أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015
3157
التاريخ: 24-09-2015
2751
التاريخ: 25-09-2015
1955
التاريخ: 24-09-2015
1185
|
سمى
هذا الباب توشيحاً لكون معنى أول الكلام يدل على لفظ آخره، فيتنزل المعنى منزلة
الوشاح، ويتنزل أول الكلام وأخره منزلة العاتق والكشح اللذين يجول عليهما الوشاح،
وهذا الباب مما فرغه قدامة أيضاً، من ائتلاف القافية مع ما يدل عليه سائر البيت،
وقال: هو أن يكون في أول البيت معنى إذا علم علمت منه قافية البيت، بشرط أن يكون
المعنى المتقدم بلفظه من جنس معنى القافية بلفظه، أو من لوازم لفظه. ومن ذلك في
الكتاب العزيز قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ)، فإن معنى اصطفاء المذكورين تعلم منه الفاصلة، إذ المذكورون نوع من
جنس العالمين، وكقوله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ )، فإنه من كان
حافظاً لهذه السورة، متفطناً إلى أن مقاطع فواصلها النون المردفة، وسمع في صدر هذه
الآية ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ
النَّهَارَ ) علم أن الفاصلة (مُظْلِمُونَ) ، فإن من انسلخ النهار عن ليله أظلم ما
دامت تلك الحال.
وكقول
الراعي النميري [وافر]:
فإن
وزن الحصى فوزنت قومي ... وجدت حصة ضريبتهم رزينا
فإن
السامع إذا فهم أن الشاعر أراد المفاخرة برزانة الحصى، وتحقق أن القافية مجردة
مطلقة، رويها النون وحرف إطلاقها ألف، ورأى في صدر البيت ذكر الزنة، تحقق أن
القافية تكون رزيناً ليس إلا.
ومن
عجائب أمثلة هذا الباب، ما حكي عن عمر بن أبي ربيعة المخزومي أنه أنشد عبد الله بن
العباس رضي الله عنهما [متقارب]:
تشط
غدا دار جيراننا
فقال
له عبد الله:
وللدار
بعد غد أبعد
فقال
عمر: هكذا والله قلت، فقال له ابن العباس: وهكذا يكون ويقرب من هذه القصة قصة عدي
بن الرقاع العاملي حين أنشد الوليد ابن عبد الملك بحضرة جرير والفرزدق كلمته التي
مطلعها [كامل]:
عرف
الديار توهماً فاعتادها
حتى
انتهى إلى قوله:
تزجي
أغن كأن إبرة روقه
ثم
شغل الوليد عن الاستماع، فقطع عدي الإنشاد، فقال الفرزدق لجرير: ما تراه يقول؟
فقال جرير: أراه يستلب منها مثلاً، فقال الفرزدق، يالكع، إنه سيقول [كامل]:
قلم
أصاب من الدواة مدادها
فلما
عاد الوليد إلى الاستماع وعاد عدي إلى الإنشاد قال:
قلم
أصاب من الدواة مدادها
قال جرير
للفرزدق: أكان قلبك مخبوءاً في صدره؟ فقال الفرزدق: شغلني سبك عن جيد الكلام، فقال
الفرزدق: والله لما سمعت صدر بيته رحمته، فلما أنشد عجزه انقلبت الرحمة حسداً
وعندي أن بين ابن العباس رضي الله عنه وبين الفرزدق في استخراجه العجزين كما
بينهما في مطلق الفضل في كل فن، لأن بيت عدي من جملة قصيدة تقدم سماع معظما، قد
علم أنها دالية مردفة بألف موصولة مخرجة قصيدة تقدم سماع معظمها، قد علم أنها
دالية مردفة بألف موصولة مخرجة قصدية تقدم سماع معظمها، قد علم أنها دالية مردفة
بألف موصولة مخرجة بألف من وزن معروف، ثم تقدم في صدر البيت ذكر ظبية تسوق خشفاً
لها، قد أخذ الشاعر في تشبيه طرف قرنه، مع العلم بسواده ما دل على عجز البيت، بحيث
يسبق إليه من هو دون الفرزدق من حذاق الشعراء، وبيت عمر بيت مفرد لم تعلم قافيته
من أي ضرب هي من القوافي ولا رويه من أي الحروف، ولا حركة رويه من أي الحركات،
فاستخراج عجزه ارتجالاً في غاية العسر ونهاية الصعوبة، لولا ما أمد الله تعالى به
هؤلاء القوم من المواد التي فضلوا بها غيرهم، ومن حذق عبد الله بن العباس رضي الله
عنهما ودقيق معرفته باختيار الكلام، جعله قافية للعجز الذي أتى بعد أبعد
ولم يجعلها أنزح وكان ذلك ممكناً له، لكون أبعد
أسرع ولوجاً في السمع، وأسبق إلى الذهن، وأدخل في القلب، وأكثر استعمالاً
وأعرف عند الكافة، وبها جاء القرآن العزيز دون أنزح وهي أخف على
اللسان، وأولى بالبيان، وربما اختلط التوشيح بالتصدير لكون كل منهما يدل صدره على
عجزه.
والفرق
بينهما أن دلالة التصدير لفظية، ودلالة التوشيح معنوية.
والفرق
بين التوشيح والتمكين أن التوشيح لا بد أن تتقدم القافية معنى يدل عليها، ولا كذلك
التمكين، ولا تكون كلمة التوشيح إلا في أول الصدر، وإن لم تكن كذلك فلا توشيح
والله أعلم.