أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2014
3077
التاريخ: 10-11-2020
7506
التاريخ: 3-12-2015
2122
التاريخ: 2024-10-29
195
|
يقول تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64]
إنّ المراد من (فضل الله) هو تفضل الله الخاص على المؤمنين. ولتوضيح ذلك نقول: إن تفضلات الله سبحانه وتعالى هي على قسمين؛ فقسم منها يشمل جميع البشر، شاؤوا أم أبوا، والقسم الآخر هو التفضلات الخاصة التي على الإنسان أن يطلبها من الله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32].
فأدنى الهمة هو أن يطلب الإنسان من الله عز وجل النجاة من النار فحسب؛ وهي درجة يتمتع بها حتى الأطفال والمجانين والمستضعفون فكرياً؛ إذ لا أحد من أفراد تلك الفئات هو من أهل النار. بل يتحتم علينا السعي وراء الفضل الإلهي الخاص والتصديق بأن أعلى درجات الجنة بانتظار المؤمنين ولا يمكن نيله إلا بالسؤال والطلب من الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الفضل هو ما يعطى فوق المقدار المقرر واللازم، ولا حق للمتفضل عليه فيه وإن العامل الوحيد لنيله هو لطف ورأفة المتفضل.
وبنظرة أعمق فإن ما يصل إلى الناس من جانب الله عز وجل وكل فيض يصيبهم من مبدأ الكون فهو من فضل الله ورحمته فحسب؛ ومن هذا المنطلق فقد وجه الخطاب في بعض الآيات إلى المؤمنين كافة بأنه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21] مما يشعر بأن الإنسان، على نحو الاستقلال، ليس في يده فعل شيء بل هو لا يعدو كونه مرآة لجمال فيض الحق تعالى.
يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في مناجاته مع ربه: (إلهي! إنّ توفيقنا إلى عبادتك ليس أنه لا يجعلنا أصحاب حق عليك فحسب بل إننا نكون معه مدينين لك أيضاً، وإذا وفقنا إلى شكرك وجب علينا بسبب هذا التوفيق شكر آخر) [1].
حتى إنه لا ينبغي القول: إنني ـ على سبيل المثال ـ قد كدحت وقضيت عمراً في طلب العلم و...الخ؛ لأن هناك الكثير ممن يرومون طلب العلم لكنهم لم يوفقوا إلى ذلك. فالعالم الذي يرى لنفسه حقاً على الله عز وجل فهو مخطئ في حساباته ولن يجني من علمه شيئاً، لأن علماً كهذا لا يعد علماً نافعاً.
وعلى هذا الأساس يكرر الله جل وعلا تحذيره في سورة «النور» المباركة بأن: لا تخالوا أن ما أصبتم من العلم الصائب والعمل الصالح هو من عندكم وأنكم أصحاب حق على الله بل يتعين عليكم دوماً أن تعتبروا أنفسكم مدينين لفيض الله وفضله؛ ففي موضع يقول عز من قائل - فلولا فضل الله وقبوله للتوبة وحكمته لكنتم من الخاسرين المتورطين بعذابه - بقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10]، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20]، وفي محل آخر يقول - لولا فضل الله ورحمته وأن طريق التوبة مفتوح لاستولى عليكم العذاب الإلهي العظيم بما ارتكبتم من السيئات - : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14]، لكن الأظرف والأوسع والأشمل هذه الآيات الثلاث ما سبق ذكره {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] وهذه الآية تدل على نحو السالبة الكلية على أنه ما من أحد ـ حتى الأنبياء ـ يزكوا من دون فضل من الله (عز وجل)، ولن ينال أي منهم كل تلك المنازل والمقامات إلا عن طريق الفضل والفيض الإلهيين.
ولا تنافي بين هذه السالبة الكلية وبين ما نزل في قصة واقعة بدر حيث استثنيت مجموعة صغيرة: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83] إذ ليس المقصود في تلك الآية أن هذه المجموعة الصغيرة كانت مستقلة في عملية التكامل ولم تكن بحاجة إلى الفضل الإلهي، بل المراد أنه لو لم تنزل في هذه الأحداث رحمة جديدة لسقط أكثر المؤمنين ولاحتفظ بجماعة قليلة منهم على ما كانوا عليه من فيض سابق ولم يكونوا إطلاقاً لينبهروا بالعظمة والجلال الظاهريين لعدة العدو وعدده، ولثبتوا إلى جانب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وشملوا بثناء حضرة الحق تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] [2]. وعلى كل حال فعلى الرغم من أن رحمة الباري تعالى تشمل جميع البشر حيث يقول عز من قائل في هذا الصدد: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] بيد أن نفس هذه الجملة قد أتبعت بالقول: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156]؛ أي لقد كتبت رحمتي الخاصة وقررتها لأهل التقوى. فالله عز وجل يدخر رحمته الخاصة لأهل الإيمان ليعطيهم إياها: {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] وإن مفاتيح مخازن الفضل والرحمة الخاصة هي في ايدي المؤمنين أنفسهم، وهي عبارة عن ذلك الدعاء والسؤال والطلب من الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] وذلك لأن الدعاء فيما يتصل بأي حاجة مشروعة هو سبب للفرج والإجابة: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] بطبيعة الحال إذا كان السؤال بلسان الاستعداد فإن أثره مسلم، وإذا كان بلسان الحال فإن له أثره الخاص، وإذا كان بلسان المقال فإن هناك أملاً في إجابته. فمن الضروري أن يكون سؤال المقال منسجماً مع لسان الحال والاستعداد كي يجابه بالإجابة على نحو أسرع وأقطع وأكمل.
[1] «فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر، فكلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد»، (بحار الأنوار، ج 91، ص146؛ ومفاتيح الجنان، مناجاة خمس عشرة، مناجاة الشاكرين).
[2] سورة البقرة، الآية 177. «الصابرون حين البأس» هم أولئك الذين يقاومون ويثبتون على خط النار وفي الجبهات المتقدمة من المعركة والجهاد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|