أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-26
241
التاريخ: 2023-03-26
1551
التاريخ: 2023-11-21
1239
التاريخ: 12-10-2014
2217
|
آفات التوحيد العبادي
إن القرآن الذي هو شفاء لما في باطن الإنسان من داء {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57] ، يعرف الإنسان على آفات التوحيد العبادي، فالتوحيد في العبادة له عدوّ باطني، وعدو خارجي: فالعدو الباطني وصفته بعض الروايات بأنه (أعدى الأعداء) فقالت: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك"(1) فهو الهوى والشهوات، الذي لا يعيق الإنسان عن بلوغ الكمال فحسب، بل يحطم الإنسان شيئاً فشيئاً إلى درجة أن لا ينال من عمره شيئاً سوى الحسرات والآهات. والسر في كونه (أعدى الأعداء) أنه هو ليس هناك من عدو يفعل بالإنسان هذا الفعل المشين الذي يفعله هوى النفس، فهو بواسطة الإفراط في الأكل والنوم والكلام يشل الإنسان بحيث لا يبقي له قدرة على الحركة.
أما العدو الخارجي للتوحيد العبادي فهو الشيطان. وبالطبع فإن العدو الخارجي يغوي الإنسان بواسطة التصرف في مصادر حسته وطرق إدراكه وأعضائه الحركية. ولهذا فهذان العدوان يرجعان إلى سببين طوليين عرضيين، أي إن العدو الخارجي (الشيطان) يجر الإنسان نحو الفساد عن طريق العدو الباطني (هوى النفس)، وأدوات إغوائه هي وسوسة النفس. والشيطان يقول حول طريقة اختراقه للقلوب: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} [النساء: 119] ، فهو يوقع بالإنسان عن طريق (الأمنية). فالشيطان لا يستطيع أن يضل أحدة بغير وسيلة للإغواء، بل هو مثل السم القاتل الذي يفتك و بالإنسان عن طريق الجهاز الهضمي. فالسم مالم يؤكل وما لم يجذبه الجهاز الهضمي فإنه لا يؤثر شيئا.
والعابد الذي يصغي إلى هذين العدوين، فهو ليس موحدا في العبادة، وإذا قال في الصلاة (إياك نعبد) فهو كاذب. ومثل هذا الإنسان المنفلت قد شيد في باطنه معبدا للأصنام، فهو منهمك في عبادة الصنم، وليس له من التوحيد نصيب.
وقد حذر القرآن الكريم من خطر هذين الأمرين، فقال حول العدو القريب والباطني: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] فالذي يعمل طبقة لما يشتهي، والمنفلت هو مطيع لهواه وليس تابعة لقانون الله، وهو في الواقع يعبد هواه فإلهه هواه وهو (عبد الهوى) وليس (عبدا لله).
أما فيما يتعلق بالأمر البعيد والخارجي فيقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60]. وإذا ما أبتلي الإنسان بخدعة عامل الهلاك القريب أو البعيد فوقع في عبادة الصنم، فهو مشمول بالخطاب التوبيخي لنبي الله إبراهيم (عليه السلام) حيث قال: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [الأنبياء: 67].
فالقرآن الكريم من جهة يعتبر البعض عبيد الهوى، ومن جهة أخرى يقول على لسان الخليل "أف لمن يعبد غير الله" وهذا "التأفف" ليس لعنا وانزجارا موقتا وعابرا حتى يكون موعده قد انقضى وتصرم، بل هو من * كلام القرآن الذي هو "يجري كما يجري الشمس والقمر"(2)، وعليه فإنه اليوم أيضا، يخاطب حجة العصر الإمام المهدي (عليه السلام) عبيد الهوى ويقول: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 67].
فالإنسان من جهة يبلغ بالعبادة المقام الشامخ ويرقى إلى ذرى الولاية ويثبت اسمه في سجل المقبولين، ومن جهة أخرى يتسافل بسبب عبادة الهوى ويسقط إلى حضيض الضلالة، بحيث يستحق الخطاب المشين المذكور. والإنسان بتغلبه على هذين العدوين الباطنية والخارجية (الهوى والشيطان) وسيطرته عليهما يصل إلى درجة التوحيد الصادق.
والقرآن الكريم في مقام تبيين صفات الموحدين الصادقين ومدحهم يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] ، أي إن الموحدين الصادقين إذا أصبحت بيدهم القدرة والحكومة، فليس فقط يعبدون الله بل هم لا يجعلون لله أي شريك أيضا.
وصحيح أن جملة (يعبدونني) غير مفيدة للحصر، لكن جملة (لا يشركون بي شيئا) التي هي نكرة في سياق النفي تفيد الحصر، وحيث إن الجملة الثانية وردت إلى جانب الجملة الأولى بغير حرف عطف، فهذا يدل على أن التوحيد العبادي ونفي الشرك معنيان غير منفصلين عن بعضهما، وإذا دلت النكرة في سياق النفي على نفي جميع أنحاء الشرك فالعبادة ستكون خالصة لله، وهذا هو نفسه مضمون: (إياك نعبد).
والصفات المذكورة تتعلق بالمؤمنين الصالحين الذين وصلوا إلى سدة الحكم وليست محصورة بالمرسلين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ولهذا فإن الوصول إلى هذا المقام ميسور لكل إنسان.
وخلاصة القول هي: إن الله سبحانه من جهة يحصر العبادة والخوف والرهبة في ذاته المقدسة: {إياك نعبد}، {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] ، ومن جهة أخرى: يبين أعداء وآفات التوحيد العبادي، ويوضح سبيل علاجها ومواجهتها، ومن جهة ثالثة: يكلف الجميع بالالتزام بها، ومن جهة رابعة يعد المحاور الأساسية للتكليف سهلة وبعيدة عن العسر والحرج. وبالنتيجة: فإن تحصيل مثل هذا الكمال مقدور للإنسان، بل هو سهل عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البحار، ج67، ص 64.
2. البحار، ج 89 ص 97.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|