أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-10
2507
التاريخ: 2023-08-28
966
التاريخ: 9-11-2016
1578
التاريخ: 9-11-2016
1815
|
تمثل العرب الحضارة كأهل كل دولة، فكانوا مقلدين في طور المدنية وأحوالها للدولة السابقة قبلهم، ولما ملك العرب فارس والروم واستخدموا بناتهم وأبناءهم لم يكونوا على رأي ابن خلدون في شيء من الحضارة؛ فقد زعم (18) أنه قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعًا، وعثروا على الكافور في خزائن كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحا، وأمثال ذلك، فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم واستعملوهم في مهنهم وحاجات منازلهم، واختاروا منهم المهرة في أمثال ذلك والقومة عليه، أفادوهم علاج ذلك، والقيام على عمله والتفنن فيه، مع ما حصل لهم من اتساع العيش، والتفنن في أحواله، فبلغوا الغاية في ذلك وتطوّروا بطور الحضارة والترف في الأحوال، واستجادة المطاعم والمشارب والملابس والمباني والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون والخُرثي، (19) وكذلك أحوالهم في أيام المباهاة والولائم وليالي الأعراس فأتوا من ذلك وراء الغاية. ولم ينتصف القرن الأول حتى جمع العرب في المدن التي نزلوها أصنافا من الرفاهية، ومنهم من تجافت نفوسهم عن الانغماس فيها، ومنهم من انغمسوا فيها إلى رءوسهم، وكان الصحابة إلى الخشونة، فلما جاء بنو أمية جمعوا بين الرفاهية وشيء من أخلاق العرب في الخشونة إلى آخر القرن الأول؛ فكان من خلفائهم من لا ينزل المدن في الشام إلا قليلا، ويتخذون لهم قصورًا في الأرياف والبوادي؛ (20) لئلا يغلب الترف على نفوسهم ونفوس بنيهم فيفسدها، ويضيع بذلك مضاء العرب ومتانتهم، وأخذ الحجاز وأعطى من هذه الحضارة الجديدة، حتى يُخيل للباحث أنه كان في مكة ويثرب مدارس لتعليم الغناء والموسيقى، وكانت الجارية التي تتعلم في مدرسة الحجاز تصيب حظا عاليا من السعادة؛ ذلك لأنه لم تكن أمة من الأمم بعد فارس والروم أولع بالملاهي والطرب من العرب. وفي النصف الأول من القرن الأول اتخذ عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي (21) بيتًا في مكة وجعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات (22) ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتادًا فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترًا فقرأ وبعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم، أي إن ذاك الجمحي أنشأ في مكة ناديًا فيه جد ولعب فيه قراءة صحائف وكتب، وفيه لعب بالشطرنج والنرد وغيره، وفيه مشجب يضع الداخل عليه ثيابه لئلا يتبرم به جلاسه. هذا ما كان من حال العرب أوائل الإسلام، وبذلك رأينا كيف أخذت المدنية تتسرب إليهم من كل وجه، فصح فيهم ما قاله. عبد الله بن مَخْمر وهو على المنبر، وقد رأى الناس تلبسوا: واحسناه واجمالاه بعد العدم والسدم من الأدم والحوتكية (23) والبرود، أصبحتم زهرا، وأصبح الناس غبرًا، وأصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون، وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون. وأجمل من هذا ما وصف به العرب في الجاهلية والإسلام أحد تابعي البصرة قتادة بن دعامة السدوسي (118هـ) عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ): كان هذا الحي من العرب أذل ذلا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالةً، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، معكومين على رأس حَجْر (24) بين الأسدين فارس والروم، ألا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يُحسدون عليه من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات ردَّى في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظا وأدق شأنا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فورَّثكم به الكتاب وأحلَّ لكم به دار الحباء، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس ، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه فإنه ربكم منعم يحب الشاكرين.
......................................
1- مقدمة ابن خلدون.
2- الخرثي بضم الخاء: أثاث البيت وأسقاطه.
3- كان معاوية يقيم أحيانًا في غوطة دمشق، وينصب الأبنية والأروقة والفساطيط ويشتو في الصنبرة على ثلاثة أميال من طبرية، وكان لكثري من بني أمية قصور في الغوطة، وكان لعبد امللك في البرية عدة قصور وابتنى الأبنية حول قصر الموقر على ساعتين من عمان قرب قصر المشتى على مقربة من مأدبا، وسكن حصن الموقر يزيد بن عبد امللك ورمه، واستقر الوليد بن يزيد والعباس بن الوليد في القسطل في البلقاء، والوليد في الزيزاء وقصر الأزرق وقصري عمرا، وكان قصر البخراء للنعمان بن بشري وهو قرب تدمر، وذكروا أن الوليد بن يزيد بن عبد امللك قُتل فيه، وكان هشام ينزل في الزيتونة في بادية الشام فلما عمر الرصافة انتقل إليها، والرصافة غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، وكان يزيد يقيم في حوارين وتدمر وابنه خالد يسكن قصر الفدين في البلقاء، وكان سليمان بن عبد امللك يشتو بدابق وببطنان حبيب، وينزل الوليد أياير في حوران. وكان عمر بن عبد العزيز ينزل دير سمعان قرب معرة النعمان وبه مات، كما كان ينزل خناصرة وهي تحاذي قنسرين، وجميع خلفاء بني أمية وأمرائها وعظمائها لا يغشون المدن كثيرا اتقاء الطواعين والحميات، وانتجاعا للهواء الجاف في البرية، حتى روي عن عمر بن الخطاب أن قال: لبيت بركبة (من أرض الحجاز) أحب إليَّ من عشرة أبيات في الشام، وذلك لتفشي الحميات في الشام بسبب رطوبة الهواء ولجفافه في ركبة.
4- الآغاني للأصفهاني.
5- القرق: لعب السدر، وهي لعبة يخطون بها أربعة وعشرين خطا مربعات كل مربع منها داخل الآخر، ويضعون بني تلك المربعات حصيات صغرية على طريقة مخصوصة، وهذه اللعبة تُعرف عند العامة بالدريس.
6- الحوتكية: عمامة للعرب.
7-الحجر: الغار البعيد الغور، والحجر بفتح الحاء: نقا الرمل، والنقا: الكثيب من الرمل ومعنى معكومين مشدودين.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|