المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

الإجراءات العملية لخطابات الضمـان واطرافـه وانواعه
2024-09-08
من اصحاب الامام الرضا
28-7-2016
سخط عام
25-11-2019
فدك في محكمة التاريخ
15-6-2017
مشكلات الإعلام السياسي- اولاً
24-8-2019
اختيار الزوجين‏
2023-07-18


مظاهر من شخصية الإمام محمد الباقر ( عليه السّلام)  
  
2527   05:11 مساءً   التاريخ: 5/11/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 7، ص25-35
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الباقر / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-8-2016 2869
التاريخ: 16-8-2016 2786
التاريخ: 15-8-2016 3203
التاريخ: 15-04-2015 3316

لقد توفرت في شخصية الإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) جميع الصفات الكريمة التي أهّلته لزعامة هذه الأمة .

حيث تميّز هذا الإمام العظيم بمواهبه الروحية والعقلية العظيمة وفضائله النفسية والأخلاقية السامية ممّا جعل صورته صورة متميّزة من بين العظماء والمصلحين ، كما تميّز بحسبه الوضّاح ، بكل ما يمكن أن يسمو به هذا الانسان .

ولقد احتاط النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) كأشد ما يكون الاحتياط في شأن أمته ، ولم يرض أن تكون في ذيل قافلة الأمم والشعوب ، فقد أراد لها العزّة والكرامة ، وأراد أن تكون خير أمة أخرجت للناس ، فأولى مسألة الخلافة والإمامة المزيد من اهتمامه ، ونادى بها أكثر من أية قضية أخرى من القضايا الدينية لأنّها القاعدة الصلبة لتطور أية أمة في مجالاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ، وقد خصّ بها الأئمة الطاهرين من أهل بيته الذين لم يخضعوا في أي حال من الأحوال لأية نزعة مادية ، وإنما آثروا طاعة اللّه ومصلحة الأمة على كل شيء .

وكان الإمام محمّد بن علي الباقر ( عليه السّلام ) جامعا للكمالات الانسانية في سيرته وسلوكه ، فكان أهلا للإمامة الكبرى بعد أبيه زين العابدين .

وما دوّنته كتب التاريخ من فضائله الجمّة هي غيض من فيض ، ونشير إلى شيء يسير منها تباعا :

حلمه :

كان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر ( عليه السّلام ) فقد أجمع المؤرخون على أنه لم يسيء إلى من ظلمه واعتدى عليه ، وانما كان يقابله بالبر والمعروف ، ويعالمه بالصفح والاحسان ، وقد رووا صورا كثيرة عن عظيم حلمه ، كان منها :

1 - إن رجلا كتابيا هاجم الإمام ( عليه السّلام ) واعتدى عليه ، وخاطبه بمرّ القول : « أنت بقر ! »

فلطف به الإمام ، وقابله ببسمات طافحة بالمروءة قائلا : « لا أنا باقر »

وراح الرجل الكتابي يهاجم الإمام قائلا : « أنت ابن الطبّاخة ! »

فتبسّم الإمام ، ولم يثره هذا الاعتداء بل قال له : « ذاك حرفتها » .

ولم ينته الكتابي عن غيّه ، وإنما راح يهاجم الإمام قائلا : « أنت ابن السوداء الزنجية البذية ! »

ولم يغضب الإمام ( عليه السّلام ) ، وإنما قابله باللطف قائلا : « إن كنت صدقت غفر اللّه لها ، وإن كنت كذبت غفر اللّه لك » .

وبهت الكتابي ، وانبهر من أخلاق الإمام ( عليه السّلام ) التي ضارعت أخلاق الأنبياء فأعلن إسلامه[1] واختار طريق الحق .

2 - ومن تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه : أن شاميا كان يختلف إلى مجلسه ، ويستمع إلى محاضراته ، وقد أعجب بها ، فأقبل يشتدّ نحو الإمام وقال له :

يا محمّد إنما أغشى مجلسك لا حبّا مني إليك ، ولا أقول : إن أحدا أبغض إليّ منكم أهل البيت ، واعلم أن طاعة اللّه ، وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكني أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فإنّما اختلف إليك لحسن أدبك ! ! .

ونظر إليه الإمام ( عليه السّلام ) بعطف وحنان ، وأخذ يغدق عليه ببرّه ومعروفه حتى تنبّه الرجل وتبين له الحق ، وانتقل من البغض إلى الولاء للإمام ( عليه السّلام ) وظلّ ملازما له حتى حضرته الوفاة فأوصى أن يصلي عليه[2].

وحاكى الإمام الباقر ( عليه السّلام ) بهذه الأخلاق الرفيعة جدّه الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي استطاع بسموّ أخلاقه أن يؤلّف بين القلوب ، ويوحّد بين المشاعر والعواطف ويجمع الناس على كلمة التوحيد بعد ما كانوا فرقا وأحزابا .

صبره :

لقد كان الصبر من الصفات الذاتية للأئمة الطاهرين من أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقد صبروا على مكاره الدهر ، ونوائب الأيام ، وصبروا على تجرّع الخطوب التي تعجز عن حملها الجبال ، فقد استقبل الإمام الحسين ( عليه السّلام ) على صعيد كربلاء أمواجا من المحن الشاقة التي تذهل كل كائن حي ، مترنّما بقوله ( عليه السّلام ) : « صبرا على قضائك يا رب ، لا معبود سواك » .

وصبر الإمام الباقر ( عليه السّلام ) كآبائه على تحمل المحن والخطوب . وإليك بعض تلك المحن :

1 - انتقاص السلطة لآبائه الطاهرين ، وإعلان سبّهم على المنابر والمآذن ، وهو ( عليه السّلام ) يسمع ذلك ، ولا يتمكن أن ينبس ببنت شفة فصبر وكظم غيظه ، وأوكل الأمر إلى اللّه الحاكم بين عباده بالحق .

2 - ومن بين المحن الشاقة التي صبر عليها التنكيل الهائل بشيعة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وملاحقتهم تحت كل حجر ومدر وقتلهم بأيدي الجلادين من عملاء السلطة الأموية ، وهو لا يتمكن أن يحرك ساكنا ، وقد فرضت عليه السلطة الرقابة الشديدة ، ورفضت كل طلب له في شأن شيعته .

3 - وروى المؤرخون عن عظيم صبره انه كان جالسا مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره ، فأسرع اليه بعض مواليه فأسرّ إليه بشيء فقال ( عليه السّلام ) :

« الحمد للّه على ما أعطى ، وله ما أخذ ، إنههم عن البكاء ، وخذوا في جهازه ، واطلبوا السكينة ، وقولوا لها : لا ضير عليك أنت حرة لوجه اللّه لما تداخلك من الروع . . . » .

ورجع إلى حديثه ، فتهيّب القوم سؤاله ، ثم أقبل غلامه فقال له : قد جهّزناه ، فأمر أصحابه بالقيام معه للصلاة على ولده ودفنه ، وأخبر أصحابه بشأنه فقال لهم : إنه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات[3].

4 - وروي أيضا : أنه كان للإمام ( عليه السّلام ) ولد وكان أثيرا عنده فمرض فخشي على الإمام لشدة حبه له ، وتوفي الولد فسكن صبر الإمام ، فقيل له : خشينا عليك يا ابن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فأجاب وهو مليّ بالاطمئنان والرضا بقضاء اللّه قائلا : « إنّا ندعو اللّه فيما يحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما يحب »[4].

لقد تسلّح الإمام ( عليه السّلام ) بالصبر أمام نوائب الدنيا وقابل كوارث الدهر بإرادة صلبة ، وإيمان راسخ ، وتحمّل الخطوب في غير ضجر ولا سأم محتسبا في ذلك الأجر عند اللّه تعالى .

كرمه وسخاؤه :

الكرم من أوضح الفضائل والمكارم لأئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقد بسطوا أيديهم بسخاء نادر إلى الفقراء والسائلين ، وفيهم يقول الشاعر :

لو كان يوجد عرف مجد قبلهم * لوجدته منهم على أميال

إن جئتهم أبصرت بين بيوتهم * كرما يقيك مواقف التسآل

نور النبوة والمكارم فيهم * متوقد في الشيب والأطفال[5].

لقد فطر الإمام محمّد الباقر ( عليه السّلام ) على حب الخير وصلة الناس وإدخال السرور عليهم .

أ - اكرامه الفقراء :

ومن معالي أخلاقه أنه كان يبجّل الفقراء ، ويرفع من شأنهم لئلا يرى عليهم ذلّ الحاجة ، ويقول المؤرخون : انه عهد لأهله إذا قصدهم سائل أن لا يقولوا له : يا سائل خذ هذا ، وإنما يقولون له : يا عبد اللّه بورك فيك[6] وقال :

سمّوهم بأحسن أسمائهم[7].

ب - عتقه العبيد :

وكان الإمام الباقر ( عليه السّلام ) شغوفا بعتق العبيد ، وإنقاذهم من رقّ العبودية ، فقد أعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكا[8] وكان عنده ستون مملوكا فأعتق ثلثهم عند موته[9].

ج - صلته لأصحابه :

وكان أحب شيء إلى الإمام ( عليه السّلام ) في هذه الدنيا صلته لإخوانه فكان لا يمل من صلتهم وصلة قاصديه وراجيه ومؤمّليه ، وقد عهد لابنه الإمام الصادق ( عليه السّلام ) أن ينفق من بعده على أصحابه وتلاميذه ليتفرّغوا إلى نشر العلم وإذاعته بين الناس[10].

د - صدقاته على فقراء المدينة : وكان الإمام ( عليه السّلام ) كثير البر والمعروف على فقراء يثرب ، وقد أحصيت صدقاته عليهم فبلغت ثمانية آلاف دينار[11]. وكان يتصدق عليهم في كل يوم جمعة بدينار ويقول : « الصدقة يوم الجمعة تضاعف الفضل على غيره من الأيام »[12].

وذكر المؤرخون : انه كان أقلّ أهل بيته مالا وأعظمهم مؤونة[13] ، ومع ذلك كان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين . وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من هذا الجود وإليك نماذج منها :

1 - روى سليمان بن قرم فقال : كان أبو جعفر يجيزنا الخمسمائة درهم إلى الستمائة درهم إلى الألف ، وكان لا يملّ من صلة الإخوان وقاصديه وراجيه[14].

2 - قال الحسن بن كثير : شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي الحاجة وجفاء الاخوان ، فتأثر ( عليه السّلام ) وقال : بئس الأخ يرعاك غنيا ، ويقطعك فقيرا ، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، وقال : استنفق هذه فإذا نفذت فأعلمني[15].

3 - وكان ( عليه السّلام ) يحبو قوما يغشون مجلسه من المائة إلى الألف ، وكان يحبّ مجالستهم ، منهم عمرو بن دينار ، وعبد اللّه بن عبيد . وكان يحمل إليهم الصلة والكسوة ، ويقول : هيّأناها لكم من أوّل السنة[16].

4 - روت مولاته سلمى فقالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ، ويلبسهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدارهم ، وقد عذلته سلمى عن ذلك فقال لها : يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والاخوان . . .[17] وكان يقول : « ما حسّنت الدنيا إلّا صلة الاخوان والمعارف »[18].

عبادته :

كان الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السّلام ) من أئمة المتقين في الإسلام ، فقد عرف اللّه معرفة استوعبت دخائل نفسه ، فأقبل على ربه بقلب منيب ، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الاخلاص . أما مظاهر عبادته فيمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي :

أ - خشوعه في صلاته : فقد عرف عنه أنه كان إذا أقبل على الصلاة اصفرّ لونه[19] خوفا من اللّه وخشية منه ، ولا غرو في ذلك فقد عرف عظمة اللّه تعالى ، الذي فطر الكون ووهب الحياة ، فعبده عبادة المتقين المنيبين .

ب - كثرة صلاته : وكان كثير الصلاة حتى كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة[20] ولم تشغله شؤونه العلمية ومرجعيته العامة للأمة عن كثرة الصلاة ، التي كانت أعزّ شيء عنده ؛ لأنها الصلة والرباط الوثيق بينه وبين اللّه تعالى .

ج - دعاؤه في سجوده : إنّ أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربه أن يكون ساجدا ، من هنا كان الإمام ( عليه السّلام ) في سجوده يتجه بقلبه وكلّ عواطفه نحو اللّه ويناجيه بانقطاع واخلاص ، وقد أثرت عنه بعض الأدعية في سجوده :

1 - روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه الصادق ( عليه السّلام ) أنّه قال : كنت امهّد لأبي فرشه فانتظره حتى يأتي ، فإذا آوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي . وقد أبطأ عليّ ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه ، وذلك بعد ما هدأ الناس ، فإذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره فسمعت حنينه وهو يقول : « سبحانك اللهم ، أنت ربي حقا حقا ، سجدت لك يا رب تعبّدا ورقّا ، اللهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي . . . اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم »[21].

2 - روى أبو عبيدة الحذّاء فقال : سمعت أبا جعفر يقول : - وهو ساجد - : « أسألك بحق حبيبك محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) إلّا بدّلت سيّآتي حسنات ، وحاسبتني حسابا يسيرا » .

ثم قال في السجدة الثانية : « أسألك بحق حبيبك محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) إلّا ما كفيتني مؤونة الدنيا ، وكلّ هول دون الجنة » .

ثم قال في الثالثة : « أسألك بحق حبيبك محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) لمّا غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل ، وقبلت منّي عملي اليسير » .

ثم قال في الرابعة : « أسألك بحق حبيبك محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) لما أدخلتني الجنة ، وجعلتني من سكّانها ، ولمّا نجيتني من سفعات النار[22] برحمتك ، وصلى اللّه على محمد وآله »[23].

وتكشف هذه الأدعية عن شدة تعلقه باللّه وعظيم إنابته إليه .

حجه :

وكان الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى اللّه وأناب اليه وظهرت عليه آثار الخشوع والطاعة ، وقد قال مولاه أفلح : حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له : « بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلا » .

فلم يعتن الإمام وراح يقول له : « ويحك يا أفلح إني أرفع صوتي بالبكاء لعلّ اللّه ينظر إليّ برحمة فأفوز بها غدا » .

ثم إنه طاف بالبيت ، وجاء حتى ركع خلف المقام ، فلما فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلّ من دموع عينيه[24]. وحج ( عليه السّلام ) مرة وقد احتفّ به الحجيج ، وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم ، والإمام يجيبهم . وبهر الناس من سعة علومه حتّى أخذ بعضهم يسأل بعضا عنه فانبرى إليهم واحد من أصحابه فعرّفه قائلا :

« ألا إنّ هذا باقر علم الرسل ، وهذا مبيّن السبل ، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغرّاء العذراء الزهراء ، هذا بقية اللّه في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمّد وخديجة وعلي وفاطمة ، هذا منار الدين القائمة »[25].

مناجاته مع اللّه تعالى :

كان الإمام ( عليه السّلام ) يناجي اللّه تعالى في غلس الليل البهيم ، وكان مما يقوله في مناجاته : « أمرتني فلم أئتمر ، وزجرتني فلم أزدجر ، هذا عبدك بين يديك »[26].

ذكره للّه تعالى :

لقد كان دائم الذكر للّه تعالى ، وكان لسانه يلهج بذكر اللّه في أكثر أوقاته ، فكان يمشي ويذكر اللّه ، ويحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكره تعالى . وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر اللّه حتى تطلع الشمس ، كما كان يأمرهم بقراءة القرآن ، ومن كان لا يقرأ منهم كان يأمره بذكر اللّه تعالى[27].

زهده في الدنيا :

وزهد الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) في جميع مباهج الحياة وأعرض عن زينتها فلم يتخذ الرياش في داره ، وإنما كان يفرش في مجلسه حصيرا[28].

لقد نظر إلى الحياة بعمق وتبصر في جميع شؤونها فزهد في ملاذّها ، واتّجه نحو اللّه تعالى بقلب منيب .

فعن جابر بن يزيد الجعفي : قال لي محمد بن علي ( عليه السّلام ) : « يا جابر إني لمحزون ، وإني لمشتغل القلب » .

فأنبرى اليه جابر قائلا : « ما حزنك ؟ وما شغل قلبك ؟ » .

فأجابه ( عليه السّلام ) قائلا : « يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين اللّه عزّ وجلّ شغله عمّا سواه . يا جابر ما الدنيا ؟ وما عسى أن تكون ؟ هل هي إلا مركب ركبته ؟ أو ثوب لبسته ؟ أو امرأة أصبتها ؟ ! »[29].

وأثرت عنه كلمات كثيرة في الحث على الزهد ، والإقبال على اللّه تعالى ، والتحذير من غرور الدنيا وآثامها .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض مظاهر شخصيّته المشرقة .

 

[1] مناقب آل أبي طالب : 3 / 337 ، بحار الأنوار : 46 / 289 ، الأنوار البهيّة : 142 ، مستدرك البحار : 2 / 383 .

[2] بحار الأنوار : 11 / 66 .

[3] عيون الأخبار وفنون الآثار : 218 .

[4] تأريخ دمشق : 51 / 52 ، عيون الأخبار لابن قتيبة : 3 / 57 .

[5] الفصول المهمة : 227 .

[6] عيون الأخبار : 3 / 208 .

[7] البيان والتبيين : 158 .

[8] عن شرح شافية أبي فراس : 2 / 176 .

[9] المصدر السابق .

[10] حياة الإمام محمد الباقر ( عليه السّلام ) : 1 / 124 .

[11] شرح شافية أبي فراس : 2 / 176 .

[12] في رحاب أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) : 4 / 12 .

[13] المصدر السابق .

[14] الارشاد : 299 .

[15] صفة الصفوة : 2 / 63 .

[16] عيون الأخبار وفنون الآثار : 217 ، والارشاد : 229 .

[17] صفة الصفوة : 2 / 63 .

[18] المصدر السابق .

[19] راجع تاريخ ابن عساكر : 51 / 44 .

[20] تذكرة الحفاظ : 1 / 125 ، تأريخ ابن عساكر : 51 / 44 ، حلية الأولياء : 3 / 182

[21] فروع الكافي : 3 / 323 .

[22] سفعات النار : هي لفحات السعير التي تغير بشرة الانسان لشدة حرارتها .

[23] فروع الكافي : 3 / 322 .

[24] صفة الصفوة : 2 / 63 ، نور الأبصار : 130 .

[25] مناقب ابن شهرآشوب : 4 / 183 .

[26] حلية الأولياء : 3 / 186 ، ترجمة محمّد بن علي الباقر ( عليه السّلام ) ، رقم 235 ؛ صفة الصفوة : 2 / 63 .

[27] في رحاب أئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) : 4 / 6 .

[28] دعائم الإسلام : 2 / 158 .

[29] البداية والنهاية : 9 / 310 ، حياة الإمام محمد الباقر : 1 / 115 - 134 بتصرّف .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.