أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
5888
التاريخ: 29-09-2015
2397
التاريخ: 14-08-2015
28766
التاريخ: 27-7-2017
4145
|
لم
يكن للدادائية أيّة أهميّة أدبيّة، بخلاف السريالية التي تعتبر الحركة الشعرية
الوحيدة ذات الأهمية فيما بين الحربين. فما عطاء السرياليّة في مجال الأدب؟
يقول بروتون:
السريالية آليّةٌ نفسيَّةٌ ذاتية خالصة تستهدفُ التعبير قولاً أو كتابة أو
بأية طريقة أخرى عن السير الحقيقي للفكر وهي إملاءٌ من الذهن في غياب كل رقابةٍ من
العقل، وخارج أيّ اهتمامٍ جماليٍ أو أخلاقي(1). وهذا القول يدلنا على أن
السريالية رفضت كل المعايير الأدبية السابقة مثل معطيات الفكر ومعالجة الواقع
المباشر والاستمداد منه والقيم الأدبية والجمالية... لأن ذلك في رأي بروتون لا يسفر إلاّ عن كتبٍ مَشينة
ومسرحياتٍ مَهينة ودأبه تملّق العامة في ذوقها المنحط(2)
ولذلك
صرفت السريالية اهتمامها صوب العالم الباطني وإملاءاته وهذياناته غير عابئة بما
سوى ذلك. فالإبداع السريالي هو تفجير الينابيع العميقة الخبيئة وتركها تتدفق وتجري
على هواها. وهذا الاختراق المدهش هو مصدر الجمال، ولا جمالَ فيما سواه. ولا مكان
للقيم الأدبية والتقاليد السابقة المتعارف عليها في مختلف الأجناس الأدبية، ولا
قيمة لها ولا حُرْمة ولا رعاية...! ولا سيطرة للماضي
على الحاضر؛ وكل المراكب يجب أن تحرق منعاً للعودة، ولا ينبغي لأحدهم أن يلتمس
أسلافاً، كما يجب الحذر من تقديس البشر مهما كانوا عظماء في ظاهرهم(3).
والبديل عند السرياليين الثقة بالإنسان الراهن وما ينطوي عليه من القُدرات،
وإيمانهم بأنه الوحيد القادر على تغيير العالم إذا استطاع النفوذ إلى هذه القدرات
وإطلاقها بحريّة تامّة.
فما
الذي أسفرت عنه السريالية في عالم الأدب؟
أصدرت
الحركة السريالية بياناتٍ ونشراتٍ وإعلانات لتوضيح المذهب وكسب الأصدقاء والأعضاء
وظهرت لهم أعمال جديدة امتزج فيها الروعة الشعرية بالثورة ولاسيما لدى بروتون الذي
ألحّ على أولوية الحلم وامتزاجه باليقظة. وفي الشعر أصدر بنيامين بيريه (النوم في
الحجارة) وبول إيلوار (عاصمة الألم) وظهرت مؤلفات لديسنوس منها (أجساد وخيرات) و
(الحرية أو الموت) ثم أصدر بروتون (ناديا) في عام 1928 والبيان الثاني عام 1930.
وبرز
من كتابها الروائيين الكاتب الإيرلندي جيمس جويس (1882-1948) الذي ظهرت لديه
السريالية بأوضح أشكالها في روايته المطولة (يوليسيس) التي تصور العالم الداخلي
غير المنظم وغير المحدود لبطل الرواية ليوبولد بلوم وهو يوليسيس خلال يوم كاملٍ في
دبلن. إنها ارتحالاته النفسية اللاوعية إزاء الأمور اليومية التي تشبه ارتحالات
يوليسيس بطل الإلياذة المغامر في البحار. وأصدر بيريه رواية (اللعبة الكبيرة)
وغروفيل (الروح في مقابل العقل).
وكان
الشاعر آراغون أبرعهم وأقربهم إلى الفهم. وأجملُ أوصافه في (فلاح باريس). وله
مطولة روائية باسم (مُسافرو عربة الامبريال). يصف فيها انهيار المجتمع البورجوازيّ
الآخذ في الاحتضار بعد أن بلغ غاية التفسّخ.
ومنهم
الكاتبة الفرنسية ناتالي ساروت في روايتيْها (تروبيزم) و (صورة رجل مجهول -1940).
وتتميز كتابتها بالغموض والتعقيد والانطلاق من الواقع النفسي. وتصور تفاهة الإنسان
وانطواءه ومخاوفه وأوهامه وشعوره بالاضطهاد. وهي تعكس عذاباتها وارتباكها إزاء كل
صغيرة أو كبيرة من شؤون الحياة اليومية. وتجمع بين الحقيقة والشك في الفرد
والمجتمع والوجود-ويقول سارتر عنها: إن لرواياتها صفة ثورية من حيث
انفصامها عن الواقع الكريه.
_______________________
(1)
بيانات السريالية، ص41.
(2)
المصدر السابق: ص17.
(3)
انظر البيانات: ص78.