أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2020
1802
التاريخ: 27-7-2019
1758
التاريخ: 25-2-2016
1718
التاريخ: 2023-11-12
1116
|
لا تظهر العديد من الأنظمة الفيزيائية التناظرات الأساسية للقوى التي تبينها؛ فالقوى الكهرومغناطيسية لا تبالي بما إذا كان اتجاه القوة ناحية اليسار أو اليمين، غير أن الجزيئات البيولوجية سواء على صورة طعام أو مواد مفيدة يكون لها، صور معاكسة طبق الأصل قد تكون جامدة أو حتى قاتلة.
وازن قلم رصاص أسطواني الشكل مثالي التصميم على طرفه. لف القلم: سيبدو شكل القلم واحدا دون اختلاف، يعرف عدم التغير الحادث مع الدوران بالتناظر، وفي هذه الحالة بالتناظر الدوراني، ولما كان القلم واقفا على طرفه، فاستقراره مؤقت لأن قوة الجاذبية ستجذبه إلى الأرض إذا تزحزح من الوضع العمودي بأقل مقدار، قوة الجاذبية متناظرة دورانيا، وهو ما يعني أنه عندما يسقط القلم إلى الأرض، ما من تفضيل لاتجاه على الآخر، كرر التجربة آلاف المرات وستجد أن القلم سيسقط في جميع نقاط المحيط، وهو ما يتوافق مع التناظر الدوراني. حيث أنك لا تستطيع أن تجزم بناء على أي تجربة فردية في أي اتجاه سيسقط القلم؛ فبعد أن يسقط، في اتجاه الشمال مثلا، ستكون «الحالة القاعية» قد كسرت التناظر الدوراني. لعبة الروليت هي مثال آخر على ذلك. العب لفترة طويلة للغاية ولسوف تجد أن احتمالات فوز جميع الأرقام متساوية، وهذا يضمن أن الكازينو سيكسب لأن استقرار الكرة على أي رقم غير الذي اخترته يعني خسارتك. لكن في أي دور تلعبه، يكون مصدر المقامرة هو عجزك عن التنبؤ على نحو مؤكد بالرقم الذي ستستقر عليه الكرة.
في مثال القلم، فإن الحالة التي يكون التناظر فيها مكسورا تكون أكثر ثباتا من حالة التناظر، التي يحتفظ فيها القلم بتوازنه على سنه على نحو متقلقل. بصفة عامة، للقوانين التي تحكم أي نظام قدر من التناظر، لكن إذا وجدت حالة أكثر ثباتا تفسد هذا التناظر، فإن التناظر «ينكسر على نحو تلقائي»، أو يكون «مستترا». وقد كان هذا هو الحال مع ندفة الجليد والماء ومغناطيسية الحديد.
قد تقول إن هذا غير صحيح، مؤكدا على أن هذا ليس خطأ التناظر، بل يرجع أكثر لعدم دقة المرء في موازنة القلم: «فقد سقط القلم لأنه لم يكن منتصبا على نحو تام». وهذا حقيقي، لكن افترض أنه كان متوازنا في نقطة مصممة تصميما مثاليا. حتى عندئذ ستكون ذرات سن القلم في حالة حركة عشوائية بسبب درجة الحرارة، تلك الحرارة الآتية من طاقتها الحركية. تعني هذه العشوائية أن اتجاه السقوط عشوائي. قد تتفق معي في هذا لكن قد تقترح أن نجري التجربة عند درجات حرارة تقترب من الصفر المطلق، -273 مئوية، حيث تشارف طاقة الحركة على الزوال. تفترض تجربتك الفكرية أن سن القلم مصنوع من جزيئات كروية تامة الاستدارة، وأن الجزيء المركزي تجمد في مكانه عند درجة حرارة الصفر المطلق حيث توقفت الحركة الحرارية. وهنا تتدخل قوانين الكم لتفسد هذه الصورة. فإذا تلاشت الحركة يصير الموضع غير معروف، وتكون نقطة التوازن نفسها عشوائية. وإذا عرف موضع النقطة على وجه الدقة في لحظة ما، لصارت الحركة غير محددة، ولصار عدم التوازن الناتج غير متوقع. يبدو في هذه الحالة، وبصفة عامة، أن نسيج الطبيعة الكمي يسمح لحالة عدم الاستقرار عالية الطاقة أن تختار حالة الطاقة الدنيا التي ينكسر فيها التناظر تلقائيا. ولهذا يتسبب ذوبان الجليد، أو تسخين المعدن الممغنط، في عودة التناظر مجددا، لكن حين يسمح له بالبرودة ثانية، ينكسر التناظر دون تذكر لما كان عليه الوضع قبل ذلك.
تقضي القاعدة بأن رفع درجة الحرارة يتسبب في محو البنية والتعقيد مؤديا إلى وجود نظام «أبسط». فالماء بسيط، أما بلورات الجليد فجميلة الشكل. الكون اليوم بارد، وجميع القوى وأنماط المادة المختلفة ما هي إلا بنى متجمدة في نسيج الفراغ. إننا بعيدون كل البعد عن تلك الحرارة الهائلة التي عمت الكون في أعقاب الانفجار العظيم، لكن إذا عمدنا لتسخين كل شيء مجددا، ستختفي الأنماط والبنى. للذرات وأنماط جدول مندليف معنى فقط في درجات الحرارة التي تقل عن 10 آلاف درجة مئوية، أما فوق هذه الدرجة فتتأين الذرات إلى بلازما من الإلكترونات والجسيمات النووية كما الحال في الشمس. وفي ظل درجات حرارة أعلى من ذلك، فإن الأنماط المتجسدة في «النموذج المعياري» للجسيمات والقوى – حيث تقع الإلكترونات في عائلة اللبتونات، إلى جانب عائلات الكواركات والقوى المتفاوتة – لا تتحمل هذه الحرارة. في الواقع، في طاقات تزيد عن المائة إلكترون فولت، التي إذا عمت المادة كلها فستتوافق مع حرارة قدرها 1015 درجات مئوية، فإن القوة المغناطيسية والقوة النووية الضعيفة التي تتحكم في نشاط بيتا الإشعاعي تتحدان في قوة واحدة متناظرة. تقضي النظريات التي تصف المادة والقوى كما نراها في حالتها الباردة بأن هذه البنى ستذوب وتتحد تحت الحرارة العالية. وتقضي النظريات أيضا بأن نمط الجسيمات والقوى الذي يحكمنا قد يكون مجرد بقايا عرضية متجمدة عشوائيا لعملية انكسار تناظر حدثت حين «تجمد» الكون في حرارة قدرها 1017 درجات مئوية. إننا أشبه بالقلم الذي سقط وطرفه متجه صوب الشمال، أو عجلة الروليت التي استقرت بها الكرة في فتحة مكنت الحياة من النشوء. ولو أن الكرة استقرت في أي فتحة أخرى، كأن تكون كتلة الإلكترونات أكبر أو تكون القوة النووية الضعيفة أضعف مما عليه بالفعل، لكنا خسرنا اليانصيب ولم تكن الحياة لتظهر مطلقا.
هنا سأعود مجددا إلى المعضلة التي بدأنا بها. لو أن انكسار التناظر التلقائي قد تسبب في إيجاد ضوابط وقوى مختلفة، ما كنا لنوجد من الأساس بحيث نعرف هذا. وهذا يثير فكرة متطرفة تقضي أنه من الممكن أن توجد فراغات عدة، وأكوان متعددة، وأن كوننا تصادف وحسب الكون الذي اتخذت فيه الأرقام قيما مناسبة. من الأمثلة الملائمة هنا قطعة الحديد الممغنطة: سخنها، بحيث تدمر المغناطيسية، ثم بردها ثانية. في أحد أجزاء القطعة تشير المغناطيسات الذرية المتجمدة في اتجاه ما، وفي أجزاء أخرى تشير في اتجاه آخر. تعرف هذه الظاهرة باسم «النطاقات المغناطيسية».
هل يمكن أن يكون هذا نموذجا للكون؟ وضع المنظرون نماذج حسابية للانفجار العظيم تعني عليها أن تتفق مع ما نعرفه، نماذج تظهر تناظرا «حقيقيٍّا» في تلك الفترة الحارة المبكرة من عمر الكون. ويبدو أن السمة العامة هي أن هذه النماذج تقضي بأنه حين برد الكون بعد مرحلته الأولى المتناظرة، كان هناك «مشهد عام» من الحلول الممكنة. حين تنظر في المشهد العام، سترى أنه يوجد إجمالا تناظر مبدئي: فشأن اتجاهات القلم الساقط نحو جميع النقاط على البوصلة، ثمة كتل وقوى من كل المقادير الممكنة، التي تتوافق مع التناظر الأصلي. وما قد يكون صحيحا في هذا الجزء من الكون، وعلى امتداد ملايين السنوات الضوئية التي نستطيع رصدها، قد يكون مختلفا في مكان آخر.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|