المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
السيادة القمية Apical Dominance في البطاطس
2024-11-28
مناخ المرتفعات Height Climate
2024-11-28
التربة المناسبة لزراعة البطاطس Solanum tuberosum
2024-11-28
مدى الرؤية Visibility
2024-11-28
Stratification
2024-11-28
استخدامات الطاقة الشمسية Uses of Solar Radiation
2024-11-28

الصيرورة
2-8-2022
الظروف التي تسبق عملية التأديب للطفل
2023-02-07
أحكام شرعية بث الامام الرضا رأيه فيها
2-8-2016
النعمان الثالث.
2023-12-18
خدمات الصرف الصحي - مياه المجاري
10-3-2021
تفاعل الإشعاع والمادة
4/10/2022


نظرة نقديّة لفنون العمل الأدبي-الترجمة والسيرة  
  
1684   12:29 صباحاً   التاريخ: 14-08-2015
المؤلف : سيّد قُطب
الكتاب أو المصدر : النقد الأدبي أصوله ومناهجه
الجزء والصفحة : ص102-105
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 13763
التاريخ: 14-08-2015 4326
التاريخ: 27-7-2017 16519
التاريخ: 27-7-2017 12115

 التراجم الشخصية فن حديث من فنون الأدب، انفصل عن علم التاريخ، ودخل عالم الأدب من باب الطاقة الشعورية التي يبثها الاديب في موضوعه، والقيم الفنية التي يتضمنها تعبيره.

والتراجم على هذا الوضع تشتمل العنصرين الاساسيين للعمل الأدبي: (التجربة الشعورية) و(العبارة الموحية عن هذه التجربة) لأن إحساس المؤلف بحياة من يترجم له. وبظروفه وحالاته النفسية، وتطبيقها على تجاربه هو في عالم الشعور والحياة، وعلى التجارب الانسانية التي خبرها بنفسه او في قراءته، ومحاولة استنفاذ الملابسات التي احاطت بحياة بطله وذهبت في تيه الوجود، واستحضارها في الذهن والشعور من حياة البطل لحظة فلحظة ... كل هذا يجعل عنصر (التجربة الشعورية) ذا وجود حقيقي في ترجمة الشخصية. اما القيم التعبيرية فهي بطبيعتها ستوجد بوجود التجربة الشعورية على هذا النحو من القوة والوضوح.

فإذا خلت الترجمة من هذين العنصرين، او من أحدهما، استحالت سيرة او تاريخا بعيدا عن عالم الأدب. فمجرد سرد الحوادث والوقائع – مهما بلغ من الدقة والتفصيل والتحقيق – ليس هو (الترجمة) إنما هو المادة الخامة التي تصنع منها الترجمة، حين يتناولها مؤلف موهوب، فينفخ فيها روحا وحياة، ويستنقذ من خلالها الكائن الانساني الذي وقعت له، ويجعله يعيد تمثيلها كما لو كان حيا، وكنا نحن القراء نشهده مرة اخرى يقوم بما قام به في الحياة، ويعترض طريقه ما اعترض طريقه في الحياة.

للقيم التعبيرية هنا كل ما لها من الاصالة في فنون الأدب الاخرى. فاللفظة المشعة والعبارة الموحية، وطريقة السير في الموضوع ... كلها اذت أثر خلق جو الحياة حول البطل، وتجسيم الصور الخيالية لهذه الحياة المبعوثة والترجمة على هذا الوضع (قصة) تستمد عناصرها من الواقع لا من الخيال ولكن عنصر الخيال فيها ليس معدوما. فهو الذي يحيي حوادث الماضي ويستحضرها كأنها قائمة في الحاضر، وهو الذي يخلع سمة الحياة على الشخصية كأنها بعثت تعيش.

وليست الشخصية الانسانية وحدها هي التي تتناولها الترجمة على هذا الاساس. فالمدن، وربما الممالك، تمكن الترجمة لها على هذا النحو، فتصور كائنات حية تنمو نموا عضويا، وتشب وتهرم وتشيخ، ويقع لها من الحوادث ما يقع للأحياء، وتتعاطف مع الكون والحياة كما يتعاطف الاحياء. وترجمة (إميل لدفيج) للنيل لا تقل روعة عن ترجمته لنابليون، ولا تقل حركة وحيوية وانعطافا.

ولدينا في اللغة العربية عدة نماذج للتراجم ليست واحدة منها مما ينطبق عليه نص الاصطلاح الحرفي: (ترجمة).

لدينا طريقة العقاد في رسم (صور نفسية) للبطل بعرض خصائصه الاساسية البارزة، والتدليل عليها بحوادث منتقاه من تاريخه لها دلالتها على هذه الخصائص، دون الدخول في تفصيلات حياته، وتتبع خطاه، وكتب (العبقريات) كلها من هذا الطراز.

ويبلغ فيه من البراعة الى حد ان خطا هنا وخطا هناك في الصورة يبرز الملامح، ويصور السمات، ويدع هذه الشخصية تنتفض حية، معروفة لدينا كما لو كنا صحبناه امداً طويلاً. وهو يكسب في هذه الصورة عصارة نفسه، وخلاصة تجاربه وقوة منطقه ونصاعة تعبيره. ولهذا تعد تلك (العبقريات) أحسن أعماله.

ولكن هذه الريقة – على ما فيها من ابداع – ليست مأمونة، لان الغلطة الصغيرة فيها تذهب بالصورة كلها. فهي غلطة في سمة انسانية، لا في حادثة جزئية. ولا تخلو من نقص وخطر، لان الشخصية الانسانية ليست وحدة ثابتة في جميع الظروف والاحوال، فالاكتفاء بالسمات البارزة (والخصائص الكبيرة، والحوادث المختارة، لا يكفل تصوير الشخصية من كل جوانبها، وفي جميع ملابساتها، ولا يضمن لنا صورة من الحياة المتسلسلة للبطل كما عاشها او مرة. اي لا يضمن لنا سمة القصة وهي سمة ضرورية في (ترجمة الشخصية). كما ان قلة عناية العقاد بتحرير النصوص والحوادث التي يرتكن إليها في رسم خطوط الشخصية الاساسية قد تقود الى اخطاء اساسية في تصويرها، وتنتهي الى صورة مضللة او محرفة.

ولدينا الطريقة المقابلة لطريقة العقاد وهي طريقة هيكل في (حياة محمد) وفي (الصديق ابو بكر) وفي (الفاروق عمر)، ولكن هيكل تنقصه الحساسية الشاعرية، وهي عنصر اصيل في الترجمة لأنها هي التي تكفل الحياة للسيرة، وتضمن عملية البعث. فليست الترجمة حوادث تروى، بل حياة تعاد. كما ينقصه إدراك روح الفترة التي عاشت فيها هذه الشخصيات. ومن ثم فهو لا يحسن إدراك العوامل الشعورية التي كانت تعتمل في نفوس محمد او ابي بكر او عمر او كثير من الشخصيات الاخرى التي عاشت في هذا الإطار.

والقارئ لكتب هيكل هذه يجد سردا للحوادث وتعليقا عليها، ومناقشة للآراء فيها. وهذا كله يبدد الصورة الانسانية من ورائها، ويحيلها سيرة تاريخية جامدة، عنصرا لحياة فيها ضئيل. ويصعب احتسابها (عملا أدبيا) بالمقاييس التي اسلفناها الا في مواضع منها معدودة.

وهناك طريقة ثالثة وهي طريقة شفيق غربال في كتابه عن (محمد علي الكبير) يرسم فيها الشخصية تعمل في ظروفها ومحيطها؛ وهو لا يجانب الترتيب التاريخي في السيرة، ولا يتخطاه ليجمع الحوادث ذات الدلالة على سمة معينة – كما يصنع العقاد – ولكنه كذلك لا يتقيد بالاستعراض الكامل لحوادث السيرة – على طريقة هيكل – فهو يختار منها على الترتيب التاريخي ما يصور شخصية البطل وظروف محيطه، وطريقة عمله في هذا المحيط.

ولكن هذا العمل أقرب الى علم التاريخ منه الى فن الأدب. لأن إحياء الشخصية كأنها تعيش وتعاني التجارب الشعورية وتنفعل بها، وتؤثر في سواها .. كل هذا لم يكن من برنامج المؤلف. لانه لم يرد تصوير حياة بطل إنما أراد تاريخ سيرته. وهذا ما يبعدها عن نطاق الأدب الى نطاق التاريخ.

بقي لدينا طراز لم يرد به صاحبه ان يكون (ترجمة) خالصة، ولم يرد به ان يكون بحثا ادبيا خالصا. إنما هو بين بين. ذلك هو طراز طه حسين في كتابه: (مع المتنبي).

وهذا الطراز لا يدخل عالم الأدب تحت عنوان (التراجم) ولا تحت عنوان (البحوث الأدبية) إنما يدخله تحت عنوان (الاستعراض التصويري). فالمؤلف يرسم في الطريق بعض ملامح الشخصية، ويستعرض بعض الحوادث التي صادفتها، ويصور انفعالاتها بهذه الحوادث واستجاباتها الشعورية، ويخلع الحياة على هذه الانفعالات والاستجابات؛ ويدخل في ذلك بعض الدراسة الأدبية لمخلفات هذه الشخصية. وهذا (عمل ادبي) له من خصائص العمل الأدبي التجربة الشعورية والتعبير عنها في صورة موحية. ولكنه ليس (ترجمة) وان نكن تحدثنا عنه تحت هذا العنوان!

ولعل كتاب (جبران) لمخائيل نعيمة قد حقق سمة القصة في الترجمة، ولعله الوحيد في المكتبة العربية من نوعه في تحقيقها. ولكنننا لا ننسى ظروف الصداقة والمصاحبة الشخصية بين المترجم والمترجم له، وهي ظروف لم تتح لأصحاب التراجم الاخرين، فجاءت الترجمة هنا أشبه شيء بالذكريات الشخصية الحياة.

ومن هذا البيان يبدو لنا أن مكان التراجم بمعناها الاصطلاحي الكامل لا يزال ناقصا في المكتبة العربية. وإنه ليكمل حين تجتمع طريقة العقاد الشاعرية الى طريقة هيكل الاستعراضية مع تحرير النصوص وتحقيق الحوادث وتوافر الادراك الصحيح لروح الفترة وروح الشخصية. وحين تصور الشخصية تصويراً حيا وهي تخطو خطوة خطوة، وتعيد دورها على صفحات الكتاب كما لو كانت تعيشه في الحياة، مكا صنع ميخائيل نعيمة!

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.