أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2021
7027
التاريخ: 28-12-2022
1703
التاريخ: 29-8-2021
2045
التاريخ: 16-9-2021
3794
|
اللغة الإعلامية.. العربية الفصحى الميسرة
إن اللغة تعتبر أهم عناصر المقال، ويعتبر امتلاك اللغة المشرقة، والمعين الخصب من المفردات، عاملا أساسيا في قوة المقال، الفكرية والأسلوبية.
ويمكن القول، إن: النماذج المكتوبة تختلف في مستواها اللغوي بحسب اختلاف موضوعاتها، واختلاف منشئيها في ثقافاتهم وأذواقهم ونفسياتهم ثم قدراتهم البيانية، وكذلك بحسب اختلاف الأغراض التي أوجدت من أجلها هذه النماذج.
من الواضح أنه كلما كان النموذج المقروء عاليا ثريا في لغته جميلا في أسلوبه، جليا في صياغة أفكاره ومعانيه، كانت فعاليته في إنماء الحصيلة اللغوية أكثر. وثراء اللغة وجمال الأسلوب، وإن كان يعتمد على ثقافة الكاتب وقدرته اللغوية والبيانية والبلاغية، غير أنه يعتمد أيضا على طبيعة الموضوع وما يقتضيه من طريقة في التعبير وما يتطلبه من تراكيب أو يفرضه من صياغات لغوية معينة، وما يهدف إليه الكاتب ويريد تحقيقه من وراء كتابته لموضوعه. والكتابة المقبولة أو المتعارف عليها في الأوساط الإجتماعية التي تكثر فيها الطبقات المثقفة أو المتعلمة تكون في الغالب باللغة الفصحى المحافظة المبسطة على الأقل، كما هو الحال في أوساط المجتمع العربي من هذا النمط. ولا تستخدم اللغة المحكية العامية أو اللهجة المحلية في الكتابة إلا في الأوساط المتخلفة اجتماعيا وثقافيا، أو الأوساط التي تزيد فيها نسبة الأمية عامة.
وقد قامت الصحافة العربية في مسيرتها المهنية بترسيخ لغة إعلامية يتم توظيفها لنقل المضامين الصحفية والإعلامية المختلفة، شارك في وضع ملامحها الرئيسية، الصحفيون والأدباء معا.
وقد قطعت اللغة الإعلامية العربية رحلة طويلة كاملة من أجل أن تحقق لها شكلها المستقر المتطور الذي نراها عليه اليوم من خلال صراع الألفاظ والتعبيرات والمصطلحات. فاللغة الإعلامية إذن هي اللغة التي تشيع على أوسع نطاق في محيط الجمهور العام، وهي قاسم مشترك أعظم في كل فروع المعرفة الثقافية والصناعة والتجارة والعلوم البحتة والعلوم الإجتماعية والإنسانية والفنون والآداب، ذلك لأن مادة الإعلام في التعبير عن المجتمع والبيئة تستمد عناصرها من كل فن وعلم ومعرفة. وقد اكتسبت اللغة الإعلامية هذه المرونة من أمتیاز اللغة الفصحي بالعمق الذي يجعلها تنبض بالحياة، والذي يجعلها تقوم على الترجمة الأمينة للمعاني والأفكار، والاتساع للألفاظ والتعبيرات الجديدة التي يحكم بصلاحيتها الإستعمال والذوق والشيوع. وإذا كانت لغتنا الفصحی تباهي فيما مضى بالسجع والترادف والكناية والمجازي فإنها أصبحت اليوم تحرص على السهولة والجزالة والدقة والوضوح.
إن هذه اللغة العربية الفصحى الميسرة، التي تجمع بين السهولة والجزالة، هي التي يجب أن تحرص الصحافة ووسائل الإعلام العربية، على اختلاف أنواعها، على التمسك بها، وهي وسيلة تحقيق الفهم وبسط المعاني الواضحة، لجماهير الأمة في أقطار الوطن العربي، مشرقه ومغربه.
فهذه اللغة الإعلامية، كما يقول (د. عبد العزيز شرف) هي اللغة التي تخاطب جمهوراً مشتركاً لا يجمع فيه أقوى من هذه اللغة الواحدة المشتركة العامة للبلاد العربية، أما اللهجات فلا تعدو أن تكون أدوات ووسائل للتعبير البيئي الضيق. فالقول، بأن العامية أصلح للغة الإعلام مردود بحكم التاريخ ومنطق الواقع، ومنطق الوسائل المحكومة بسنن الإعلام اللغوي التي تفرض وجود لغة عامة مشتركة للإعلام، فلم تجز اللهجات على الفصحى التي بقيت لغة الأمة دين ودولة، ومناط وحدتها الذوقية والوجدانية، واللغة العليا للتعليم والتأليف والثقافة والإعلام والحضارة. وتقول (الدكتورة عائشة عبد الرحمن) في ذلك: إن اللهجات العامية لم تحل دون فهم عامة الجماهير لفصحى العربية، لا في كتابهم الديني فحسب، ولكن كذلك فيما يسمعون من قصائد وخطب وأناشيد.
والذي لا ريب فيه، كما يقول (وديع فلسطين): إنه ليس ثمة ما يدعى (اللغة العامية). فالعامية ليست لغة بين اللغات، بل هي لهجات جرت على الالسنة مجرى غير مرهون بقاعدة أو بمنهاج. فالقول إذا بأن هناك (لغة) عامية تصاول اللغة الفصحى وتطاولها قول فيه كثير من التجوز، لأن اللغة الوحيدة التي تعرفها الضاد هي اللغة التقليدية النظامية الفصحى، وما عداها لغة منسوب إلى العامة، لا يقومه حرف ولا يخضعه لسطوته نحو، ولا يعتد به في بحث أو يستشهد به في مقام استشهاد. والعامية لهجات لا ضابط لها ولا صلة بينها. وهي بغير ما أدبي عريق أو غير عريق. والتفاهم بالعامية بين أقطار العروبة متعذر. إن اللغة الوحيدة التي يعتد بها في كل شأن من شؤون الحياة الفكرية العربية، هي لغة الضاد الفصيحة. فهي لغة التعبير في الكتابة والخطابة والمحاضرة والمحادثة والتمثيل والتعليم، وهي: لغة الأدب ولغة العلم ولغة الفلسفة ولغة الإقتصاد ولغة الحياة الفكرية جميعا. وليس من الأدب في شيء كل ما يكتب بالعامية، سواء كتب للترويح عن النفس أو للتمثيل على المسرح أو للتعبير عن رأي. ويجدر بنا في هذا المقام التنبيه إلى أن الصحافة، ما كان منها عاماً أو خاصاً، تعتبر خير وسيلة لنشر العلوم وتعميم ألفاظها ومصطلحاتها. فإن بقيت الصحافة على صلة بأهل العلم وببحوث أهل العلم، أفادت كثيرة في إشاعة الألفاظ العلمية وإذاعتها على اوسع نطاق.
إن الأخطاء اللغوية والنحوية التي يقع فيها بعض الإعلاميين، وخاصة في الوسائل الإعلامية السمعية والمرئية والميل إلى تغليب العامة في الحوارات الإذاعية، وعدم التركيز على استخدام الفصحى، جعل عددا من الأدباء والإعلاميين يؤكدون على أهمية التنمية اللغوية، وخصوصا لدى الناشئة.
ويرى (فاروق خورشید) أن هذه التنمية اللغوية يمكن أن تتحقق من خلال: اللغة القرآنية فهي تربي في نفوس النشئ حسن عبقرية اللغة، وتلقن أسرارها تلقيناً تلقائياً. كما أن اللغة القرآنية تغرس الحس الموسيقي النغمي العالي القيمة الجمالية سواء بإيقاعات ظاهرة السبب أو بإيقاعات داخلة لا ترصد وإنما تحس وتتذوق، ومن هنا كانت التربية بالقرآن تربية جمالية تذوقياً. إلى جوار كونها تعليمة لغوية عالي القيمة، بالإضافة إلى هدفها الديني والتربوي المفهوم. ومن اللحظة التي تخلى فيها المربي العربي عن الاستفادة من التربية بالقرآن في سنوات التربية الاولى للنشئ بدأ الحس اللغوي والجمالي والموسيقي يضعف في الأجيال التي لم تحظ بالتربية القرآنية في سنوات عمرها الأولى.
وكان (الأستاذ محمود الشريف) قد بين في إحدى محاضراته أهمية ترسيخ حب اللغة الفصيحة في أعماق الإنسان العربي منذ نعومة أظفاره. داعية الأجيال الجديدة إلى الاقتداء بالآباء والأجداد في حبهم للغتهم وحرصهم على عدم الخطأ أو اللحن فيها. وقال متسائلا: هل تجدون في تعليم اللغة الفصيحة في المدارس الحديثة اليوم شيئا من هذا الذي ذكرت؟ أين من يحفظ بغير لحن جزء واحدة من القرآن الكريم من بين طلاب المدارس الابتدائية ورياض الأطفال؟ وأنا هنا لا أتكلم عن حفظ القرآن باعتباره واجباً دينياً على الطفل المسلم. ولكنني أتكلم عنه من حيث هو غرس لراية اللغة الفصيحة وحلاوة البيان الإلهي في صميم وجدان الطفل العربي، مسلما كان أم غير مسلم. فها هو المحامي القبطي المصري الأشهر (مكرم عبيد) الذي كان صوته يدوي في ساحات القضاء ببلاغة عربية لا أروع منها ولا أحلى يرد الفضل في إمساكه بناصية البيان إلى حفظه لأجزاء كثيرة من القرآن الكريم. لذلك فإنني أعتقد أنه ليس حفظ القرآن الكريم، والنثر الجيد، والشعر الأصيل وسيلة لغرس اللغة الفصيحة في نظرة الناشئة، بحيث يتشربون عبقريتها، ويتصلون بروحها، ويشبون على عشقها، وتنمو ألسنتهم على التحدث بها بغير عناء. إنني أتساءل: هل توجد في عالمنا العربي اليوم مجلة كالرسالة أو الثقافة، ترفع لواء اللغة الفصيحة، وتتيح لطلابنا أن ينهلوا من نبعها الصافي؟ بل أين فيمن يكتب اليوم من أدبائنا من يعني بدقة العبارة وجمال الأسلوب مثل الرافعي والعقاد وطه حسين والنشاشيبي، بحيث تتلمذت على أيديهم الأجيال الشابة.
إن هذه الدعوة إلى التمكن من اللغة العربية الفصيحة، والعناية بسلامة قواعدها، من صحفي وكاتب ناهزت تجربته الصحفية نصف قرن، تؤكد على المسؤولية التي يتحملها جيل الشباب من الإعلاميين إزاء الحرص على سلامة اللغة العربية بصفتها أداتهم الأساسية في التعبير والكتابة.
إن (العربية) في المصطلح، كما قال (د. نهاد الموسى) هي: العربية التي وضعت أو وصفت على مثال لغة القرآن بقراءاته وبعض الحديث الشريف، والشعر الجاهلي والإسلامي والأموي وخطب البلغاء، وكلام العرب وأمثالهم، بمحددات النقاء في إطار عصور الاحتجاج. هي العربية التي كانت لغة الشعر العربي العمودي قديماً ولغة أعلام النثر ولغة المؤلفات الموضوعة في علوم القرآن والحديث وعلم الكلام والفلسفة والتاريخ والاجتماع. وهي لغة الشعر العربي الحديث العمودي والحر، ولغة القصة القصيرة والرواية والمقالة والخطاب الثقافي والمعرفي في المجلات الثقافية والمتخصصة هذه الأيام. وهي لغة الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية في نشرات الأخبار وتقارير الاستطلاعات الانثروبولوجية والكشوف العلمية والأفلام الوثائقية والتسجيلية والدراما التاريخية. إنها العربية التي يقدر سواء الناطقين بالعربية –بالحدس - أنها الفصيحة المغايرة للهجات العامية المحلية المعاصرة على اختلافها.
واللغة العربية تمتلك عوامل البقاء والاستمرار، وهذه العوامل تتمثل في:
- أنها لسان التنزيل وأنها السبيل إلى فهمه.
- أنها لسان تراث ما يزال كثير منه ينطوي على قيم فكرية وجمالية خالدة.
- أنها رمز لهوية الأمة بمنطوياتها الوجدانية وحاجاتها الحيوية التواصلية.
- أنها تعلم للناشئة ركناً محورية في العملية التربوية.
- أنها لسان الإعلام على أنحاء متنوعة.
- أنها واسطة الإعلان لأغراض اقتصادية تنشد سوق استهلاك عربية عريضة.
ولكن العربية منقوصة الفعالية في جانبين رئيسين: علمي تكنولوجي، واقتصادي إنتاجي، إذ تستحوذ على الأول اللغة الإنجليزية، ويهيمن على الثاني في ما يتدفق عليها من الآخر.
أما أثر القرآن الكريم في أساليب اللغة العربية وألفاظها، فيتجلى واضحا فيما يلي:
- وحد القرآن لهجات اللغة العربية في أفصح لهجة، وأعذب لغة، وهي لهجة ولغة قريش. ثم حفظ اللغة من الاندراس والانقراض، كما انقرضت لغات كثيرة.
- كان القرآن أول عامل في ذيوع اللغة العربية وانتشارها وجعلها لغة رسمية عامة في شتى البلاد التي فتحها المسلمون.
- جدد القرآن الكريم كثيرا من الألفاظ، فنقلها إلى معاني إسلامية، مثل الإيمان والكفر، والنفاق، والصلاة والصيام، والزكاة، والركوع والسجود، والوضوء، والغسل، والحج.
- هذب القرآن الأساليب والألفاظ، وذلك بكثرة ترديد المسلمين لآياته على ألسنتهم في الصلاة والعبادة، وطول درسهم له وتفهمهم إياه، واستنباط أحكام دينهم وشريعتهم منه. فنشأ من ذلك أن هجر كثير من الألفاظ الحوشية والمعيبة واستبدلت بها الألفاظ العذبة السائغة، وعدل عن الأساليب القديمة المعقدة والمتداخلة بعضها في بعض إلى أساليبه السهلة الممتنعة. وأبطل سجع الكيان.
- وقد كثرت محاكاة الشعراء والكتاب والخطباء لعبارات القرآن في ألفاظه وأساليبه واقتباسهم من آياته فيما يقولون، واستشهادهم بها في وعظهم ومحاورتهم وجدلهم. ويرى المتتبع لشعر المخضرمين في أول الإسلام كحسان وأبي قيس وكعب بن مالك والحارث بن عبد المطلب والشعر الاسلاميين كثيرا من ألفاظ القرآن وأساليبه وكناياته وتشبيهاته.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|