المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



التهكُّم  
  
2200   11:56 صباحاً   التاريخ: 25-09-2015
المؤلف : إبن أبي الإصبع
الكتاب أو المصدر : تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر
الجزء والصفحة : ص126-127
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البديع /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4068
التاريخ: 26-09-2015 2970
التاريخ: 24-09-2015 1830
التاريخ: 25-03-2015 1875

يقال: تهكمت البئر إذا تهدمت، وتهكم عليه: اشتد غضبه. والمتهكم المتكبر وقال أبو زيد: تهكمت: تعتبت، وهكمت، عيرته تهكيماً عبته، وعلى هذا يكون التهكم إما لشدة الغضب قد أوعد بلفظ البشارة أو لشدة الكبر وتهاونه بالمخاطب قد فعل ذلك أو ذكر بفعله عند العقوبة على سبب المعيرة له، فهذا أصله.
وهو في الاستعمال عبارة عن الإتيان بلفظ البشارة في موضع الإنذار، والوعد في مكان الوعيد، والمدح في معرض الاستهزاء، فشاهد البشارة من الكتاب العزيز قوله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وقد مر في الباب الذي قبله قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) وهو شاهد الاستهزاء بلفظ المدح.
ومن التهكم قول الزمخشري في تأويل قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) قال: هم الحرس من حول السلطان يحفظونه على زعمه من أمر الله على سبيل التهكم به، فإنهم لا يحفظونه من أمر الله في الحقيقة إذا جاء، والله أعلم.
ومنه أيضاً قوله تعالى: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقوله سبحانه (إِيمَانُكُمْ) تهكم، والله أعلم.
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم بشِّر مال البخيل بحادث أو وارث .
وشاهد المدح في موضع الاستهزاء قول ابن الذروي في ابن أبي حصينة من أبيات [خفيف]:
لا تظنن حدبة الظهر عيباً ... فهي في الحسن من صفات الهلال
وكذاك القسي محدودبات وهي أنكى من الظبا والعوالي
وإذا ما علا السنام ففيه ... لقروم الجمال أي جمال
وذنابى القطاة وهي كما تع ... لم كانت موصوفة بالجلال
وأرى الانحناء في منسر البا ... زي لم يعد مخلب الرئبال
كون الله حدبة فيك إن شئـ ... ـت من الفضل أو من الإفضال
فأتت ربوة على طود حلمٍ ... طال أو موجةً ببحر نوال
ما رأتها النساء إلا تمنت ... لو غدت حليةً لكل الرجال
ثم ختمها بقوله:
وإذا لم يكن من الهجر بدٌ ... فعسى أن تزورني في الخيال
وكقول ابن الرومي [سريع]:
فيا له من عمل صالح ... يرفعه الله إلى أسفل
وأحسب أن أول من نطق بالتهكم في شعره امرؤ القيس، حيث يقول: [متقارب]
فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تبصر
فإن قوله للثور هبلت ألا تبصر من التهكم اللطيف. وأطرف ما سمعت في التهكم قول حماد عجرد [مجزوء الكامل]:
فيا ابن نوح يا أخا الـ ... ـحلس ويا بن القتب
ومن نشا والده ... بين الربا والكثب
يا عربي يا عربي ... يا عربي يا عربي
والفرق بين التهكم والهزل الذي يراد به الجد أن التهكم ظاهره جد وباطنه هزل، وهو ضد الأول، لأن الهزل الذي يراد به الجد يكون ظاهره هزلاً وباطنه جداً.




دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.