدامة تستبيح كل شيء متسترة بألقاب وعناوين مختلفة لا علاقة لها بالإسلام أو بالمسيحية»([18])، أواي ديانة سماوية. فضلاً عن ذلك فإن نتائج الحوار توضح وتظهر الرسالات على حقيقتها المدنية العصرية المتجددة، وأنها هي صاحبة حوار الحضارات؛ لأنها قامت في أفياء الرسالات، ولاريب في أن الحوار حالة حضارية مدنية كانت أصوله وأسسه في الكتب السماوية والاديان الإلهية قال تعالى:

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64).

وأعتقد ـ ولا أحسبك بعيداً عني ـ أن الحوار في أبعاده الاستراتيجية المستقبلية اكبر اثراً، وأعظم خطراً من ثماره الآنية، وذلك أنه يقوض ويحجم الصورة السلبية عن الآخر في كل جهة، ويقرر بدلها صورة المحاور الإنساني المتمدن، والمقابل الديني الذي يتفهم الآخر ويتقبله بما هو عليه من عقيدة وايمان غرضاً في التعايش والتعاون والتفاعل الإنساني، ولا سيما أننا نشهد في أكثر مناطق العالم تواطناً للأديان والملل والنحل المختلفة المتعددة؛ لذا فمن النتائج كسر حاجز التخوف والعقدة والشعور بالاضطهاد من الآخر بالحوار، واستبداله إلى الثقة والاطمئنان إلى روح الإنسانية فيه، وتآلفه وتآخيه، ونبذ ما سوى ذلك من الأوهام العالقة بالأذهان فيكون الحوار في محصلة نتائجه أنه يقرّب المسافات بين الناس، ويزيل هواجسهم من تواصلهم مع بعضهم على اختلافهم([19]).

إن فرضية غياب حوار حقيقي بنّاء بين الرسالات والأديان يؤدي بنا إلى حالة من التخوف على مصير ومسيرة الإنسانية في توجهاتها المادية، والتشاؤم من الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته في عالم تحف به روح القوة والغطرسة السياسية، ونبذ الأعراف والاصول الإنسانية عملياً ورفع شعاراته اعلامياً فقط، إن تصور مشهد كهذا بافتقاد روح الحوار الرسالي بين الاديان يؤدي بنا إلى إضاعة كفة التوازن والمعادلة لتوجهات الحضارات المادية، والتطرف السياسي، والاستعداء الهمجي لكل ما هو مبدأ إنساني. لذا فمن آثار الحوار بين الاديان الإلهية إثبات وجودها المؤثر في العالم من خلال أتباعها، ولا يخفى أن أثرها الاقوى والأشمل عندما توحِّد خطواتها تجاه قضايا العالم الإنسانية.

ويبدو لي أن من اكمل مصاديق إثبات الوجود الديني للرسالات الإلهية عملياً في مواجهة التحديات العصرية للقضايا الإنسانية، وأمثلها في مجابهة الحضارة المادية التي لا تأبه بالنظم الإلهية أو المجتمعية ما حدث في مؤتمر (السكان والتنمية) العالمي في القاهرة «حيث قدمت وثيقة خطيرة في هذا المؤتمر، تحاول أن تقضي على كل الاخلاق العائلية، وتحاول أن تقنن الإباحية، وتدعو إلى الإجهاض، وتدعو إلى تغيير حتى التعريف العائلي، وكان الاتفاق والتعاون بين المسلمين والمسيحين في القاهرة، وكانت ايران في طليعة الدول المدافعة عن القيم الإسلامية في المؤتمر، وكان هناك الفاتيكان، وتم معه التنسيق الجيد الذي استطاع أن يغيّر الكثير من هذه التوجهات المنحرفة في هذه الوثيقة، أكثر من (80) موضعاً، إذاً هناك مجال للتعاون العملي بين الإسلام والمسيحية على القيم التي يرضاها الطرفان، وعلى توضيح المساحة المشتركة»([20]).

إنّ غنى الحوار الرسالي بين الاديان يقدّم أكمل النتائج والآثار، وبحسب المقدمات تكون النتائج، والتحدي الاكبر هو الجانب المصداقي العملي الواقعي التطبيقي للنتائج وعدم بقائها في غياهب المفاهيم، وبواطن الصياغات والعبارات، ولا سيما أننا نعيش الحاجة الماسة لتوحيد الجهود الرسالية في خدمة الإنسان وقضاياه العصرية في عالم الحضارة والمدنية الحديثة.

هذه ملامح سريعة لمفهوم الحوار وانسراب دلالاته تقنيناً وتنظيراً على لسان وأنامل علماء الإمامية ومفكريها، ومع كل ذلك تبقى روح الرسالية الأعمق اثراً في تطبيقاتها العملية من خلال لقاءات علماء الامامية وأعلامها مع أهل الكتاب وهي مصاديق حية.

 


([1]) ظ:من المظاهر الاستدلال في القرآن/ 12 .

([2]) في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي /19.

([3]) ظ: المسيحية في المفهوم الاسلامي الثقافي المعاصر/274.

([4]) المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/310.

([5]) ظ: المصدر نفسه/317.

([6]) في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/264.

([7]) مذاهب فكرية معاصرة/500.

([8]) ظ: الرأي الآخر في الوحدة والتقريب/85.

([9]) ظ: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/258-261.

([10])  في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/258-261.

([11]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/ 316.

([12]) ظ: حوار مع العالم المسيحي / 437.

([13]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الاسلامي المعاصر/310، حوار مع العالم المسيحي /437.

([14]) القرآن والتوراة والانجيل /11-12.

([15]) ظ: المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/ 306، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/154.

([16]) ظ: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/ 106، 119، المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/390.

([17]) المسيحية في المفهوم الثقافي الإسلامي المعاصر/ 294-295.

([18]) الوجود المسيحي في الشرق ليس طارئا ولا عابرا/394.

([19]) ظ: في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي/157.

([20]) حوار مع العالم المسيحي/ 433-434.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .