أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
2015
التاريخ: 2023-11-16
1127
التاريخ: 2023-05-12
1208
التاريخ: 2023-11-22
1537
|
بالنظر إلى أن المحرفين وأهل الكتمان كانوا يحصلون على الدنيا في مقابل ما يحرفون وما يكتمون وفي مقابل بيع أنفسهم كما يعبر القرآن الكريم: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 90] وبما أن حقيقة الدنيا وباطنها لا يعدو كونه جهنم فهم في هذه المعاملة إنّما يحصلون على جهنم في الحقيقة، بل إن وجودهم يتبدل إلى جهنّم: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15].
هذه التجارة الخاسرة ليست هي من قبيل البيع الاعتباري نظير بيع أو شراء سجادة حتى تكون البضاعة مورد المعاملة أو الثمن منفصلاً. البائع أو المشتري؛ وذلك لأنه في التجارة الاعتبارية يعطي المرء ما هو منفصل عنه ويأخذ ما هو مستقل عن الطرف الآخر؛ فتكون ملكيته من هذا المنطلق ملكية اعتبارية أيضاً، بل هي تجارة وبيع حقيقيان يعطي الإنسان فيهما نفسه ويأخذ في المقابل الدنيا التي باطنها جهنم. وليس الأمر أن المرء إذا باع دينه وأخذ الدنيا فإن النار سوف تشتعل خارج روحه بل تكون في داخل روحه نار مشتعلة، وفي يوم القيامة تتصاعد ألسنة اللهب من أعماق نفسه: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 6،7]، كما أن المعاملة مع الله ليست اعتبارية أيضاً وإنما المؤمن يعطي حقيقة روحه الله ليقبض في المقابل رضوان الله وحرية روحه وسعادتها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] على أي تقدير، لقد مارس المحرفون وأهل الكتمان الكتاب أبشع أنواع الظلم؛ وذلك لأن استمرار النصرانية واليهودية المحرفة في العالم كان أن الأحبار والرهبان جراء ما قاموا به من كتمان وتحريف - قد حالوا بين الناس والحقيقة ومنعوا الناس من تلقي الحقائق الموجودة في التوراة والإنجيل ولم يسمحوا بغية الحفاظ على منزلتهم - بوصول الإسلام ورسالة الرسول الخاتم ، اللذين بينا بشكل صريح وواضح في هذين الكتابين: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] إلى هذا المنطلق فإن أشد اللعن من قبل الله ومن قبل كل لاعن منصب عليهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] وعلى الرغم من أنهم مرفهون في الدنيا ويتناولون - بحسب الظاهر - أصناف الطعام، إلا أنّهم في الحقيقة لا يأكلون في هذه الدنيا إلا النار وإن ما يحدث في القيامة هو ظهور ما كان متحققاً في الدنيا؛ أي إنّه يتضح في القيامة أنهم كانوا، طوال حياتهم الدنيوية، يأكلون النار فحسب: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة: 174].
وما يجدر الالتفات إليه في الآية أعلاه هو أن أهل الكتمان يأكلون النار "فقط"؛ لأن رسالة الآية المذكورة أشد وأقوى من الرسالة التي جاءت من دون كلمة الحصر بخصوص أكل أموال اليتامى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10].
والسر في هذا الاختلاف هو أن الذي يأكل مال اليتيم يكون قد باع قسماً من باطنه في مقابل جهنّم أمّا قسمه الآخر فقد يكون مفتوحاً للتوبة، في حين أن من يكتم أصل الحق ويحرف دين الله، فلأنه يشكل مانعاً لتدين الآخرين، فإنّه يكون قد باع كل وجوده بالدنيا التي حقيقتها جهنم. من هنا فإنّه لا يأكل إلا النار وسوف لن يكلمه الله القيامة: {...أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 174]. هؤلاء يُحرمون من "التكلّم التشريفي" (1) الذي يتفضل به الله على بعض الأشخاص يوم القيامة (التكلّم الذي كان من نصيب موسى الكليم في الدنيا سوف تُخصص درجة ضعيفة منه يوم القيامة للمؤمنين كل بحسب مرتبة إيمانه) كما أنهم لن ينالوا شفاعة الله وتزكيته: {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 174] وسيُبتلون بعذاب أليم: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 174]؛ وذلك لأنهم غير جديرين بالتزكية والمغفرة على الإطلاق؛ لأنهم قد اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175]
أجل! مثل هؤلاء الأشخاص - الذين هم مفسرو القانون الإلهي، ولهم القدرة على تنفيذ الحدود الإلهية، لكنّهم لا يبينون هذا القانون ولا ينفذون حدود الله على النحو الصحيح، بل يعمدون إلى تحريفها وكتمانها يتورطون بالكفر والظلم والفسق؛ إذ يقول عز من قائل في "كفر هؤلاء: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]
تعبير {مَن لَم يَحكُم} هو من قبيل عدم الملكة؛ أي إذا استطاع شخص أن يحكم {بمَا أَنزَلَ الله} ولم يحكم به فإنه يُبتلى بالكفر. هنا فإنه عز وجل لم يقل: "من حكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"؛ وذلك لأنه لا يلزم أن يحكم المرء بغير ما أنزل الله ليصبح كافراً، بل إن عدم الحكم بما أنزل الله له مع القدرة عليه كاف لثبوت الكفر العملي بحقه.
ويقول تعالى أيضاً بخصوص "الظلم": {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، كما ويقول في باب الفسق": {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].
__________________________
(1) وفي آية أخرى يُنفى عنهم - بالإضافة إلى التكلّم التشريفي - نظر الله التشريفي: {إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَنكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} (سورة آل عمران: الآية ۷۷). وبالالتفات إلى أن الله عز وجلّ ولَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةَ﴾ (سورة سبأ: الآية ۳) وهو (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (سورة فصلت: الآية 53) و (بكُلِّ شَيْءٍ مُحيط﴾ (سورة فصلت: الآية 54) فإنه من الواضح أنّ المراد من النظر هو النظر التشريفي المشوب بالمحبة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|