أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
6297
التاريخ: 29-09-2015
2587
التاريخ: 29-09-2015
2756
التاريخ: 29-09-2015
1527
|
إذا
كانت السريالية إملاءً من الفكر اللاواعي في غياب كل مراقبة من العقل والمنطق فكيف
يمكن الوصول إلى هذا الفكر؟ للسُّرياليين في ذلك تقنياتٌ وأنشطةٌ أبرزها:
1-الكتابة الآليّة: وهي عند بروتون عفوية الفكر الطليق، وهذا ليس
مقتصراً على العباقرة، بل يشترك فيه كلّ الناس، والمراد بالآلية هنا تسييرُ الفرد
من قبل قوة داخلية تقهر كل المقاومات الواعية اليومية، والكتابة الآلية هذياناتٌ
كما في حالات الأحلام والجنون يجري فيها تدفّقُ تيار اللاّوعي، وتتخلّلها صَحَوات.
والذي يدخل هذه التجربة يطلق نفسه على سجيّتها ويُملي كل ما يخطر بباله من
التداعيات أو يدوّنه في حالة الصحو دون تنقيح أو تجميل أو زيادة أو نقص. وقد
يستعينون للدخول في هذه التجربة بالمخدرات. وهم يرون أن حصيلة هذه الكتابة الكشفُ
عن قرارة اللاشعور الذي يزخر بتياراتٍ فكرية هي أغنى وأعمق مما تنتجه الذات
الخارجية الواعية.
وإذا
كان كلّ فنانٍ إنساناً تراوده الأحلام والرؤى والتداعيات، ويطلق العنان للخيال
والشعور واللاشعور ويعبّر عن كل ذلك بالعبارات والرموز، فالفرْق في السريالية أن
هذه الحالة ليست واعية ولا منطقية ولا مقصودة ولا مترابطة ولا يُراعى فيها الشكل
الفنّي أو القيمة الأخلاقية.
2-لعبة الجيفة الشهيّة: يجلس السرياليون ويتناولون ورقةً يتناوبونها
فيما بينهم، فيما يدون كلٌ منهم فيها كلمة أو عبارة، كلٌ بدوره. مما يخطر بباله
فوراً دون تفكير ورويّة ودون أن يكون هنالك رابط بين هذه العبارات والكلمات.
وبالنتيجة يحصلون على نصٍّ عجيب كتبته الجماعة، يعكفون على تحليله ليستنبطوا من
خلاله اللاّشعور الجمعي...! وسبب هذه التسمية أن
التجربة الأولى أسفرت عن هذا النصّ: الجيفة-الشهيّة -ستشرب-الخمر-الجديد.
وفي مرة أخرى حصلوا على النصّ الآتي:
النجار
المجنح يغوي الطير المسجون -بحّار السنغال سيأكل الخبز المثلث الألوان...(1).
وقد
يعمدون إلى الرسم بَدَل الكلمات فيرسم الأول خطاً ثم يضيف كلٌ بدوره خطاً بالتناوب
مكملاً الرسم؛ فيخرج رسمٌ سريالي من إنتاج عدة أشخاص(2) أو ربما يعمدون
إلى كتابة قصيدة مشتركة بهذه الطريقة الآلية لا وزن لها ولا قوافي ولا موضوع.
3-وسيلة التنويم المغناطيسي: وقد لجؤوا إليها فيما بين
1922-1924، وكان روبير ديسنوس (1900-1945) خبيراً بالتنويم المغناطيسي، ينوَّم
شخصاً ويخاطبه فيتكلم دون وعي أو ذاكرة فيسجّل ما يقوله، ثم يجري تحليله.
4-إطفاء النور والكلامُ دون وعي، في جوٍّ من الفوضى والاختلاط
وكأنهم سُكارى أو مجانين يهذون ولا يعرفون حدوداً لاستبصارهم الخيالي.
5-قراءة المواقع الخفيّة في اللاشعور من خلال استنطاق الأحلام النومية
التي ينفلت فيها اللاشعور في واقعه الحقيقي قبل أن تضبطه وتفسره الثقافة والعادات
والأخلاق.
6-تدوين أحلام اليقظة: وفيها يستسلم الإنسان في حال من الهدوء إلى
شريط من الذكريات والتداعيات والتصورات التي تتوالى حرّةً تلقائية من دون ضبط أو
رقابة أو إيقاف، ثم يدون فوراً كلّ ما عبر في هذا التيار ليعود من ثم إلى تحليله
وتأمّله.
7-التقاط كلام المجانين وهذياناتهم ورَصْدُ تصرفاتهم كوسيلة لمعرفة
أعماق ذواتهم. فالجنون حلمٌ ممتدّ يتمسّك به المريض للهروب من واقع غير مرغوب فيه؛
ويصبح هذا الحلم عنده حقيقة، وهو يسمح بتدفق حرّ لتيار الرغبات المكبوتة.
8-اختراع أو تخيّل أشياء غريبة ذات مفارقات وتناقضات: (سيارة
ضخمة مصنوعة من الجبس وملفوفة بألبسة داخلية نسائية -كتاب على ظهره عفريت خشبيّ ذو
لحية آشورية تتدلى إلى قدميه..) فحين ينعدم الفكر المنطقي والرقابة الواعية يتاح
المجال للصدفة والوهم والمدهش والغريب وعالم الأشباح والتجليات وانفلات الخيال.
9-تحليل الآثار
الأدبيّة الشعرية والروائية التي يخلقُ فيها الخيال أشياء وأجواءً جديدة وغريبة،
وتبرز من خلالها الانفعالات العميقة للكائن الإنساني، ويصير المستغرب وغير العادي
داخلاً في الحياة اليوميّة. (رؤية الأشباح أو سماع هاتف خفيّ...). ولذلك أكثر
السرياليون من تتبع أعمال شكسبير واستلهامها والروايات الانجليزية السوداء
المملوءة بالغموض والأوهام والغرائب والطلاسم، والتي تشبه كوابيس يغيب فيها
الإنسان عن الواقع مثل روايات شارل ماتوران وم.ج لويس والروايات الشعبية الفرنسية
من نوع (أسرار باريس) لأوجين سو.
10-الدعابة الساخرة والتهكم الناقد اللاذع: وكان هذا دأبهم في كل
اجتماع وحديث وكأنما وجدوا فيه وسيلة للاحتجاج على الواقع وتهديمه وإحلال كونٍ
جديد مكانه، إن السخرية عندهم عملية محو وبناء في آن واحد، وهي وسيلة أمينة لقول
الحقيقة وهز وجدان الإنسان العاديّ الذي ترهقه الضغوط، والإنسان المتعب اليائس
المحبط للتغلب على ضغوطات العالم الخارجي الرديء. ومن جهة أخرى يمكن القول: إن
السّخرية وسيلةٌ يقاوم بها الإنسان آلامه الخارجية من داخل ذاته. إنها إطلاق شحنة
حبيسة بشكل عدواني متوتّر. وليست أبداً للإمتاع والضحك ولكنها سوداء مؤلمة وقد
كانت أجمل أغانيهم أكثرها يأساً وسخرية وإيلاماً.
11-التجوال في الشوارع وارتياد الأماكن الشعبية والمريبة للبحث
عن الغرابة والمصادفة والمتوقع وغير المتوقّع والتقاط المدهشات.
______________________
(1)
السريالية: إيفون دو بلتسيس. ترجمة هنري زغيب (زدني علماً).
(2)
انظر في دائرة معارف لاروس-مادة سريالية بعض هذه الرسوم.