أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
4006
التاريخ: 15-05-2015
3185
التاريخ: 17-05-2015
3187
التاريخ: 10-8-2016
3365
|
1 - وفور علمه :
لقد شهد للإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السّلام ) إذ قال عنه :
« إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم » .
وقال أيضا : « وعنده علم الحكمة ، والفهم ، والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم » .
ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب ، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة ، حتى عرف بين الرواة بالعالم .
وقال الشيخ المفيد : وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه[1].
2 - عبادته وتقواه :
نشأ الإمام موسى ( عليه السّلام ) في بيت القداسة والتقوى ، وترعرع في معهد العبادة والطاعة ، بالإضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب اللّه والايمان به والاخلاص له فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الايمان والعقيدة ، فلولاهم ما عبد اللّه عابد ولا وحّده موحّد . وما تحقّقت فريضة ، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في الاسلام شريعة .
لقد رأى الإمام ( عليه السّلام ) جميع صور التقوى ماثلة في بيته ، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته ، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه[2] حتى لقّب بالعبد الصالح ، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيرا له قط في الطاعة والعبادة . ونعرض أنموذجا من مظاهر طاعته وعبادته :
أ - صلاته : إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام ( عليه السّلام ) هي الساعات التي يخلو بها مع اللّه عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد :
أنه إذا وقف بين يدي اللّه تعالى مصلّيا أو مناجيا أو داعيا ارسل ما في عينيه من دموع ، وخفق قلبه ، واضطرب موجدة وخوفا منه ، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة « فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخرّ للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس[3] ، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصا وخوفا منه :
« عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك »[4].
ولمّا أودعه طاغية زمانه الملك هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتى بهر بذلك العقول وحير الألباب ، فقد شكر اللّه على تفرغه لطاعته قائلا :
« اللّهم انّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد »[5].
لقد ضرب الإمام المثل الأعلى للعبادة فلم يضارعه أحد في طاعته واقباله على اللّه ، فقد هامت نفسه بحبه تعالى ، وانطبع في قلبه الايمان العميق .
وحدّث الشيباني[6] عن مدى عبادته ، فقال : كانت لأبي الحسن موسى ( عليه السّلام ) في بضع عشر سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال[7] ، وقد اعترف عدوه هارون الرشيد بأنه المثل الأعلى للإنابة والايمان ، وذلك حينما أودعه في سجن الربيع[8] فكان يطل من أعلى القصر فيرى ثوبا مطروحا في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه فيتعجب
من ذلك ويقول للربيع :
« ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع » ؟ !
- يا أمير المؤمنين : ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال .
فبهر هارون وانطلق يبدي إعجابه .
- أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم ! !
والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بزهد الإمام وعزوفه عن الدنيا طالبا أن يطلق سراحه ولا يضيّق عليه قائلا :
يا أمير المؤمنين : ما لك قد ضيّقت عليه في الحبس ! ! ؟
فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من عدم الرحمة والرأفة قائلا :
« هيهات : لا بد من ذلك ! »[9].
ب - صومه : كان الإمام ( عليه السّلام ) يصوم في النهار ويقوم مصلّيا في الليل ، خصوصا لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره ، وهو يشكر اللّه ويحمده على هذا الفراغ الذي قضاه في عبادته .
ج - حجّه : وما من شيء يحبه اللّه وندب إليه إلّا فعله الإمام عن رغبة واخلاص ، فمن ذلك أنه حج بيت اللّه ماشيا على قدميه ، والنجائب تقاد بين يديه ، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات ، وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال : كانت السفرة الأولى ستا وعشرين يوما ، والثانية كانت خمسا وعشرين يوما ، والثالثة كانت أربعا وعشرين يوما ، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوما[10].
د - تلاوته للقرآن : كان الذكر الحكيم رفيق الإمام في خلواته ، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بامعان وتدبر ، وكان من أحسن الناس صوتا به ، فإذا قرأ يحزن ، ويبكي السامعون لتلاوته[11].
وحدّث حفص عن كيفية تلاوته للقرآن فقال : وكان قراءته حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا[12] بهذه الكيفية كان يتلو آيات الذكر الحكيم فكان يمعن في تعاليمه ويمعن في آدابه ، ويتبصر في أوامره ونواهيه وأحكامه .
ه - عتقه للعبيد : ومن مظاهر طاعة الإمام ( عليه السّلام ) عطفه واحسانه على الرقيق فقد أعتق الف مملوك[13] كل ذلك لوجه اللّه ، وابتغاء مرضاته ، والتقرب إليه .
3 - زهده :
كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى اللّه ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة ، وقد حدثنا عن مدى زهده إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه ، فإذا ليس في البيت شيء سوى خصفة ، وسيف معلق ، ومصحف[14] ، لقد كان عيشه زهيدا ، وبيته بسيطا فلم يحتو على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل على تجرده من الدنيا ، وإعراضه عنها . على أنه كانت تجبى له الأموال الطائلة ، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي ، بالإضافة إلى أنه كان يملك البسرية وغيرها من الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة ، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء على البائسين والمحرومين في سبيل اللّه وابتغاء مرضاته ، وكان ( عليه السّلام ) دوما يتلو على أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الاعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها ، فقال ( عليه السّلام ) :
« رحم اللّه أبا ذر . فلقد كان يقول : جزى اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير ، أتغدى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف أئتزر بأحدهما وارتدي بالأخرى . . . »[15].
4 - جوده وسخاؤه :
لقد تجلّى الكرم الواقعي ، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف ، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق ( عليه السّلام ) جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل اللّه لم يبتغ من أحد جزاءا أو شكورا ، وكان ( عليه السّلام ) في صلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على الآخذ ذلة الحاجة ، وكان يلتمس في ذلك وجه اللّه ورضاه ، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة ، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الأربعمائة دينار[16] وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون :
« عجبا لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر ! ! »[17].
وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف دينار[18]. وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء يثرب ، فكانوا جميعا يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه .
وحدّث عيسى بن محمّد القرطي قال : « زرعت بطيخا وقثاء وقرعا[19] في موضع بالجوانيّة[20] على بئر يقال لها أم عضام .
فلمّا استوى الزرع بغتني الجراد ، فأتى على الزرع كلّه ، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين دينارا . فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) فسلّم ثم قال لي : كيف حالك ؟
فقلت : أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي .
فقال : كم غرمت فيه ؟
فقلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين .
فالتفت ( عليه السّلام ) لعرفة وقال له : زن لابن المغيث مائة وخمسين دينارا . ثم قال لعيسى : فربحك ثلاثون دينارا مع الجملين »[21].
5 - حلمه :
وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى ( عليه السّلام ) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ ، وكان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والأنانية من نفوسهم ، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا : « أن شخصا من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام ، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم ( عليه السّلام ) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل : أنه يزرع في بعض نواحي المدينة ، فركب ( عليه السّلام ) بغلته ومضى إليه متنكرا ، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه ، فصاح به : لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه ، ولمّا انتهى إليه جلس إلى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث ، وقال له بلطف ولين :
- كم غرمت في زرعك هذا ؟
- مائة دينار .
- كم ترجو أن تصيب منه ؟ .
- أنا لا أعلم الغيب ! !
- انما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟
- أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار .
فأعطاه ( عليه السّلام ) ثلاثمائة دينار ، وقال : هذه لك وزرعك على حاله فتغير العمري ، وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الامام ، وتركه ( عليه السّلام ) ومضى إلى الجامع النبوي ، فوجد العمري قد سبقه ، فلما رأى الإمام مقبلا قام إليه تكريما وانطلق يهتف :
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ في من يشاء » .
فبادر إليه أصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب ، فأخذ يخاصمهم ، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره ، ويدعو له ، فالتفت ( عليه السّلام ) إلى أصحابه قائلا :
أيّما كان خيرا ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟ »[22].
ومن آيات حلمه ( عليه السّلام ) أنه اجتاز على جماعة من حسّاده وأعدائه ، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضى الرجل إلى الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له[23]. لقد أقام ( عليه السّلام ) بذلك أسمى مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع .
وكان ( عليه السّلام ) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال :
« يا بنيّ : إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم ، وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره »[24].
6 - ارشاده وتوجيهه :
إنّ إرشاد الناس إلى الحق وهدايتهم إلى الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام يعنى بها ، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها . وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين . وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي ، إذ كان في بداية أمره - فيما يقول الرواة - يتعاطى الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة إرشاد الإمام ( عليه السّلام ) وتوجيهه كما سوف نشير إلى قصّته مع الإمام ( عليه السّلام ) فيما سيأتي[25].
وممن أرشدهم الإمام ( عليه السّلام ) إلى طريق الحق : الحسن بن عبد اللّه ، فقد كان شخصية مرموقة عند الملوك زاهدا في الدنيا ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، فاجتمع بالامام فقال ( عليه السّلام ) له :
يا أبا علي ، ما أحب اليّ ما أنت عليه ، وأسرني به ، إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة .
قال : وما المعرفة ؟
فقال له : تفقّه واطلب الحديث .
فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء أهل المدينة ، وعرضه على الإمام فلم يرض ( عليه السّلام ) ، وأرشده إلى فقه أهل البيت وأخذ الأحكام منهم ، والاعتراف لهم بالإمامة فانصاع الرجل لذلك واهتدى[26].
لقد كان ( عليه السّلام ) يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلّهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء اللّه واليوم الآخر ، فقد سمع رجلا يتمنّى الموت فانبرى ( عليه السّلام ) له قائلا : « هل بينك وبين اللّه قرابة يحابيك لها ؟
فقال : لا .
فقال له ( عليه السّلام ) : فأنت إذن تتمنّى هلاك الأبد »[27].
7 - احسانه إلى الناس :
وكان الإمام بارّا بالمسلمين محسنا إليهم ، فما قصده أحد في حاجة إلّا قام بقضائها ، فلا ينصرف منه إلّا وهو ناعم الفكر مثلوج القلب ، وكان ( عليه السّلام ) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان مبرّرا له ، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءا ورحمة .
ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام ( عليه السّلام ) شخص من أهالي الري[28] كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها ، وخاف على نعمته أن تسلب منه ، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل ، فسأل عن حاكم الري ، فأخبر أنه من الشيعة ، فطوى نيته على السفر إلى الإمام ليستجير به فسافر إلى المدينة فلما انتهى إليها تشرف بمقابلة الإمام فشكى إليه حاله ، فزوده ( عليه السّلام ) برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة :
إعلم أنّ للّه تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلّا من أسدى إلى أخيه معروفا ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سرورا ، وهذا أخوك والسلام .
وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج ، اتّجه إلى وطنه ، فلما وصل ، مضى إلى الحاكم ليلا ، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه ، فقال له : من أنت ؟
فقال : رسول الصابر موسى ؟
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له ، فعانقه وقبّل ما بين عينيه ، وجعل يكرر ذلك ، ويسأله بلهفة عن حال الامام ، ثم إنه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريما ، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟
فقال له : أي واللّه وزدت على ذلك ! !
ثم استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها ، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحا وسرورا ، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه فيمضي إلى بيت اللّه الحرام فيدعو له ، ويخبر الإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف ، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثم اتّجه إلى يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه ، فسرّ ( عليه السّلام ) بذلك سرورا بالغا ، فقال له الرجل :
يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟
فقال الإمام ( عليه السّلام ) : إي ، واللّه ! لقد سرّني ، وسرّ أمير المؤمنين ، واللّه لقد سرّ جدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ولقد سرّ اللّه تعالى . . »[29].
وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس .
[1] الارشاد : 2 / 225 .
[2] جوهرة الكلام : 139 .
[3] الارشاد : 2 / 231 وعنه في كشف الغمة : 3 / 18 .
[4] وفيات الأعيان : 4 / 293 ، وكنز اللغة : 766 ، وتاريخ بغداد : 13 / 27 وعنه في الأنوار البهية : 190 .
[5] مناقب آل أبي طالب : 4 / 343 ، ووفيات الأعيان : 4 / 293 .
[6] الشيباني : هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسن مولى لبني شيبان حضر مجلس أبي حنيفة سنين ، وتفقه على أبي يوسف ، وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبي حنيفة وقال الشافعي : حملت من علم محمد بن حسن وقر بعير وقال أيضا : ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر الا تبينت في وجهه الكراهة الا محمد بن الحسن . توفي بالري سنة ( 187 ه ) وهو ابن ثمان وخمسين سنة كما جاء في طبقات الفقهاء : ص 114 .
[7] حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) : 1 / 140 عن بحار الأنوار .
[8] الربيع بن يونس كان حاجبا للمنصور ثم صار وزيرا له بعد أبي أيوب ، وكان المنصور كثير الميل إليه حسن الاعتماد عليه قال له يوما : ويحك يا ربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت ، فقال له الربيع : ما طابت الدنيا إلّا بالموت ، قال له : وكيف ذلك ؟ فأجابه لولا الموت لم تقعد هذا المقعد ، فقاله له : صدقت ، وقال له المنصور لمّا حضرته الوفاة : بعنا الآخرة بنومة ، ويقال إن الربيع لم يكن له أب يعرف ، وان بعض الهاشميين وفد على المنصور فجعل يحدثه ويقول له : كان أبي رحمه اللّه ، وكان ، وكان ، وأكثر من الترحم عليه ، فقال له الربيع : كم تترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين ؟ فقال له الهاشمي : أنت معذور لأنك لا تعرف مقدار الآباء فخجل أشدّ الخجل . توفي الربيع سنة ( 170 ه ) جاء ذلك في وفيات الأعيان : ( ج 1 / ص 231 - 233 ) ط . بولاق .
[9] عيون أخبار الرضا : 1 / 95 ح 14 وعنه في الأنوار البهية : 189 .
[10] بحار الأنوار : 48 / 100 ح 2 عن قرب الإسناد .
[11] المناقب : 4 / 348 .
[12] أصول الكافي : 2 / 606 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 111 .
[13] عن الدر النظيم ، في مناقب الأئمة اللهاميم ليوسف بن حاتم الشامي ، مخطوط في مكتبة الإمام الحكيم العامة ( النجف الأشرف ) .
[14] بحار الأنوار : 48 / 100 ، ح 1 عن قرب الإسناد .
[15] أصول الكافي : 2 / 134 .
[16] تأريخ بغداد : 13 / 28 .
[17] عمدة الطالب : 185 .
[18] تاريخ بغداد : 13 / 27 .
[19] القرع : نوع من اليقطين ، الواحدة قرعة .
[20] منطقة قرب المدينة .
[21] تاريخ بغداد : 13 / 29 ، وكشف الغمة : 2 / 217 .
[22] تأريخ بغداد : 13 / 28 - 29 ، والارشاد : 2 / 233 وعنه في إعلام الورى : 2 / 26 ، 27 ، وكشف الغمة :
3 / 18 ، 19 واختصر في مناقب آل أبي طالب : 4 / 344 .
[23] بحار الأنوار : 48 / 148 عن فروع الكافي : 8 / 86 .
[24] كشف الغمة : 3 / 8 عن الجنابذي ، والفصول المهمة لابن الصباغ : 235 .
[25] راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث : 80 .
[26] المناقب لابن شهرآشوب : 4 / 312 .
[27] الاتحاف بحب الأشراف : 55 .
[28] كان يدعى : علي بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر .
[29] اعتمدنا في هذا الفصل على ما كتبه الأستاذ باقر شريف القرشي ، راجع حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) : 1 / 138 - 162 . وخبر الصوريّ من أهل الريّ رواه المجلسي في بحار الأنوار : 48 / 174 ح 16 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين المنشور في نشرة تراثنا : 34 / 186 ح 24 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|