أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
2110
التاريخ: 2023-04-27
809
التاريخ: 2023-05-06
834
التاريخ: 2023-04-17
1032
|
أخذ أرسطو بنظرية العناصر الأربعة التي نظمها إمبيد وقليس، ووافق على أن النار أحد العناصر الأربعة التي تتكون منها المادة، وقد فسر الاحتراق بأنه إطلاق النار من المادة.5
ومع تبنّي أرسطو لنظرية العناصر الأربعة وإضافته للكيفيات الأربع (الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وأنَّ كل عنصر من العناصر الأربعة ينتج عن اتحاد زوجين من هذه الكيفيات (انظر الشكل الآتي)، تأسست نظرية الاحتراق الأرسطية وتم تبنيها من قبل معظم العلماء والفلاسفة اللاحقين من عرب وأوروبيين.6
ولبناء نظريته، شرع أرسطو في توضيح أثر الحرارة سواء على الجماد أو الحيوان، فالأجسام لا تحترق إلا لأنها مُهَيَّأة للاحتراق، قال أرسطو: «وقد يَدُلُّ أيضًا دلالةً عظيمة على أنَّ الحرارة والبرودة فاعلتان أنَّ كل واحدة منهما تُوجد سببًا لكون الأجسام وفسادها، وذلك أن الحرارة يتولد عنها الحيوان ويغتذي، والأجسام التي فيها تهيؤ للاحتراق تحترق ... والحرارة أيضًا تبرد بالعَرَض، ولهذه العلة نجد الاستمرار والنضج في الصيف أقل.»7
وكان أرسطو يرى بأنَّ الجسم المحترق «هو الذي له منافذ تقبل النار، وفيه رطوبةٌ قابلة للأثر منها، وأمَّا غير المحترق فالمضاد له؛ فمتى كان الجسم يابسًا، ولم تكن له منافذ تقبل النار، لم يحترق، بمنزلة الجليد والخشب الرَّطب، وبعض الأجسام المحترقة لا تشتعل منها النار، وهذه الأجسام إما أن تشتعل وحدها، وإما مع جسم، والمشتعلة وحدها منها ما لها جمر، بمنزلة خشب البلوط والزيتون، ومنها ما يُفضي إلى الرماد بمنزلة القصب والبردي، وأما التي تشتعل مع أجسام أخر فبمنزلة الزيت مع الفتيلة والشمع مع البردي.»8
وفقًا لنظرية أرسطو في تكون المادة، وهي النظرية البديلة لنظرية الذرات لديموقريطس، فإنَّ النار لها خاصيتا الحرارة واليبوسة، وللهواء خاصيّتا الحرارة والرطوبة، وللماء خاصيتا الرطوبة والبرودة وللتراب خاصيَّتا البرودة واليبوسة. من سلبيات هذه النظرية أنها أطلقت شرارة إمكانية تحويل المواد الرخيصة كالحديد والنحاس إلى مواد نفيسة كالذهب والفضة. (مصدر الصورة والتعليق الشكيل علي جمعان الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص102–103).
وقد حاول تفسير وتصنيف سبب حدوث عملية الاحتراق في بعض المواد وعدم حدوثها في البعض الآخر إلى أربعة أنواع:
(1) أجسام تحترق وتذوب مثل الشمع، ويعود ذلك إلى وجود رطوبة في كلتا المادتين.
(2) أجسام تنصهر ولا تحترق مثل النحاس، وسبب ذلك استجابة رطوبته للانصهار وعدم استجابتها للاحتراق.
(3) أجسام تحترق ولا تنصهر مثل الخشب، وسبب ذلك استجابة رطوبته للاحتراق وعدم استجابتها للانصهار.
(4) أجسام لا تحترق ولا تنصهر مثل الحجر، وسبب ذلك لأنَّ رطوبته لا تستجيب لا للاحتراق ولا للانصهار. طبعًا ولكل قاعدة شواذ؛ إذْ يُوجد حجر أسايطس الذي يمكنه أن يحترق إذا سُكب عليه زيت، ورُبَّما قصد النفط.
قال أرسطو: إنَّ «بعض الأجسام تشتعل وتذوب معًا، بمنزلة الشمع، والسبب في ذلك أن بعض رطوبته متصلة وبعضها مُتبدِّدة، ولهذه العِلَّة يقبل الأثرين جميعًا، وإذا أفرد وحده ذاب، وإذا تركب مع البردي اشتعل. وبعضها يذوب ولا يشتعل، بمنزلة النَّحاس؛ فإن هذا بسبب تبدد الرطوبة فيه يجيب إلى الذوبان ولا يُجيب إلى الاشتعال. ومنها مشتعلة غير ذائبة، بمنزلة الخشب؛ فإن هذا لسبب اجتماع الرطوبة التي فيه يُجيب إلى الاشتعال ولا يُجيب إلى الذوبان. وبعضها لا يشتعل ولا يذوب، بمنزلة حَجَر المطر وسائر الأجسام التي لا توجد فيها رطوبة – لا مجتمعة ولا متفرقة – خلا الممسكة لأجزائها مثل الحَجَر المُسمَّى باليونانية أسايطس؛ 9 فإن هذا الحجر لا يحترق إذا كان مفردًا بسبب يُبْسه، فمتى سُكب عليه زيت احترق لأنه رطب.» 10 وقد أكد أرسطو في مواضع أخرى على نظريته في احتراق المواد، متوسعًا في الأمثلة التي طرحها والحالات التي تكون فيها نسبة كيفية الرطوبة أو الهوائية أو اليبوسة زائدة عن الحد «فأما الخشب فإنه يحترق بالنار ولا ينحلُّ ولا يذوب؛ لأنَّ الغالب عليه الهواء والأرض لا المائية والأرض. والدليل على ذلك أنه يطفو على الماء ما خلا خشب الأبنوس فإنه يغرق لأن الأرضية أغلب عليه من الهوائية، والدليل على ذلك سواد لونه.» 11 «وبعض الأشياء تحترق بالنار وتشتعل بها كالخشب والصوف والعظام، وما أشبه ذلك من الأجسام التي منافسها ومجاريها الطبيعية غير مُضادَّة للنار، بل شبيهة بها فتحترق لمخالطة النَّار إيَّاها، وأما ما كان رطبًا مُفرِطًا في الرطوبة فإنه لا يحترق ولا يشتعل كمثل الجليد والثلج وما أشبه ذلك. وبعض الأجسام تنحرق وتفسد وتصير يابسة أرضية إذا عادت رطوبتها بخارًا، وبعضها يصير ريحًا وبخارًا بالنار كالدهن وما أشبهه. والبخار هو هواء محتقن في الجسم الخارج منه غائص فيه مخالط لقوة ذلك الجسم، وقد يُقال إن ذلك الجسم يحترق إذا كان ممكنا أن يصير رمادًا. والتي تحترق فهي الأجسام الجامدة بالحر والبرد، فأمَّا المحترقة بالحرارة الجامدة فالعظام وما أشبهها. وأما المحترقة الجامدة بالبرد فكالأحجار المحترقة والمتكلسة.» 12
أما موقفه من عملية التنفس فقد أوضحه أرسطو قائلًا: «لا يُمكننا أن نقبل الفكرة بأن الغرض من التنفس هو التغذية، وبذلك يعني بأنَّ النار الداخلية تغذيها النفس، وأنَّ التنفس هو إلقاء الوقود في الفرن.» 13 وبذلك فإنَّ عملية التنفس التي تحدث عند الكائنات الحية فإن مهمتها دعم الحرارة الحيوية التي هي حالة الحياة. ومن ناحية علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) الأرسطية فإنَّ تشكيل الجسم يتم بوساطة النسل والتغذية، وهو يُقَدِّم مغيارًا لتصنيفه لكل أشياء الحياة الأعلى تلك التي إمدادها للحرارة يسمح للأجيال الولودة والبياضة بأن تتشكل الرُّوح المغذية الموجودة في الأرواح الحساسة والعاقلة التي «تُحرِّك» كلا من التغذية والنسل وهي متوضعة في القسم الأكثر حرارة من الجسم، في منطقة متوسطة بين تلك حيث يدخل الطعام إليها، وتلك التي يتم إفراغ الطعام منها؛ أي القلب في الحيوانات ذات الدم الحار أو القاني. النار هي في القلب الذي يغذيه الوقود وهذا معني به الطعام الذي يتصاعد على شكل بخار. إذا استهلكت النار الوقود أسرع من المعدة يُمكن استبدالها أو إذا كانت النار مستعرة، فإنَّ الأعضاء الحية تموت من الإنهاك لمنع هذا، يجب الإبقاء على النار ضمن روابط. هذه هي وظيفة التنفس، إنه يقوم بتلطيف حرارة القلب بالتبريد، بالإضافة إلى أن جالينوس تصور تلك الحركات التنفسية زفَرَت أبخرة بادية، والتي ما عدا ذلك فإنها ستتجمع وتخنق اللهب الحيوي التي نشأت منه.
إن اعتماد الحياة على الحرارة والتنفس ضمن نشاط التغذية تصوره علم وظائف الأعضاء القديم والذي عبر عنه أرسطو كما يأتي: «النسل هو أساس المشاركة، وهو توسط بالمادة الخام الدافئة، في نشاط التغذية والحياة هي صيانة هذه المشاركة؛ الشباب هو فترة نمو العضو الأولي للتبريد، والشيخوخة انحدارها، في حين أنَّ الزَّمن الفاصل مُقتبل العمر». تتفاوت آلية التنفّس؛ حيث إنَّ الحيوانات الشاحبة تُنتج حرارةً طفيفة جدًّا ليس لها ترتيبات خاصة ضرورية لتبريدها؛ إذ إن استحمامًا بسيطًا على أدمتها بوساطة الهواء أو بالماء يكون كافيًا عادة. أما الحيوانات ذات الدم الحار فهي ذات طبيعة أسخن وتتطلب آليةً خاصة، كما في الأسماك وخياشيمها والتي تسبح بالماء؛ ولهذا في الطبيعة فإنَّ الحيوانات الأسخن أكثر نبلًا وذات رئات يغمرها الهواء، يُشبه عمل الرئتين كيرين؛ عندما تُصبح الحرارة في القلب زائدة تسبب التمدد للرئة المجاورة مباشرة، ويتدفق الهواء البارد فيها ويخفّف من الحرارة، وتهمد الرئة والهواء المستنشق والذي قد سخنه الاتصال بالدم تم زفره ثانيًا: ترتفع الحرارة وتتكرر العملية. فيما بعد وفي عصر جالينوس هذا التفسير المبدع عن التنفس والزفير نبذتهما فكرة استندت على الفعل العضلي على أي حال، فإنَّ وظيفة التنفُس في التعاليم القديمة كان للمحافظة على لهب الحياة من الاستنفاد، وذلك بالحرارة المفرطة، ومن خَنقه بالأبخرة الظاهرة. 14 هذه الأفكار سيكتب لها الظهور في الأدبيات العلمية العربية والأوروبية، لكن مع تعديل تفصيل أكثر أهمية.
_______________________________________________________
هوامش
5- كوب، كاتي ووايت هارولد جولد إبداعات النار، ترجمة: فتح الله الشيخ، ط 1، سلسلة عالم المعرفة، رقم 266، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2001م، ص 135.
6- الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص102.
7- بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص 164.
8- بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص 184.
9- هكذا كانت مكتوبةً في النص المحقق لبدوي وحاولتُ معرفة هذا الحجر بعد عملية بحث عنه ولم أتمكّن من معرفته.
10- بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص 184.
11- ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص 196.
12- المرجع السابق نفسه، ص 204.
13- .Merton, E. S., Sir Thomas Browne's Theories of Respiration and Combustion, p. 210
14- .Merton, E. S., Sir Thomas Browne's Theories of Respiration and Combustion, p. 209
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|