مفهوم جغرافية التنمية

إن العلاقة بين الجغرافية والتنمية علاقة جدلية، لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، كون التنمية وان اختلف المهتمون في تحديد مفهومها فأنهم لا يختلفون في أنها تعتمد على أربعة مرتكزات أساسية وهي رأس المال والموارد الطبيعية والموارد البشرية والتكنولوجيا. إن المسرح الجغرافي لحركة رأس المال والتكنولوجيا يكمن في الموارد الطبيعية والبشرية، وبما أن الجغرافيا معنية في دراسة العلاقة بين الأرض والإنسان وما ينتج عن هذه العلاقة والتأثير المباشر وغير المباشر المتبادل بينهما من نشاطات اقتصادية واجتماعية وما يتعلق بهما من نشاطات إنسانية في مجال الفكر والعلم والسياسة والثقافة ، فان نتائجها تنعكس على مدى تراكم رأس المال ومدى توفر أساسيات التكنولوجيا .

وإذا كانت التنمية بمفهومها الحديث تعتمد أساسا على التخطيط سواء كان على مستوى البلد أو الإقليم فان الجغرافيا هي المجال العلمي الذي يحدد حالة الإقليم أو الظاهرة الجغرافية سواء كانت طبيعية أو بشرية أو اقتصادية في حالتها القائمة ويفسر كيف وصلت تلك الظاهرة إلى ما هي عليه وعبر أية سلسلة من التطورات، والتخطيط ينطلق من واقع الظاهرة ويقرر الشكل المستقبلي الذي ستكون عليه سواء كان الأمر يتعلق بحالة إقليم معين في مجال معين أو بحالة ظاهرة محددة يراد لها مستقبل أفضل وتكون في حاله أحسن  إذ من المعلوم أن هناك علاقة بين الخبرة الجغرافية التطبيقية وفن التخطيط لحساب التنمية وما يمكن أن تقدمه الخبرة الجغرافية لكي تدعم الخطة التي تهدف إلى إحداث تنمية، من خلال ما يقدمه الجغرافي من خلفية علمية في مجال الكشف عن إمكانات ومعوقات التنمية.

الجغرافيا بمفهومها الواسع وابعادها المكانية التي تشمل على مجال الغلاف الغازي والفضاء المحيط بالأرض ثم سطح الأرض وما تتركز عليه من ترب وطبقات صخرية ، والمجال الحياتي في الغلاف الغازي ( اليابس والماء ) ، أما على مستوى الإقليم فان الجغرافي يرى إن أي جزء من سطح الأرض بكل ما عليه وما يمنحه مختلفا عن أي جزء آخر من مظاهر طبيعية وبشرية واقتصادية, ومن حيث العوامل التي أثرت في تكوينها وتباينها، وهذا ما يجعل الدراسات الجغرافية أساسا في العملية التخطيطية التي تهدف إلى تنمية الأقاليم والبلدان .

إن القرارات التخطيطية التي تهدف إلى التنمية الشاملة أو التنمية على مستوى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية عندما تطبق على الأرض على شكل مشاريع زراعية أو صناعية أو ما يتعلق بالتنمية البشرية وفي مجال الخدمات بكافة أشكالها تصبح بطبيعة الحال ظواهر جغرافية تختلف عما كانت عليه قبل العمليات التنموية . ومن هنا يأتي مفهوم جغرافية التنمية على أنها تعني بدراسة الظواهر الجغرافية والكشف عن الإمكانات والمعوقات التنمية ثم دراسة الظواهر التي تتحقق نتيجة لعمليات التنمية وما ينتج عنها من إعادة توزيع للمشاريع الاقتصادية والاجتماعية ثم دراسة العلاقات المكانية والوظيفية بين تلك الظواهر .