أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-23
349
التاريخ: 2023-05-28
5010
التاريخ: 2023-08-29
1478
التاريخ: 2024-06-24
581
|
وحدة وكثرة الصراط
... أن الصراط المستقيم - على عكس السبيل - واحدة وليس كثيرة، وسر عدم قبول الصراط للتكثر هو أنه من الله وإليه، وما كان من الله وهو متجه إليه فهو واحد ولا يقبل الاختلاف والتخلف مهم والتناقض(1)، فمثلا القرآن الكريم لأنه من الله سبحانه فجميعه منسجم ومترابط، وبرهان حصانة القرآن من الاختلاف أيضا هو كونه من الله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، فما هو من عند الله لا يقبل الاختلاف، كما أن الذي من عند غير الله لا يقبل الوحدة، وهذان الأمران أحدهما يستفاد من مفهوم الآية { والآخر من منطوقها.
وما كان من عند الله وله كثرة، فكثرته منسجمة وما كان من عند غير الله وثمرة الأهواء والنزوات فهو وإن كان في الظاهر متحدا لكنه في الواقع مختلف، ولذلك يخاطب أمير المؤمنين(عليه السلام) عبيد الأهواء ويقول لهم: "يا أيها الناس؟ المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم"(2). فالهوى في مقابل الله، ولذلك فهو على الرغم من اجتماعه الظاهري لكنه في الحقيقة متشتت ومختلف. وعلى هذا الأساس فإن الكثرة المذكورة في القرآن للصراط ليست مزاحمة لوحدته، بل إن كثرته تشبه كثرة القوى النفسانية والحواس الظاهرية والباطنية التي هي في عين التعدد متحدة ومنسجمة بواسطة وحدة الروح، وجميعها تهدف إلى تحقيق رغبات الإنسان.
وتوضيح ذلك هو: أن الصراط وإن كان لا يتصف بالتثنية والجمع ولكن كثرته وتعدده مطروحة من خلال إضافة "كل" وأمثالها إليه كما في كلام شعيب لقومه في الآية الكريمة: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} [الأعراف: 86] أي لا تكونوا عقبة على كل صراط، حتى يتمكن الناس من الحركة في طريق الله (3).
وعلى أساس البحث السابق فالصراط واحد منسجم، ومثله كمثل نور الشمس الذي يضيء الأشياء الكثيرة والأمكنة المختلفة، لكنه نور واحد، لأن المقصود . هذه الوحدة ليس خصوص الوحدة العددية حتى تكون منافية للتعدد، حيث يمكن أن يكون الشيء ذا وحدة منبسطة وواسعة، وبسبب اتصاله بالقوابل المتعددة يصبح كثيراً، لكن وحدته الواقعية باقية. وعليه فإن الكثرة التي تستفاد من عنوان "كل صراط" إما أن تكون ناظرة إلى الشؤون والمقاطع والمنازل والمراحل لذلك الصراط المستقيم الواحد أو أنها مقترنة بمعنى السبيل القابل للتعدد.
والقرآن الكريم يعد اتباع الصراط المستقيم عاملاً للوحدة والنجاة من التفرقة، وإن اتباع السبل المنحرفة مدعاة للتفرقة والتشتت: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153](4).
فالصراط المستقيم يزيل جميع أنحاء التشتت، ويجعل الكثرة منسجمة و موحدة، والسبل المتفرقة لا تقبل الاتحاد أبدا، ولا تصل إلى نتيجة واحدة، كما أن أهل جهنم متفرقون ويلعن بعضهم بعضا: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] لكن أهل الجنة قد طهر الله قلوبهم من جميع أنواع الاختلاف والغل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] وليس في الجنة بينهم أي نحو من الاختلاف وهم يشكرون الله على ما أذهب من الحزن عن قلوبهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] وأصحاب الصراط المستقيم في الدنيا هم أصحاب الجنة في الآخرة: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه: 135]۔
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سيأتي بحث مفصل حول وحدة وكثرة الصراط في تفسير الآية 153 من سورة الأنعام .
2. نهج البلاغة، الخطبة 29، المقطع 1.
3. ان معنى نهي النبي شعيب(عليه السلام) يتضح مع الأخذ بنظر الاعتبار كلام الشيطان الله سبحانه حيث قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] ، فشعيب يقول لا تكونوا من الشياطين. وإذا صار الإنسان مانعاً عن عمل الخير أو عقبة في طريق الفهم الصحيح والتحلي بالأخلاق الحسنة فهو شيطان بصورة انسان قد كمن للسائرين في الصراط.
4. سورة الانعام، الآية 153. وفي رواية ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في توضيح هذه الآية الكريمة رسم خطاً مستقيماً ثم رسم حوله خطوطاً أخرى ثم قال: هذا الخط المستقيم طريق الرشد وهذه الخطوط الأخرى هي الطرق التي على رأس كل واحد منها شيطان يدعوا الى ذلك الطريق ثم تلى هذه الآية الكريمة. (جوامع الجامع، ج1، ص427؛ الدر المنثور، ج 3، ص 385).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|