المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



قصائد لابن خفاجة  
  
3256   01:42 صباحاً   التاريخ: 30/11/2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج1، ص:681-690
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-2-2023 1640
التاريخ: 2023-03-02 1260
التاريخ: 28-7-2022 1577
التاريخ: 2024-05-28 856

قصائد لابن خفاجة

وأبو إسحاق ابن خفاجة كان أوحد الناس في وصف الأنهار والأزهار والرياض والحياض والرياحين والبساتين، وقد سبق بعض كلامه، ويأتي أيضا منه بعض أثناء الكتاب، ومن ذلك قوله (1) :

(681)

وكمامة حدر الصباح قناعها ... عن صفحة تندى من الأزهار

في أبطح رضعت ثغور أقاحه ... أخلاف كل غمامة مدرار

نثرت بحجر الأرض فيه يد الصبا ... درر الندى ودراهم النوار

وقد ارتدى غصن النقا، وتقلدت ... حلي الحباب سوالف الأنهار

فحللت حيث الماء صفحة ضاحك ... جذل وحيث الشط بدء عذار

والريح تنفض بكرة لمم الربى ... والطل ينضح أوجه الأشجار

متقسم الألحاظ بين محسن ... من ردف رابية وخضر قرار

وأراكة سجع الهديل بفرعها ... والصبح يسفر عن جبين نهار

هزت له أعطافها ولربما ... خلعت عليه ملاءة الأنوار وقوله (2) :

سقيا ليوم قد أنخت بسرحة ... ريا تلاعبها الرياح فتلعب

سكرى يغنيها الحمام فتنثني ... طربا ويسقيها الغمام فتشرب

يلهو فترفع للشبيبة راية ... فيه، ويطلع للبهارة كوكب

والروض وجه أزهر، والظل فر ... ع أسود، والماء ثغر أشنب

في حيث أطربنا الحمام عشية ... فشدا يغنينا الحمام المطرب

واهتز عطف الغصن من طرب بنا ... وافتر عن ثغر الهلال المغرب

فكأنه والحسن مقترن به ... طوق على برد الغمامة مذهب

في فتية تسري فينصدع الدجى ... عنها، وتنزل بالجديب فيخصب

كرموا فلا غيث السماحة مخلف ... يوما، ولا برق اللطافة خلب

من كل أزهر للنعيم بوجهه ... ماء يرقرقه الشباب فيسكب وقال يمدح الأمير أبا يحيى بن ابراهيم (3) :

 (682)

سمح الخيال على النوى بمزار ... والصبح يمسح عن جبين نهار

فرفعت من ناري لضيف طارق ... يعشو إليها من خيال طاري

ركب الدجى أحسن به من مركب ... وطوى السرى أحسن به من ساري

وأناخ حيث دموع عيني منهل ... يروي، وحيث حشاي موقد نار

وسقى فأروى غلة من ناهل (4) ... أورى بجانحتيه زند أوار

يلوي الضلوع من الولوع لخطرة ... من شيم برق أو شميم عرار

مترقب رسل الرياح عشية ... بمساقط الأنواء والأنوار

ومجر ذيل غمامة لبست به ... وشي الحباب معاطف الأنهار

خفقت ظلال الأيك فيه ذوائبا ... وارتج ردفا مائج (5) التيار

ولوى القضيب هناك جيدا أتلعا ... قد قبلته مباسم النوار

باكرته والغيم قطعة عنبر ... مشبوبة والبرق لفحة نار

والريح تلطم فيه أرداف الربى ... لعبا وتلثم أوجه الأزهار

ومنابر الأشجار قد قامت بها ... خطباء مفصحة من الأطيار

في فتية جنبوا العجاجة ليلة ... ولربما سفروا عن الأقمار

ثار القتام بهم دخانا وارتمى ... زند الحفيظة منهم بشرار

شاهدت من هيئاتهم وهباتهم ... إشراف أطواد وفيض بحار

من كل منتقب بوردة خجلة ... كرما ومشتمل بثوب وقار

في عمة خلعت عليه للمة ... وذؤابة قرنت بها لعذار

ضافي رداء المجد طماح العلا ... طامي عباب الجود رحب الدار

 (683)

جرار أذيال المعالي والقنا ... حامي الحقيقة والحمى والجار

طرد القنيص بكل قيد طريدة ... زجل الجناح مورد الأظفار

ملتفة أعطافه بجبيرة ... مكحولة أجفانه بنضار

يرمى به الأمل القصي فينثني ... مخضوب راء (6) الظفر والمنقار

وبكل نائي الشوط أشدق أخزر ... طاوي الحشا حالي المقلد ضاري

يفتر عن مثل النصال (7) ، وإنما ... يمشي على مثل القنا الخطار

مستقريا أثر القنيص على الصفا ... والليل مشتمل بشملة قار

من كل مسود تلهب طرفه ... ترميك فحمته بشعلة نار

ومورس السربال يخلع قده ... عن نجم رجم في سماء غبار

يستن في سطر الطريق وقد عفا ... قدما فتقرأ أحرف الآثار

عطف الضمور سراته فكأنه ... والنقع يحجبه هلال سرار

ولرب رواغ هنالك أنبط ... ذلق المسامع أطلس الأطمار

يجري على حذر فيجمع بسطه ... يهوي فينعطف انعطاف سوار

ممتد حبل الشأو يعسل رائغا ... فيكاد يفلت أيدي الأقدار

وعنا الزمان لأمره فكأنما ... أصغى الزمان به أمار

متردد يرمي به خوف الردى ... كرة تهادتها أكف قفار

ولرب طيار خفيف قد جرى ... فشلا بجار خلفه طيار

من كل قاصرة الخطا مختالة ... مشي الفتاة تجر فضل إزار

مخضوبة المنقار تحسب أنها ... كرعت على ظمإ بكأس عقار

ولو استجارت منهما بحمى أبي ... يحيى لآمنها أعز جوار

خدم القضاء مراده فكأنما ... ملكت يداه أعنة الأقدار

وجلا الإمارة في رفيف نضارة ... جلت الدجى في حلة الأنوار

 (684)

في حيث وشح لبة بقلادة ... منها وحلى معصما بسوار

جذلان يملأ منحة وبشاشة ... أيدي العفاة وأعين الزوار

أرج الندي بذكره فكأنه ... متنفس عن روضة معطار

بطل حوى الفلك المحيط بسرجه ... واستل صارمه يد المقدار

بيمينه يوم الوغى وشماله ... ما شاء من نار ومن إعصار

والسمر حمر (8) ، والجياد عوابس ... والجو كاس، والسيوف عواري

والخيل تعثر في شبا شوك القنا ... قصدا وتسبح في الدم الموار

والبيض تحنى في الطلى فكأنما ... تلوى عرى منها على أزرار

والنقع يكسر من سنا شمس الضحى ... فكأنه صدأ على دينار

صحب الحسام النصر صحبة غبطة ... في كف صوال به سوار

ومضى وقد ملكه هزة عزة ... تحت العجاج وضحكة استبشار وقال رحمه الله تعالى (9) :

وأراكة ضربت سماء فوقنا ... تندى وأفلاك الكؤوس تدار

حفت بدوحتها مجرة جدول ... نثرت عليه نجومها الأزهار

وكأنها وكأن جدول مائها ... حسناء شد بخصرها زنار

زف الزجاج بها عروس مدامة ... تجلى ونوار الغصون نثار

في روضة جنح الدجى ظل بها ... وتجسمت نورا بها الأنوار

غناء ينشر وشيه البزاز لي ... فيها ويفتق مسكه العطار

قام الغناء (10) بها وقد نضح الندى (11) ... وجه الثرى واستيقظ النوار

 (685)

والماء في حلي الحباب مقلد ... زرت عليه جيوبها الأشجار وقال ملتزما ما لا يلزم (12) :

خذها إليك وإنها لنضيرة ... طرأت إليك قليلة النظراء

حملت وحسبك بهجة من نفحة (13) ... عبق العروس وخجلة العذراء

من كل وارسة القميص كأنما ... نشأت تعل بريقة الصفراء

نجمت تروق بها نجوما حسبها (14) ... بالأيكة الخضراء من خضراء

وأتتك تسفرعن وجوه طلقة ... وتنوب من لطف عن الشعراء

يندى بها وجه الندى ولربما ... بسطت هناك أسرة (15) السراء

فاستضحكت وجه الدجى مقطوعة ... حملت جمال الغرة الغراء وقال أيضا (16) :

وصدر ناد نظمنا ... له القوافي عقدا

في منزل قد سحبنا ... بظله العز بردا

تذكو به الشهب جمرا ... ويعبق الليل ندا

وقد تأرج نور ... غض يخالط وردا

كما تنفس ثغر ... عذب يقبل خدا وقال من قصيدة يصف منتزها (17) :

 (686)

يا رب وضاح الجبين كأنما ... رسم العذار بصفحتيه كتاب

تغرى بطلعته العيون مهابة ... وتبيت تعشق عقله الألباب

خلعت عليه من الصباح غلالة ... تندى ومن شفق المساء (18) نقاب

فكرعت من ماء الصبا في منهل ... قد شف عنه من القميص سراب

في حيث للريح الرخاء تنفس ... أرج، وللماء الفرات عباب (19)

ولرب غض الجسم مد بحوضه (20) ... سبحا كما شق السماء شهاب

ولقد أنخت بشاطئيه يهزني ... طربا شباب راقني وشراب

وبكيت (21) دجلته يضاحكني بها ... مرحا حبيب شاقني وحباب

تجلى من الدنيا عروس بيننا ... حسناء ترشف والمدام رضاب

ثم ارتحلت وللنهار ذؤابة ... شيباء تخضب والظلام (22) خضاب

تلوي معاطفي الصبابة والصبا ... والليل دون الكاشحين حجاب وقال (23) :

مر بنا وهو بدر تم ... يسحب من ذيله سحابا

بقامة تنثني قضيبا ... وغرة تلتظي شهابا

يقرأ والليل مدلهم ... لنور إجلائه كتابا

ورب ليل سهرت فيه ... أزجر من جنحه غرابا (24)

حتى إذا الليل مال سكرا ... وشق سرباله وجابا

 (687)

وحام من سدفة غراب ... طالت به سنه (25) فشابا

ازددت من لوعتي خبالا ... فحث من غلتي شرابا

وما خطا قادما فوافى ... حتى انثنى ناكصا فآبا

وبين جفني بحر شوق ... يعب في وجنتي عبابا

قد شب في وجهه شعاع ... وشب عن قلبي التهابا

وروضة طلقة حياء ... غناء مخضرة جنابا

ينجاب عن نورها كمام ... يحط عن وجهه نقابا

بات بها مبسم الأقاحي ... يرشف من طلها رضابا

ومن خفوق البروق فيها ... ألوية حمرت خضابا

كأنها أنمل وارد ... تحصر قطر الحيا حسابا وله أيضا (26) :

رحلت عنكم ولي فؤاد ... تنقض أضلاعه حنينا

أجود فيكم بعلق دمع ... كنت به قبلكم ضنينا

يثور في وجنتي جيشا ... وكان في جفنه كمينا

كأنني بعدكم شمال ... قد فارقت منكم يمينا وقال (27) :

فيا لشجا صدر (28) من الصبر فارغ ... ويا لقذى طرف من الدمع ملآن

ونفس إلى جو الكنيسة صبة ... وقلب إلى أفق الجزيرة حنان

 (688)

تعوضت من واها بآه ومن هوى ... بهون ومن إخوان صدق بخوان

وما كل بيضاء تروق بشحمة ... وما كل مرعى ترتعيه بسعدان

فيا ليت شعري هل لدهري عطفة ... فتجمع أوطاري علي وأوطاني

ميادين أوطاري ولذة لذتي ... ومنشأ تهيامي وملعب غزلاني

كأن لم يصلني في ظبي يقوم لي ... لماه وصدغاه براحي وريحاني

فسقيا لواديهم وإن كنت إنما ... أبيت لذكراه بغلة ظمآن

فكم يوم لهو قد أدرنا بأفقه ... نجوم كؤوس بين أقمار ندمان

شطر أول ... شطر ثاني

وللقضب والأطيار ملهى بجزعه (29) ... فما شئت من رقص على رجع ألحان

وبالحضرة الغراء غر (30) علقته ... فأحببت حبا فيه قضبان نعمان

رقيق الحواشي في محاسن وجهه ... ومنطقه مسلى قلوب وآذان

أغار لخديه على الورد كلما ... بدا ولعطفيه على غصن البان

وهبني أجني ورد خد بناظري ... فمن اين لي منه بتفاح لبنان

يعللني منه بموعد رشفة ... خيال له يغري بمطل وليان

حبيب عليه لجة من صوارم ... علاها حباب من أسنة مران

تراءى لنا في مثل صورة يوسف ... تراءى لنا في مثل ملك سليمان

طوى برده منها صحيفة فتنة ... قرأنا لها من وجهه سطر عنوان

محبته ديني ومثواه كعبتي ... ورؤيته حجي وذكراه قرآني وقال أيضا رحمه الله تعالى (31) :

وليل تعاطينا المدام وبيننا ... حديث كما هب النسيم على الورد

نعاوده والكأس يعبق نفحه (32) ... وأطيب منها ما نعيد وما نبدي

 (689)

ونقلي أقاح الثغر أو سوسن الطلى ... ونرجسة الأجفان أو وردة الخد

إلى أن سرت في جسمه الكاس والكرى ... ومالا بعطفيه فمال على عضدي

فأقبلت أستهدي لما بين أضلعي ... من الحر ما بين الثنايا (33) من البرد

وعاينته قد سل من وشي برده ... فعانقت منه السيف سل من الغمد

ليان مجس واستقامة قامة ... وهزة أعطاف ورونق إفرند

أغازل منه الغصن في مغرس النقا ... وألثم وجه الشمس في مطلع السعد

فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها كما قد الشراك من الجلد

تسافر كلتا راحتي بجسمه ... فطورا إلى خصر وطورا إلى نهد

فتهبط من كشحيه كف (34) تهامة ... وتصعد من نهديه أخرى إلى نجد وقال أيضا (35) :

ورداء ليل بات فيه معانقي ... طيف ألم لظبية (36) الوعساء

فجمعت بين رضابه وشرابه ... وشربت من ريق ومن صهباء

ولثمت في ظلماء ليلة وفره ... شفقا هناك لوجنة حمراء

والليل مشمط الذوائب (37) كبرة ... خرف يدب على عصا الجوزاء

ثم انثنى والصبح يسحب فرعه ... ويجر من طرب فضول رداء

تندى بفيه أقحوانة أجرع ... قد غازلتها الشمس غب سماء

وتميس في أثوابه ريحانة ... كرعت على ظمإ بجدول ماء

نفاحة الأنفاس إلا أنها ... حذر الندى خفاقة الأفياء

 (690)

فلويت معطفها اعتناقا حسبنا (38) ... فيه بقطر الدمع من أنواء

 

 

__________

 (1) ديوان ابن خفاجة: 336.

(2) ديوانه: 289؛ وفي ق: وقال.

(3) ديوان ابن خفاجة: 33 وأبو يحيى هو أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن تيلفويت ( - 510) أحد أمراء المرابطين، وكان واليا مدة على سرقسطة وهو ممدوح الفيلسوف ابن باجة. والشاعر يسأله في هذه القصيدة أن يشكر القائد الأعلى أبا عبد الله ابن عائشة لبر لحق ابن خفاجة من جهته.

(4) الناهل: الظمآن.

(5) ق ك: مائل.

(6) ك: دره؛ والمعنى أن ظفره ومنقاره معوجان كحرف " الراء " .

(7) ق: النضار.

(8) ق: والشمس خمر.

(9) ديوان ابن خفاجة: 351.

(10) ج ط: الغبار.

(11) ج: الدجى.

(12) ديوانه: 71.

(13) ق ط ج: نفحة في بهجة.

(14) ق: نجوم حسنها.

(15) ك: هنالك أوجه.

(16) ديوان ابن خفاجة: 80.

(17) ديوانه: 337.

(18) ق ك ج ط: السماء.

(19) بعد هذا البيت في الديوان " ومنها " اعتمادا على الذخيرة.

(20) الديوان: مر يخوضه؛ ج: مر.

(21) الديوان: وعبرت. ج: وبكت وحلته.

(22) ق ك ج ط: والنهار.

(23) ديوان ابن خفاجة: 338 وهي في الذخيرة أيضا، وفي الروايتين اختلافات.

(24) ق ك ج ط: نكابا.

(25) ق: مدة.

(26) ديوانه: 340 والذخيرة؛ ولفظة أيضا سقطت من ك ج ط.

(27) ديوان ابن خفاجة: 345 والذخيرة.

(28) ك: قلب.

(29) في بعض النسخ: بأفقه.

(30) ق: الغرا أغن.

(31) ديوان ابن خفاجة: 348.

(32) الديوان: تعبق مسكة.

(33) هذه رواية الذخيرة والديوان، وفي ق ك ج ط: الضلوع.

(34) ق ك ج ط: كفي.

(35) ديوان ابن خفاجة: 153.

(36) في ق ك ط: بظبية. ج: بطيبة الوعثاء.

(37) ق ج ط: الذؤابة.

(38) الديوان: حسبها.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.