المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

high (adj.)
2023-09-18
وصف الامام (عليه السلام) حال الانسان في الدنيا
21-4-2016
CANCER GENETICS
10-11-2015
كلام حول النفاق في صدر الإسلام
10-10-2014
تصنيف آيات القرآن
2023-06-11
مرض الاصفرار الكاذب Beet pseudo yellow
2024-10-03


صناعة الشعر الجاهلي  
  
3592   02:13 مساءً   التاريخ: 4-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة : ص14-17
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الجاهلي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-03-2015 1329
التاريخ: 22-03-2015 5837
التاريخ: 23-03-2015 21979
التاريخ: 22-03-2015 2586

من يرجع إلى صناعة الشعر العربي في أقدم نماذجه يرى صعوبة هذه الصناعة، وأنها ليس عملًا غُفْلًا؛ بل هي عمل موسوم بتقاليد ومصطلحات كثيرة.
وتلك آثار الشعر الجاهلي تتوفر فيها قيود ومراسيم متنوعة، ولعل ذلك ما جعل جويدي يقول: إن قصائد القرن السادس الميلادي الجديرة بالإعجاب تنبئ بأنها ثمرة صناعة طويلة(1)؛ فإن ما فيها من كثرة القواعد والأصول في لغتها ونحوها وتراكيبها وأوزانها يجعل الباحث يؤمن بأنه لم تستوِ لها تلك الصورة الجاهلية إلا بعد جهود عنيفة بذلها الشعراء في صناعتها. وفي دراسة موسيقى الشعر الجاهلي ما يفسر بعض هذه الجهود، فالقصيدة تتألف من وحدات موسيقية يسمونها الأبيات، وهي تبلغ عادة أربعين بيتًا، وقد تزيد إلى مائة، وقد تنقص إلى عشرة، ويلتزم الشاعر في جميع هذه الأبيات وزنًا واحدًا يرتبط بنغماته وألحانه في النموذج الفني كله، كما يلتزم حرفًا واحدًا يتحد في نهاية هذه الأبيات يسمى الرَّويّ، ولا يكتفي بذلك بل ما يزال يوفر جهودًا ويلتزم أصولًا، من الصعب أن نلخص هنا جوانبها؛ فإن علمًا خاصًّا بل علمين يقومان على دراستها وبحث نُظمها، ونقصد علمي العروض والقافية.
وهذه الجهود والأصول الصوتية الخاصة في النماذج الجاهلية ليست كل شيء في صناعتها؛ فهناك أصول أخرى تستمد من التصوير إذ الشعر الجاهلي -كما وصلتنا نماذجه- لا يعتمد أصحابه على فن الموسيقى فقط وما يحدثون فيه من قواعد والتزامات دقيقة؛ بل هم يعتمدون على فن آخر، لعله أكثر تعقيدًا وهو فن التصوير ولعله ذلك ما جعل جب يقول: إن أدب العرب أدب رومانتيكي(2)؛ فهو في أقدم نماذجه يغلب عليه الخيال والتصوير. ومن يرجع إلى نماذج امرئ القيس وهو من أقدم الشعراء الجاهليين(3) سيلاحظ أنه يُعْنَى بالتصوير في شعره كأنه التصوير غاية في نفسه؛ فالأفكار تتلاحق في صفوف من التشبيهات، حتى تستتم هذا الفن من التصوير وكأنما القصائد برود يمانية؛ ففيها ألوان نقوش ورسوم على صور وأشكال كثيرة. وغير امرئ القيس من الجاهليين مثله، يعنى بالتصوير في شرعه عناية بالغة، كأنه أصل مهم من أصول صناعتهم، ونحن نسوق لقارئ قطعة من مطولته في وصف فرسه ليرى دليل رأينا؛ إذ يقول:
وقد أغتدي، والطيرُ في وُكُناتها ... بمنجردٍ قَيْد الأوابد هيكل(4)
مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطَّه السيل من عَلِ
كُميتٍ يَزِلُّ اللِّبد عن حال مَتْنِهِ ... كما زلت الصفواء بالمتنزَّلِ(5)
على الذَّبْل جَيَّاشٍ، كأنَّ اهتزامه ... إذا جاش فيه حمية غَلْيُ مِرْجَلِ(6)
مِسَحٍّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى ... أَثَرْنَ الغُبار بالكديد الْمُركَّلِ(7)
يَزِلّ الغلام الخف عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثَقَّلِ(8)
درير كخُذروف الوليد أَمَرَّه ... تتابع كفيه بخيط موَصَّل(9)
له أَيْطَلَا ظَبْيٍ، وساقا نَعَامة ... وإرخاء سرحان، وتقريب تَتْفُلِ(10)
كأَنَّ على المتنين منه إذا انتحى ... مَدَاكَ عَرُوس أَوْ صَرايَة حَنْظَل(11)
كأنّ دماءَ الهاديات بِنَحْرِهِ ... عصارةُ حِنَّاءٍ بشَيْب مُرَجَّلِ(12)
فقد تراكمت التشبيهات في هذا الوصف وظهر فيها ضرب من التركيز والإيجاز، وارجع إلى قوله في البيت الأول: قَيْد الأوابد فقد كان القدماء يعجبون بهذه الكلمة إذ عبرت في إيجاز بالغ عن سرعة الفرس وحدته في الجري والنشاط؛ فهو قيد الأوابد كلما أرادها قَيَّدها، ولم تستطع إفلاتًا منه ولا فرارًا. وهذا الإيجاز البالغ يدل على مجهود عنيف كان يقوم به امرؤ القيس حتى يُلقي عن شعره كل إطناب فيه. ونحن لا نرتاب في أنه تعب تعبًا شديدًا قبل أن يجد هذه الكلمة الدقيقة التي تعبر عن تلك الصورة الواسعة. وحقًّا إن مثل تلك الكلمة لا يباع في الأسواق؛ بل لا بد للشاعر من مهارة خاصة حتى يستطيع أن يوفق إلى الكلمة التي ينشدها، وتلك مقدرة الشعراء الممتازين التي بها يتفاضلون. ويستمر امرؤ القيس في وصف هذا القيد؛ فإذا هو كالصخر في صلابته، وإذا شيء لا يستطيع أن يثب عليه لسرعته؛ بل كل شيء ينزلق عنه كما تنزلق الصخرة عن المطر أو كما ينزلق عنها من يريد شأوها. وهو يغلي ويجيش لازدياد عَدْوه وتوقد نشاطه. هو فرس سريع لا تقف سرعته عند حد معقول؛ فهو يصبُّ العَدْوَ صَبًّا، لا يثير نقعًا ولا غبارًا، وما أشبهه بالخروف في شدة دورانه وسرعة حركاته وهو يدور في يد الصبية دورانًا يُسْمَعُ له حفيف شديد.
وامرؤ القيس لا يكتفي بهذه الأوصاف فنحن نراه يعود إلى تشبيه خاصرة الفرس بخاصرة الظبي، وساقه بساق النعامة، ثم لا ينسى أن يتحدث عن عَدْوِهِ وسرعة انطلاقه مرة أخرى؛ فهو كالذئب أو كالثعلب في الوثب السريع. ثم ينتقل فيقول: إنه مكتنز أملس كالحجر يُسْحَقُ عليه الطيب أو كالحنظلة في ملاستها وبريقها، وقد امتزجت دماء الصيد على صدره كأنها الحناء تمتزج بالشيب.
ألا ترى إلى هذه الكثرة الغامرة من الصور والخيالات التي أحكمها امرؤ القيس في تصويره، وهي كثرة تجعلنا نؤمن بقول النقاد إنه قَرَّبَ مأخذ الكلام فقَيَّد الأوابد وأجاد الاستعارة والتشبيه(13). وفي هذه المطولة وغيرها من شعر امرئ القيس أمثلة مختلفة للطباق والجناس، وهي -وإن كانت قليلة- تدل على أن الشاعر الجاهلي كان يستخدم من حين إلى حين بعض المحسنات المعنوية واللفظية التي عرفت في العصر العباسي، وأكْثَرَ الشعراء من استخدامها. وفي المفضليات قصيدة لعبد الله بن سلمة الغامدي يكثر فيها من زخرف الجناس كثرة مفرطة. ولعل في ذلك ما يدل على أن الفكرة التي تعودنا أن نفهم بها الشعر القديم والتي تذهب إلى أنه خال من الصنعة فكرة غير صحيحة؛ فإن هذا الشعر ينزع به صاحبه إلى ضرب من الجمال في التعبير؛ إذ يملؤه بالصور والتشبيهات، ويطلب أن يعجب به الناس من حوله وأن يقع منهم موقعًا حسنًا، موقع الثياب الملونة، أو الثياب اليمنية المنمَّقة.
على أننا لا نصل إلى أواخر العصر الجاهلي، عند زهير وأضرابه، حتى نجدهم، -على نحو ما سنرى بعد قليل- يعقِّدون في هذا الجانب الفني من التصوير بما يودعون فيه من ضروب مهارة كثيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- Cuidi، L'araveie Anteislamique، p.41.
2- تراث الإسلام ترجمة لجنة الجامعيين 1/ 154.
3-ولد امرؤ القيس حوالي عام 500م وتوفي حوالي عام 540م انظر ،Caussin Deperceval، Essai sur l;histoire des araves، 11، 303-322.
4-أغتدي: من الغدو وهو السير مع طلوع الشمس، وكناتها: أوكارها، المنجرد: الفرس قصير الشعر، وهو من صفات الخيل الكريمة، والأوابد: الوحوش النافرة، هيكل: ضخم.
5-كميت: أحمر اللون، يزل: يسقط، حال المتن: موضع اللبد من ظهر الفرس، والصفواء: الصخرة الملساء، والمتنزل: الموضع المنحدر.
6- الذبل: الضمور، جياش: شديد الاضطراب والحركة، والاهتزام: صوت جوفه عند الجري، الحمى: الغلي، المرجل: القدر.
7- مسح: كثير الجري، السابحات: الخيل السريعة، الونى: التعب، الكديد: الأرض الصلبة، المركل: الذي أثرت فيه الحوافر. يقول: إنه يسبقها حين تجري معه ولا يصيبه ما يصيبها من إعياء وتعب؛ بل يشتد جريه.
8- الخف: الخفيف، صهواته: موضع اللبد. ويلوي بأثواب العنيف المثقل: يريد أنه يكاد يصرعه ويسقطه هو الآخر.
9- درير: سريع، وخذروف الوليد: دوارة يلعب بها الصبيان، أمره: دوره وحركه، خيط موصل: وصلت أجزاؤه بعضها ببعض.
10- أيطلا الظبي: خاصرتاه، وإرخاء السرحان: جري الذئب، والتتفل: الثعلب، وتقريبه: جريه قفزًا ووثبًا.
11-انتحى: جدّ في سيره، والمداك: حجر يسحق عليه الطيب، وجعله مداك عروس لأنها تستعمله كثيرًا، فيشتد بريقه ولمعانه، والصراية: الحنظلة الصفراء البراقة.
12-الهاديات: أوائل الوحش. شبه حمرة دم الوحش بصدر هذا الفرس بحمرة الخضاب على الشيب. مرجل. مسرح.
13-العمدة لابن رشيق طبعة أمين هندية 1/ 60.
 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.