اوقع احتلال بغداد فزع وذهول وحيرة العالم الاسلامي، فسارع حكامه الضعفاء الى هولاكو، يقدمون له فروض الطاعة والتهنئة خوفا من بطشه فكان ممن حضر التهنئة في مراغة، اتابك الموصل بدر الدين لؤلؤ وكان قد تجاوز التسعين وأرسل ابو بكر اتابك فارس ابنه للغرض نفسه. ووصل كذلك الى معسكر هولاكو بالقرب من تبريز - اثنان من سلاطين سلاجقة الروم، وهما الاخوان المتنافسان السلطان عز الدين كيكاوس الثاني والسلطان ركن الدين قلج ارسلان الرابع. اما عز الدين، فكان يرتجف، رعبا، لان جنوده حاولوا ان يصمدوا امام القائد المغولي بايجو" نويان" فدحرهم في "اقسراً". فلما سقطت بغداد على يد هولاكو أحس عز الدين بحرج مركزه، وخشي بطش الخان، فحاول ان يخلص نفسه من تلك الورطة بنوع مبتكر من التملق الذي يحمل طابع الخضوع والذلة، ذلك انه رسم صورته على نعل زوج من الاحذية وقدمها للخان الساخط قائلا له: عبدك يأمل ان يتفضل الملك فيشرف راس عبده بوضع قدمه المباركة عليها، وتوسطت له دوقوز خاتون زوجة هولاكو فعفا عنه الايلخان. كما أعلن نجم الدين ايلغازي حاكم ماردين التبعية للمغول. وفي الواقع كان لاحتلال بغداد نتائج ابعد من مجرد استسلام حكام الاقاليم والممالك لهولاكو، فقد كان المسلمون ينظرون الى الخلافة على انها رمز للممالك الاسلامية جميعها، وكانوا ينظرون الى الخليفة نظرة اجلال واحترام وعلى هذا كان نفوذه الديني بعيد الأثر في نفوس المسلمين جميعا. وعلى الرغم من ان الخلافة العباسية كانت قد فقدت منذ قرون جانبا كبيرا من قوتها المادية، فأنها كانت لا تزال تدخر قدرا كبيرا من سلطانها الادبي والروحي. فلما احتل المغول بغداد وقتل الخليفة، قضي على هذا النفوذ وزال ما كان لتلك العاصمة من مكانة دينية ممتازة. فضلا عن ذلك كانت بغداد قبل حملة المغول مركزا للنشاط السياسي في انحاء الشرق الاسلامي، يؤمها وفود الحكام والامراء المسلمين، فلما سقطت في ايدي المغول، صارت كمدينة ثانوية ويعين عليها، وال، وانتقل النشاط كله الى مدن الشمال في اذربيجان، اذ انها اخذت تلعب دور العواصم ففقدت بغداد بذلك أهميتها السياسية. وباحتلال هذه المدينة دخل الشرق الاسلامي عامة في عهد جديد، الت فيه السيطرة من بعد هولاكو الى ابنائه الذين صاروا يستقلون تدريجيا عن المغول في قراقورم، واسسوا لأنفسهم دولة في إيران، عرفت باسم "دولة الايلخانيين". من جانب اخر كانت بغداد مركزا هاما للعلوم والآداب والفنون يهرع اليه العلماء وطلاب العلم، فلما حلت النكبة ببغداد على ايدي المغول قتل الاف من العلماء والشعراء والتجأ من نجا منهم مصر والشام وغيرها من البقاع، واحرقت المكتبات، وخربت المدارس والمعاهد. ان مقتل الخليفة المستعصم بالله لم ينهي الاهمية الروحية لشخص الخليفة العباسي تلك الاهمية التي حاول الملوك المسلمين الاستفادة منها لإكسابهم شرعية الحكم عن طريق اعلان من تبقى من امراء البيت العباسي خلفاء في ممالكهم، فبعد مقتل الخليفة العباسي هرب من تبقى من الامراء العباسيين من بغداد ومنهم ابو القاسم احمد بن الظاهر بأمر الله وهو عم المستعصم بالله، وكان قد هرب من بغداد بعد احتلالها، والتجأ الى بني مهارش من عرب العراق، وعندما تولى الظاهر بيبرس عرش السلطنة المملوكية في مصر عام 1260م التجا اليه ابو القاسم احمد ومعه عشرة من بني مهارش، فاعلنه السلطان المملوكي خليفة في مصر ولقب بالمستنصر بالله في وقت كان ابو العباس احمد احد الامراء العباسيين قد هرب هو الآخر بعد احتلال بغداد والتجأ الى حسين بن فلاح أمير بني خفاجة، ومن هناك اتجه الى حلب فاعلنه اميرها شمس الدين اقوش خليفة للمسلمين ولقبه بالحاكم بأمر الله. وقد حاول كلا الخليفتين في القاهرة وحلب ان يستعيدا بغداد من المغول، فبعد عام من اعلان بيبرس المستنصر بالله خليفة في القاهرة، طلب الخليفة الجديد من بيبرس ارسال حملة عسكرية بقيادته لاستعادة بغداد، ويظهر ان المماليك في مصر لم يكونوا متحمسين لمسألة استعادة بغداد ربما كي لا يدخلوا في صراع اخر مع المغول بعد معركة عين جالوت(1)، فأرسل مع الخليفة 300 فارس فقط، وبهذا العدد الضئيل سار الخليفة المستنصر الى العراق، وهناك انظم اليه بعض الجنود من الموصل وتمكن من اعادة سيطرة الخلافة على الحديثة ،وهيت وفي مكان يعرف بمشهد علي عند الانبار التقى المستنصر بمنافسه في الخلافة الحاكم بأمر الله ومعه 700 فارس ارسلها معه حاكم حلب، فتحالف الخليفتان لاستعادة بغداد، فالتقيا بالقوات المغولية التي يقودها قرابغا نائب هولاكو في بغداد الذي تمكن من الحاق الهزيمة بقواتهما في معركة اسفرت عن مقتل المستنصر بالله، اما الحاكم فقد استدعي الى القاهرة حيث نصب فيها خليفة عام1962.توفي هولاكو في مدينة اذربيجان في 8 شباط 1265م بعد ان كان قوبيلاي قد منحه لقب خان وخوله حكم اقليم فارس و عاصمته تبريز وجعل له وسلالته الحكم وراثيا في هذا الاقليم، وما يهمنا في هذه الدراسة ان هولاكو توقف عن مهاجمة منطقة الشرق الادنى الاسلامي بعد معركة عين جالوت، ويرجع ذلك الى مشاكل هولاكو بسبب الوراثة في البيت المغولي ، وبسبب مشاكله ايضا مع مغول التركستان ومغول القبيلة الذهبية الذين اعتنقوا الاسلام.

.......................................

1- عين جالوت معركة حدثت بين المماليك في مصر بقيادة السلطان قطز والمغول عام 1260م انتهت بانتصار المماليك، وأدت الى توقف التوسع المغولي في بلاد الشام.