المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



بديع الزمان  
  
2820   04:05 مساءً   التاريخ: 7-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في النثر العربي
الجزء والصفحة : ص238-241
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-12-2015 12829
التاريخ: 21-06-2015 3314
التاريخ: 25-06-2015 2368
التاريخ: 8-10-2015 2848

هو، أبو الفضل أحمد بن الحسين، ويعرف باسم بديع الزمان، أصل من همذان وإليها ينسب، وقد تركه عام 380هـ، وعمره نحو اثنتين وعشرين سنة، ويظهر أنه لم يكن معجبًا بها، فقد جاء في إحدى رسائله لأستاذه أحمد بن فارس اللغوي المعروف، الذي "أخذ عنه جميع ما عنده، واستنفذ علمه"(1)، قوله(2):
لا تلمني على ركاكة عقلي ... إن تيقنت أنني همذاني
وقد روى له ابن خلكان -مع شيء من الشك- بيتين يذم فيهما همذان، وأهلها ذمًا قبيحًا على هذا النحو(3):
همذان لي بلد أقول بفضله ... لكنه من أقبح البلدان
صبيانه في القبح مثل شيوخه ... وشيوخه في العقل كالصبيان

وقد يكون في هذا الشعر -إذا صحت نسبته إليه- ما يعلل لمفارقته بلده في مقتبل حياته، وقد تركها إلى حضرة الصاحب بن عباد زعيم أدباء عصره حينئذ، فتزود من ثماره وحسن آثاره(4)، ونراه يترك الصاحب إلى جرجان إذ "أقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية، والتعيش في أكنافهم، والاقتباس من أنوارهم، ثم قصد نيسابور فوافاها في سنة 382هـ، ونشر بها بزه، وأظهر طرزه، وأملى أربعمائة مقامة! نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها"(5).
على أنه لا يستمر طويلًا في نيسابور، إذ نراه يرحل عنه متجولًا في خراسان، وسجستان وغزنة وما حواليه، ويقول الثعالبي: أنه "لم يبق من بلدة في هذه الأنحاء إلا دخلها، وجنى وجبى ثمارته، واستفاد خيرها وميرتها، ولا ملك ولا أمير لا وزير، ولا رئيس إلا استمطر بنوئه، وسرى في ضوئه، ففاز برغائب العم، وحصل على غرائب القسم، وألقى عصاه بهراة، واتخذها دار قراره، ومجمع أسبابه، واقتنى ضياعًا فاخرة، وعاش عيشة راضية، وحين بلغ أشده، وأربى على الأربعين ناداه الله فلباه، وفارق دنياه سنة 398 هـ"(6).
واشتهر بديع الزمان بحافظة قوية قوة شديدة، يقول صاحب اليتيمة: "إنه كان صاحب عجائب، وبدائع وغرائب، فمنها أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتًا، فيحفظها كلها، ويؤديه من أولها إلى آخرها، لا يخرم حرفًا، ولا يخل بمعنى، وينظر في الأربعة والخمسة أوراق من كتاب لم يعرفه، ولم يره نظرة واحدة خفيفة، ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا، ويسردها سردًا"(7)، وكما اشتهر بديع الزمان بحافظته اشتهر بسعة ارتجاله"(8)، وكان يعرف الفارسية، ويترجم بعض أشعارها إلى العربية، ويقال: إن الصاحب بن عباد اختبر مهارته في هذا الجانب(9)، ويقول صاحب اليتيمة : إنه "كان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيان العربية، فيجمع فيها بين الإبداع، والإسراع"(10).
وليس هناك كاتب في القرن الرابع نال من التمجيد، والثناء ما ناله بديع الزمان، وحتى اسمه لا يعرفه الناس، وإنما يعرفونه بلقبه الذي أطلقه عليه معاصروه، وإنه ليفصح عن مدى إعجابهم به، يقول الثعالبي: "هو معجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، ومن لم يبلق نظيره في ذكاء القريحة، وسرعة الخاطر، وشرف الطبع، وصفاء الذهن، وقوة النفس، ومن لم يدرك قرينه في طرف النثر وملحه وغرره، ولم ير ولم يرو أن أحدًا بلغ مبلغه من لب الأدب وسره، وجاء مثل إعجازه، وسحره"(11)، ويقول الحصري وقد ذكر اسمه "البديع": "هذا اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، كلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفًا، والهوى يعشقه ظرفا"(12)، وكان الحصري يتعصب له على الخوارزمي، وبلغ من تعصبه أنه لم يرو للخوارزمي شيئًا في كتابه، بينما أكثر من روايته عن البديع، إذ كان يعجب به، وبمقدرته على التجويد، والتحبير إعجابًا شديدًا، وقد ترك بديع الزمان مجموعة كبيرة من الرسائل نيف على مائتين وثلاثين، وأكثرها في علاقاته الشخصية، وبعضها في مسائل أدبية، وقد تحدث في الرسائل رقم 167 عن انتشار التشيع، ومن يتصفح هذه الرسائل يحس فيها أثر الاحتفال والجهد الشديد، واستمع إليه في هذه الرسالة القصيرة(13):
"
يعز علي -أطال الله بقاء الرئيس- أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي، ويسعد برؤيته رسولي، دون وصولي، ويرد مشرعة الأنس به كتابي، قبل ركابي، ولكن ما الحيلة والعوائق جمة:
وعلي أن اسعى وليـ ... ـس علي إدراك النجاح
وقد حضرت داره، وقبلت جداره، وما بي حب الجدران، ولكن شغفًا بالقطان، ولا عشق الحيطان، ولكن شوقًا إلى السكان".
وأكبر الظن أنه استقرت في نفسك الآن صورة من تصنيع البديع، فهو يعتند في تصنيعه على السجع القصير، وإنه ليبعد في ذلك، فإذا سجعاته لا تتألف من عبارات، وإنما تتألف من ألفاظ وكلمات، فـ"قلمي" تتبعها "عن قدمي" و"رسولي" يليها "دون وصولي"، و"كتابي" تجيء في إثرها "قبل ركابي"، وما من شك في أنه بلغ من ذلك مبلغًا لم يصل إليه ابن العميد، ولا من تبعوه في مذهب التصنيع، وهو ضيف إلى ذلك كل ما يمكنه من ترصيع بالبديع، وكان يعتمد -في أغلب الأمر- على الجناس، بينما كان يعتمد الخوارزمي في الأكثر على الطباق، وهما يشتركان بعد ذلك في العناية بالتصوير، على أن البديع كان يهتم بلون لم يأبه له الخوارزمي، وهو "مراعاة النظير" بين ألفاظه وكلماته، وكان يبالغ في ذلك حتى يضم اللفق إلى لفقه، والشكل إلى شكله، كقوله في تهنئة بمولود: "حبذا الأصل وفرعه، وبورك الغيث وصوبه، وأينع الروض ونوره، وحبذا سماء أطلعت فرقدًا، وغالبة أبرزت أسدًا"(14)، فإنه حين ذكر الأصل، وفرغه استطرد إلى ذكر الغيث وصوبه، والروض ونوره أو زهره، والسماء وفرقدها، والغابة وأسدها، ومن ذلك قوله في إحدى رسائله:
"
وردت من ذلك السلطان حضرته، التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج، ومشعر الكرام، لا مشعر الحرام، ومنى الضيف، لا منى الخيف وقبلة الصلات، لا قبلة الصلاة"(15)، فإنه حين ذكر الكعبة، والحجاج ذكر المشعر الحرام، ومنى الخيف وقبلة الصلاة، وكل ذلك ليجانس، ويناظر بين ألفاظه وكلماته. على أن هناك ظاهرة تختص بها رسائل بديع الزمان، ولا توجد في رسائل الخوارزمي، وهي ظاهرة القصص، وهي أوسع من أن نمثل لها بأمثلة؛ لأنها تنتشر في جميع رسائله، ومهما يكن فقد كان بديع الزمان معجبًا بمذهب التصنيع، وكان يسعى دائمًا إلى تطبيقه في رسائله، وكتاباته وإنه ليغالي في هذا التطبيق، فإذا هو يحاول أن يقصر عبارات سجعه تقصيرًا شديدًا، كما يحاول أن يفرط في استخدام ألوان البديع إفراطًا بعيدًا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- اليتيمة 4/ 241.
2- رسائل بديع الزمان "طبع بيروت سنة 1921" ص419.
3- وفيات الأعيان 1/ 39.   

4- اليتيمة 4/ 241.
5- اليتيمة 4/ 241.
6-اليتيمة 4/ 242.
7- اليتيمة 4/ 240.
8-اليتيمة 4/ 240.
    Browne, Lit Hist ofpersia. vol ll, p. 112

10- اليتيمة 4/ 241.
11- اليتيمة 4/ 240.
12- زهر الآداب للحصري 1/ 307.
13- رسائل بديع الزمان ص 103.              

   14- رسائل بديع الزمان ص515.
15- رسائل بديع الزمان ص151.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.