أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-18
271
التاريخ: 4-7-2016
3231
التاريخ: 27/11/2022
1217
التاريخ: 2024-09-21
199
|
أخبار الفتح حسب مختلف الروايات
وذكر الحجاري وابن حيان وغيرهما أن أول من دخل جزيرة الأندلس من المسلمين برسم الجهاد طريف البربري مولى موسى بن نصير الذي تنسب إليه جزيرة طريف التي على المجاز، غزاها بمعونة صاحب سبتة يليان النصراني، لحقده على لذريق صاحب الأندلس، وكان في مائة فارس وأربعمائة راجل، جاز البحر في أربعة مراكب، في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين، وانصرف
(229)
بغنيمة جليلة، فعقد موسى بن نصير صاحب المغرب لمولاه طارق بن زياد على الأندلس، ووجهه مع يليان صاحب سبتة، انتهى.
وسيأتي في أمر طريف وغيره ما يخالف هذا السياق (1) ، وهي أقوال.
وقال ابن حين: إن أول أسباب فتح الأندلس كان أن ولى الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير مولى عمه عبد العزيز على إفريقية وما خلفها سنة ثمان وثمانين فخرج في نفر قليل من المطوعة، فلما ورد مصر أخرج معه من جندها بعثا، وفعل ذلك في إفريقية، وجعل على مقدمته مولاه طارقا، فلم يزل يقاتل البربر ويفتح مدائنهم، حتى بلغ مدينة طنجة، وهي قصبة بلادهم وأم مدائنهم فحصرها حتى فتحها، وأسلم أهلها، ولم تكن فتحت قبله، وقيل: بل فتحت ثم استغلقت.
وذكر ابن حيان أيضا استصعاب سبتة على موسى بتدبير صاحبها الداهية الشجاع يليان النصراني، وأنه في أثناء ذلك وقع بينه وبين لذريق صاحب الأندلس، ثم سرد ما يأتي ذكره.
وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله: وحديث الفتح، وما من الله به على الإسلام من المنح، وأخبار ما أفاء الله من الخير، على موسى بن نصير، وكتب من جهاد، لطارق بن زياد، مملول قصاص وأوراق، وحديث أفول وإشراق، وإرعاد وإبراق، وعظم امتشاش، وآلة معلقة في دكان قشاش، انتهى.
وقال في المغرب: طارق بن زياد من إفريقية.
وقال ابن بشكوال: إنه طارق بن عمرو، فتح جزيرة الأندلس ودوخها، وإليه نسب جبل طارق الذي يعرفه العامة بجبل الفتح، في قبلة الجزيرة الخضراء، ورحل مع سيده بعد فتح الأندلس إلى الشام وانقطع خبره، انتهى.
(230)
وقال أيضا: إن طارقا كان حسن الكلام ينظم ما يجوز كتبه، وأما المعارف السلطانية فيكفيه ولاية سلطنة الأندلس وما فتح فيها من البلاد إلى أن وصل سيده موسى بن نصير.
ومن تاريخ ابن بشكوال: احتل طارق بالجبل المنسوب إليه يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين في اثني عشر ألفا غير اثني عشر رجلا من البربر، ولم يكن فيهم من العرب إلا شيء يسير، وإنه لما ركب البحر رأى وهو نائم النبي، صلى الله عليه وسلم، وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا طارق تقدم لشأنك، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، فهب من نومه مستبشرا، وبشر أصحابه، وثابت نفسه ببشراه، ولم يشك في الظفر، فخرج من الجبل، واقتحم بسيط البلد شانا للغارة، وأصاب عجوزا من أهل الجزيرة فقالت له في بعض قولها: إنه كان لها زوج عالم بالحدثان، فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيغلب عليه، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة، فأنت كذلك، ومنها أن في كتفه اليسرى شامة عليها شعر، فإن كانت فيك فأنت هو، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت، فاستبشر بذلك ومن معه.
ومن تاريخ ابن حيان: لما حرض يليان النصراني صاحب سبتة، للأمر الذي وقع بينه وبين صاحب الأندلس، موسى بن نصير على غزو الأندلس جهز لها مولاه طارقا المذكور في سبعة آلاف من المسلمين، جلهم من البربر، في أربع سفن، وحط بجبل طارق المنسوب إليه يوم السبت في شعبان سنة اثنتين وتسعين، ولم تزل المراكب تعود حتى توافى جميع أصحابه عنده بالجبل، قال: ووقع على لذريق صاحب الأندلس الخبر، وأن يليان السبب فيه، وكان يومئذ غازيا في جهة البشكنس، فبادر في جموعه وهم نحو مائة ألف ذوي عدد وعدة (2) ،
(231)
وكتب طارق إلى موسى بأنه قد زحف إليه (3) لذريق بما لا طاقة له به، وكان عمل من السفن عدة، فجهز له فيها خمسة آلاف من المسلمين، فكملوا بمن تقدم اثني عشر ألفا، ومعهم يليان صاحب سبتة في حشده يدلهم على العورات، ويتجسس لهم الأخبار، وأقبل نحوهم لذريق ومعه خيار العجم وأملاكها وفرسانها، وقلوبهم عليه، فتلاقوا فيما بينهم، وقالوا: إن هذا الخبيث غلب على سلطاننا، وليس من بيت الملك، وإنما كان من أتباعنا، ولسنا نعدم من سيرته خبالا واضطرابا، وهؤلاء القوم الذين طرقوا لا حاجة لهم في إيطان بلدنا، وإنما مرادهم أن يملأوا أيديهم من الغنائم ويخرجوا عنا، فلهم فلننهزم بابن الخبيثة إذا نحن لقينا القوم، فلعلهم يكفوننا أمره، فإذا هم انصرفوا عنا أقعدها في ملكنا من يستحقه، فأجمعوا على ذلك، انتهى.
وقال ابن خلدون (4) - بعد ذكره أن القوطيين كان لهم ملك الأندلس، وأن ملكهم لعهد الفتح يسمى لذريق - ما نصه: وكانت له خطوة وراء البحر في هذه العدوة الجنوبية خطوها من فرضة المجاز بطنجة، ومن زقاق البحر إلى بلاد البربر، واستعبدوهم، وكان ملك البرابرة بذلك القطر الذي هو اليوم جبار غمارة يسمى يليان، فكان يدين بطاعتهم وبملتهم، وموسى بن نصير أمير المغرب (5) إذ ذاكعامل على إفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك، ومنزله بالقيروان، وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الأقصى، ودوخ أقطاره، وأثخن (6) في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق، واستنزل يليان لطاعة الإسلام، وخلف مولاه طارق بن زياد الليثي واليا بطنجة، وكان يليان ينقم على لذريق ملك القوط لعهده بالأندلس فعلة فعلها زعموا
(232)
بابنته الناشئة في داره على عادتهم في بنات بطارقتهم، فغضب لذلك، وأجاز إلى لذريق، وأخذ ابنته منه، ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على عورة (7) فيهم أمكنت طارقا فيها الفرصة فانتهزها لوقته، وأجاز البحر سنة اثنتين وتسعين من الهجرة بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلثمائة من العرب، واحتشد معهم من البربر زهاء عشرة آلاف، فصيرهم عسكرين: أحدهما على نفسه ونزل به جبل الفتح، فسمي جبل طارق به، والآخر على طريف بن مالك النخعي، ونزل بمكان مدينة طريف، فسمي به، وأداروا الأسوار على أنفسهم للتحصن، وبلغ الخبر إلى لذريق فنهض إليهم يجر أمم الأعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء أربعين ألفا، وزحفوا إليه، فالتقوا بفحص شريش، فهزمه الله ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم، وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم، فحركته الغيرة، وكتب إلى طارق يتوعده إن توغل بغير إذنه، ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به، واستخلف على القيروان ولده عبد الله، وخرج ومعه حبيب بن أبي عبيدة (8) الفهري، ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب الموالي (9) وعرفاء البربر، ووافى خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء، فأجاز إلى الأندلس، وتلقاه طارق فانقاد واتبع، وأتم موسى الفتح، وتوغل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف، وصنم قادس في الغرب، ودوخ أقطارها، وجمع غنائمها، وأجمع أن يأتي المشرق من ناحية القسطنطينية، ويتجاوز إلى الشام دروبه ودروب الأندلس، ويخوض إليه ما بينهما من أمم الأعاجم النصرانية، مجاهدا فيهم، مستلحما
(233)
لهم، إلى أن يلحق بدار الخلافة، ونمي الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب، ورأى أن ما هم به موسى غرر بالمسلمين، فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف، وأسر إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع (10) ، وكتب له بذلك عهده، ففت ذلك في عزم موسى، وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل ابنه عبد العزيز لسدها وجهاد عدوها (11) ، وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة، واحتل موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين، وارتحل إلى المشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر، يقال: إن من جملتها ثلاثين ألف رأس من السبي، وولى على إفريقية ابنه عبد الله، وقدم على سليمان بن عبد الملك فسخطه ونكبه، وثارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز بإغراء سليمان فقتلوه لسنتين من ولايته، وكان خيرا فاضلا، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة، وولي من بعده أيوب بن حبيب اللخمي، وهو ابن أخت موسى بن نصير، فولي عليها ستة أشهر، ثم تتابعت ولاة العرب على الأندلس: تارة من قبل الخليفة، وتارة من قبل عامله بالقيروان، وأثخنوا في أمم الكفر وافتتحوا برشلونة من جهة المشرق، وحصون قشتالة وبسائطها من جهة الجوف، وانقرضت أمم القوط، وأرز (12) الجلالقة ومن بقي من أمم العجم إلى جبال قشتالة وأربونة وأفواه الدروب فتحصنوا بها، وأجازت عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلوا البسائط وراءها، وتوغلوا في بلاد الفرنجة، وعصفت ريح الإسلام بأمم الكفر من كل جهة، وربما كان بين جنود الأندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجد للعدو بعض الكرة، فرجع الإفرنج ما كانوا غلبوهم عليه من بلاد برشلونة لعهد ثمانين
(234)
سنة من لدن فتحها، واستمر الأمر على ذلك " .
" وكان محمد بن يزيد عامل إفريقية لسليمان بن عبد الملك - لما بلغه مهلك عبد العزيز بن موسى بن نصير - بعث إلى الأندلس الحر بن عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، فقدم الأندلس، وعزل أيوب بن حبيب، وولي سنتين وثمانية أشهر " .
" ثم بعث عمر بن عبد العزيز على الأندلس السمح بن مالك الخولاني على رأس المائة من الهجرة، وأمره أن يخمس أرض الأندلس، فخمسها وبنى قنطرة قرطبة،واستشهد غازيا بأرض الفرنجة سنة ثنتين ومائة، فقدم أهل الأندلس عليهم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي إلى أن قدم عنبسة بن سحيم الكلبي من قبل يزيد بن أبي مسلم عامل إفريقية، فقدمها في صفر سنة ثلاث ومائة، فاستقام أمر الأندلس، وغزا الفرنجة، وتوغل في بلادهم، واستشهد سنة سبع ومائة لأربع سنين وأربعة أشهر " .
" ثم تتابعت ولاة الأندلس من قبل أمراء إفريقية: فكان أولهم يحيى بن سلمة الكلبي، أنفذه بشر بن صفوان الكلبي والي إفريقية، لما استدعى منه أهل الأندلس واليا بعد مقتل عنبسة، فقدمها آخر سنة سبع، وأقام في ولايتها سنتين ونصفا، ولم يغز، وقدم إليها عثمان بن أبي نسعة الخثمعي (13) واليا من قبل عبيدة عبد الرحمن السلمي صاحب إفريقية، وعزله لخمسة أشهر بحذيفة بن الأحوص القيسي فوافاها سنة عشر، وعزل قريبا يقال: لسنة إحدى عشرة، وغزا أرض مقوشة (14) فافتتحها وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة لسنتين من ولا يته، وقدم بعده محمد بن عبد الله الأشجعي، فولي شهرين، ثم قدم عبد الرحمن بن
(235)
عبد الله الغافقي من قبل عبيد الله بن الحبحاب صاحب إفريقية، فدخلها سنة ثلاث عشرة، وغزا الإفرنجة، وكانت له فيهم وقائع، وأصيب عسكره في رمضان سنة أربع عشرة، في موضع يعرف ببلاط الشهداء، وبه عرفت الغزوة، وكانت ولاته سنة وثمانية أشهر، ثم ولي عبد الملك بن قطن الفهري، وقدم في رمضان سنة أربع عشرة فولي سنتين - وقال الواقدي: أربع سنين - وكان ظلوما جائرا في حكومته،وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة ومائة، فأوقع بهم وغنم، ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة، وولي عقبة بن الحجاج السلولي من قبل عبيد الله بن الحبحاب، فأقام خمس سنين محمود السيرة مجاهدا مظفرا، حتى بلغ سكنى المسلمين أربونة، وصار رباطهم على نهر رودنة (15) ، ثم وثب عليه عبد الملك بن قطن الفهري سنة إحدى وعشرين، فخلعه وقتله، ويقال: أخرجه من الأندلس وولي مكانه إلى أن دخل بلج بن بشر بأهل الشام سنة أربع وعشرين، فغلب عليه، وولي الأندلس سنة أو نحوها.
وقال الرازي: ثار أهل الأندلس بأميرهم عقبة في صفر سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبد الملك، وولوا عليهم عبد الملك بن قطن ولايته الثانية، فكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر، وتوفي بقرقشونة (16) في صفر سنة ثلاث وعشرين، واستقام الأمر لعبد الملك، ثم دخل بلج بن بشر القشيري بجند الشام ناجيا من وقعة كلثوم بن عياض مع البربر بملوية (17) ، فثار على عبد الملك، وقتله وهو ابن سبعين سنة، واستوثق له الأمر بعد مقتل عبد الملك، وانحاز الفهريون إلى جانب، فامتنعوا عليه، وكاشفوه، واجتمع إليهم من أنكر فعلته بابن قطن، وقام بأمرهم قطن وأمية ابنا عبد الملك بن قطن،
(236)
والتقوا فكانت الدائرة على الفهريين وهلك بلج من الجراح التي نالته في حربهم، وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته، ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي، وغلب على إمارة الأندلس بعد مهلك بلج، وانحاز عنه الفهريون فلم يطيعوه، وولي سنتين أظهر فيهما العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر، إلى أن مالت به العصبية في يمانيته، ففسد أمره، وهاجت الفتنة، وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي من قبل حنظلة بن صفوان عامل إفريقية، ركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين، فدان له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي نسعة وابنا عبد الملك، فلقيهم وأحسن إليهم، واستقام أمره، وكان شجاعا كريما ذا رأي وحزم، وكثر أهل الشام عنده، ولم تحملهم قرطبة ففرقهم في البلاد، وأنزل أهل دمشق إلبيرة لشبهها بها، وسماها دمشق، وأنزل أهل حمص إشبيلية،وسماها حمص، وأهل قنسرين جيان، وسماها قنسرين، وأهل الأردن رية ومالقة (18) ، وسماهما الأردن، وأهل فلسطين شذونة - وهي شريش - وسماها فلسطين، وأهل مصر تدمير، وسماها مصر، وقفل ثعلبة إلى المشرق، ولحق بمروان بن محمد، وحضر حروبه، وكان أبو الخطار أعرابيا عصبيا أفرط عند ولايته في التعصب لقومه من اليمانية، وتحامل على المضرية، وأسخط قيسا،وأمر في بعض الأيام بالصميل بن حاتم كبير القيسية - وكان من طوالع بلج، وهو الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ورأس على المضرية - فأقيم من مجلسه، وتقنع، فقال له بعض الحجاب وهو خارج من القصر: أقم عمامتك يا أبا الجوشن، فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها، فسار الصميل بن حاتم أميرهم يومئذ وزعيمهم، وألب عليه قومه، واستعان بالمنحرفين عنه من اليمانية، فخلع أبو الخطار سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته، وقدم مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي،
(237)
وهاجت الحرب المشهورة، وخاطبوا بذلك عبد الحمن بن حبيب صاحب إفريقية، فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس منسلخ رجب سنة تسع وعشرين فضبط الأندلس، وقام بأمره الصميل، واجتمع عليه الفريقان، وهلك لسنة من ولايته، ووقع الخلاف بإفريقية والتاث أمر بني أمية بالمشرق،وشغلوا عن قاصية الثغور بكثرة الخوارج، وعظم أمر المسودة فبقي أهل الأندلس فوضى، ونصبوا للأحكام خاصة عبد الرحمن بن كثير، ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين المضرية واليمانية وإدالتها بين الجندين سنة لكل دولة، وقدم المضرية على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة تسع وعشرين، واستتم سنة ولايته بقرطبة دار الإمارة، ثم وافته اليمانية لميعاد إدالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم، فبيتهم يوسف بمكان نزولهم في شقندة من قرى قرطبة بممالأة من الصميل بن حاتم والقيسية وسائر المضرية، فاستلحموهم، وثار أبو الخطار فقاتله الصميل وهزمه وقتله سنة تسع وعشرين، واستبد يوسف بما وراء البحر من عدوة الأندلس، وغلب اليمنية على أمرهم، فاستكانوا لغلبه، وتربصوا الدوائر إلى أن جاء عبد الرحمن الداخل. وكان يوسف ولى الصميل سرقسطة، فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق ثار الحباب الزهري بالأندلس داعيا لهم، وحاصر الصميل بسرقسطة، واستمد يوسف، فلم يمده رجاء هلاكه لما كان يغض به، وأمدته القيسية، فأفرج عنه الحباب، وفارق الصميل سرقسطة فملكها الحباب، وولى يوسف الصميل على طليطلة إلى أن كان من عبد الرحمن الداخل ما كان. انتهى كلام ولي الدين بن خلدون ببعض اختصار.
وقال بعض المؤرخين (19) : إن عبد الله بن مروان أخا عبد الملك كان واليا على مصر وإفريقية، فبعث إليه ابن أخيه الوليد الخليفة يأمره بإرسال موسى
(238)
ابن نصير إلى إفريقية، وذلك سنة سبع وثمانين للهجرة (20) ، فامتثل أمره في ذلك.
وقال الحميدي في " جذوة المقتبس " (21) : إن موسى بن نصير ولي إفريقية والمغرب سنة سبع وسبعين فقدمها ومعه جماعة من الجند، فبلغه أن بأطراف البلاد من هو خارج عن الطاعة، فوجه ولده عبد الله، فأتاه بمائة ألف رأس من السبايا، ثم ولده مروان إلى جهة أخرى، فأتاه بمائة ألف رأس، وقال الليث بن سعد: بلغ الخمس ستين ألف رأس، وقال الصدفي: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير، ووجد أكثر مدن إفريقية خالية لاختلاف أيدي البربر عليها، وكانت البلاد في قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى وخطب الناس ولم يذكر الوليد بن عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله تعالى، فسقوا حتى رووا ثم خرج موسى غازيا، وتتبع البربر، وقتل فيهم قتلا ذريعا، وسبى سبيا عظيما، وسار حتى انتهى إلى السوس الأدنى لا يدافعه أحد، فلما رأى بقية البربر ما نزل بهم استأمنوا، وبذلوا له الطاعة فقبل منهم، وولى عليهم واليا، واستعمل على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري، ويقال: إنه من الصدف، وترك عنده تسعة عشر ألفا من البربر بالأسلحة والعدة الكاملة، وكانوا قد أسلموا وحسن إسلامهم، وترك موسى عندهم خلقا يسيرا من العرب ليعلموا البربر القرآن وفرائض الإسلام، ورجع إلى إفريقية، ولم يبق بالبلاد من ينازعه من البربر ولا من الروم، ولما استقرت له القواعد كتب إلى طارق وهو بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس، فغزاها في اثني عشر ألفا من البربر خلا اثني عشر رجلا، وصعد على الجبل المنسوب إليه
(239)
يوم الاثنين خامس رجب سنة اثنتين وتسعين، وذكر عن طارق أنه كان نائما في المركب وقت التعدية، فرأى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، هكذا ذكر ابن بشكوال.
وقيل: إن موسى ندم على تأخره، وعلم أن طارقا إن فتح شيئا نسب الفتح إليه دونه، فأخذ في جمع العساكر، وولى على القيروان ابنه عبد الله، وتبع طارقا فلم يدركه إلا بعد الفتح. وقال بعض العلماء: إن موسى بن نصير كان عاقلا شجاعا كريما تقيا لله تعالى، ولم يهزم له قط جيش، وكان والده نصير على جيوش (22) معاوية، ومنزلته لديه مكينة، ولما خرج معاوية لصفين لم يخرج معه، فقال له: ما منعك من الخروج معي ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟ فقال: لم يمكني أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري من ك، فقال: من هو؟ فقال: الله عز وجل، فأطرق مليا ثم قال: أستغفر الله، ورضي عنه.
رجع إلى حديث طارق - قال بعض المؤرخين (23) : " كان ذريق ملك الأندلس استخلف عليها شخصا يقال له تدمير، وإليه تنسب تدمير بالأندلس، فلما نزل طارق من الجبل كتب تدمير إلى لذريق: إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء هم أم من الأرض، فلما بلغ لذريق ذلك - وكان قصد بعض الجهات البعيدة لغزو له في بعض أعدائه - رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس، ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين، وعليه مظلة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد. فلما بلغ طارقا دنوه قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد، ورغبهم ثم قال: أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع
(240)
من الأيتام، في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرا ذهبت ريحكم، وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمرا أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس [إلا وأنا] (24) أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا، استمعتم بالأرفه الألذ طويلا، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفى من حظي، وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا، ورضيكن لملوك هذه الجزيرة صهارا وأختانا، ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين، واعموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، احملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يخذلون.
فلما فرغ من تحريض أصحابه على الصبر في قتال لذريق وأصحابه وما
(241)
وعدهم من الخير الجزيل انبسطت نفوسهم، وتحققت آمالهم، وهبت رياح النصر عليهم، وقالوا له: قد قطعنا الآمال مما يخالف ما عزمت عليه، فاحضر إليه فإننا معك وبين يديك، فركب وأصحابه فباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح، فلما أصبح الفريقان تكتبوا وعبوا جيوشهم، وحمل لذريق وهو على سريره؛ وقد حمل على رأسه رواق ديباج يظلله، وهو مقبل في غابة من البنود والأعلام، وبين يديه المقاتلة والسلاح، وأقبل طارق في أصحابه عليهم الزرد، من فوق رؤوسهم العمائم البيض، وبأيديهم القسي العربية، وقد تقلدوا السيوف، واعتقلوا الرماح، فلما نظر إليهم لذريق حلف وقال: إن هذه الصور هي التي رأيناها ببيت الحكمة ببلدنا، فداخله منهم الرعب، فلما رأى طارق لذريق قال: هذا طاغية القوم، فحمل وحمل أصحابه معه، فتفرقت المقاتلة من بين يدي لذريق، فخلص إليه طارق فضربه بالسيف على رأسه، فقتله على سريره، ولم تقف هزيمة العدو على موضع، بل كانوا يسلمون بلدا بلدا ومعقلا معقلا.
" ولما سمع موسى بن نصير بما حصل من النصرة لطارق عبر الجزيرة بمن معه، ولحق مولاه طارق، فقال له: يا طارق، إنه لن يجازيك الوليد بن عبد الملك على بلائك بأكثر من أن يمنحك (25) الأندلس، فاستبحه هنيئا مريئا، فقال له طارق: أيها الأمير، والله لا أرجع عن قصدي هذا، ما لم أنته إلى البحر المحيط أخوض فيه بفرسي، يعني البحر الشمالي الذي تحت بنات نعش، ولم يزل طارق يفتح وموسى معه إلى أن بلغ إلى جليقية وهي ساحل البحر المحيط، انتهى.
وقال الحافظ الحميدي في كتابه " جذوة المقتبس " (26) : " إن موسى بن نصير
(242)
نقم على مولاه طارق إذ غزا بغير إذنه، وهم بقتله، ثم ورد عليه كتاب الوليد بإطلاقه، فأطلقه وخرج معه إلى الشام " انتهى.
__________
(1) ك: الانسياق.
(2) ك: عدة وعدد.
(3) ك: زحف عليه.
(4) تاريخ ابن خلدون 4: 117.
(5) ابن خلدون و ق: أمير العرب.
(6) ابن خلدون: وأوغل.
(7) ابن خلدون: غرة.
(8) كذا في دوزي؛ وفي ق: حبيب بن سعيدة؛ وفي ك: حبيب بن مندة؛ وفي ط: بن بندة؛ وفي ج: ميدة؛ وفي ابن خلدون: حسين بن أبي عبد الله المهدي الفهري.
(9) ج ودوزي: والموالي.
(10) ابن خلدون: إن لم يرجع هو.
(11) ابن خلدون: لغزوها وجهاد أعدائها.
(12) ك: وأوى؛ وأرز بمعنى لجأ وأوى.
(13) اللخمي في جميع النسخ.
(14) كذا في الأصول وابن خلدون، ويبدو أن صوابه: " منوسة " كما دوزي.
(15) في الأصول (حيثما وقع) وابن خلدون: ردونة، والتصويب عن دوزي.
(16) ك: بقرمونة وفي ق: بقرشونة.
(17) يريد انتصار البربر على العرب عند بليدة بقدورة (أو نقدورة) على مقربة من تاهرت، وكان العرب بقيادة كلثوم بن عياض القشيري.
(18) دوزي: وهي مالقة.
(19) انظر ابن خلكان: 4: 402.
(20) ابن خلكان: تسع وثمانين.
(21) تقل ابن خلكان هذا النص، وفي الجذوة: 317 أنه وليها سنة تسع وسبعين.
(22) ابن خلكان: على حرس.
(23) عود إلى النقل عن ابن خلكان بشيء من التصرف، وانظر الإمامة والسياسة (ملحق ابن القوطية: 137).
(24) زيادة من ابن خلكان.
(25) ابن خلكان: يبيحك.
(26) انظر هذا النص في الجذوة - ترجمة طارق بن زياد: 230 وقد نقله ابن خلكان أيضا.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|