أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-18
1150
التاريخ: 23-10-2014
2281
التاريخ: 2023-09-13
1836
التاريخ: 2023-04-18
1134
|
أساليب تبيين المعارف في القرآن الكريم
لقد بين الله سبحانه المهام الرسالية للنبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) بأنها تلاوة الآيات على الناس، وتعليم الكتاب والحكمة لهم، وتزكية نفوسهم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...} [الجمعة: 2] والجامع المشترك بين كل هذه المهام الرسالية هو "الدعوة إلى الله" الذي هو بمثابة الأساس لمناهج وبرامج الأنبياء، وقد بين القرآن أساليب الدعوة بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، وعندما علم الله سبحانه نبيه الأساليب المتنوعة للدعوة فإنه سبحانه استخدمها أيضا في تبيين وتفهيم المعارف القرآنية.
والسر في استخدام الأساليب المتنوعة للدعوة والتعليم، هو أن الناس وإن كانوا مشتركين في الثقافة الفطرية العامة، لكنهم ليسوا على مستوى واحد في الذكاء ودرجات الفهم، وكما وصفتهم بعض الروايات فإنهم مختلفون كمثل الذهب والفضة: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة"(1): فبعض مخاطبي القرآن الكريم أناس بسطاء في التفكير والبعض الآخر منهم حكماء عقلاء يمتازون بعمق التفكير ودقة النظر.
ولذلك كان لازمة على هذا الكتاب الإلهي العالمي الشامل أن يطرح المعارف الفطرية بأساليب متنوعة ومستويات مختلفة، حتى لا يعتبر المحققون وذوو الفكر العميق تعاليم الوحي ساذجة، ومن ثم يحسبون أنفسهم في غنى عنها، وحتى لا يتذرع بسطاء الفكر والمقلدون بتعقيدها ل وبالتالي يرون أنفسهم محرومين منها. وعلى هذا الأساس فإن القرآن الكريم لم يقتصر على أساليب الحكمة، والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن في تبيين مقاصده، بل إنه عرض الكثير من معارفه بصورة الممثل ونزلها عن طريق التمثيل حتى تكون للبسطاء والمبتدئين تعليمة وللمحققين والعقلاء تأييداً وتأكيدا، وبالنتيجة يكون فهم القرآن متيسرا للجميع.
إن أسلوب الجمع بين الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن من جهة والتمثيل والتشبيه ونقل القصة من جهة أخرى في الدعوة والتعليم، هو من مختصات الكتاب الإلهي، وليس هذا مألوفة في أي كتاب من كتب العلوم العقلية والنقلية التي يكتفي مؤلفوها في طرح البراهين الصرفة والأدلة العقلية أو النقلية المحضة.
والمقصود هو أن القرآن الكريم مضافة إلى إقامته البرهان والدليل لإثبات معارفه بشكل عام، فإنه يضرب المثل أيضا لأجل توضيحها وجعلها عامة الفهم: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: 27]. فمثلا نراه يطرح أحيانا مسألة التوحيد في صورة (برهان التمانع) الذي يعتبره الحكماء والمتكلمون بلاغا له ثقله ووزنه العلمي، ويختلفون في كيفية توضيح التلازم بين المقدم والتالي وبطلان التالي في ذلك القياس. وتارة يطرح التوحيد في مثل مبسط يمكن حتى للأمي وغير المتعلم أن يفهمه.
وتوضيح ذلك هو: أن برهان التمانع قد ذكر في القرآن الكريم على به شكل قياس استثنائي وبصورة القضية الشرطية، حيث ورد مجموع المقدم والتالي منها في سورة الأنبياء: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ، أما القضية الحملية وبطلان التالي، فقد وردت في سورة الملك: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: 3، 4]. وخلاصه برهان التمانع القرآني هو أن تعدد الآلهة يؤدي إلى فساد نظام السماوات والأرض، ولكن السلسلة المترابطة لمخلوقات الله سبحانه ليس فيها أي تفاوت وأية فجوة وخلل وتفكك، وكل موجود في نظام الخلق قد استقر في محله ودرجته وأخذ مكانه ومكانته، وليس هناك في هذه السلسلة من حلقة ضائعة تائهة، حتى يكون فقدانها مخلا في ترابط سلسلة الوجود، ولذلك فإن الناظر مهما أمعن النظر وأعمل بصره ليجد فطورة أو فجوة أو خللا في نظام الخلق و المتقن، فإنه يرجع خاسئا وهو حسير.
هذا البرهان بنفس محتواه قد بينه القرآن الكريم على شكل مثل مبسط وبهذا النحو: هل يستوي العبد أو الخادم الذي تنازع عليه عدد من الا السادة المختلفين فيما بينهم، مع العبد أو الخادم الذي له مولي وسيد واحد ذو خلق حسن وطبع سليم؟ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر: 29] أي أن ما يقوم به من الخادم الثاني من خدمات تكون منسجمة ومتناسقة، لكن خدمات العبد الأول مختلة وغير منسجمة.
والحاصل فإن القرآن الكريم و إضافة إلى اتباع طريقة الاستدلال والبرهان القاطع قد وسع طريق الفهم على الناس بسلوكه طريق المثل كي يكون للبعض مرشدة ومؤيدة وللبعض الآخر مفتاحا وطريقة للفهم، ولكن يجب الالتفات إلى هذه النكتة وهي أنه لا ينبغي أبدأ التوقف عند حدود دائرة المثل، بل يجب أن نجعله منفذة وجسرا للعبور نحو سعة الممل، ويجب أن نعتمد على المثل لنرتقي إلى الأعلى ويجب أيضا أن نستثمر الموعظة والجدال الأحسن ونستفيض ونرتوي من الحكمة، وعندئذ سنسافر من مرحلة (العلم) إلى مقام (العقل): {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] ، وبعدها نبني من المعقول) مدرجة نحو (المشهود)، وننتقل من (الحصول) إلى (الحضور)، ومن (الغيب) إلى (الشهود)، ومن (العلم) إلى (العين)، ومن منزل الاطمئنان إلى مقصد لقاء و الله سبحانه، ومن هناك يستمر السير اللامتناهي (من الله إلى الله في الله) مع نغمة ونداء: " آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر"،(2) ومع شهود المقصود وحيرة الممدوح وبنحو متناغم ومنسجم مع مناجاة الأئمة: المعصومين عالية حيث يقولون: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنز لا أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب محجب النور كما فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بع قدسك".(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. بحار الانوار، ج58، ص65.
2. نهج البلاغة، الحكمة 77.
3 مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|