أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-06-2015
72606
التاريخ: 2024-05-21
706
التاريخ: 10-10-2014
1723
التاريخ: 27-1-2023
1214
|
قال تعالى : {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه : 77 - 79] .
بعد حادثة المجابهة بين موسى والسّحرة ، وإنتصاره الباهر عليهم ، وإيمان جمع عظيم منهم ، فقد غزا موسى (عليه السلام) ودينه أفكار الناس في مصر ، بالرغم من أنّ أكثر الأقباط لم يؤمنوا به ، إلاّ أنّ هذا كان ديدنهم دائماً ، وكان بنو إسرائيل تحت قيادة موسى مع قلّة من المصريين في حالة صراع دائم مع الفراعنة ، ومرّت أعوام على هذا المنوال ، وحدثت حوادث مرّة موحشة وحوادث جميلة مؤنسة ، أورد بعضها القرآن الكريم في الآية (127) وما بعدها من سورة الأعراف.
وتشير الآيات التي نبحثها إلى آخر فصل من هذه القصّة ، أي خروج بني إسرائيل من مصر ، فتقول : (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) فتهيّأ بنو إسرائيل للتوجّه إلى الوطن الموعود (فلسطين) ، إلاّ أنّهم لمّا وصلوا إلى سواحل النيل علم الفراعنة بهم ، فتعقّبهم فرعون في جيش عظيم ، فرأى بنو إسرائيل أنفسهم محاصرين بين البحر والعدو ، فمن جهة نهر النيل العظيم ، ومن جهة أُخرى العدوّ القوي السفّاك الغاضب.
إلاّ أنّ الله الذي كان يريد إنقاذ هذه الاُمّة المظلومة المحرومة المؤمنة من قبضة الظالمين ، وأن يهلك الظالمين في البحر ، أمر موسى أن امض بقومك (فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً) طريقاً متى ما مضيت فيه فـ : (لا تخاف دركاً ولا تخشى).
الطريف هنا أنّ الطريق لم يُفتح وحسب ، بل كان طريقاً يابساً صلباً بأمر الله ، مع أنّ مياه النهر أو البحر إذا ما إنحسرت جانباً فإنّ قيعانها تبقى عادةً غير قابلة للعبر عليها.
يقول الراغب في مفرداته : «الدَّرك» أقصى عمق البحر ، ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك به الماء «درك» ، وكذلك يقال للخسارة التي تصيب الإنسان «درك» ويقال «دركات النّار» ـ في مقابل درجات الجنّة أي حدودها وطبقاتها السفلى.
ولكن مع ملاحظة أنّ بني إسرائيل ـ وطبقاً للآية (61) من سورة الشعراء ـ لمّا علموا بخبر مجيء جيش فرعون ، قالوا لموسى : (إنّا لمدركون) ، وهذا يعني أنّ المراد من الدرك في الآية هنا ، أنّ جيش فرعون سوف لن يصل إليكم ، والمراد من (لا تخشى) أنّ أي خطر لا يهدّدكم من ناحية البحر.
وبذلك فإنّ موسى وبني إسرائيل قد ساروا في تلك الطرق التي فتحت في أعماق البحر بعد إنحسار المياه عنها. في هذه الأثناء وصل فرعون وجنوده إلى ساحل البحر فدُهشوا لهذا المشهد المذهل المثير غير المتوقّع ، ولذلك أعطى فرعون أمراً لجنوده باتّباعهم ، وسار هو أيضاً في نفس الطريق : (فاتّبعهم فرعون بجنوده) (1).
ممّا لا ريب أنّ جيش فرعون كان مكرهاً في البداية على أن يسير في هذا المكان الخطير المجهول ، ويتعقّب بني إسرائيل ، وكانت مشاهدة مثل هذه المعجزة العجيبة كافية على الأقل أن يمتنعوا عن الإستمرار في السير في هذا الطريق ، إلاّ أنّ فرعون الذي ركب الغرور والعصبية رأسه ، وغرق في بحر العناد والحماقة ، لم يهتمّ لهذه المعجزة الكبيرة ، وأمر جيشه في المسير في هذه الطرق البحرية المريبة حتّى دخل من هذه الجهة آخر جندي فرعوني ، في وقت خرج من الجانب الآخر آخر فرد من بني إسرائيل.
في هذه الأثناء صدر الأمر لأمواج المياه أن ترجع إلى حالتها الأُولى ، فوقعت عليهم الأمواج كما تسقط البناية الشامخة إذا هدّمت قواعدها (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم) (2). وبذلك فقد غاص ملك جبّار ظالم مع جنوده وجيشه القهّار في وسط أمواج الماء ، وأصبحوا طعمة جاهزة لسمك البحر!
أجل ، (فأضلّ فرعون قومه وما هدى).
صحيح أنّ جملة (أضلّ) وجملة (ما هدى) تعطي معنى واحداً تقريباً ، وربّما كان هذا هو السبب في أن يعتبرها بعض المفسّرين تأكيداً ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ هناك تفاوتاً فيما بينهما ، وهو أنّ (أضلّ) إشارة إلى الإضلال ، و (ما هدى) إشارة إلى عدم الهداية بعد وضوح الضلالة.
وتوضيح ذلك : إنّ القائد قد يخطيء أحياناً ، ويجرّ أتباعه إلى طريق منحرف ، إلاّ أنّه بمجرّد أن ينتبه إلى خطئه يعيدهم إلى طريق الصواب. إلاّ أنّ فرعون كان عنيداً إلى الحدّ الذي لم يبيّن لقومه الحقيقة حتّى بعد وضوح الضلال ومشاهدته ، واستمرّ في توجيه هؤلاء إلى المتاهات حتّى هلك وإيّاهم.
وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الجملة تنفي كلام فرعون الوارد في الآية (29) من سورة غافر حيث يقول : (وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد) ، فإنّ هذه الحوادث بيّنت أنّ هذه الجملة كذبة كبيرة كأكاذيبه الاُخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ وهناك إحتمال آخر في تفسير الجملة آنفة الذكر ، وهو أنّ الباء في (بجنوده) قد تكون بمعنى (مع) ، ويصبح مجموع الجملة بهذا المعنى : إنّ فرعون قد عقّب بني إسرائيل مع جنوده ، مع أنّه لا يوجد إختلاف بين هذين التّفسيرين.
2 ـ «اليمّ» يعني البحر والنهر العظيم. ويعتقد بعض المحقّقين أنّ هذه لغة مصرية قديمة وليست عربية. ولمزيد الإيضاح راجع هامش ذيل الآية (136) من سورة الأعراف.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|