أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-13
979
التاريخ: 2024-07-25
433
التاريخ: 2024-03-12
730
التاريخ: 2/10/2022
3032
|
تحف العقول كتاب منسوب لأحد قدماء الأصحاب في المواعظ والحكم والآداب والأخلاق، قوي متنه، عالٍ في مضامينه، جيّد سبكه، صحيح ترتيبه، فهو من أفضل ما روي في بابه عن المعصومين (عليهم السلام).
وقد اختلف المتأخّرون في المؤلِّف والمؤلَّف، فذهب بعضهم إلى أنّه لأبي محمد الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني أو الحلبيّ وذلك كصاحب الوسائل والعارف البحرانيّ والعلّامة الأمينيّ وغيرهم، في حين سكت صاحب البحار عن اسم مؤلفه مع مدح كاتبه بقوله: " ونظمه يدلّ على رفعة شأن مؤلّفه، وأكثره في المواعظ والأصول المعلومة التي لا تحتاج فيها إلى سند".
ومن المعلوم أنّ الكتاب هذا لم يُذكر في عداد كتب القدماء، بل لم يأتِ على ذكره أحد منهم، وأول ما بان أمره إنّما كان في القرن العاشر بينما المذكور والمدوّن صريحة في الكتب - على أكثر حد كما نسب ذلك بعضهم للشيخ إبراهيم بن سلمان القطيفي المتوفّى سنة 946هـ - أنّ بيانه وظهوره إنّما كان في القرن الحادي عشر للهجرة على يد صاحب البحار وفي زمن صاحب الوسائل.
هذا إضافة إلى عدم وجود ترجمة للشيخ حسن بن علي الحرّاني - صاحب تحف العقول - بل لم يأتِ على ذكره أحد إلى أن ظهر كتابه، فلا اسمه ولا وصفه كان قد ذكر في أي من كتب القدماء كالنجاشي والشيخ وابن شهر آشوب، بل ولا في زمن العلّامة، وابن داود.
وبهذا يتّضح الإشكال، وهو من جهات، الأولى: في وثاقة المؤلّف، والثانية: في صحّة نسبة الكتاب إليه، والثالثة: في طريق الكتاب، وبعدها نذكر الخلاصة في صحّة الاعتماد على الكتاب أو عدمها، فنقول والله المستعان
الجهة الأولى: في وثاقة المؤلف.
قال الحرّ في الوسائل كتاب تحف العقول عن آل الرسول تأليف الشيخ الصدوق الحسن بن علي بن شعبة" (1).
وقال في تذكرة المتبحّرين: "الشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة، فاضل محدّث جليل، له كتاب تحف العقول عن آل الرسول، حسن كثير الفوائد مشهور" وكذا ذكره في أمل الآمل (2).
وحكى المحدّث القمي في الكنى والألقاب عن الشيخ العارف البحرانيّ قوله ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثاً عجيباً وافياً شافياً عثرتُ عليه في كتاب تحف العقول للفاضل النبيل الحسن بن علي بن شعبة من قدماء أصحابنا..." (3).
وقال العلّامة الأمينيّ في مقدمة الكتاب: ".. وفي طليعة أولئك الأفذاذ وتآليفهم هذا الكتاب القيّم الذي لا ريب فيه هدى للمتّقين، تحف العقول ومؤلّفه الحبر الفقيه النيقد الأعظم، حسنة الدهر ومفخرة العلم والفضيلة في القرن الرابع شيخنا أبو محمد الحسن بن علي بن حسين بن شعبة الحراني"(4) وغيرها من الكليّات المادحة للمؤلّف المنسوبة للحرّ والمجلسيّ والبحرانيّ العارف والتستريّ والأفنديّ والنوريّ والخونساريّ وآغا بزرك والكلباسي والقمي والأمين والأمينيّ والخوئيّ.
وأنت خبير بأنّ كل من وثّق من الأعلام المتقدّمة أسماؤهم إنّما هو من المتأخّرين بل من متأخّري المتأخرين - هذا إن آمّنا بأنّ الجميع قد وثّقوا فعلا ...فإنّ التوثيقات الحدسيّة إن لم تصل إلى درجة الاطمئنان فهي ساقطة عن الحجيّة لعدم كونها الطريقة العقلائية للعمل بالخبر، ومن المعلوم أنّ التوثيق هذا إنّما هو مبنيّ على الحدس المستفاد من قوّة الكتاب وذلك لعدم ذكر اسم المؤلّف في أيّ من كتب التراجم والفقه وغيرها من كتب القدماء، بل لم يظهر اسمه إلا في زمن صاحب البحار والوسائل، بل إنّ صاحب البحار لم ينسب الكتاب إليه ولا إلى غيره، بل قال في مقدّمة البحار: "وكتاب تحف العقول عثرنا منه على كتاب عتيق، ونظمه يدلّ على رفعة شأن مؤلّفه..." (5) ومع هذا كيف يمكن القول بأنّ التوثيق حسّ معتمد وذلك بناءً على أصالة الحسّ العرفيّة!
قال بعضهم: "وتنصيصهم هذا - الأعلام الموثّقين - يتأرجح بين الحدس والحس، ولا إشكال في جريان أصالة الحس في المورد جزمة لبعد استنادهم لغير أصل معتبر، ولو لمدرك الشهرة في الأقل الذي هو أصل عقلائيّ اطمئناني وثوقي".
لكن هذا الكلام يتأتّى عند الشك ما بين الحدس والحس، وفيما نحن فيه ليس الأمر كذلك إذ ليس للمؤلف ذكر ولا خبر، ولو كان لبان ولو مرّة واحدة في آلاف الأوراق التي وصلتنا من طريق القدماء، بل حتى صاحب الوسائل لم يبين لنا طريقة توثيقه، والآخرون من بعده اعتمدوا عليه، وليس لهم طرق مستقلّة في التوثيق كما هو معلوم من الطرق المعهودة له، فلا غرو في أنّ صاحب الوسائل كذلك، وهو المتساهل في نسبة الكتب إلى الأئمة أو إلى الأصحاب كما هو معلوم من اعتماده على كتب لا طرق لها ولا صحّة لأسانيدها ولا طرقها، ومن أراد إثبات ذلك فلينظر في الكتب التي اعتمدها، فإنّ كثيراً منها مورد شك وبحث عند كثير من الأصحاب، ولهذا لا يصحّ القول: "لبعد استنادهم لغير أصل معتبر".
وأمّا قول القائل: "ولو لمدرك الشهرة" فليت شعري أين الشهرة في التوثيق مع ظهور اسمه في القرن العاشر أو الحادي عشر، وأين اختفى اسمه مدة ستة أو سبعة قرون، ثم ظهر وبان بعد ذلك، وهل أنّ شهرة متأخّري المتأخّرين كافية للقول بشهرة التوثيق!!
وعليه يُقال: الحقّ يُقال بأنّ أبا محمد الحسن بن علي بن شعبة مجهول اسمه ووصفه وتاريخه بل هو مهمل مطلقا حتى القرن العاشر - على أحسن تقدير - وعليه لا يمكن اعتماده ولا اعتباره ولا القول بوجوده فضلا عن وثاقته، وما أفاده صاحب البحار المعاصر للشيخ الحرّ من بيان رفعة شأن المؤلف دون ذكر اسمه، في محلّه، ومحلّ تقدير واعتبار.
الجهة الثانية: في صحة نسبة الكتاب إليه.
قال الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ في الذريعة: "تحف العقول فيما جاء في الحكم والمواعظ عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) للشيخ أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني الحلبيّ المعاصر للشيخ الصدوق الذي تُوفّي سنة 381 ومن مشايخ الشيخ المفيد كما ذكره الشيخ علي بن الحسين بن صادق البحرانيّ في رسالته في الأخلاق، قال: إنّه من قدماء أصحابنا حتى أنّ شيخنا المفيد ينقل عنه، وكتابه لم يسمح الدهر بمثله" (6).
وقال الحرّ في تذكرة المتبحّرين: "الشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة، فاضل محدّث جليل له كتاب تحف العقول عن آل الرسول، حسن كثير الفوائد مشهور" وكذا ذكره في أمل الآمل (7).
وكذا نسبه لابن شعبة الشيخ البحرانيّ والأمينيّ والمحدّث القمّي وغيرهم.
لكن تقدّم أنّ صاحب البحار مع كونه واجد النسخة القديمة لم ينسبه لابن شعبة، وإنّما مدح كاتبه لا أكثر.
ثم إنّ الكتاب لم يُذكر في كتب القدماء، بل لا اسم لكتاب بعنوان: "تحف العقول" لأيّ من الأصحاب المتقدّمين.
بل إنّ دعوى رواية الشيخ المفيد عن التحف محلّ تأمّل بل نفي، إذ أنّ بعض الفضلاء رجع إلى كتب المفيد ولم يجد روايته عن التحف أو عن ابن شعبة الحرّاني، ولعلّ القائل رأى أخباراً مرويّة في الكتابَين فظنّ من ذلك رواية المفيد عنه، في حين أنّ هذا لا يعني الرواية عنه.
قال السيد أحمد المددي في أحد دروسه: "ثم إنّ الشيخ البحرانيّ ادّعى أنّ الشيخ المفيد نقل عنه، وعندما نراجع نصوص المفيد الموجودة بأيدينا لا نجد ذكر لذلك...".
وعليه يُقال: إنّ دعوى شهرة الكتاب - كما أفاده الحرّ في أمل الآمل - تحتاج إلى إثبات، ومجرّد مكانة صاحب الوسائل وقدرته العلميّة لا تكفي للقول بالشهرة مع ثبوت عدمها طيلة ما يقارب الستمائة سنة، إذ ليس للكتاب ذكر ولا خبر، ولعلّ مراده بل أنّه مشهور في زمنه وذلك بعد رؤية النسخ في أيّامه، لكن شهرة المتأخّرين لا تكفي لإثبات أصل الكتاب فضلا عن نسبته إلى مؤلفه.
فحتّى هاهنا يقال: إنّ الكتاب لم تثبت نسبته إلى صاحبه، ولم تُعلم أيضا وثاقة مؤلفه، فهو مجهول من الجهتين.
الجهة الثالثة: في طريق الكتاب.
بعدما تبيّن لك ما تقدّم نقول: إنّ طريق الكتاب تبع للكتاب، ولمّا لم يثبت أصل الكتاب قديماً كيف يمكن مع ذلك إثبات الطريق إليه؟
اللهمّ إلا أنّ يُقال: إنّ الحرّ في الوسائل ذكر الكتاب وطريقه إليه بالطريق العام وهذا ما يثبت أصل الكتاب والطريق، ومع حسنه يثبت الكتاب.
قال الحرّ في الوسائل عند تعداده الكتب التي اعتمدها وروى عنها في الوسائل "كتاب تحف العقول عن آل الرسول، تأليف الشيخ الصدوق الحسن بن علي بن شعبة" (8).
ثم ذكر طرقه إلى كثير من الكتب وبعدها قال: ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا رضي الله عنهم جميعاً وجزاهم عنّا وعن الإسلام خيرا" (9).
فقد يدّعي أنّ وثاقة الحرّ وكثرة اطلاعه وخبرته في علم الرواية تثبت صحّة مقولته من أنّ له للتّحف طريقاً عن مشايخنا وعلمائنا بالطريق العام دون الخاص المنصوص عليه، وعليه يثبت الكتاب وطريقه الصحيح؟
لكن ينبغي أن يُعلم:
أولا: أنّ المجلسيّ قد صرّح في مقدمة البحار بأنّ الكتاب وجادة، وليس له إليه طريق صحيح، قال (رحمه الله): " وكتاب تحف العقول عثرنا منه على كتاب عتيق، ونظمه يدل على رفعة شأن مؤلفه" (10).
ثانيا: أنّ الكتاب لم يذكر حتّى أيّام الشيخ المجلسي، لهذا لم يكن لأيّ من الأصحاب طريق إليه، لا في الإجازات ولا في الفهارس ولا التراجم، بل كان مهمّلاً تماماً.
ثالثا: أنّ الحرّ في الوسائل لم يدّعِ أنّ كلّ ما نُقل عنه فإنّ له إليه طريقاً، بل قد يعتمد كتاباً لقرائن ثبوته كما صرّح بذلك في بداية الفائدة الرابعة من الوسائل.
قال (رحمه الله): "في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحّتها مؤلّفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلّفيها، أو عُلمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبقَ فيها شك ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء، وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم، وشهادتهم بنسبتها، وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة وغير ذلك" (11).
ألا ترى أنّه يعتمد الكتب المتواترة أو معلومة الصحّة بموافقة مضامينها للكتب المتواترة أو غير ذلك، حتّى لم يبقَ فيها شكّ، فعدم الشكّ عنده للقرائن لا يلزم منه عدم الشك عند الغير، بل ثبت بالتحقيق أنّ كثيرا من الكتب التي اعتمدها لم يثبت لها طريق أو لم تنسب إلى أصحابها أو هي ضعيفة جدا ونحو ذلك.
ولهذا لم يبقّ وثوق فيما أفاده (رحمه الله) من الطريق العام الشامل بإطلاقه لتحف العقول.
وقال السيد الخبير المددي (أعزّه الله): "وفي فوائد خاتمة الوسائل نصّ الحرّ العامليّ على طريقه إلى الشيخ الطوسي وبقية الأصحاب، نحن لا نمتلك أي طريق إلى كتاب تحف العقول، وكذا دعائم الإسلام، وفقه الرضا أيضا، والطريق العام إلى هذه الكتب هو الذي ذكره صاحب الوسائل، وهو نفس الكتب التي نقلت عنها، ومن هنا حسب البعض صحة طريق الحر العاملي، لكن الحر لم يذكر طريقه إلى كتاب تحف العقول، بل ذكر طريقة عامة إلى الشيخ، وهي إجازة عامة لا يمكن استكشاف الصحة منها، إذ ليس كل ما أورده في الوسائل له طريق إليه.
وأوضح مثال على ذلك كتاب تحف العقول، إذ لا يوجد له اسم للكتاب ولا لمؤلّفه حتى القرن العاشر في كتب أصحابنا، فمن أين جاء الطريق إليه؟!
.. كما لا نجد ذكراً لهذا الرجل لا في فهرس النجاشي ولا في رجال الشيخ ولا في معالم العلماء ولا في خلاصة العلّامة ولا حتّى في رجال ابن داود أيضا، أيضا لا ذكر له في إجازاتنا ولا في فهارسنا ولا في تراجمنا حتّى القرن العاشر، ومع هذه الفروض الواقعيّة جميعا كيف يمكن أن نقول: إنّ لصاحب الوسائل طريقاً إلى تحف العقول"!!
خلاصة الكلام:
لا إشكال في قوّة متن وحسن سبك وترتيب وتهذيب الكتاب، بل هو كتاب أخلاقيّ تربويّ عالي الشأن، إلا أنّ كاتبه مجهول وكذا الكتاب، وما قيل من محاولات لتصحيح الراوي والرواية يصعب المسير إليه لما تقدّم، إلا أنّ ذلك لا يقدح بقوة الكتاب والظنّ القويّ بصدوره في الجملة، وذلك لموافقة أخباره أخبار القدماء مع عدم الإعراض عنها، إلا أنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.
والذي يسهّل الخطب أنّ أخباره من بدايته إلى نهايته مرسلة وذلك لما قاله مؤلّفه: "وأسقطت الأسانيد تخفيفا وإيجازا، وإن كان أكثره لي سماعاً، ولأنّ أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها، ولم أجمع ذلك للمنكر المخالف، بل ألّفته للمسلّم للأئمة، العارف بحقّهم الراضي بقولهم، والرادّ عليهم" (12).
وبعد الإرسال المتعمّد للغاية التي ذكرها المؤلف لا يمكن للأكثر الاعتماد عليه فيما لو ترتّب عليه أثر شرعيّ، اللهمّ إلّا على القول بحجيّة المراسيل، وهو قول نادر غير معتمد عليه.
والله العالم بحقائق الأمور، وله الحمد أولاً وآخرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة، ج30، ص156.
(2) أمل الآمل، ج2، ص74.
(3) الكنى والألقاب، ج1، ص329.
(4) مقدمة كتاب تحف العقول، ص 7.
(5) بحار الأنوار، ج1، ص36.
(6) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج3، ص400.
(7) أمل الآمل، ج2، ص74.
(8) وسائل الشيعة، ج30، ص156.
(9) المصدر نفسه، ص189.
(10) بحار الأنوار، ج 1، ص36.
(11) وسائل الشيعة، ج30، ص153.
(12) تحف العقول، ص 3.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|