أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
1981
التاريخ: 25-03-2015
2634
التاريخ: 26-09-2015
16503
التاريخ: 25-09-2015
2397
|
وهو
أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى، ثم يردها بعينها ويعلقها بمعنى آخر، كقوله
سبحانه وتعالى: (حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) فالجلالة الأولى مضاف
إليها، والثانية مبتدأ بها وقوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا) وكقوله عز وجل: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ
عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ
يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا).
ومن
الترديد نوع يسمى الترديد المتعدد، وهو أن يتردد حرف من حروف المعاني، إما مرة أو
مراراً، وهو الذي يتغير فيه مفهوم المسمى لتغير الاسم: إما لتغاير الاتصال؛ أو
تغاير ما يتعلق بالاسم. ومثال هذا النوع قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فإن اتصال من بضمير المخاطبين
الغائبين في الموضعين مع ما تضمنت مَن مِنْ معنى الشرط أصارت المؤمنين كافرين عند
وقوع الشرط، وقد يرتد حرف الجر في الجملة من الكلام والبيت من الشعر مراراً عدة في
جمل متغايرة المعاني، ومثله قول الشاعر: [بسيط]
يريك
في الروع بدراً لاح في غسق ... فليث عريسة في صورة الرجل
وربما
كان المتردد غير حرف الجر، كحرف النداء أو غيره، ومثاله قول المتنبي [منسرح]:
يا
بدر يا بحر يا غمامة يا ... ليث الشرى يا حمام يا رجل
ومثال
المتردد من الجمل غير المتعددة قول أبي نواس: [بسيط]
صفراء
لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء
فقوله:
مسّها، ومسّته ترديد حسن.
وقد
يلتبس الترديد الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف؛ والفرق بينهما: أن هذا
النوع من الترديد يكون في إحدى قسمي البيت تارة وفيهما معاً مرة، ولا تكون إحدى
الكلمتين في قسم والأخرى في آخر، والمراد بقربهما أن يتحقق الترديد، والتعطف وإن
كان ترديد الكلمة بعينها، فهو لا يكون إلا متباعداً، بحيث تكون كل كلمة في قسم.
والترديد يتكرر، والتعطف لا يتكرر، والترديد يكون بالأسماء المفردة، والجمل
المؤتلفة والحروف، والتعطف لا يكون إلا بالجمل غالبا، والفارق بين الترديد
والتكرار أن اللفظة التي تكرر في التكرار لا تفيد معنى زائداً، بل الأولى هي تبيين
للثانية وبالعكس، واللفظة التي تتردد تفيد معنى غير معنى الأولى منهما، واشتقاقهما
مشعر بذلك، لأن الراد من وجه لا يبلغ إلا الموضع الذي أراده، والكار هو الذي انتهى
إلى الموضع المراد، وكر راجعاً، ومنه الكر والفر وقول امرئ القيس: مكر مفر وأنه لا
يكر إلا بعد الفرار وبيت أبي نواس الذي قدمناه مما جاء الترديد في عجزه دون صدره.
وأما ما جاء في الصدر والعجز فكقول أبي تمام [طويل]:
ديار
نوّار ما ديار نوّار ... كسونك شجواً هنّ منه عوار
ومثال
ما جاء في الصدر والعجز معاً قول أبي نواس [خفيف]:
قل
لمن ساد ثم ساد أبوه ... قبله ثم قبل ذلك جده
ومن
الترديد نوع آخر يسمى ترديد الحبك، ويسمى بيته المحبوك، وهو أن تبنى البيت من جمل
ترد فيه كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية، وكلمة من الثالثة في الرابعة،
بحيث تكون كل جملتين في قسم، والجملتان الأخيرتان غير الجملتين الأوليين في
الصورة، والجمل كلها سواء في المعنى، كقول زهير: [بسيط]
يطعنهم
ما ارتموا حتى إذا اطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا
اعتنقا
فقد
ردد كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية، وردد كلمة من الجملة الثالثة في
الجملة الرابعة ثنتان في كل قسم، وكل جملتين متفقتان في الصورة غير أنهما
مختلفتان، إذا نظرت إلى كل قسم وجملته، وإن اشتركا في المعنى، فإن صورة الطعن غير
صورة الضرب، ومعنى الجميع واحد، وهو الحماسة في الحرب، والبيت أعني بيت زهير مع
كونه من شواهد الترديد المحبوك، فإنه يصلح أن يكون من شواهد صحة التقسيم، لأنه
استوفى فيه أقسام حالات المحارب، وإن جاءت صحة التقسيم مدمجة في الترديد، والله
أعلم.