أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016
2101
التاريخ: 10-1-2018
1986
التاريخ: 2023-02-19
1212
التاريخ: 9-1-2018
2506
|
لقد اهتم العرب قبل الإسلام وبعده بشعر الأطفال، فهم يغنون للأطفال ويترنمون لهم بشعر جميل منذ أن يكونوا في المهد لتنويمهم أو مداعبتهم(1)، ورددوا في ذلك أشعاراً كثيرة(2).
ولقد اعتنى المسلمون بالأطفال عناية كبيرة، واهتموا بالشعر الذي يتعلمه الأطفال أثناء نموهم المختلف، وأوصوا بذلك.
وقد أوصى أن يُعنى المربون بتعليم الأطفال الشعر (أرووا من الشعر أعفّه، ومن الحديث أحسنه، ومن النسب ما تواصلون عليه)(3)، وجاء في كتب بعض الأقدمين ما يفيد بأهمية الشعر، وضرورة رواية الأطفال له، بعد اختيار المناسب لأعمارهم، والمؤثر في تربيتهم(4).
وأوصى أكثر المربين برواية الشعر، وبينوا أهميته للأطفال، كالغزالي(5)، وابن حزم وغيرهم(6).
والشعر بالنسبة للأطفال مهم، لأنه يثري الخبرات ويزيد من التجربة، ويربي الإحساس والذوق(7)، ويضفي كثيراً من الصور الجميلة والرؤى العذبة على صور التعبير، وينشط خيال الطفل ويساعده على اكتشاف جمال المنظر والتعمق في الإحساس به(8).
والطفل يميل فطرياً للشعر، ولذلك ينبغي استغلال هذه الظاهرة لصقل ملكات الطفل، وتقوية الحس الجمالي عنده(9)، وتربيته على شتى الاتجاهات الحميدة والآداب الفاضلة، مع تلبية جانب من حاجاتهم العاطفية، ويسهم في نموهم العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي.
وموضوعات شعر الأطفال كثيرة ومتعددة شريطة ألا تتحول إلى نظم بارد يقرر بعض الحقائق، ويقدم بعض المعلومات فقط. والمهم في ذلك أن يأخذ الشاعر عند اختيار موضوعاته احتياجات الأطفال واهتماماتهم، وأن يكون مناسباً لهم من حيث الموضوع والمزاج والأسلوب، ومما له صلة بتراثهم وقيمهم، بحيث يؤدي دوره في تربيتهم عقدياً وخلقياً وسلوكياً وفكرياً، ويفتح أذهانهم على الكون وعظمة الخلق، وعلى الحياة وتنوعها، وإلى ما يهم الطفل من علاقات أسرية واجتماعية، وأن يساعده على عقد صلة المودة والألفة مع البيئة من حوله بما فيها من حيوانات ونباتات وجمادات، بعد أن يدرك بالحس الوجداني طبيعة هذا الود القائم بينه وبينها، وكونها مخلوقات سخرها الله له، واستخلفه عليها(10).
ومن أهم شروط هذا الشعر في مضمونه أن يحقق الأهداف المحددة لتربية الأطفال في كل مرحلة من مراحل حياتهم(11)، لأن هذه السن سن تنشئة وتربية وبناء، وكل كلمة تنقش أثراً لها في نفس الطفل وذهنه وفي ذوقه أو سلوكه.
وأما من الناحية الأسلوبية، فينبغي أن يكون هذا الشعر ملائماً لذهن الطفل، متناسباً مع ما يحسه ويتذوقه ويألفه، ويتيح له أن يتفاعل معه، بوجدانه وذهنه معاً، وأن يدخل البهجة إلى نفسه، ويزوده بفائدة جديدة، وينمي مدركاته ويزيد في خبراته ويثري لغته ومفرداته، ويزيد من قدرة الطفل على تذوق اللغة ومحبتها، وإدراك جمال النظم الصحيح والعبارة الموحية.
ومن المهم أيضاً أن يلتزم بالفصحى - أياً كانت الموضوعات - مع مراعاة مرحلة الطفولة التي يكتب لها هذا الشعر.
والشاعر مكلف بفهم عالم الطفل، ومدركاته، واهتماماته قبل أن يكتب إليه حتى يتسنى له اختيار الألفاظ والعبارات والأفكار والموضوعات والإيقاع المناسب(12).
والشعر بعد هذا يساعد على نمو حركة الطفل عن طريق مصاحبة الشعر الغنائي ببعض الحركات والألعاب الخاصة بالأطفال(13).
ويذهب بعض الكتّاب للتركيز على الجانب الإيقاعي والفني للشعر، بحيث يربطون بين حاجات الإنسان الروحية، وميله للتدين والسمو، وبين هذه الفنون. ومبعث ذلك تنكرهم للدين، وتشويه فكرة الدين عندهم، واقتران الدين بالاستغلال والشعوذة، ولذلك يضعون الفنون - عموماً - بديلاً عن الدين في التعبير عن وجدان الإنسان، وملء الجوانب الروحية، وينكرون كل هدف جاد: تعليمي أو تربوي للشعر خاصة، أو للأدب عامة.. فالشعر قرين اللعب، والتمثيل التلقائي،.. إلخ.
بل يصل الأمر ببعضهم أن يجعل الفنون عامة من الضروريات (إن الأمة التي تعتبر الشعر والرسم من الكماليات لا يحق لها أن تنتظر رقياً، ما دامت قد حالت بين أبنائها وبين أسس التحضر والرقي في القدرة على التذوق والإبداع)(14).
بينما يرمون كل اتجاه تربوي حقيقي بتهمة الوعظ، وكأن الوعظ سبة عار ومفسدة عظيمة، ووباء ينبغي الحذر منه (وتتزايد حدة الاتجاه الوعظي وتعلو نبرته في كتب الأطفال كلما زاد حظ المجتمع من التخلف، وبعده عن واحات التحضر)(15).
ولا غرابة في هذا فلقد كانت اتجاهات الأدب والفكر والتربية في أكثرها اتجاهات غربية علمانية، ونشأ على ذلك الكتّاب والمربّون، وظلت المؤلفات تترى وهي تأخذ مما يسمونه علوم التربية والنفس، والنقد، والأدب، والفلسفة، وكلها تقوم على أسس وثنية أو أسطورية، أو معتقدات بعيدة عن حقائق الدين.
إنها المتابعة الكاملة لمفاهيم الغرب الفكرية والتربوية، والأدبية. هذه المفاهيم التي تتصل بمعتقدات وثنية فلسفية، تقوم على تنحية الدين من حياة الناس، وإبعاده عن التأثير، وجعله حلية يلبسونها في مواسم محددة، ويتركونها بقية الوقت.
وهكذا تصبح الفنون - كما يقولون - وسيلة تربوية. وأية فنون هذه؟.
الغناء، والموسيقى، والرقص، والرسم وغيرها. إنها الأداة التي يستعملونها لتربية الروح، وصقل الموهبة، وتهذيب الذوق، وغرس العادات والأخلاق. أليس هذا عجيباً؟.
أما إذا كان الأمر يتعلق بالعربية، وتراثها فإن الأمر يختلف - ويصبح البعد عن هذا التراث هو الأساس في التطور، وبناء أدب جديد، وتربية الأطفال على أسس علمية.
أننا بحاجة اليوم للتوقف عن هذا التقليد والمتابعة الشائنة لمقولات الغربيين وأتباعهم. المسلمون هم رواد الحضارة الإنسانية الحقيقية. وهم رعاة الطفولة الحقة.
والإسلام - الإسلام وحده - هو الذي يكفل للطفل حياة سعيدة، يرعاه ويربيه، ويخطط له المستقبل على أسس قويمة صحيحة متوازنة، وغير الإسلام يخبط خبط عشواء، ويبتز الأطفال ويقامر بمصير الأجيال، ويستغل حاجات الناس لينشئ الأطفال على كره الدين، وإنكار الإيمان، ومحاربة الفضيلة.
ولكن الصحوة الحاضرة بدأت تدرك ذلك، وتعرف أساليب التأثير، والخداع باسم العلم، والأدب والفن.
وأدب الطفل المسلم مدعو لكي يأخذ طريقه وسط هذه الصحوة على أسس قويمة، وصلاً لتراثنا، وعناية أجدادنا بهذا اللون عامة وبالشعر خاصة. وكما بدأ في هذا العصر أحمد شوقي والهراوي بالكتابة للأطفال، واختيار الأناشيد والأشعار التي تهذب نفوسهم، وتثري معارفهم، فكذلك سار على هذا الدرب كثيرون، وتركوا للأطفال عدداً كبيراً من الدواوين الشعرية والمجموعات والأناشيد المنوعة(16)، ولكن كثيراً من هذه الأشعار غير معروفة، وأذكر على سبيل المثال (محمد موفق سليمة، ومحمد علي الرباوي، ويحيى الحاج يحيى، ومحمد عدنان غنام، ويوسف العظم، ومحمود أبو الوفا، وأحمد محمد الصديق، وكمال رشيد، وعبد القادر حداد، وإبراهيم أبو عبادة)، وغيرهم كثيرون ممن اهتم بشعر الأطفال.
ونردد أخيراً مع الدكتور نجيب الكيلاني بأن يظل شعر الأطفال شعراً ملتزماً بقيم الإسلام وتصوراته(17)، بل أن ينهض بمسؤولياته نحو الطفل المسلم الذي تتناوشه أيدي الانحرافات، وتمتد إليه سهام المغرضين من كل صوب. والشاعر مسؤول ومؤتمن، وعليه أن يدرك خطورة ما يقدم، وأهمية ما يكتب لهذا الجيل والأجيال التي تأتي من بعده ليقود هذه الأمة إلى بعث حضارتها الإسلامية من جديد، وتسلم قيادة العالم باسم المنهج الرباني وليس ذلك على الله بعزيز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أغاني ترقيص الأطفال عند العرب: أحمد أبو سعد، دار العلم للملايين ص / 10.
2ـ الأطفال ودور المربين: د / هدى محمد قناوي - مجلة التربية - الإمارات العدد / 65، حزيران (يوليو) 1988م، ص / 53.
3ـ التربية والتعليم في الإسلام: سعيد الديوه جي / 19.
4ـ المصدر السابق/ 31.
5ـ التربية والتعليم: د / أحمد شلبي / 293.
6ـ (ابن حزم الأندلسي) د / حسان محمد حسان - دار الفكر العربي، ص 131، وإحياء علوم الدين / 3 ـ 70، وحدة لتنمية الشعور الديني عند الأطفال ص/ 25.
7ـ في أدب الأطفال / 197.
8ـ المصدر السابق / 200.
9ـ الشعر للأطفال: فاطمة شنون، المجلة العربية العدد (4)، رمضان 1400، ص10، وأدب الأطفال - فلسفته، فنونه وسائطه / 207.
10ـ أدب الأطفال / 202- 204، ومفاهيم واتجاهات حديثة في تعليم أطفال المدرسة الابتدائية.
11ـ وأشار إلى ذلك كل المربين المسلمين كالغزالي وابن سينا وابن حزم وابن عبد البر وابن جماعة وغيرهم.
12ـ أدب الأطفال في ضوء الإسلام / 89.
13ـ الشعر للأطفال: فاطمة شنون، المجلة العربية (4)، صفحة 82.
14ـ المصدر السابق / 83.
15ـ المصدر السابق / 82.
16ـ نذكر في هذا الصدد (محمد عثمان جلال)، 1838م – 1898م، الذي سبق شوقياً وكتب (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ)، ولكنه أخذ مواعظه من أمثال (لافونتين)، وهذه صورة من التأثر بالغرب وكذلك كتب (إبراهيم العرب)، المتوفى 1927م، تسعاً وتسعين قصة شعرية على لسان الحيوانات بديوانه (آداب العرب)، وأصدر (جبران النحاس)، ديوان (تطريب العندليب)، عام 1940م، ثم جاء محمد الهراوي فترك ستة أجزاء تحت عنوان (سمير الأطفال للبنين)، و (سمير الأطفال للبنات)، و (أغاني الأطفال)، في أربعة أجزاء. وكتب غيرهم مثل الرصافي والصاوي ومحمد شعلان، ثم ترك سليمان العيسى كتابة الشعر ليتفرغ لشعر الأطفال، وأصدر عدداً من الدواوين الشعرية.
17ـ أدب الأطفال في ضوء الإسلام / 93.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|