أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-10
389
التاريخ: 2023-10-09
2791
التاريخ: 2024-06-12
662
التاريخ: 2024-07-25
527
|
الاستقراء مصطلح علمي حادث، عرفنا معناه اللغوي وهو (التتبع) كما عرفنا معناه الاصطلاحي: (وهو تتبع الجزئيات للوصول إلى نتيجة الكلية) وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى تتبع هذه الجزئيات لتتراكم بعضها على بعض فتكون لدينا قناعة كبيرة بالنتائج، وهذا ما أكده السيد الصدر في كتابه (الاستقراء) حيث يشير في آخر صفحة منه إلى مفتاح الاستقراء وهي الآية المباركة{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[1] قال الطبرسي (سنريهم حججنا ودلائلنا على التوحيد في آفاق العالم، وأقطار السماء والأرض، من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والبحار والجبال وفي أنفسهم وما فيها من لطائف الصنعة وبدائع الحكمة (حتى يتبين لهم أنه الحق) أي أن الله الحق[2].
لقد استثمر السيد الصدر منطق الاستقراء في أصول العقيدة حيث ذكر المحققون أن كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) تعد دراسة جيدة للاستقراء حيث تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله تبارك وتعالى حيث قال في كلمته الأخيرة: إن الأسس المنطقية التي تقوم عليها كل الاستدلالات العلمية المستمدة من الملاحظة والتجربة هي نفس الأسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبر لهذا العالم، عن طريق ما يتصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير، فإن هذا الاستدلال كأي استدلال علمي آخر – استقرائي بطبيعته.
فالإنسان بين أمرين: فهو إما يرفض الاستدلال العلمي ككل، وإما يقبل الاستدلال العلمي ويعطي للاستدلال الاستقرائي على إثبات الصانع نفس القيمة التي يمنحها للاستدلال العلمي.[3]
ثم ختم المقالة بهذه الآية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.
ولكن كيف يتم الاستقراء؟
فالآيات منتشرة من حولنا، وتتبعها يحتاج إلى السير في هذه الأرض لكي تتراكم لدى الإنسان صور الآيات وبدائع الخلقة، ومن ثم الاعتبار وأخذ النتيجة من تلك المقدمات (الجزئيات) فقد أشار القرآن الكريم إلى أهم ركيزتين من ركائز الاستقراء وهي ثنائية (السير والنظر) وقد ارتبطت كلمة (سيروا.... فنظروا) في ثلاث عشرة آية.
قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[4] وهناك ست آيات بنفس المعنى[5] هي تؤكد على الاعتبار بآثار الأمم السابقة.
وآيات أخرى تؤكد على الاعتبار بعاقبة المجرمين والمكذبين قال تعالى:{فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[6] وآية أخرى تسلط الضوء على بدأ الخليقة {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}[7]وآية تؤكد على أن الأرض مبنية على نظام سنني لا يتغير قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا}[8] ثم في آية أخرى يؤكد على الاعتبار والنظر بواسطة العقول قال تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}[9] بعد عرض هذه الآيات حاول المفسرون توضيح الأبعاد التي تحتملها هذه الآيات.
فقد فسر أحدهم الأرض بالمعنى الأعم (أرض العالم الكبير والصغير وأرض القرآن أو أرض أحكام الشريعة أو أرض السيَّر والأخبار الماضية)[10]فيوسع المفسرون هنا مجال البحث ليشمل كافة الأصعدة ومن ضمنها القرآن وتفسير الأرض بالقرآن له سند شرعي كما ورد في الكافي عن الإمام الصادق(عليه السلام) (سيروا في الأرض) قال: (عني بذلك انظروا في القرآن)[11].
اما تفسير كلمة (سيروا) فإن السير والتجوال في الأرض لمشاهدة آثار الماضين فالقرآن يدعو إلى سياحة إلهية أخلاقية فيها عبرة لأنفسنا) وهذه السياحة تولد لنا (المعرفة) التي هي وليدة الفكر والحس الواعي لأن العقل يتغذى من الملاحظات الدقيقة التي يلاحظها مما يراه من آثار وتجارب عاشها الآخرون)[12] وكل ذلك بواسطة الاعتبار ولهذا فسرت كلمة (ينظروا) بالاعتبار والتفكر بالعقل لا النظر الحسي حيث قال أحدهم ينظروا بعين عقلهم[13]وقال آخر (ينظروا) أي يعلموا[14]. وبهذا يكتمل ركني الاستقراء (سيروا.... فنظروا) (فالسير) في الأرض بمعناها الأعم هو المرحلة الأولى والذي سماه المدرسي[15] (الاستقراء الشكلي) وهو الذي يجمع كل المعلومات الممكنة ويعبر عنها بلفظٍ واحد.
أما (فنظروا) فقد سماه (الاستقراء الحقيقي) أو التام وهو الانتقال من عدد محصور من القضايا إلى قاعدة عامة، والتي يسميها القرآن (العبرة)، لقد تبنى الإسلام الاعتبار ودعا إليه كمنهج لعملية التفكير حين قال تعالى {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصار} حيث تبين بأن الاعتبار ممارسة لأولي الفكر والبصر، فالقرآن يرسم لنا حدود الاستقراء من خلال ثنائية (سيروا...
[1] فصلت / 53.
[2] الطبرسي، مجمع البيان: 9 / 26 ط دار العلوم.
[3] محمد باقر الصدر / آخر صفحة من الأسس المنطقية للاستقراء.
[4] يوسف / 109.
[5] الحج / 46، الروم / 9، فاطر / 44، غافر / 21، غافر / 81، محمد / 10.
[6] النحل / 36.
[7] العنكبوت / 20.
[8] الحج / 46.
[9] الحاج سلطان محمد الجنانبدي، تفسير بيان السعادة: 2 / 374.
[10] الفيض الكاشاني، تفسير الصافي: 1 / 355، تفسير المعين: 1 / 182، كنز الدقائق: 3 / 228، الجوهر الثمين: 1 / 375.
[11] ناصر مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل: 10 / 329.
[12] محمد حسين فضل الله، من وحي القرآن، 16 / 97.
[13] الشيخ محمد السبزواري النجفي، التفسير الجديد: 4 / 97.
[14] السيد محمد الحسيني الشيرازي، تقريب القرآن: 13 / 61.
[15] السيد محمد تقي المدرسي، المنطق الإسلامي ص381.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|