المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9095 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

المستعصـم
25-1-2018
التفاوت الطبيعي بين النّاس لماذا؟
24-07-2015
قاعدة « الميسور »
20-4-2022
الشيخ صالح ابن الشيخ مهدي بن الخطاط
29-11-2017
معنى كلمة فوه‌
10-12-2015
الخصائص العامة لعيب عدم الاختصاص
8-6-2016


محاولات الإمام الحسين ( عليه السّلام ) لإيقاظ الامّة  
  
1901   05:58 مساءً   التاريخ: 14-7-2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 5، ص115-125
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2016 3516
التاريخ: 22-5-2019 2144
التاريخ: 3-04-2015 3824
التاريخ: 17-3-2016 3078

لم يخلد الإمام الحسين ( عليه السّلام ) إلى السكون والخمول حتى عند إقراره الصلح مع معاوية ، فقد تحرّك انطلاقا من مسؤوليّته تجاه الشريعة والامّة الإسلامية وبصفته وريث النبوّة - بعد أخيه الإمام الحسن ( عليه السّلام ) - مراعيا ظروف الامّة وساعيا إلى المحافظة عليها . وقد عمل الإمام ( عليه السّلام ) في فترة حكم معاوية على تحصين الامّة ضدّ الانهيار التام فأعطاها من المقوّمات المعنوية القدر الكافي ، كي تتمكّن من البقاء صامدة في مواجهة المحن . وإليك جملة من هذه المواقف :

مواجهة معاوية وبيعة يزيد :

أعلن الإمام الحسين ( عليه السّلام ) رفضه القاطع لبيعة يزيد وكذا زعماء يثرب ، فقرّر معاوية أن يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فاجتمع بالإمام وعبد اللّه بن عباس ، فأشاد بالنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وأثنى عليه ، وعرض بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ودعاهما إلى بيعته ، فانبرى الإمام ( عليه السّلام ) فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

« أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي المادح وإن أطنب في صفة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) من إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النعت ، وهيهات هيهات يا معاوية ! ! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضّلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى بخلت ، وجرت حتى تجاوزت ، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب ، حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل .

وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله ، وسياسته لامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت غائبا ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السبق لأترابهنّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي ، تجده ناصرا .

ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ! فو اللّه ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص ، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولعمر اللّه لقد أورثنا الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) فأذعن للحجّة بذلك وردّه الإيمان إلى النصف .

فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار .

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وتأميره له ، وقد كان ذلك لعمرو ابن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتى أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) لا جرم يا معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟ أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا وحولك من يؤمن في صحبته ، ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ؟ تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقى بها في آخرتك ، إنّ هذا لهو الخسران المبين ، وأستغفر اللّه لي ولكم .

وذهل معاوية من خطاب الإمام ( عليه السّلام ) ، وضاقت عليه جميع السبل فقال لابن عباس : ما هذا يا ابن عباس ؟ فقال ابن عباس : لعمر اللّه إنّها لذرّية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأحد أصحاب الكساء ومن البيت المطهّر ، فاسأله عمّا تريد فإنّ لك في الناس مقنعا حتى يحكم اللّه بأمره وهو خير الحاكمين .[1].

وقد اتّسم موقف الإمام الحسين ( عليه السّلام ) مع معاوية بالشدّة والصرامة ، وأخذ يدعو المسلمين علنا إلى مقاومة معاوية ، ويحذّرهم من سياسته الهدّامة التي تحمل الدمار إلى الاسلام .

محاولة جمع كلمة الامّة والاستجابة لحركة الجماهير :

وأخذت الوفود تترى على الإمام من جميع الأقطار الإسلامية وهي تعجّ بالشكوى وتستغيث به نتيجة الظلم والجور الذي حلّ بها ، وتطلب منه القيام بإنقاذها من الاضطهاد ، ونقلت العيون في يثرب إلى السلطة المحلّية أنباء تجمّع الناس واختلافهم إلى الإمام ( عليه السّلام ) وكان الوالي مروان بن الحكم ، ففزع من ذلك وخاف من عواقبه جدا ، فرفع مذكّرة إلى معاوية جاء فيها : أمّا بعد فقد كثر اختلاف الناس إلى الحسين ، واللّه إنّي لأرى لكم منه يوما عصيبا[2].

واضطرب معاوية من تحرّك الإمام الحسين ( عليه السّلام ) فكتب اليه رسالة جاء فيها : أمّا بعد ، فقد أنهيت إليّ عنك أمور ، إن كانت حقّا فإنّي لم أظنّها بك رغبة عنها ، وإن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها ، وبحظ نفسك تبدأ ، وبعهد اللّه توفي فلا تحملني على قطيعتك والإساءة إليك ، فإنّك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّق اللّه يا حسين في شقّ عصا الامّة ، وأن تردّهم في فتنة[3].

فضح جرائم معاوية :

كتب الإمام ( عليه السّلام ) إلى معاوية مذكّرة خطيرة كانت ردّا على رسالته يحمّله فيها مسؤوليّات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء وفقدان الأمن وتعريض الامّة للأزمات . وتعدّ من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية ، وهذا نصّها : « أمّا بعد ، بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، وأنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلّا اللّه تعالى . أمّا ما ذكرت أنّه رقى إليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون ، ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإنّي لأخشى اللّه في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين حزب الظلمة .

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ؟ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ، جرأة على اللّه واستخفافا بعهده .

أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّلونه ؟ فقتلته بعد ما أمّنته وأعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال .

أو لست بمدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ؟ وقد قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) « الولد للفراش وللعاهر الحجر » فتركت سنّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تعمّدا ، وتبعت هواك بغير هدى من اللّه ، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنّك لست من هذه الامّة وليسوا منك .

أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين عليّ كرم اللّه وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ ؟ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين عليّ هو دين ابن عمّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف .

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ودينك ولامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) واتّق شقّ عصا هذه الامّة وأن تردّهم إلى فتنة ، وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامّة من ولايتك عليها ، ولا أعظم لنفسي ولديني ولامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) أفضل من أن اجاهرك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى اللّه ، وإن تركته فإنّي استغفر اللّه لديني واسأله توفيقه لإرشاد أمري .

وقلت فيما قلت : إنّي إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا أو قتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلّا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا ، مخافة أمر لعلّك إن لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا .

فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ للّه تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءه على التّهم ، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلّا قد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيّتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقيّ »[4].

ولا توجد وثيقة سياسية في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجّلت الجرائم التي ارتكبها معاوية غير هذه الوثيقة ، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد .

استعادة حقّ مضيّع :

وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه ، كما كان يهب الأموال الطائلة لبني اميّة لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي ، وكان الإمام الحسين ( عليه السّلام ) يشجب هذه السياسة ، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي ، ولا يقوم إلّا على القمع والتزييف والإغراء . وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن مرسولة إلى خزينة دمشق ، فعمد الإمام ( عليه السّلام ) إلى الاستيلاء عليها ووزّعها على المحتاجين ، وكتب إلى معاوية : « من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد فإنّ عيرا مرّت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهل بني أبيك ، وإنّي احتجتها إليها فأخذتها ، والسلام »[5].

فأجاب معاوية : من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن عليّ ، سلام عليك ، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيرا مرّت بك من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليّ لأودعها خزائن دمشق واعلّ بها بعد النهل بني أبي ، وإنّك احتجت إليها فأخذتها ، ولم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه ، وأيم اللّه لو تركت ذلك حتى صار إليّ لم أبخسك حظك منه ، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة وبودّي أن يكون ذلك في زماني ، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك ، ولكنّي واللّه أتخوّف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة[6].

إنّ الإمام الحسين ( عليه السّلام ) دلّل بعمله على أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين ، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي ، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسين ( عليه السّلام ) نفسه الذي ينفق أموال بيت المال وفق المعايير الإسلامية . وقد أكّد ( عليه السّلام ) في رسالته على أنّه لا يعترف رسميا بخلافة معاوية ؛ إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون . ومن هنا حاول معاوية الالتفاف على موقف الإمام ( عليه السّلام ) فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك ، فقد بات موقف الإمام الحسين ( عليه السّلام ) معيارا إسلاميا وملاكا فارقا وفاصلا بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعا على مدى التأريخ ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوى أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام .

لقد كان موقف الإمام ( عليه السّلام ) هذا إشارة واضحة للاعتراض على تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي .

تذكير الامّة بمسؤوليّتها :

عقد الإمام ( عليه السّلام ) في مكة مؤتمرا سياسيّا عامّا دعا فيه جمهورا غفيرا ممّن شهد موسم الحجّ من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين ، فانبرى ( عليه السّلام ) خطيبا فيهم ، وتحدّث عمّا ألمّ بعترة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وشيعتهم من المحن والإحن التي صبّها عليهم معاوية ، وما اتّخذه من الإجراءات المشدّدة في إخفاء فضائلهم ، وستر ما اثر عن الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) في حقّهم ، وألزم الحاضرين بإذاعة ذلك بين المسلمين ، وفيما يلي ما رواه سليم بن قيس عن هذا المؤتمر ونصّ خطاب الإمام ( عليه السّلام ) حيث قال : ولمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ومن حجّ من الأنصار ممّن يعرفهم الحسين وأهل بيته ، ثم أرسل رسلا وقال لهم : لا تدعوا أحدا حجّ العام من أصحاب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) المعروفين بالصلاح والنسك إلّا اجمعوهم لي ، فاجتمع اليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق ، عامّتهم من التابعين ، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فقام فيهم خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : « أمّا بعد ، فإنّ هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، وإنّي أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني ، وإن كذبت فكذّبوني ، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس ، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون ، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون » .

قال الراوي : فما ترك الحسين شيئا ممّا أنزل اللّه فيهم إلّا تلاه وفسّره ، ولا شيئا ممّا قاله رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في أبيه وأخيه وامّه وفي نفسه وأهل بيته إلّا رواه ، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه : اللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا ، وممّا ناشدهم ( عليه السّلام ) أن قال :

« أنشدكم اللّه ، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول اللّه حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه ، وقال : أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم هل تعلمون أنّ رسول اللّه اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له ، وجعل عاشرها في وسطها لأبي ، ثم سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه ؟ فتكلّم في ذلك من تكلّم ، فقال : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ، ولكنّ اللّه أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه ، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره ، وكان بجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول اللّه ، فولد لرسول اللّه وله فيه أولاد ، قالوا : اللّهمّ نعم ، قال :

أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه ، ثم خطب فقال : إنّ اللّه أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه ؟

قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه قال في غزوة تبوك : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلّا به وبصاحبته وابنيه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه دفع اليه اللواء يوم خيبر ، ثم قال : لأدفعه إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله كرّار غير فرّار ، يفتحها اللّه على يديه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعثه ببراءة وقال : لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :

أتعلمون أنّ رسول اللّه لم تنزل به شدّة قطّ إلّا قدّمه لها ثقة به وأنّه لم يدعه باسمه قطّ ، إلّا يقول يا أخي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :

أتعلمون أنّ رسول اللّه قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال : يا عليّ أنت منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ؟ قالوا : اللهم نعم . قال :

أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) كلّ يوم خلوة ، وكلّ ليلة دخلة ، إذا سأله أعطاه ، وإذا سكت أبداه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :

أتعلمون أنّ رسول اللّه فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة ( عليها السّلام ) : زوّجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :

أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال : أنا سيّد ولد آدم ، وأخي عليّ سيّد العرب ، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ؟ والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنة ، قالوا : اللّهمّ نعم .

 قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أمره بغسله ، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه ؟ قالوا :

اللّهمّ نعم . قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال في آخر خطبة خطبها : أيّها النّاس ! إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه وأهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا ؟ قالوا : اللّهمّ نعم .

فلم يدع ( صلّى اللّه عليه واله ) شيئا أنزله اللّه في عليّ بن أبي طالب خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه إلّا ناشدهم فيه فيقول الصحابة : اللّهمّ نعم قد سمعناه ، ويقول التابعي : اللّهم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان .

ثم ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول : من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّا فقد كذب ، ليس يحبّني وهو يبغض عليّا ، فقال له قائل : يا رسول اللّه وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه منّي وأنا منه ، من أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه ؟ فقالوا : اللّهمّ نعم ، قد سمعناه ، وتفرّقوا على ذلك[7].

موت معاوية :

لقد كان موت معاوية بن أبي سفيان في سنة ستّين من الهجرة[8].

واستقبل معاوية الموت غير مطمئن ، فكان يتوجّع ويظهر الجزع على ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم ، وقد وافاه الأجل في دمشق محروما عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله على رقاب المسلمين ، وكان يزيد فيما يقول المؤرّخون مشغولا عن أبيه - في أثناء وفاته - برحلات الصيد وغارقا في عربدات السكر ونغمة العيدان[9]

 

[1] حياة الإمام الحسين : 2 / 219 - 220 .

[2] حياة الإمام الحسين : 2 / 223 .

[3] المصدر السابق : 2 / 224 .

[4] حياة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 2 / 235 عن الإمامة والسياسة : 1 / 284 ، والدرجات الرفيعة : 334 ، وراجع الغدير : 10 / 161 .

[5] نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 327 ، الطبعة الأولى ، وناسخ التواريخ : 1 / 195 .

[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 327 ، وناسخ التواريخ : 1 / 195 .

[7] كتاب سليم بن قيس : 323 ، تحقيق محمد باقر الأنصاري .

[8] سيرة الأئمّة الاثني عشر : 2 / 54 .

[9] حياة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 2 / 239 - 240 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.