أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-7-2019
2483
التاريخ: 26-06-2015
2481
التاريخ: 26-12-2015
11352
التاريخ: 21-06-2015
2055
|
أبو علي القاضي، وقد مر ذكر أبيه علي بن محمد وابنه علي بن المحسن في مواضعهما. مات لخمس بقين من محرم سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ومولده سنة تسع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة وكانت وفاته ببغداد وله من التصانيف كتاب الفرج بعد الشدة ثلاث مجلدات كتاب نشوار المحاضرة اشترط فيه أنه لا يضمنه شيئا نقله من كتاب أحد عشر مجلدا كل مجلد له فاتحة بخطبة.
قال غرس النعمة: صنف أبو علي المحسن كتاب نشوار
المحاضرة في عشرين سنة أولها سنة ستين وثلاثمائة وذيله غرس النعمة بكتاب سماه كتاب
الربيع قال ابتدأته في سنة ثمان وستين وأربعمائة ولي القضاء بعدة نواح حكى عن نفسه
أنه في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة كان متولي القضاء بواسط وقال في موضع آخر من
كتابه حضرت أنا مجلس أبي العباس بن ابي الشوارب قاضي القضاة إذ ذاك وكنت حينئذ
أكتب له على الحكم والوقوف بمدينة السلام مضافا إلى ما كنت أخلفه عليه بتكريت
ودقوقاء وخانيجار وقصر ابن هبيرة والجامعين وسوراء وبابل والإيغارين وخطرنية وذكر
قصة وذكر في موضع آخر
أنه كان يتقلد القضاء بعسكر مكرم في أيام المطيع لله وعز الدولة ابن بويه وقد ذكر
أبو الفرج الشلجي أنه تقلد القضاء بالأهواز نيابة عن القاضي أبي بكر بن قريعة وقد
ذكرت ذلك في خبر الشلجي.
قال أبو الفرج: وحدثني أبو علي التنوخي القاضي
قال لما قلدني القاضي أبو بكر بن قريعة قضاء الأهواز خلافة له كتب إلى المعروف
بابن سركر الشاهد وكان خليفته على القضاء قبلي كتابا على يدي وعنونه إلى المخالف
الشاق السيئ الأخلاق الظاهر النفاق محمد بن إسحاق.
وذكره الثعالبي فقال: هلال ذلك القمر وغصن ذلك
الشجر الشاهد العدل لمجد أبيه وفضله والفرع المشيد لأصله والنائب عنه في حياته
والقائم مقامه بعد وفاته وفيه يقول أبو عبد الله الحسين بن الحجاج: [الوافر]
(إذا ذكر القضاة وهم شهود ... تخيرت الشباب على الشيوخ)
(ومن لم يرض لم أصفعه إلا ... بحضرة سيدي القاضي
التنوخي)
قال وأخبرني أبو نصر سهل بن المرزبان أنه رأى
ديوان شعره ببغداد أكبر حجما من ديوان شعر أبيه ومما علق بحفظ أبي نصر من شعره
قوله في معنى طريف لم يسبق إليه:
(خرجنا لنستسقي بيمن دعائه ... وقد كاد هدب
الغيم أن يبلغ الأرضا)
(فلما ابتدا يدعو تقشعت السما ... فما تم إلا
والغمام قد انفضا)
قال وأنشدني غيره له وأنا مرتاب به لفرط جودته
وارتفاعه عن طبقته: [الطويل]
(أقول لها والحي قد فطنوا بنا ... ومالي عن أيدي
المنون براح)
(لما
ساءني أن وشحتني سيوفهم ... وأنك لي دون الوشاح وشاح)
وأنشد لنفسه في كتاب الفرج بعد الشدة: [الطويل]
(لئن أشمت الحساد صرفي ورحلتي ... فما صرفوا
فضلي ولا ارتحل المجد)
(مقام وترحال وقبض وبسطة ... كذا عاد الدنيا
وأخلاقها النكد)
قرأت في كتاب الوزراء لهلال بن المحسن: حدث
القاضي أبو علي قال نزل الوزير أبو محمد المهلبي السوس فقصدته للسلام عليه وتجديد
العهد بخدمته فقال لي بلغني أنك شهدت عند ابن سيار قاضي الأهواز قلت نعم قال ومن
ابن سيار حتى تشهد عنده وأنت ولدي وابن أبي القاسم التنوخي أستاذ ابن سيار قلت ألا
إن في الشهادة عنده مع الحداثة جمالا وكانت سني يومئذ عشرين سنة قال وجب أن تجيء
إلى الحضرة لأتقدم إلى أبي السائب قاضي القضاة بتقليدك عملا تقبل أنت فيه شهودا
قلت ما فات ذاك إذا أنعم سيدنا الوزير به وسبيلي إليه الآن مع قبول الشهادة اقرب
فضحك وقال لمن كان بين يديه انظروا إلى ذكائه كيف اغتنمها ثم قال لي اخرج معي إلى
بغداد فقبلت يده ودعوت له وسار من السوس إلى بغداد ووردت إلى بغداد في سنة تسع
وأربعين وثلاثمائة فتقدم إلى أبي السائب في أمري بما دعاه إلى أن قلدني عملا بسقي
الفرات وكنت ألازم الوزير أبا محمد وأحضر طعامه ومجالس أنسه واتفق أن جلس يوما
مجلسا عاما وأنا بحضرته وقيل له أبو السائب في الدار قال يدخل ثم أومأ إلي بأن
أتقدم إليه فتقدمت ومد يده ليسارني فقبلتها فمد يدي وقال ليس بيننا سر وإنما أردت أن يدخل أبو السائب
فيراك تسارني في مثل هذا المجلس الحافل فلا يشك أنك معي في أمر من أمور الدولة
فيرهبك ويحشمك ويتوفر عليك ويكرمك فإنه لا يجيء إلا بالرهبة وهو يبغضك بزيادة
عداوة كانت لأبيك ولا يشتهي أن يكون له خلف مثلك. وأخذ يوصل معي في مثل هذا الفن
من الحديث إلى أن دخل أبو السائب فلما رآه في سرار وقف ولم يحب أن يجلس إلا بعد
مشاهدة الوزير له تقربا إليه وتلطفا في استمالة قلبه فإنه كان إذ ذاك فاسد الرأي
فيه فقال الحاجب لأبي السائب يجلس قاضي القضاة وسمعه الوزير فرفع رأسه وقال له
اجلس يا سيدي وعاد إلى سراري وقال لي هذه أشد من تلك فامض إليه في غد فسترى ما
يعاملك به وقطع السرار وقال لي ظاهرا قم فامض فيما أنفذتك فيه وعد إلي الساعة بما
تعمله فوهم أبا السائب بذاك أننا في مهم فقمت ومضيت إلى بعض الحجر وجلست إلى أن
عرفت انصراف أبي السائب ثم عدت إليه وقد قام عن ذلك المجلس وجئت من غد إلى أبي
السائب فكاد يحملني على رأسه وأخذ يجاذبني بضروب من المحادثة والمباسطة وكان ذلك
دهرا طويلا.
قال القاضي أبو علي في نشوار المحاضرة حضر بين
يدي رجلان بالأهواز فادعى أحدهما على الآخر حقا فأنكره فسأل غريمه إحلافه فقال له
أتحلف؟ فقال ليس عليّ شيء فكيف أحلف لو كان له علي شيء حلفت له وأكرمته.
حدث أبو علي قال كنت جالسا بحضرة عضد الدولة في
مجلس أنسه بنهاوند فغناه محمد بن كالة الطنبوري ((شيخ كان يخدمه في جملة المغنين
باق إلى الآن)): [المديد]
(ذد بماء المزن والعنب ... طارقات الهم والكرب)
(قهوة لو أنها نطقت ... ذكرت قحطان في العرب)
(وهي
تكسو كف شاربها ... دستبانات من الذهب)
فاستحسن الشعر والصنعة وسأل عنها فقال له ابن
كالة هذا شعر غنت به مولانا سلمة بنت حسينة فاستعاده منها استحسانا له فسرقته منها
قال التنوخي فقلت له أما الشعر فللخباز البلدي
وأظن أبا الحسن بن طرحان قال لي إن الصنعة فيه لأبيه والمعنى حسن ولكنه مسروق فقال
من أين فقلت أما البيت الثاني فمن قول أبي نواس: [المديد]
(عتقت حتى لو اتصلت ... بلسان صادق وفم)
(لاحتبت في القوم ماثلة ... ثم قصت قصة الأمم)
ووصفها بالعتق والقدم كثير في القوم في أبلغ من
هذا البيت ولكن التشبيه في البيت الثالث هو الحسن وقد سرقه مما أنشدناه أبو سهل بن
زياد القطان قال أنشدنا يعقوب بن السكيت ولم يسم قائلا: [البسيط]
(أقري الهموم إذا ضافت معتقة ... حمراء يحدث
فيها الماء تفويفا)
(تكسو أصابع ساقيها إذا مزجت ... من الشعاع الذي
فيها تطاريفا)
وقد كشف -أطال الله بقاء مولاي -هذا المعنى من
قال: [المتقارب]
(كأن المدير لها باليمين ... إذا قام للسقي أو باليسار)
(تدرع ثوبا من الياسمين ... له فرد كم من الجلنار)
وكان أبو علي أحمد بن علي المدائني المعروف
بالهائم الراوية قائما في المجلس فقال قد كشف معنى
الأبيات الفائية سرى الرفاء حيث يقول في صفة الدنان: [المتقارب]
(ومستسلمات هززن لها ... مداري القيان لسفك الدماء)
(وقد نظم الصلح أجسامها ... مع الخدر نظم صفوف اللقاء)
(تمد إليها أكف الرجال ... فترجع مثل أكف النساء)
وكشف المعنى الثاني في الأبيات بقوله: [مجزوء
الرجز]
(إزدد من الراح وزد ... فالغي في الراح رشد)
(يديرها ذو عنة ... وغد يثنيه الغيد)
(مد إليها يده ... فالتهبت إلى العضد)
قال القاضي التنوخي فقلت له فأين أنت عما هو خير
من هذا وهو قول أبن المعتز: [الرمل]
(تحسب الظبي إذا طاف بها ... قبل أن يسقيكها مختضبا)
قال الهائم فقد قال بكارة الرسعني: [الطويل]
(وبكر شربناها على الورد بكرة ... فكانت لنا
وردا إلى ضحوة الغد)
(إذا قام مبيض اللباس يديرها ... توهمته يسعى
بكم مورد)
وقول أبي النصر النحوي: [المنسرح]
(فلو رآني إذا اتكأت وقد ... مددت كفي للهو والطرب)
(يخالني لابسا مشهرة ... من لازورد يشف عن ذهب)
فبدأت
أذكر شيئا فقال الهائم: اصبر اصبر فهاهنا ما لا يلحقه شعر أحد كان في الدنيا قط
حسنا وجودة وهو قول مولانا الملك من أبيات: [الوافر]
(وشرب الكأس من صهباء صرف ... يفيض على الشروب
يد النضار)
فقطعت المذاكرة وأقبلت أعظم البيت وأفخم أمره
وأفرط في استحسانه والاعتراف بأنني لا أحفظ ما يقاربه في الحسن والجودة فأذاكر به
قال التنوخي وكنت بحضرته في عشية من العشايا في مجلس الأنس وكان هذا بعد خدمتي له
في المؤانسة بشهور يسيرة فغني له من وراء ستارته الخاصة صوت وهو: [مجزوء الرمل]
(نحن قوم من قريش ... ما هممنا بالفرار)
وبعده أبيات بعضها ملحون وبعضها جيد فاستملح
اللحن وقال هو شعر ركيك جدا فتعلمون لمن هو ولمن اللحن فقال له أبو عبد الله بن
المنجم بلغني أن الشعر للمطيع لله وأن اللحن له أيضا فقال لي اعمل أبياتا تنقل هذا
اللحن إليها في وزنها وقافيتها فجلست ناحية وعملت: [مجزوء الرمل]
(أيهذا القمر الطالع ... من دار القمار)
(رائحا من خيلاء الحسن ... في أبهى إزار)
(والذي يجني ولا يتبع ... ذنبا باعتذار)
(أنا من هجرك في بعد ... على قرب المزار)
(أوضح العذر عذارك ... على خلع العذار)
وعدت وأنشدته إياها في الحال فارتضاها وقال لولا
أنه قد هجس في نفسي أن أعمل في معناها لأمرت بنقل اللحن إليها ثم أنشدنا بعد أيام
لنفسه:
(نحن
قوم نحفظ العهد ... على بعد المزار)
(ونمر السحب سحبا ... من أكف كالبحار)
(أبدا ننجز للضيف ... قدورا من نضار)
وأمر جواريه بالغناء فيه. وأما أبياتي فإني
تممتها قصيدة ومدحته بها وهي مثبتة في ديوان شعري قال وجلس عضد الدولة وقد تحولت
له سنة شمسية من يوم مولده على عادة له في ذلك وكان عادته أنه إذا علم أنه قد بقي
بينه وبين دخول السنة الجديدة ساعة أو أقل أو أكثر أن يأكل ويتبخر ويخرج في حال
التحويل إلى مجلس عظيم قد عبي فيه آلات الذهب والفضة ليس فيه غيرهما وفيها أنواع
الفاكهة والرياحين ويجلس في دست عظيم القيمة ويجيء المنجم فيقبل الأرض بين يديه
ويهنئه بتحويل السنة وقد حضر المغنون وأخذوا مواضعهم وجلسوا وحضر الندماء وأخذوا مواقفهم
قياما ولم يكن أحد منهم يجلس بحضرته غيري وغير أبي علي الفسوي وأبي الحسن الصوفي
المنجم وأما أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف صاحب ديوان الرسائل فإنه كان يجلس
ليوقع بين يديه ويستدعي له إذا نشط فيجعل بين يديه أقداحا ويشرب معه ومن قبل أن
يشرب يوقع بمال الصدقات فيخرج والغناء يمضي ثم يجيء المهنون من أهل المجلس مثل
رؤساء دولته ووجوه الكتاب والعمال وكبار أهل البلد من الأشراف وغيرهم فيدخلون إليه
فيهنونه والشعراء فيمدحونه. فلما جلس ذلك اليوم على هذه الصفة قيل له إن الناس قد
اجتمعوا للخدمة وفيهم أبو الحسن ابن أم شيبان وقد حضر فعجب من هذا ثم قال أبو
الحسن رجل فاضل وليس هذا من أيامه وما حضر إلا لفرط موالاته وأنه ظن أنه يوم لا
شرب فيه لنا وإن حجبناه غضضنا منه وإن أوصلناه فلعله لا يحب ذلك لأجل الغناء
والنبيذ ولكن اخرج إليه يا فلان لبعض من كان قائما من الندماء واشرح له صفة المجلس
وما قلته من أمره وأد الرسالة ظاهرا ليسمعها الناس فإن أحب الدخول فأدخله قبلهم
وإن أراد الانصراف فلينصرف والناس يسمعون وقد علموا منزلته منا فخرج الحاجب وأبلغ
ذلك فدعا وشكر وآثر الانصراف فانصرف وهم جلوس يسمعون ثم قال لحاجب النوبة اخرج
وأدخل الناس وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس وأخوه أبو محمد علي بن العباس
يتقدمون الناس جميعهم لرياستهم القديمة حتى دخلوا وقبلوا الأرض على الرسم في ذلك
وأعطوه الدينار والدرهم ووقفوا وابتدأ الشعراء فكان أول من ينشده من الشعراء
السلامي أبو الحسن محمد بن عبد الله إلا أنه يريد مني أن أنشده في الملأ شيئا فإنه
كان يأمرني بذلك من الليل فأحضر وأبتدئ فأنشده ويحضر رجل علوي ينشد شعرا لنفسه
فيجعل عقيبي ثم السلامي أبو الحسن ثم أبو القاسم علي بن الحسن التنوخي الشامي من
أهل معرة النعمان يعرف بابن جلباب ثم يتتابع الشعراء.
فلما انصرف الناس وتوسط الشرب جاءه الحاجب فقال:
قد حضر أبو بكر بن عبد الرحيم الفسوي وكان هذا شيخا قد أقام بالبصرة وشهد عند
القاضي بها وقد وفد إلى باب عضد الدولة قبل ذلك وأقام وكان خادما له فيما يخدم فيه
التجار يختصه بعض الاختصاص فأقبل وكان بين يدي الدست التمري الذي يوضع بين يدي في
كل يوم وفيه من الأشربة المحللة ما جرت عادتي بشرب اليسير منه بين يدي عضد الدولة
على سبيل المنادمة والمؤانسة والمباسطة وكان قد وسمني وألزمني ذلك بعد امتناعي منه
شهورا حتى قد ردني وأخافني فقال لي يا قاضي إن هذا الرجل الذي استؤذن له عامي جاهل
بالعلم وإنما استخدمته رعاية لحرمات له
علي ولأنه كان يخدم أمي في البز ويدخل إليها بإذن ركن الدولة لتقاه وأمانته فلا
تستتر عنه وهذا قبل أن أولد فلما ولدت كان يحملني على كتفه إلى أن ترجلت ثم صار
يشتري البز ويبيعه علي واستمرت خدمته لحرمته وهو قاطن بالبصرة ولعله يدخل فيرى ما
بين يديك فيظنه خمرا فيرجع إلى البصرة فيخبر قاضيها وشهودها بذلك فيقدح فيك ومحله
يوجب أن يكشف لك عذرك ولكن أزح الدست الذي بين يديك حتى يصير بين يدي أبي عبد الله
بن المنجم وكان أبو عبد الله بن إسحاق بن المنجم يجلس دوني بفسحة في المجلس فإذا
دخل رأى الدست بين يديه دونك فلم يقدر على حكاية يطعن بها عليك فقبلت الأرض شكرا
لهذا التطول في الإنعام وباعدت الدست إلى أبي عبد الله ثم قال أدخلوه وشاهد المجلس
وهنأ ودعا وأعطي دينارا ودرهما كبيرين فيهما عدة مثاقيل وانصرف.
قال أبو علي: ويقرب من هذا ما عاملني به الوزير
أبو محمد المهلبي وذكر الحكاية التي سبق ذكرها آنفا مع قاضي القضاة أبي السائب
وحديث تقريبه منه ومسارته إياه في المحفل ليعظم بذلك قدره وتكبر منزلته في عين
قاضي القضاة أبي السائب ولله در القائل: [الكامل]
(لولا ملاحظة الكبير صغيره ... ما كان يعرف في
الأنام كبير)
قال الرئيس أبو الحسن هلال: وفي شهر ربيع الأول
سخط عضد الدولة على القاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي وألزم منزله وصرف عما
كان يتقلده وقسم ذلك على أبي بكر بن أبي موسى وأبي بكر بن المحاملي وأبي محمد بن
عقبة وأبي تمام بن أبي حصين وأبي بكر بن الأزرق وأبي محمد بن الجهرمي وكان السبب في ذلك ما حدثني به أبو
القاسم علي بن المحسن التنوخي قال حدثني القاضي أبو علي والدي قال كنت بهمذان مع
الملك عضد الدولة فاتفق أن مضيت يوما إلى أبي بكر بن شاهويه رسول القرامطة
والمتوسط بين عضد الدولة وبينهم وكان له صديقا ومعي أبو علي الهائم وجلسنا نتحدث
وقعد أبو علي على باب خركاه كنا فيه وقدم إليه ما يأكله فقال لي اجعل أيها القاضي
في نفسك المقام في هذه الشتوة في هذا البلد فقلت لم فقال إن الملك مدبر في القبض
على الصاحب أبي القاسم بن عباد وكان قد ورد إلى حضرته بهمذان وإذا كان كذلك فتشاغل
بما يتطاول معه الأيام. وانصرفت من عنده فقال أبو علي الهائم قد سمعت ما كنتما فيه
وهذا أمر ينبغي أن تطويه ولا تخرج به إلى أحد ولا سيما إلى أبي الفضل بن أحمد
الشيرازي فقلت أفعل ونزلت إلى خيمتي وجاءني من كانت له عادة جارية بملازمتي
ومواصلتي ومواكلتي ومشاربتي وفيهم أبو الفضل بن أحمد الشيرازي فقال لي أيها القاضي
أنت مشغول القلب فما الذي حدث فاسترسلت على أنس كان بيننا وقلت أما علمت أن الملك
مقدم على عمل كذا في أمر الصاحب وهذا دليل على تطاول السنة فلم يتمالك أن انصرف
واستدعى ركابيا من ركابيتي وقال له أين كنتم اليوم فقال عند أبي بكر بن شاهويه قال
وما صنعتم قال لا أدري إلا أن القاضي أطال عنده الجلوس وانصرف إلى خيمته عنه ولم
يمض إلى غيره فكتب إلى عضد الدولة رقعة يقول فيها كنت عند القاضي أبي علي التنوخي
فقال كذا وكذا وذكر أنه قد عرفه من حيث لا يشك فيه وعرفت أنه كان عند أبي بكر بن
شاهويه وربما كان لهذا الحديث أصل وإذا شاع الخبر به وأظهر السر فيه فسد ما دبر في
معناه.
فلما
وقف عضد الدولة على الرقعة وجم وجوما شديدا وقام من سماط كان قد عمله في ذلك اليوم
على منابت الزعفران للديلم مغيظا واستدعاني وقال لي بلغني أنك قلت كذا وكذا حاكيا
عن أبي بكر بن شاهويه فما الذي جرى بينكما في ذلك قلت لم أقل من ذلك شيئا فجمع
بيني وبين أبي الفضل بن أبي أحمد وواقفني وأنكرته وراجعني وكذبته وأحضر أبو بكر بن
شاهويه وسئل عن الحكاية فقال ما أعرفها ولا جرى بيني وبين القاضي قول في معناها
وثقل على أبي بكر هذه المواقفة وقال: ما نعامل الأضياف بهذه المعاملة.
وسئل أبو علي الهائم عما سمعه فقال كنت خارج
الخركاه وكنت مشغولا بالأكل وما وقفت على ما كانا فيه فمد وضرب مائتي مقرعة وأقيم
فنفض ثيابه وخرج أبو عبد الله سعدان وكان لي محبا فقال لي الملك يقول لك ألم تكن
صغيرا فكبرناك ومتأخرا فقدمناك وخاملا فنبهنا عليك ومقترا فأحسنا إليك فما بالك
جحدت نعمتنا وسعيت في الفساد على دولتنا قلت أما اصطناع الملك لي فأنا معترف به
وأما الفساد على دولته فما علمت أنني فعلته ومع ذلك فقد كنت مستورا فهتكني ومتصونا
ففضحني وأدخلني من الشرب والمنادمة بما قدح في فقال أبو عبد الله هذا قول لا أرى
الإجابة به لئلا يتضاعف ما نحن محتاجون إلى الاعتذار والتخلص منه ولكنني أقول عنك
كذا وكذا بجواب لطيف فاعرفه حتى إن سئلت عنه وافقتني فيه وتركني وانصرف وجلست
مكاني طويلا وعندي أنني مقبوض علي ثم حملت نفسي على أن أقوم وأسبر الأمر وقمت
وخرجت من الخيمة فدعا البوابون دابتي على العادة ورجعت إلى خيمتي منكسر النفس
منكسف البال فصار الوقت الذي أدعى فيه للخدمة فجاءني رسول ابن الحلاج على الرسم
وحضرت المجلس فلم يرفع الملك إلي طرفا ولا لوى إلي وجها ولم يزل الحال على ذلك
خمسة وأربعين يوما ثم استدعاني وهو في خركاه وبين يديه أبو القاسم عبد
العزيز بن يوسف وعلى رأسه أبو الثناء شكر الخادم فقال ويلك اصدقني عما حكاه أبو
الفضل بن أحمد فقلت كذب منه ولو ذكرت لمولانا ما يقوله لما أقاله العثرة فقال أو
من حقوقي عليكم أن تسيئوا غيبتي وتتشاغلوا بذكري فقلت أما حقوق النعمة فظاهرة وأما
حديثك فنحن نتفاوضه دائما فالتفت إلى أبي القاسم وقال اسمع ما يقول فقال له
بالفارسية وعنده أنني لا أعرفها هؤلاء البغداديون مفتونون ومفسدون ومتسوقون وقال
شكر الأمر كذلك إلا أن التسوق على القاضي لا منه.
ثم قال لي عضد الدولة: عرفنا ما قاله أبو الفضل
قلت هو ما لا ينطق لساني به فقال هاته وكان يحب أن تعاد الأحاديث والأقاويل على
وجهها من غير كناية عنها ولا احتشام فيها فقلت نعم قال إنك عند وفاة والدك بشيراز
أنفذت من كرمان وأخذت جاريته زرياب وأن الخادم المخرج في ذاك وافى ليلة الشهر
فاجتهدت به أن يتركها تلك الليلة لتوفي أيام الحق فلم يفعل ولا رعى للماضي حقا ولا
حرمة فقال والله لقد أنكرنا على الخادم إخراجه إياها على هذا الإعجال ولو تركها
يوما وأياما لجاز وبعد فهذا ذنب الخادم ولا عمل لنا فيه ولا عيب علينا به ثم ماذا
قلت وقال إن مولانا يعشق كنجك المغنية ويتهالك في أمرها وربما نهض إلى الخلاء
فاستدعاها إلى هناك وواقعها فقال إنا لله لعنكما الله ولا بارك فيكما ثم ماذا
فأوردت عليه أحاديث سمعتها من غير أبي الفضل ونسبتها إليه وقلت لم أعلم أنني أقوم
هذا المقام فأحفظ أقواله وقد ذكر أيضا هذا الأستاذ وأومأت إلى أبي القاسم وأبي
الريان وجماعة الحواشي فقال ما قال في أبي القاسم قلت قال إنه ابتاع من ورثة ابن
بقية ناجية الزاوية من راذان بأربعة آلاف
درهم بعد أن استأذنك استئذانا سلك فيه سبيل السخرية والمغالطة واستغلها في سنة
واحدة نيفا على ثلاثين ألف درهم وإنه أعطى فلانا وفلانا ثمانية آلاف درهم على ظاهر
البضاعة والتجارة فأعطاه نيفا وستين ألف درهم فمات أبو القاسم عند سماعه ذلك
وأوردت ما أوردته عنه مقابلة على ما ذكرني به قلت وقال في أبي الريان كذا وكذا لأمور
ذكرتها.
وحضرت آخر النهار المجلس في ذلك اليوم على رسمي
فعاود التقريب لي والإقبال علي واتفق أنه سكر في بعض الأيام وولع بكنجك ولعا قال
لي فيه وهذا من حديث أبي الفضل وأشار إليه فقلق أبو الفضل وقرب مني وكنت أقعد
ويقوم وقال لي ما الذي أومأ إلي الملك فيه قلت لا أدري فسله أنت عنه ثم رحلنا
عائدين إلى بغداد فرآني الملك في الطريق وعلي ثياب حسنة وتحتي بغلة بمركب وجناغ
جواد فقال لي من أين لك هذه البغلة قلت حملني عليها الصاحب أبو القاسم بمركبها
وجناغها وأعطاني عشرين قطعة ثيابا وسبعة آلاف درهم فقال هذا قليل لك منه مع ما
تستحقه عليه فعلمت أنه اتهمني به وبأني خرجت بذلك الحديث إليه وما كنت حدثته به.
ووردنا إلى بغداد فحكى لي أن الطائع لله متجاف عن ابنته المنقولة إليه وأنه لم
يقربها إلى تلك الغاية فثقل ذلك عليه وقال لي تمضي إلى الخليفة وتقول له عن والدة
الصبية إنها مستزيدة لإقبال مولانا عليها وإدنائه إياها ويعود الأمر إلى ما يستقيم
به الحال ويزول معه الانقباض فقد كنت وسيط هذه المصاهرة فقلت السمع والطاعة وعدت
إلى داري لألبس ثياب دار الخلافة فاتفق أن زلقت ووثئت رجلي فأنفذت إلى الملك أعرفه
عذري في تأخري عن أمره فلم يقبله وأنفذ إلي من يستعلم خبري فرأى الرسول لي غلمانا روقة وفرشا جميلا فعاد إليه وقال له
هو متعالل وليس بعليل وشاهدته على صورة كذا وكذا والناس يغشونه ويعودونه فاغتاظ
غيظا مجددا حرك ما في نفسه مني أولا فراسلني بأن ألزم بيتك ولا تخرج عنه ولا تأذن
لأحد في الدخول عليك فيه إلا نفر من أصدقائي استأذنت فيهم فاستثنى بهم. ومضت
الأيام وأنفذ لي أبو الريان فطالبني بعشرة آلاف درهم وكنت استسلفتها من إقطاعي
فأديتها إليه واستمر عليّ السخط والصرف عن الأعمال إلى حين وفاة عضد الدولة.
وذكر غرس النعمة بن هلال: حدثني بعض السادة
الأصدقاء وأنسيته وأظنه أبا طاهر محمد بن محمد الكرخي قال كانت بنت عضد الدولة لما
زفت إلى الطائع بقيت بحالها لا يقربها خوفا أن تحمل منه فتستولي الديلم على
الخلافة وكان الطائع يحبها حبا شديدا زائدا موفيا ويقفل عليها باب حجرتها إذا شرب
ويقول للخدم خذوا المفتاح ولا تعطونيه إذا سكرت ورمت الدخول إليها ولو فعلت مهما
فعلت فأقسم بالله لئن مكنت من ذاك لأقتلن الذي يمكنني منه فإذا سكر منعه السكر من
التماسك وحمله الحب والهوى على المضي إليها والدخول عليها فيجيء إلى بابها ويأمر
بفتحه ويتهدد ويتوعد ولا يقبل منه ولا يقر له أحد بمعرفة المفتاح أين هو ولا من هو
معه إلى أن ينصرف أو ينام فذاك كان دأبه ودأبها. وتقدم عضد الدولة إلى أبي علي
التنوخي في أواخر أيامه بأن يمضي إلى الطائع ويطارحه عن والدة الصبية في المعنى
بما يستزيده فيه لها ويبعثه به عليها بأسباب يتوصل إليها وأقوال يصفها ويومئ إلى
الغرض فيها رتبها عضد الدولة ولقنه إياها
وفهمه فقال السمع والطاعة ومضى إلى بيته ولم يقدم على الطائع وخاف عضد الدولة إن
خالف ما رسمه له فأظهر مرضا وعاده أصدقاؤه منه واعتذر به إلى عضد الدولة فوقع لعضد
الدولة باطن الأمر وأمر بعض الخدم الخواص بالمضي إلى التنوخي لعيادته وتعرف خبره
وأن يخرج من عنده ويركب إلى أن يخرج من الدرب ثم يعود فيدخل عليه هاجما فإن كان
على حاله في فراشه لم يتغير له أمر أعطاه مائتي دينار أصحبه إياها لنفسه وأظهر أنه
عاد لأجلها لأنه أنسيها معه وإن وجده قاعدا أو قائما عن الفراش قال له الملك يقول
لك لا تخرج عن دارك إلينا ولا إلى غيرنا وانصرف
قال الخادم فدخلت إليه وهو في فراشه وعليه دثاره
وخاطبته عن الملك فشكر وأعاد جوابا ضعيفا لم أكد أفهمه وخرجت ثم عدت على ما رسم
الملك فهجمت عليه فوجدته قائما يمشي حول البستان فلما رآني اضطرب وتحير فقلت له
الملك يقول لك لا تبرح دارك لا إلينا ولا إلى غيرنا وخرجت فبقي على ذلك إلى أن مات
عضد الدولة.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|