أقرأ أيضاً
التاريخ: 14/9/2022
1127
التاريخ: 18-12-2015
4843
التاريخ: 7-10-2014
5527
التاريخ: 9-06-2015
5077
|
بطلان استنتاج الجبر من الآية 26 من سورة البقرة
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26].
على الرغم من أنه قد مرت لحد الآن آيات من سورتي الحمد والبقرة، تعد الله سبحانه وتعالى أنه المالك، المطلق، والنافذ المحض في كل الأمور، وأن نفوذه المطلق غير محدود بتفويض العباد، وغير مسدود بسلبهم الاختيار، وغير ممنوع باستقلالهم؛ كما أنه لحد هذه اللحظة قد بينت آيات تعتبر أن الإنسان حر وغير مجبر، وأن نفوذه الحر غير محدود بجبر الله تعالى، وغير مسدود بسلبه الإرادة، وغير ممنوع بتدخله المباشر. إلاً أن ظهور الآية محل البحث في إسناد الإضلال والهداية إلى الله يفوق الآيات السالفة، ولما لم تسبق هذه الآية بمثيل لها، وإن كانت ملحوقة بما يماثلها، فهي تظهر وكأنها مصوغة بصيغة جبر الإنسان، ومصبوغة بصبغة سلب الاختيار منه. من هنا فإن جمعاً كبيراً من المفسرين الأشعريّي المذهب، وعلى رأسهم الإمام الرازي، قد تمسكوا بذيل الآية ، وإن البعض من المفسرين المعتزليّي المرام قد عمدوا إلى الرد على ذلك أو دفع الدخل المقدر في هذا المجال، وفي مقدمتهم الزمخشري.
يقول الإمام الرازي في ذيل الآية محل البحث:
ونريد أن نتكلم ههنا في الهداية والإضلال، ليكون هذا الموضع كالأصل الذي يرجع إليه في كل ما يجيء في هذا المعنى من الآيات(1).
ثم عمد بعد ذلك - بزعمه - إلى تبيين المبادئ التصورية والتصديقية لبحث الجبر بشكل مفصل، واعتبر أن بعض الأصول الكلامية هي من دواعي التشويش على جميع أدلة المعتزلة واضطرابها، وفي أثناء البحث حكم عليهم بالجبر، قائلا: «وهذا عين الجبر الذي تفرون منه وإنه ملاقيكم»(2) ، ثم يقول في آخر البحث:
قالت الجبرية: إنا قد دللنا بالدلائل العقلية، التي لا تقبل الاحتمال والتأويل، على أن خالق هذه الأفعال [أفعال الإنسان] هو الله تعالى، إما بواسطة أو بغير واسطة، والوجوه التي تمسكتم بها [ايها المعتزلة] وجوه نقلية قابلة للاحتمال، والقاطع لا يعارضة المحتمل. فوجب المصير إلى ما قلناه [أي الجبر]1 .
تنويه: وهنا نورد بحثاً إجمالياً عن الجبر والتفويض في عشر نقاط :
الأولى: ضرورة الفصل بين الجبر العلي والجبر في مقابل التفويض والاختيار؛ لأن الجبر العلي هو ما نطقت به القاعدة البرهانية القائلة: «الشيء ما لم يجب لم يوجد»، وفي مقابله يكون القول بالأولوية، المبتلى به نفر من المتكلمين. والمراد من الجبر العلي هو أنه ما لم تصل علة الشيء التامة إلى نصاب الكمال والتمام، فلن يوجد ذلك الشيء إطلاقاً. فالذي قبل بأصل العلية على أنها في مقابل الصدفة والاتفاق، فليس أمامه من بد سوى القبول بالجبر العلي، وإن محور الجبر العلي خارج تماماً عن مدار الجبر والتفويض في فعل الإنسان.
الثانية: لزوم الاعتراف باستناد كافة الموجودات الإمكانية - سواء ما طرح بعنوان كونه فعل الإنسان، أو باعتباره موجوداً ممكناً آخر -إلى الواجب تعالى؛ بحيث أنه ما من موجود يوجد من دون سبب، وما من موجود ينتهي لغير الواجب، بل إن جميع الموجودات الإمكانية تستند إلى الواجب، إما من دون واسطة، أو بالواسطة؛ كما أشار الفخر الرازي ليه.
الثالثة: ضرورة تحليل كيفية استناد كل ممكن خاص إلى الواجب؛ فهل هذا الاستناد بواسطة أو من غير واسطة، وهل هذه الواسطة هي اختيار وانتخاب وإرادة الفاعل الداني والمبدأ القريب، أم لا؟
الرابعة: ضرورة الحفاظ على خصوصية كل موجود في أي مرتبة؛ كي يصبح من الواضح أن انتهاء كل موجود إمكاني إلى الواجب لا يتنافى مع استناد خصوصية كل فعل إلى مبدئه القريب.
الخامسة: لزوم مناقشة فاعلية الإنسان الذي هو مصدر الفعل، وليس مورده؛ بحيث أنه لو كان الإنسان أداة الفعل، وأن الفعل الصادر منه هو كالفعل الصادر من اداة يد شخص اخر، فسوف يكون الإنسان -في هذه الحالة - «مورد الفعل"، وليس «مصدره» وسيخرج - نتيجة لذلك - عن أقسام الفاعل.
السادسة: لزوم التفريق بين الإرادة والرضا؛ كي يتضح أنه إذا قام شخص بعمل ما بتهديد من العدو، وتحديد للحدود، فإن الفعل الإرادي والاختياري يكون قد صدر منه على نحو تام، وإن لم يتوفر فيه طيب النفس ورضا الباطن عن أصل العمل المنجز من دون مقارنة، ولكنه من خلال التقييم المقارن فقد اختار القيام بهذا العمل تحت وطأة الخطر المهدد، والحد المحدد كي ينجو بنفسه من الخطر المتوقع. بالطبع لا ينبغي الخلط بين الآثار الحقوقية والفقهية الخاصة المترتبة في مثل هذه المسائل، وبين الآثار الكلامية والفلسفية.
السابعة: ضرورة تعريف التفويض بشكل دقيق؛ كي يعلم أن خطر التفويض إذا لم يكن أشد من الآثار المشؤومة للجبر، فإنه - يقيناً - لن يكون أقل منها؛ إذ أن المحذور المهم للجبر هو نفي الحكمة والعدل عن الله تعالى، في حين أن المحظور المهم للتفويض هو تعدد الأرباب، ونفي التوحيد الربوبي.
الثامنة: لزوم معرفة التقابل بين الجبر والتفويض؛ كي يكون معلوماً أن المطاردة بينهما تنحصر بالاجتماع، وليس في الارتفاع؛ وذلك لأن هذين الاثنين ليسا نقيضي بعضهما كي يمتنع ارتفاعهما معاً مثلما يمتنع اجتماعهما. من هذا المنطلق فإنه من الممكن أن لا يكون فعل الإنسان على محور الجبر، ولا يكون أيضاً في مدار التفويض.
التاسعة: ضرورة دراسة وتحليل الصراط المستقيم بين الجبر والتفويض؛ إذ أن ارتفاع الجبر والتفويض أمر ممكن، والفاصلة بين هذين الاثنين هي الحق، ولابد - من أجل تشخيص هذا الحد الفاصل -من التعرف على نواته المركزية التي لا تقترب من أي من الطرفين الباطلين؛ لأن الانفصال الزائد عن أحد هذين الحدين المذكورين، يوجب الاتصال بالحد الآخر أو الاقتراب منه، وهذا الاقتراب الفائق عن
الحد هو بحد ذاتها يخلو من محذور.
العاشرة: ضرورة معرفة فصل الخطاب الذي هو التوحيد الأفعالي بعينه؛ لأنه وإن كان الجبري يقول للمفوض: «إن الجبر الذي تفر منه فإنه ملاقيك"، كما صرح بذلك الإمام الرازي، لكنه يمكن للمفوض أن يوجه إلى الجبري نفس هذا الطعن التفسيري والكلامي، الذي تشم منه الرائحة الكريهة للتنابز بالالقاب؛ كما انه من المحتمل ان يقول الحكيم الإلهي لكل من الأشعري الجبري، والمعتزلي التفويضي: (إن الاختيار والأمر بين الأمرين الذي تفران منه فإنه ملاقيكما)؛ مثلما أنه من الممكن أن يقول العارف الشاهد لكل من الفنات الثلاث: «إن التوحيد الأفعالي الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم"؛ ذلك أن العارف لا يرى أن المنزل الواقع بين الجبر والتفويض هو «اختيار» الحكيم، بل يعتبر أنه هو التوحيد الأفعالي الذي يفصله عن كل من المذاهب الثلاثة المعهودة بون شاسع؛ وذلك لأن له مبادئه التصورية والتصديقية الخاصة به، والتي لا تنسجم مع أي من المبادئ الأشعرية، والاعتزالية، والفلسفية؛ وإن كانت مبادئ الحكمة المتعالية تمتل الجسر المناسب لبلوغ ذلك المقام المنيع السنيع الرفيع. بالطبع من الممكن أن يكون كل واحد من مبنى الحكمة ومشرب العرفان صحيحاً، وفي طول بعضهما، بحيث يكون أحدهما دقيقاً والآخر أدق؛ وخلاصة الأمر فإنه ليس بالمستطاع الحكم على أي واحد منهما بالبطلان.
ـــــــــــــــــــــــــ
1. التفسير الكبير، مج 1، ج2، ص137.
2.التفسير الكبير، مج 1، ج 2، ص158.
3. التفسير الكبير، مج 1، ج 2، (صلى الله عليه واله وسلم)161.
4.أخذت كتب الحكمة والكلام على عاتقها التعمق في مبحث الجبر والتفويض، فراجع «رحيق مختوم» (القسم الرابع من المجلد الثاني للأسفار، مبحث أحكام العلة الفاعلية)، و«علي بن موسى الرضا والفلسفة الإلهية«، ص68 - 94.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|