أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
2353
التاريخ: 18-5-2021
2842
التاريخ: 2023-06-12
1374
التاريخ: 11-5-2021
2485
|
كانت بلاد الحجاز ويراد بها الحجاز وتهامة معًا) قبل البعث النبوي قلب البيئة العربية في جزيرة العرب؛ ففيها الكعبة مهوى قلوب العرب أجمعين، وموضع عزهم، وفيها مكة، أم القرى العربية، ومسكن قريش سيدة القبائل العربية وأعزها سلطانًا في الدين والدنيا، وفيها يثرب أخصب أراضي الجزيرة وأطيبها تربةً وأعمرها بقعة، وفيها جدة والجار خير فُرَض الجزيرة وأغناها تجارةً وربحًا، وفيها الطائف مدينة العلم والنشاط الفكري والتجارة، وفيها أفصح قبائل العرب وأكثرها شعرًا، وفيها أجلُّ أسواق العرب شهرةً كعكاظ ومجنَّة وذي المجاز. والحجاز بلد عريق في استقلاله وسيادته منذ أقدم العصور؛ لمكانه الحصين، وحرمته المقدسة، وصموده أمام النكبات والاحتلال الأجنبي، وما ذلك إلا لمكانة مكة المكرمة؛ قال ياقوت: إنها - أي مكة – كانت لقاحًا لا تدين لدين الملوك، ثم لو يُؤدِّ أهلها إتاوة، ولا ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش، ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضًا وشرفًا عندهم عظيمًا، وكان أهله – أي البيت - آمنين يَعْزُون ولا يُغزَون، ويسبون ولا يُسبَون، ولم تُسبَ قُرشيَّة قطُّ فتُوطأ قهرًا(1). وسكان الحجاز هم العرب واليهود؛ وأما العرب فهم سكانه الأصليون، وهم منتشرون في جميع مدن الحجاز، قُراه وبواديه ومن أشهر القبائل الساكنة فيه: بطون قريش، ملكها وسليم، ومزينة، وهوازن وثقيف وخثعم وطي، وأشجع، وغفار، وفزارة، وغطفان، والأوس والخزرج. وأما اليهود فكانوا يسكنون في يثرب وخيبر والطائف ووادي القُرى، ومن أشهر القبائل اليهودية: بنو النضير، وبنو القينقاع، وبنو قريظة، وبنو هَدَل. وأجلُّ مدن الحجاز «مكة»، وهي من أقدم مدن بلاد العرب؛ سكنها العمالقة، ثم خلفتهم قبيلة جرهم عليها، وفي عهدها قصدها إبراهيم - عليه السلام – وبني الكعبة، وصاهر ابنه إسماعيل بني جرهم، وسكن الحجاز، واستمر أولاده فيها من بعده (2). وكانت سدانة البيت لآل مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل، إلى أن بغوا واستحلُّوا أموال الكعبة، فغلبتهم خُزاعة عليها، وهي قبيلة يمنية قدمت الحجاز إثر سيل العرم (3). ووليت البيت نحوا من ثلاثمائة سنة إلى أن نبغ قُصي بن كلاب بن مرة، وكان يقيم هو وأبناؤه حوالي مكة، فعظم سلطانه، وانتزع حماية الكعبة من خُزاعة، وتملك مكة، وبنى بها دار الندوة، ونظم أمور أهلها؛ فلا تُزوَّج امرأة إلا في دار الندوة، ولا يُعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها، وكأنه أراد بذلك تسجيل حوادث الأحوال الشخصية، وجعل تلك الدار مقرا للقوم يتشاورون فيه في كافة شئونهم من خير وشر، وكانت قبائل قريش تؤدي الرفادة إلى قصي؛ وهي أموال يؤدونها إليه يترافدون فيها، فكان يصنع الأطعمة والأشربة للحجاج أيام الموسم، ورتَّب سائر أمور مكة من حجابة وسقاية ولواء وما إلى ذلك مما فيه تنظيم شئون المدينة، كما سترى تفصيل ذلك فيما بعد. ومن مدن الحجاز الكبيرة (يثرب»، وهي مدينة قديمة سماها المعينيون «يثرة»، والبيزنطيون «يثريبا»، وهي مدينة حصينة كثيرة القلاع والآطام، كثيرة الخيرات والمزارع، عذبة المياه وافرة النخيل (4)؛ نقل الألوسي عن كتاب نشر المحاسن اليمانية ما نصه: «كانت مدينة يثرب للعرب، فخرج إليها قوم من بني إسرائيل في زمن موسى بن عمران فغنموها من العرب العاربة، وقتلوا ملكًا لهم يُسمى الأرقم، وأقاموا فيها ما شاء الله حتى افترقت الأزد من مأرب في حادثة سيل العرم، فنزل الأوس والخزرج يثرب على الإسرائيليين(5)، ثم جرت بين الأوس والخزرج والإسرائيليين حروب انتهت بانخذال اليهود، وفي الكتب العربية واليهودية تفاصيل وأقاصيص عن أحوال هؤلاء اليهود، فليرجع إليها من يريد التوسع في هذا(6) وقد كان لليهود حين هجرة النبي إلى المدينة أثر كبير سنرى آثاره فيما بعد. وأشهر البطون اليهودية «بنو القينقاع»، وكانوا يسكنون المدينة ويمتهنون الصياغة والصيرفة كما كانوا ذوي نفوذ كبير في المدينة؛ و «بنو قريظة»، وكانوا زُرَّاعًا يسكنون في وادي مهزوز ووادي بطحان وهما واديان يهبطان من حرة يهبط فيها مياه عذبة (7)؛ و«بنو النضير» وكانوا زُرَّاعًا في وادي بطحان ويقول اليعقوبي: إنهم في الأصل من بني جذام، ثم تهودوا. ولكن بعض المؤرخين يذكرون أن السيدة صفية أم المؤمنين – وهي من بني النضير - كانت منحدرة من نسل هارون بن عمران، وقد كانت لهم معابد ومدراسات وربانيون وكان إلى جانب هؤلاء اليهود متهودون من العرب. ولم يكن المتهودون في خصومتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل اليهود في خصومتهم إياه، وقد اكتسب هؤلاء اليهود جميع التقاليد والأخلاق والأسماء واللهجات العربية، كما ثقفوا اللغة العربية إلى جانب لغتهم الأصلية، وظهر منهم شعراء وخطباء بالعربية، وتقول الروايات العربية إن هؤلاء اليهود كانوا هم المسيطرين على المدينة المنورة، وإنهم كانوا ملوكها، وإن آخرهم كان يُسمى القيطون أو القيطوان أو الفيطون (بالقاف، والفاء)، وإنه كان عاتيًا جبَّارًا قتله مالك بن العجلان الخزرجي ، ثم اضمحلَّ أمر اليهود من بعده، وصارت السيادة للعرب(8) . ولكن الخلافات ما عتمت أن نشبت بين العرب – أي الأوس والخزرج فاستفاد اليهود من ذلك، وأصبحوا يُرجحون كفة أحد الجانبين على الآخر، ويظهر أن عرب المدينة من الأوسيين والخزرج كانوا أقل ثقافة من عرب مكة، فقد كان اليهود المدنيين مسيطرين على الأحوال المالية في المدينة، أما عرب مكة فقد كان منهم كتاب ومُعلِّمون وتُجَّار وأغنياء. ومن مدنه «الطائف»، وهي بطن من جبل غزوان بشرقي مكة، نزه كثير المياه والفواكه والبساتين وسكانها من ثقيف ومن قرى الطائف «وَج» و«النخب» و«العَرْج» و«ليه» و«جلدان» و «عكاظ» و «ذو المجاز» و «مجنة»، وكلها قرى كثيرة النخل والفواكه، وللعرب فيها أسواق مشهورة ومواسم مسماة. ومن مدنه «خيبر»، وهي مدينة كبيرة كثيرة الحصون والمزارع، قال أبو عبيد البكري: إنها باسم أحد العماليق وأهلها يهود، وكانت لبني غزة بن أسد، ومن قُراها المشهورة: «فدك». ومن مدنه «جدة»، وهي الفرضة الكبرى للقُطر، الفرضة الكبرى للقطر، وهي تابعة لمكة المكرمة. ومنها «الجار»، وهي فرضة حسنة تابعة للمدينة المنورة. ومنها ينبع، وهي مدينة صغيرة قريبة من الساحل آلت لبني الحسن. ومنها تبوك، وهي مدينة تجارية حسنة الأسواق. وفي الحجاز كثير من الجبال أشهرها: «خندمة» و«أجياد» و«أبو قبيس»، و«ثور» و«ثبير» و«عرفات»، وكلها قُرب مكة.
...............................................
1- معجم البلدان (مكة).
2- معجم البلدان (المسجد الحرام. مكة. كعبة)؛ وأخبار مكة للأرخي، ص36. Scolillot
Hulogenucole.
3- ابن خلدون، 2: 222؛ والمروج ،1: 186.
4- معجم البلدان لياقوت، مادة «يثرب»؛ وبلوغ الأرب للألوسي،196:1، الطبعة الأولى.
5- بلوغ الأرب، 196:1؛ ومثله (ياقوت) مدينة يثرب.
6- راجع معجم البلدان لياقوت (يثرب) وبلوغ الأرب 196:1.
7- راجع معجم البلدان لياقوت مهزوز.
8- راجع معجم البلدان لياقوت، ماردة (يثرب) وبلوغ الأرب للألوسي،196:1.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|