أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015
2009
التاريخ: 5-10-2014
1606
التاريخ: 22-04-2015
1415
التاريخ: 5-10-2014
1718
|
إنّ
القضاء والحكم لحلّ الاختلافات ورفع المشاجرات موجود بين الناس من قديم الأيام.
حتى في المجتمعات البدائية كان هناك نوع من التحكيم لحلّ الاختلاف من قبل رئيس
القبيلة أو بعض أقربائه أو يتم تعيين شخص لهذا الغرض ، وفي الحقيقة أنّه من العسير
أن يذكر تاريخ بداية القضاء ، سوى أن نقول أن عمره يتزامن مع عمر المجتمعات
البشرية.
والدليل
على ذلك ، لأنّه كما نعلم أنّ حياة الإنسان هي حياة اجتماعية ، وبدون شك فإنّ هذا
النوع من المعيشة بالرغم من الإيجابيات يعتبر ميداناً خصباً لنشوء الاختلاف
والتضاد ، وبعبارة اخرى ، إنّ هذه الحياة الاجتماعية وبالرغم من أنّها تعتبر
مصدراً لمنافع كثيرة وبركات للمجتمعات البشرية وتؤدّي إلى التطور المادي والمعنوي
، إلّا أنّها تحتوي أيضاً على نقاط سلبية ومشكلات عديدة ، وتتلخص في الصراعات التي
تظهر دائماً لدفع الاعتداء وإرجاع الحق إلى أهله ، فلولا وجود الجهاز القضائي
الصحيح لحلّها ، لتبدلت المجتمعات البشرية إلى ميدان للصراع الدائم والدامي يحرق
الأخضر واليابس.
ومن
الجدير بالذكر أنّ هذا الصراع والاختلاف والذي يكون تارة بين اثنين أو أكثر من
الأشخاص ، وتارة اخرى بين قبيلتين أو دولتين ، ليس من الضروري أن يكون نابعاً من
روح العدوان والأنانية واتباع الهوى. بل لو فرضنا وجود مجتمع يكون مصداقاً تاماً
للمدينة الفاضلة ، وكان جميع من فيها على أعلى مستويات الإيمان والأخلاق والتقوى
والثقافة الإنسانية ، فمع ذلك يمكن لاختلاف الأذواق وعدم الإطلاع على جزئيات
الحقوق الاجتماعية والقوانين الموضوعة
أن تكون سبباً لظهور الخلافات في تشخيص الحقوق المُستَحقّة للأفراد.
على
هذا الأساس يكون وجود السلطة القضائية على كل الأحوال جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات
الإنسانية وبدونها لا يمكن العيش في مختلف السطوح والمستويات الثقافية والفكرية.
ومن
البديهي أنّ السلطة القضائية تتوسع وتتعمق بموازاة توسع المجتمعات البشرية ، لأنّه
مضافاً إلى زيادة التعداد الكميّ وكثرة الصراعات بسبب كثرة الروابط ، نلاحظ زيادة
في كيفية الصراعات وتنوعها ، فلو لم تتوسّع السلطة القضائية بموازاة توسع المجتمع
لكان الجانب الاجتماعي مهدداً بالخطر بسبب الاختلافات العميقة والخطرة.
وخلاصة
الكلام : إنّ من الضروري وجود جهاز قضائي مقتدر مع
ضمانات كافية لأجراء الأحكام وتعميم العدالة الاجتماعية ومنع الظلم والفساد ، ووضع
نهاية للصراعات والمنازعات والتنفيذ الصحيح للقوانين ، وكذلك الرقابة الدقيقة على
الأجهزة التنفيذية ، وتعريف المسؤولين في مختلف المراتب بوظائفهم ، وبذلك أعطى
الدين الإسلامي أهميّة بالِغَة لهذه المسألة ووضع لها المقررات الكثيرة والمتنوعة
، لأنّه دين الحياة الحقيقية للبشرية بمضمون قوله تعالى :
{يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا
للَّهِ ولِلْرَسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحييكُمْ}. (الأنفال/ 24)
نكتفي
بهذه الإشارة ونرجع إلى القرآن الكريم حيث أشار إلى هذا الموضوع في عدّة آيات ، منها
:
1-
يقول القرآن الكريم مخاطباً النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله :
{انَّا انْزَلْنَا الَيْكَ الْكِتَابَ
بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا اراكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ
لِّلْخائِنيِنَ خَصِيماً}. (النّساء/ 105)
2-
ويقول في موضوع آخر مخاطباً الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله بالنسبة إلى
التحكيم لغير المسلمين :
{وَانْ
حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ انَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
(المائدة/ 42)
3-
ويقول في مكان آخر مخاطباً جميع المؤمنين :
{انَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ انْ تُؤَدُّوا
الأَمانَاتِ الَى اهْلِهَا وَاذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ انْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ انَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ انَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً
بَصِيراً} (النساء/ 58).
4-
ومن جهة اخرى يوصي المؤمنين بالخضوع والتسليم لحكم النبي صلى الله عليه و آله وعدم
إظهار التبرم لا في الظاهر ولا في الباطن ، والقبول بالحق والعدل بالروح والبدن
مهما كان الحق مرّاً ، ويقول :
{فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِى انْفُسِهِمْ
حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْلِيماً}. (النساء/ 65)
5-
ويقول أيضاً :
{انَّما كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ اذَا
دُعُوا الَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ انْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَاطَعْنَا وَاولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (النور/ 51)
6-
ويؤكد القرآن الكريم حتى على مسألة الشهادة في المحاكم والتي هي أحدى المقدمات
المهمّة في القضاء بالحق والعدالة ، ويخاطب جميع المؤمنين قائلًا :
{يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ اقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
انَّ اللَّهَ خَبِير بِما تَعْمَلُونَ} (المائدة/ 8).
فعلى
هذا الأساس لا يمكن لأي شيء أن يخلّ بالحق والعدل في المجتمع الإسلامي ، فالشهادة
ينبغي أن تكون عادلة سواءً في حق الصديق والعدو ، والقضاء يجب أن يدور حول محور
العدالة ويكون الأقرب والأبعد بالنسبة إليه على حد سواء.