المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

التنديد باللعن والسب
2024-09-29
الوطن العربي ومظاهر العولمة - التطور السياسي للعلاقات العربية
12-1-2021
الوصف النباتي للباذنجان
23/12/2022
تعريف مفهوم فقه اللغة باعتبار مفرديه
11-7-2016
غزو المأمون إلى الروم
17-9-2017
X-ray: Mounting the Crystal
10-4-2020


الحركة العباسيّة [ النشأة والأساليب ]  
  
1667   02:14 صباحاً   التاريخ: 1/12/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 8، 168-179
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / قضايا عامة /

سبقت الإشارة إلى النواة الأولى التي دفعت ببني العبّاس إلى أن يطمعوا في الخلافة ويمنّوا أنفسهم بها .

وقد مرّ فيما ذكرنا[1] ان أبا هاشم كان من رجالات أهل البيت البارزين ، وكان هشام بن عبد الملك يحذره ؛ لوجود لياقات علمية وسياسية عنده تؤهله للقيادة ، فحاول هشام اغتياله . ولمّا أحس أبو هاشم بالمكيدة ضدّه احترز من ذلك فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس بإدارة أتباعه في مقاومة الامويّين سنة ( 99 ه ) وكانت هذه الوصية هي بذرة الطمع التي حركت محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس مما جعلته يشعر بأنه القائد والخليفة مستقبلا .

وكانت الفرصة سانحة في ذلك الوقت بالتبليغ لشخصه ، لذا شرع في بثّ الدعاة إلى خراسان سرّا لهذا الغرض واستمرّ بدعوته إلى أن مات سنة ( 125 ه ) وترك من بعده أولاده ، وهم إبراهيم الإمام ، والسفّاح ، والمنصور[2].

ويبدو أنّ إبراهيم الإمام هو الذي كان يخطط لقيام دولة عبّاسية لأنّه الأكثر دهاءا وحنكة وتخطيطا من أخويه كما سيتضح ذلك .

نشط إبراهيم بالدعوة وأخذ يتحدّث بأهمية الثورة وإنقاذ المنكوبين ، وشارك البسطاء من الناس آلامهم وأخذ يعطف على المظلومين ويلعن الظالمين . وانتشر دعاة إبراهيم في بلاد خراسان وكان لهم الأثر الكبير هناك وكان منهم زياد مولى همدان ، وحرب بن قيس ، وسليمان بن كثير ، ومالك بن الهيثم وغيرهم ، وقد تعرض الدعاة العباسيون للقتل في سبيل دعوتهم ومثّل ببعضهم وحبس البعض الآخر[3] وكان في طليعة الدعاة نشاطا وقوة ودهاء أبو مسلم الخراساني[4].

وتضمّن المنهج السياسي العباسي - لتضليل الامّة - عدة أساليب كانت منسجمة مع الواقع ومقبولة عند الناس ؛ لذا لقيت الدعوة استجابة سريعة وانضم المحرومون والمضطهدون إليها .

ونشير إلى بعض هذه الأساليب فيما يلي :

الأسلوب الأوّل : حرّك العباسيون العواطف بقوّة وحاولوا اقناع الناس بأن الهدف من دعوتهم هو الانتصار لأهل البيت ( عليهم السّلام )

الذين تعرّضوا للظلم والاضطهاد وأريقت دماؤهم في سبيل الحق ، وركّز العباسيون بين صفوف دعاتهم بأن الهدف المركزي من دعوتهم هو رجوع الخلافة المغتصبة إلى أهلها .

ولهذا تفاعل الناس مع شعار ( الرضي من آل محمد ) ووجدوا في هذا الشعار ضالّتهم .

وكان يعتقد الدعاة أن هذه الدعوة تنبئ بظهور عهد جديد يضمن لهم حقوقهم كما عرفوه من عدالة علي ( عليه السّلام ) . وقد حقق هذا الشعار نجاحا باهرا خصوصا في البلاد التي كانت قد لاقت البؤس والحرمان وكانت تترقب ظهور الحق على يد أهل بيت النبوة .

وكانت ثقافتهم السياسية التي يروّج لها دعاتهم بين الناس تأتي على شكل تساؤلات ، منها : « هل فيكم أحد يشك أن اللّه عزّ وجلّ بعث محمدا واصطفاه ؟ فيقولون : لا ، فيقال : أفتشكّون أن اللّه أنزل عليه كتابه فيه حلاله وحرامه وشرائعه ؟ فيقولون : لا ، فيقال : أفتظنون خلفه عند غير عترته وأهل بيته ؟ فيقولون : لا ، فيقال : أفتشكون أن أهل البيت هم معدن العلم وأصحاب ميراث رسول اللّه الذي علمه اللّه ؟ فيقال : لا . . .[5].

بهذه الإثارات العامّة التي لا تعيّن المصداق وتكتفي بالايحاء وتتّكئ على الغموض حصلوا على مكاسب جماهيرية هائلة حتى من غير المسلمين .

وكان هذا الأسلوب يشكّل سرقة لجهود الأئمة ( عليهم السّلام ) حيث يوظّفونها لمصالحهم في الأوساط غير الواعية لطبيعة الصراع .

الأسلوب الثاني : ومن الأساليب إلي سلكها الدعاة العباسيون ونفذوا من خلالها إلى أوساط الامّة النبوءات الغيبية

التي كانت تكشف عن احداث المستقبل ، وكان لهذا الأسلوب الماكر الأثر الكبير في كسب البسطاء واندفاع المتحمسين للدعوة وانضمامهم إليها اعتقادا منهم بصحة ما يدعون اليه ، فمن تلك النبوءات الغيبية التي أشاعوها في ذلك الحين أنّ ( ع ) ابن ( ع ) سيقتل ( م ) ابن ( م ) ، ثمّ تأولوا ان المراد بالأوّل هو عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس والثاني هو مروان بن محمد بن مروان ، كما ادّعوا أيضا حسب زعمهم أن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) كان يبشّر بدولة هاشمية على أنه ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال لعمه العباس : إنها تكون في ولدك .

ومن تلك الدعايات التي كانت تريد اضفاء الشرعية على دعوتهم هو زعمهم بأن لديهم كتبا تؤكد انتقال الخلافة إلى بني العباس لكن لا يجوز اخراجها وكشفها لكل الناس . وإنّما يطّلع عليها النقباء من خواصّهم . وهذا الأسلوب كان قد زاد الدعاة تقديسا لدعوتهم كما انها قد زادتهم اندفاعا لها[6].

الأسلوب الثالث : [ اخفاء اسم الخليفة الذي يدعون اليه ]

واستخدموا أسلوبا لم يكن مألوفا من قبل وهو في غاية من الدهاء السياسي حيث استطاعوا بواسطته أن يكسبوا الجولة ويوظفوا الجهود والقناعات المختلفة نحو هدف واحد وهو أنّهم كانوا يتشدّدون في اخفاء اسم الخليفة الذي يدعون اليه ، من هنا التزموا بكتمان أمره ووعدوا الناس بأنّ الخليفة لا يمكن اظهار اسمه إلا بعد زوال سلطان الأمويين حيث يعلق اسمه الذي تعرفه القوّاد والنقباء[7].

الأسلوب الرابع : ومن الأساليب التي استخدمها العباسيون في دعوتهم هو - لبس السواد -

حيث كانوا يرمزون به إلى محاربة الظالمين وإظهار الحزن والتألّم لأهل البيت ( عليهم السّلام ) والشهداء الذين لحقوا بهم .

وهكذا قامت الدعوة العباسية باسمهم للانتقام من الأمويين وتركيزا لهذا الشعار الذي كان له وقع بالغ في النفوس أرسل إبراهيم الإمام لواء يدعى الظل أو السحاب على رمح طويل ، طوله ثلاثة عشر ذراعا ، وكتب إلى أبي مسلم : أني قد بعثت إليك براية النصر[8] وقد تأوّلوا الظل أو السحاب فقالوا : إن السحاب يطبق الأرض وكما أن الأرض لا تخلو من الظل كذلك لا تخلو من خليفة عبّاسي[9] ، وان ذلك يمثل لواء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لأنهم ذكروا أن لواءه في حروبه وغزواته كان أسود .

وبعد أن حقّق العباسيون بدهاء إبراهيم الامام وأبيه من قبل وأنصاره في خراسان تقدما مشهودا وكثرت أنصارهم هناك وشكلوا مجاميع منظّمة تدعو لهم ، وتأكدوا من نجاح اساليبهم في تضليل الناس وانها قد ترسّخت في نفوس دعاتهم ، حينئذ تحركوا خطوة نحو منافسيهم الحقيقيين وهم أهل البيت ( عليهم السّلام ) فإنهم الذين كان العباسيون يخشونهم أشد خشية ؛ لأن دعوتهم لم تحقق أي نجاح إلا بواسطة الشعارات التي كانت باسم أهل البيت ( عليهم السّلام ) إذ حالة عزل الخط العلوي وتجاهله في بداية الأمر سوف تحبط مخططاتهم بأجمعها ، ومن هنا لجأ العباسيون إلى عقد اجتماع موسع يضم الطرف العباسي والعلوي بهدف احتواء الخط العلوي وزجّه في المعترك السياسي والايحاء للجماهير الاسلامية بأن البيت العلوي وراء هذا النشاط الثوري .

وكان إبراهيم الإمام يعلم وعشيرته من بني العباس ، بأن الصادق ( عليه السّلام ) يدرك جيدا على ماذا تسير الأمور وما هو الهدف من هذا التخطيط ، وليس بمقدورهم احتواء الامام وتوظيف جهده وزجّه ضمن مخططهم وسوف لن يستجيب فيما لو دعي للحضور في الاجتماع المزمع عقده ، لذا عمدوا إلى شقّ الصفّ العلوي وإغراء آل الحسن بأن تكون الخلافة لهم .

اجتماع الأبواء

وكان الهدف من عقد هذا الاجتماع الصوري بالإضافة إلى الهدف الذي ذكر أعلاه تهيئة الأجواء الودية وإشاعة روح المحبّة والوئام بينهم وبين العلويين وتطمينا لخواطرهم وعلى أقل تقدير جعلهم محايدين في هذا الصراع ، ليتمّ لهم ما يهدفون إليه ويحشدوا ما استطاعوا من قوة لصالحهم .

من هنا اجتمعوا في منطقة الأبواء - التي تقع بين مكة والمدينة - ودعوا كبار العلويين والعباسيين ، فحضر كل من إبراهيم الإمام والسفاح والمنصور وصالح ابن علي وعبد اللّه بن الحسن وابناه محمد ذي النفس الزكية وإبراهيم وغيرهم . وقام صالح بن علي خطيبا فقال : قد علمتم أنكم الذين تمدّ الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم اللّه في هذا الموضع ، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح اللّه وهو خير الفاتحين .

ثم قام عبد اللّه بن الحسن فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال : قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلمّوا لنبايعه .

فقال أبو جعفر المنصور : لأي شيء تخدعون أنفسكم ؟ واللّه لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور[10] أعناقا ، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يريد به محمد بن عبد اللّه - ، قالوا قد - واللّه - صدقت إن هذا لهو الذي نعلم .

فبايعوا جميعا محمّدا ، ومسح على يده كل من إبراهيم الإمام والسفّاح والمنصور وكل من حضر الاجتماع[11].

وبعد أن أنهى مؤتمرهم أعماله بتعيين : محمد بن عبد اللّه بن الحسن خليفة للمسلمين ، أرسلوا إلى الإمام الصادق ( عليه السّلام ) فجاء الإمام وقال : « لماذا اجتمعتم ؟ قالوا : ان نبايع محمد بن عبد اللّه ، فهو المهدي » .

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) : لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأت بعد ، وهو ليس بالمهديّ ، فقال عبد اللّه - ردا على الإمام ( عليه السّلام ) - : يحملك على هذا الحسد لابني ! فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) : واللّه لا يحملني ذلك ولكن هذا وإخوته وأبناءهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم قال لعبد اللّه : ما هي إليك ولا إلى ابنيك ، ولكنها لبني العباس ، وان ابنيك لمقتولان ، ثم نهض ( عليه السّلام ) وقال : إنّ صاحب الرداء الأصفر - يقصد بذلك أبا جعفر - يقتله .

قال عبد العزيز : واللّه ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتله . وانفضّ القوم ، فقال أبو جعفر المنصور للإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) : تتمّ الخلافة لي ؟

فقال : نعم أقوله حقّا »[12].

تحرك العباسيين بعد المؤتمر

بعد أن حقق المؤتمر غرضه وأنس الحاضرون بقراره الكاذب نشط إبراهيم الإمام في الاتجاه الآخر ليواصل عمله بشكل مستقل عن أعضاء المؤتمر فأصدر عدّة قرارات سرية كعادته منها : أنه كتب إلى شيعته في الكوفة وخراسان : أني قد أمّرت أبا مسلم بأمري فاسمعوا له وأطيعوا ، قد أمّرته على خراسان وما غلب عليه . كان ذلك سنة ( 128 ه ) وكان أبو مسلم لا يتجاوز عمره التسعة عشر سنة ووصفوه بأنه كان يقظا فاتكا غادرا لا يعرف الرحمة ولا الرأفة ، وكان ماهرا في حياكة الدسائس .

ودهش الجميع لتعيين أبي مسلم في هذا المنصب الخطير نظرا لحداثة سنه وقلة تجاربه ، وأبي جمع من الدعاة طاعته والانصياع لأوامره إلّا أنّ إبراهيم الإمام ألزمهم السمع والطاعة[13] وأقدم أبو مسلم فيما بعد على إعدام جميع من عارض اختياره لقيادة هذه المنطقة .

أمّا ما هو الخط الذي سوف يتحرك بموجبه أبو مسلم لإعلان ثورته هناك ؟ فقد جاء هذا الخط في وصية إبراهيم الإمام له عندما قال : يا عبد الرحمن إنك منّا أهل البيت فاحفظ وصيتي ، انظر هذا الحي من اليمن فأكرمهم ، وحل بين ظهرانيهم ، فإن اللّه لا يتم هذا الامر إلّا بهم ، وانظر هذا الحي من ربيعه فاتهمهم في أمرهم ، وانظر هذا الحي من مضر فإنهم العدو القريب الدار ، فاقتل من شككت في أمره ومن وقع في نفسك منه شيء ، وإن شئت أن لا تدع بخراسان من يتكلم العربية فافعل ، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار فاقتله[14]. وهذه الوصية تلخص السياسة العباسية مع المسلمين .

وقد أثّر أبو مسلم الخراساني في الناس لتعاطفه معهم حيث كان يتمتع بصفات تؤهّله لهذا الموقع ، فهو خافض الصوت فصيح بالعربية والفارسية حلو المنطق راوية للشعر ، لم ير ضاحكا ولا مازحا إلّا في وقته ، ولا يكاد يقطّب في شيء من أحواله تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور ، وتنزل به الحوادث الفادحة فلا يرى مكتئبا . وعندما سئل إبراهيم الإمام عن أهلية أبي مسلم قال : إني قد جرّبت هذا الأصبهاني ، وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض[15].

وكان محبوبا حتى عند غير المسلمين حيث نجد دهاقين المجوس اندفعوا إلى اتباعه وأظهروا الإسلام على يديه ، كما استجاب للدعوة الإسلامية عدد كبير من أهل الآراء الخارجة عن الإسلام ، كل ذلك للظلم والجور الذي لحق بهم من الولاة الأمويين وبسبب ما شاهدوه من العطف من أبي مسلم الخراساني ، ولذا كان الكثير منهم يعتبرونه وحده الإمام ، واعتقدوا أنه أحد أعقاب زرادشت الذي ينتظر المجوس ظهوره ، حتى أنهم لم يعتقدوا بموت أبي مسلم بل كانوا ينتظرون رجعته[16].

ومن جانب آخر انه هو الذي أنزل جثمان يحيى بن زيد وصلّى عليه ودفنه ، وبعد أن تقلّد المنصب كقائد عام للعسكر توجّه من فوره لخراسان ليقود الجماهير التي تنتظر الأوامر منه وكانت متحمّسة قبل هذا الحين للحرب مع الأمويين فخطب بالدعاة قائلا : أشعروا قلوبكم الجرأة فإنها من أسباب الظفر ، وأكثروا من ذكر الضغائن ، فإنها تبعث على الاقدام ، والزموا الطاعة فإنها حصن المحارب[17].

وفجّر الثورة هناك ، وكان يبذر الشقاق بين جنود الأمويين ليحصل الانقسام بينهم . وقد استفاد بذلك ونجح في مهمّته ، وقد انجفل الناس من هرات والطالقان ومرو وبلخ وتوافروا جميعا مسودين الثياب وأنصاف الخشب التي كانت معهم[18].

وباشر أبو مسلم إبادة الأبرياء فقتل - فيما ينقل المؤرخون - ستمائة ألف عربي بالسيف صبرا عدا من قتل في الحرب[19].

وتقدّمت جيوش أبي مسلم - بعد أن هزمت ولاة الأمويين في خراسان - نحو العراق وهي كالموج تخفق عليها الرايات السود فاحتلّت العراق بدون مقاومة تذكر . وبهذا اعلن الحكم العباسي على يد أبي مسلم الخراساني في الكوفة سنة ( 132 ه ) .

والجدير بالذكر أنه قبل أن يدخل أبو مسلم الخراساني الكوفة حدث هناك أمران ينبغي الالتفات اليهما :

الأمر الأول : في سنة ( 131 ه ) بعد إعلان أبي مسلم الخراساني الثورة في خراسان وقبل دخوله الكوفة القي القبض على إبراهيم الإمام - الرأس المدبّر للثورة - من قبل الخليفة الأموي مروان وحبسه في حرّان ثم قتله بعد ذلك في نفس التاريخ وبهذا الحدث تعرضت الحركة العباسية لانتكاسة كبرى .

الأمر الثاني : خاف أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور وجماعة فهربوا إلى الكوفة لوجود قاعدة من الدعاة العباسيين فيها وعلى رأسهم أبو سلمة الخلّال الذي كان يضاهي أبا مسلم في الدهاء والنشاط وكان يعرف بوزير آل محمد ( صلّى اللّه عليه وآله ) فأخلى لهم دارا وتولى خدمتهم بنفسه وتكتّم على أمرهم .

ولعلّ أبا سلمة الخلّال كان يريد من خلال هذا الإجراء صرف الخلافة لآل علي ولكنه غلب على أمره حتى فاجأته جيوش أبي مسلم الخراساني إلى الكوفة وظهر أمر بني العباس فأخرجوا السفاح إلى المسجد وبايعوه يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة ( 132 ه ) .

واستقبلت الكوفة بيعة السفاح بكثير من القلق لأنها كانت تترقّب بفارغ الصبر حكومة العلويين حسب الشعارات المرفوعة ليبسطوا الأمن والرخاء .

أمّا الأوساط الواعية في الكوفة ، بل في كل أنحاء العالم الإسلامي فقد شجبت البيعة للسفّاح وأفتى الفقهاء في يثرب بعدم شرعيّتها[20].

وبعد ذلك أخذوا به إلى المسجد لغرض الصلاة والخطبة لكنه حصر وخطب مكانه عمه داود ثمّ امتلك الجرأة فخطب وكان من جملة ما قاله في خطابه :

يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ، ومنزل مودتنا ، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم ، حتى أدركتم زماننا ، وأتاكم اللّه بدولتنا ، فأنتم أسدّ الناس بنا ، وأكرمهم علينا ، وقد زدتكم في اعطياتكم مائة درهم ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المنيح[21]

ثمّ أرسل قوّاته بقيادة عبد اللّه بن علي لقتال مروان بن محمد بن مروان الحمار ولا حقته الجيوش العباسية من بلدة إلى أخرى حتى حاصرته في مصر في قرية يقال لها ( بوصير ) وقتل هناك شرّ قتلة[22].

 


[1] راجع البحث الذي مرّ تحت عنوان ( بداية الانفلات ) في الصفحة 82 من هذا الكتاب .

[2] الآداب السلطانية : 127 .

[3] تاريخ ابن الساعي : 3 .

[4] تاريخ اليعقوبي : 2 / 340 - 344 .

[5] الكامل لابن الأثير : 5 / 362 .

[6] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر : 2 / 309 .

[7] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 309 .

[8] الطبري : 9 / 82 .

[9] الطبري : 9 / 85 والكامل لابن الأثير : 5 / 170

[10] أصور : أميل .

[11] مقاتل الطالبيين : 256 ، وإعلام الورى : 1 / 527 ، وكشف الغمة : 2 / 386 .

[12] مقاتل الطالبيين : 256 ، الخرائج والجرائح : 2 / 765 ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 120 : 256

[13] الكامل في التاريخ : 4 / 195 ، وتاريخ ابن الساعي : 3

[14] الكامل في التاريخ : 4 / 295 .

[15] وفيات الأعيان : 3 / 145 .

[16] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 311 .

[17] حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 326 .

[18] حياة الحيوان ، الدينوري : 360 .

[19] حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام : 1 / 326 .

[20] تاريخ الأمم والملوك : 9 / 124 ، وتاريخ ابن قتيبة : 128 ، والطقطقي : 127 .

[21] الكامل في التاريخ : 5 / 413 .

[22] اليعقوبي : 2 / 346 وابن جرير وابن الأثير في الكامل في التاريخ : 5 / 426 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.