أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-28
905
التاريخ: 2023-05-19
932
التاريخ: 23-10-2014
2032
التاريخ: 2024-06-24
657
|
هناك ثلاثة احتمالات مطروحة في معنى الاشتراء من جملة {وَلَا تَشْتَرُوا} [البقرة: 41]:
1- هو بمعناه الأصلي وهو الاشتراء. وهنا يُطرح السؤال التالي: لما كانت "آيات" هي المُشترى به أي الثمن ومن هنا فإن حرف الباء قد دخل عليها نظير "اشتريت بهذه الدراهم كتابي هذا")، فكيف يُعبّر عن "المشترى" والمثمن، الذي هو المنافع الدنيوية، بالثمن؟
والجواب هو: إنَّ التعبير المذكور هو بمثابة تعريض بأهل الكتاب بأن ما جعلوه مثمناً (وهو المنافع الدنيوية) ومقصوداً بالذات (ذلك لأنه في عملية البيع والشراء يكون المثمن هو المقصود بالذات والثمن هو الوسيلة) هو في الواقع ثمن ولابد من أن يكون وسيلة للشراء، إلا أنهم جعلوا ما ليس هو بمقصود بالذات، بل هو مجرد وسيلة، مقصودا بالذات، وما يجب أن يكون مقصوداً بالذات (آيات الله) جعلوه وسيلة (1).
2- المراد منه الشراء؛ الذي يكون بمعنى البيع. وهنا أيضاً يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: وهو أنه: لماذا دخلت الباء على "آيات" مع أنّ الايات في هذه الحالة هي "المشترى" والمثمن ولابد لحرف الباء من الدخول على "المشترى به" (أي الثمن): "لا تشتروا آياتي بثمن قليل"؟ جواباً على هذا التساؤل نقول: إن "الباء" في مثل هذه الموارد، حيث يكون للمقابلة، يدخل على الثمن وعلى المثمن على حد سواء. فالمورد الاول هو نظير: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] والمورد الثاني هو من قبيل الآية مدار البحث. وقد نقل بعض المفسرين هذا القول عن الفراء (2).
تنويه: وقوع حرف "الباء" على الثمن أو المثمن في كل مورد هو لقضية خاصة وقد تمّ بيان خصوصيتها في المورد الحالي.
3- لقد استخدم تعبير الاشتراء في الآية بمعنى الاستبدال مجازاً (3)؛ أي: "لا تستبدلوا بآياتي ثمناً قليلاً". ومطابقة لهذا الوجه يُطرح هذا السؤال أيضاً بالنظر إلى أن "آيات" في الحالة هذه هي مُبدل، و"ثمنا" هو بدل، والباء تأتي مع البدل كما يُقال: "استبدله بكذا"، إذن فلماذا جاءت على العكس من ذلك؟ ومن الممكن أن يأتي الجواب على هذا السؤال بما يشبه قول الفراء حيث تأتي الباء مع البدل والمبدل معاً؛ بمعنى أنه في المبادلة لا يكون أي منهما مبدلاً بالذات أو بدلاً بالذات، بل إن كلا منهما هو بدل من وجه، ومبدل من وجه آخر، وإن دخول حرف الباء على أيّ منهما سائغ؛ وهناك آيات عديدة في القرآن الكريم دخلت فيها الباء على الثمن؛ ذلك لأنه لو كان الثمن هو المتاع والبضاعة غير الدينار والدرهم فقد يدخل عليها حرف الباء؛ كما هو الحال في المثمن، لكنه إذا كان الثمن ديناراً أو درهماً فسوف يدخل عندها حرف الباء على الثمن؛ نظير: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]
من بين تلك الاحتمالات الثلاثة فإن الاحتمال الثاني (أي معنى الشراء والبيع هو الأرجح؛ لأن ما يُطرح أولاً بطبيعة الحال هو الآيات الإلهيّة والثمن؛ أي إنّهم يعطون الآيات الإلهية التبادل بين ويأخذون ثمنها، بمعنى أن المحرفين والكاتمين يعطون شيئاً بمثابة البضاعة أو العمل ليستلموا في مقابله الثمن أو الأجر.
الثمن القليل
إذا كانت جملة {وَلَا تَشْتَرُوا} [البقرة: 41] عامة لتشمل جميع أهل الكتاب، بما فيهم العلماء وعامة الناس منهم، فإن رسالة القيد قليلا تكون موجهة للعامة من بني إسرائيل: أي إنّكم إذا نقضتم عهد الله من أجل دنياكم وأغفلتم الدين، فإنّكم حتى وإن نلتم الدنيا بأسرها مقابل ترك الدين تكونون قد متاعاً باهض الثمن بثمن قليل وتكون رسالته بالنسبة لأحبار بني إسرائيل وعلمائهم هي: أنتم أيضاً إن كتمتم الحقائق، وفسرتم التوراة والإنجيل وفقاً لميولكم ورغبات الآخرين طمعاً في الدنيا (بالنظر إلى أنه بقرينة الآية اللاحقة: {وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالْبَاطِل وَتَكْتُمُوا الْحَقَ...} {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42] فإن جملة {وَلَا تَشْتَرُوا } [البقرة: 41] تنطبق على علماء بني إسرائيل فيما يخص تحريف الكتاب) فإنكم إن أعطيتم الدنيا برمتها فهو قليل؛ وذلك لأن كل الدنيا تُعد متاعاً قليلاً في مقابل الدين ووحي الله عز وجل.
وتبياناً لذلك نقول: ليس القيد {قَلِيلًا} [البقرة: 41] قيداً احترازياً كي يدفع ذلك إلى التوهم بأنه لو قسمت الدنيا إلى قليل وكثير لساغ بيع الدين إذا كان الثمن كبيراً وأن الممنوع هو فقط المتاجرة بالدين بمتاع قليل، بل إنه قيد توضيحي وهو يبيّن أن الدنيا كلها هي متاع قليل أساساً: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77] ، نظير {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] ونظير {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] حيث إن نفي الحقانية ملازم لقتل الأنبياء؛ كما أن افتقاد البرهان ملازم للشرك قطعاً، على خلاف ما جاء بخصوص يوسف: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]، حيث يكون القيد: {بخس} قيداً احترازياً. هذا على الرغم من أنه إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى فإن بيع النبي يوسف أو أي إنسان كامل آخر، ممن يكون عدلاً للكتاب السماوي، في مقابل الدنيا هو مصداق للبيع بثمن بخس، إلا أن ذلك خارج عن نطاق الآية من سورة "يوسف".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير أبي السعود، ج ۱، ص ۱۹۱؛ وروح المعاني، ج۱، ص۳۸۹.
(2) التبيان، ج ۱، ص۱۸۸.
(3) جوامع الجامع، ج۱، ص47؛ وتفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج۱، ص ۲۷۳؛ وتفسير المنار، ج ۱، ص۲۹۲.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|