أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-12
479
التاريخ: 25-09-2014
5600
التاريخ: 30-11-2015
5565
التاريخ: 8-10-2014
5206
|
أخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) على القطع والثبات.
وقال جل اسمه: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25] فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين، وأعلمهم أنها تشملهم على العموم، إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.
وقال سبحانه وتعالى: { الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 1 - 4] وهذا صريح في الخبر عن فتنتهم بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالاختبار، وتمييزهم بالأعمال.
وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] إلى آخر الآية، دليل على ما ذكرناه.
وقوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: 29] يزيد ما شرحناه.
ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن، والأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، لانتشر القول فيه، وطال به الكتاب.
و في قول أنس بن مالك: دخل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المدينة، فأضاء منها كل شيء، فلما مات(عليه السلام) أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الأيدي ونحن في دفنه حتى أنكرنا قلوبنا(1) شاهد عدل على القول بما بيناه.
مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ، المتناقضة ما قدمنا حكايته، وأثبتنا أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب، ولا يكتسبون السيئات، هم الذين حصروا عثمان أبن عفان، وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام، وخلعوه عن إمامة الأنام، وسفكوا دمه على استحلال، وهم الذين نكثوا بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد العهود والإيمان، وحاربوه بالبصرة، وسفكوا دماء أهل الإسلام، وهم القاسطون بالشام، ومنهم رؤساء المارقة عن الدين والإيمان، ومن قبل منع جمهورهم الزكاة حتى غزاهم، إمام عدل عندكم، وسبى ذراريهم، وحكم عليهم بالردة والكفر والضلال.
فإن زعمت أنهم فيما قصصناه من أمرهم على الصواب، فكفاك خزياً بهذا المقال، وإن حكمت عليهم أو على بعضهم بالخطأ وارتكاب الآثام بطلت أحاديثك، ونقضت ما بينته من الاعتلال.
ويقال له أيضاً : وهؤلاء الصحابة الذين رويت ما رويت فيهم من الأخبار، وغرك منهم التسمية لهم بصحبة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وكان أكابرهم وأفاضلهم أهل بدر، الذين زعمت أن الله قطع لهم المغفرة والرضوان، هم الذين نطق القرآن بكراهتهم للجهاد، ومجادلتهم للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) في تركه، وضنهم بأنفسهم من نصره، ورغبتهم في الدنيا، وزهدهم في الثواب، فقال جل اسمه: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 5 - 8].
ثم زجرهم الله تعالى عن شقاق نبيهم (صلى الله عليه واله وسلم) لما علم من خبث نياتهم وأمرهم بالطاعة والإخلاص، وضرب لهم فيما أنبأ به من بواطن أخبارهم وسرائرهم الأمثال، وحذرهم من الفتنة بارتكابهم قبائح الأعمال، وعدد عليهم نعمه ليشكروه ويطيعوه فيما دعاهم إليه من الأعمال، وأنذرهم العقاب من الخيانة لله جلت عظمته، ولرسوله (صلى الله عليه واله وسلم)، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 20 - 28].
ومن قبيل هذا ما أكده عليهم من فرض الصبر في الجهاد، وتوعدهم بالغضب على الهزيمة، لما علم من ضعف بصائرهم، فلم يلتفتوا إلى وعيده، وأسلموا نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) إلى عدوه في مقام بعد مقام.
فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].
هذا وقد أخبر جل اسمه عن عامة من حضر بدراً من القوم، ومحبتهم للحياة، وخوفهم من الممات، وحضورهم ذلك المكان طمعاً في الغنائم والأموال، وأنهم لم يكن لهم نية في نصرة الإسلام، فقال تعالى: { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 42، 43].
وقال في القوم بأعيانهم، وقد أمرهم نبيهم (صلى الله عليه واله وسلم) بالخروج إلى بدر، ف ناقلوا عنه، واحتجوا عليه، ودافعوه عن الخروج معه:
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 77، 78] ،الآية.
وقال تعالى فيهم وقد كان لهم في الأسرى من الرأي:
{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68].
فأخبر سبحانه بالنص الذي لا يحتمل التأويل أنهم أرادوا الدنيا دون الآخرة، وآثروا العاجلة على الآجلة، وتعمدوا من العصيان ما لولا سابق علم الله وكتابه، لعجل لهم العقاب.
وقال تعالى فيما قص من نبئهم في يوم أحد، وهزيمتهم من المشركين، وتسليم النبي (صلى الله عليه واله وسلم):
{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153].
وقال جل اسمه في قصتهم بحنين، وقد ولوا الأدبار ولم يبق مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أحد غير أمير المؤمنين (عليه السلام)، والعباس بن عبد المطلب، وسبعة من بني هاشم ليس معهم غيرهم من الناس(2).
{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...} [التوبة: 25، 26] يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، والصابرين معه من بني هاشم دون سائر المنهزمين.
وقال سبحانه في نكثهم عهود النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهو حي بين أظهرهم موجود: { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب: 15].
وقد سمع كل من سمع من الأخبار، ما كان يصنعه كثير منهم، والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) حي بين أظهرهم، والوحي ينزل عليه بالتوبيخ لهم والتعنيف والإيعاد، ولا يزجرهم ذلك عن أمثال ما ارتكبوه من الآثام.
فمن ذلك ما روي أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان يخطب على المنبر في يوم الجمعة، إذ جاءت عير لقريش قد أقبلت من الشام، ومعها من يضرب بالدف ويصفر، ويستعمل ما حظره الإسلام، فتركوا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قائماً على المنبر، وانفضوا عنه إلى اللهو واللعب، رغبة فيه، وزهداً في سماع موعظة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وما يتلوه عليهم من القرآن.
فأنزل الله (عزوجل) فيهم: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }(3).
وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، ذات يوم يصلي بهم، إذ أقبل رجل ببصره سوء يريد المسجد للصلاة، فوقع في بئر كانت هناك فضحكوا منه واستهزؤوا به، وقطعوا الصلاة، ولم يوقروا الدين، ولا هابوا النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، فلما سلم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: " من ضحك فليعد وضوءه والصلاة "(4).
ولما تأخرت عائشة وصفوان بن المعطّل(5). في غزوة بني المصطلق، أسرعوا إلى رميها بصفوان، وقذفوها بالفجور، وارتكبوا في ذلك البهتان.
وكان منهم في ليلة العقبة من التنفير لناقته (صلى الله عليه واله وسلم)، والاجتهاد في رميه عنها وقتله بذلك ما كان.
ثم لم يزالوا يكذبون عليه (صلى الله عليه واله وسلم) في الأخبار حتى بلغه ذلك، فقال: " كثرت الكذابة علي فما أتاكم عني من حديث فأعرضوه على القرآن"(6).
فلو لم يدل على تهاونهم بالدين، واستخفافهم بشرع نبيهم (صلى الله عليه واله وسلم)، إلا أنهم كانوا قد تلقوا عنه أحكام الإسلام على الاتفاق، فلما مضى من بينهم جاؤوا بجميعها على غاية الاختلاف، لكفى في ظهور حالهم ووضح به أمرهم وبان، فكيف وقد ذكرنا من ذلك طرفاً يستبصر به أهل الاعتبار، وإن عدلنا عن ذكر الأكثر إيثاراً للاختصار.
فأما من كان منهم يظاهر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالإيمان، ممن ي معه الصلاة، و يؤتي الزكاة، وينفق في سبيل الله، ويحضر الجهاد، ويباطنه بالكفر والعدوان، فقد نطق بذكره القرآن كما نطق بذكر من ظهر منه النفاق:
قال الله تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].
وقال جل اسمه فيهم: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } [التوبة: 54].
وقال تعالى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].
وقال سبحانه: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30].
وقال (عزوجل): { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [المنافقون: 4].
وقال فيهم وقد أحاطوا بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وجعلوا مجالسهم منه عن يمينه وشماله ، ليلبسوا بذلك على المؤمنين:
{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ } [المعارج: 36 - 39] .
ثم دل الله تعالى نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) على جماعة منهم وأمره بتألفهم، والإغضاء عمن ظاهره بالنفاق منهم، فقال: { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 95].
وقال: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199].
وقال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].
وجعل لهم في الصدقة سهماً منصوصاً، وفي الغنائم جزءاً مفروضاً، وكان من عددناه، وتلونا فيه القرآن، وروينا في أحواله الأخبار، قد كانوا من جملة الصحابة، وممن شملهم اسم الصحبة، ويتحقق إلى الاعتزاء إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على طبقاتهم في الخطأ والعمد والضلال والنفاق بحسب ما شرحناه، فهل يتعلق عاقل بعد هذا بذكر الصحبة، ومشاهدة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في القطع على فعل الصواب، وهل يوجب بذلك العصمة والتأييد، إلا بأنه مخذول مصدود عن البيان(7)؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الجامع الصحيح للترمذي ٥: ٥٨٨: ٣٦١٨؛ مسند أحمد بن حنبل ۳: ۲۲۱: ٢٦٨؛ سنن ابن ماجة ١: ٥٢٢: ١٦٣١ .
2- إرشاد المفيد: ٧٤؛ مجمع البيان ٥: ٢٨؛ السيرة الحلبية ٣: ٦٧؛ تاريخ اليعقوبي ٢: ٦٢، مع اختلاف.
3- تأويل الآيات ۲: ٦۹٣: ٣، تفسير القمي ٢: ٣٦٧؛ مجمع البيان ١٠: ٤٣٣؛ مسند أحمد ۳: ۳۱۳ و ۳۷۰؛ صحیح البخاري ٦: ٢٦٧: ٣۹٣؛ الجامع الصحيح للترمذي ٥: ٣٣١١ / ٤١٤؛ جامع البيان للطبري ٢٨: ٦٧؛ الدر المنثور ٨: ١٦٥.
4۔ سنن الدار قطني ١: ١٦١ ١٧٢ بعدة طرق؛ تاریخ بغداد ۹: ۳۷۹؛ كنز العمال ۹: ۳۳۱: ٢٦٢٨١.
5- انظر ترجمته في أسد الغابة ٣: ٢٦، الجرح والتعديل ٤: ٤٢٠: ١٨٤٤؛ سير أعلام النبلاء ٢: ٥٤٥: ١١٥؛ الإصابة 3: .٢٥٠: ٨٠٨٤.
6- الاحتجاج ٢: ٤٤٧.
7- الافصاح: ٥٢.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|